خطبة بعنوان: الدعوات الهدامة وأثرها على وحدة الأمة، للدكتور خالد بدير
خطبة بعنوان: الدعوات الهدامة وأثرها على وحدة الأمة، للدكتور خالد بدير
لتحميل الخطبة أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: دعوة الإسلام إلى الوحدة والاعتصام
العنصر الثاني: الدعوات الهدامة الداخلية وأثرها على وحدة الأمة
العنصر الثالث: الدعوات الهدامة الخارجية وأثرها على وحدة الأمة
المقدمة: أما بعد:
أحبتي في الله: إننا نواجه دعواتٍ هدامةً لمجتمعنا الحبيب ومصرنا الغالية؛ وفي الحقيقة يعجز القلم عن التعبير بجميع لغات العالم عن هذا الخطر الجسيم؛ لذلك جعلت هذه الكلمات عن المقارنة بين دعوة الإسلام إلى الوحدة والاعتصام؛ وبين الدعوات الهدامة الداخلية والخارجية وأثرها على وحدة الأمة؛ وفي البداية أعتذر لحضراتكم عن تكرار بعض العناصر أو المواقف والقصص ؛ فإن الحاجة ملحة؛ والعلة حاضرة ؛ والوقت غير مسعف؛ وهذا من باب التذكير وليس من باب التكرير؛ وأقول والله المستعان وعليه التكلان:
العنصر الأول: دعوة الإسلام إلى الوحدة والاعتصام
لقد دعا الإسلام الحنيف إلى التوحد والترابط، وعدم التنازع، وإلى جمع الكلمة، وتوحيد الصف، والاعتصام بحبل الله؛ لأن العمل بغير ذلك يؤدي إلى الهلاك، ولا شك أن المجتمعات العربية والإسلامية الآن في أمسِّ الحاجة إلى هذه القيم التي حثّ عليها القرآن الكريم في أكثر من موضع، حيث إن الخلافات والتنازع من أخطر الأمور التي يرتكبها الناس فيما بينهم.
لقد حذَّر الإسلام من خطورة الانقسام والفرقة، التي تعطل مسيرة الأمة الإسلامية عن ركب التنمية والحضارة، وتغلق أبواباً كثيرة في وجه الوحدة ولم الشمل، مشددا على أهمية الاعتصام بحبل الله تعالى والبعد عن التشرذم والتصارع؛ فالإسلام دين ترابط وتوحد، ويحث المسلم على الترابط والاعتصام، حتى يستطيع أن ينهض بمجتمعه ووطنه، فلا بناء ولا نهضة بلا ترابط وتوحد بين أفراد المجتمع.
عباد الله: يحزنني كثيرا ما نحن فيه من اختلاف وتفرق؛ وما يحدث في واقعنا من جرائم؛ وما يرتكب فيه من إراقة الدماء وقتل للأبرياء.
إنني أدعو جميع أطياف المجتمع إلى الاجتماع والاعتصام والوحدة، فالاجتماع والاتفاق سبيل إلى القوة والنصر، والتفرق والاختلاف طريق إلى الضعف والهزيمة ، وما ارتفعت أمة من الأمم وعلت رايتها إلا بالوحدة والتلاحم بين أفرادها، وتوحيد جهودها، والتاريخ أعظم شاهد على ذلك، ولذا جاءت النصوص الكثيرة في كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- تدعو إلى هذا المبدأ العظيم، وتحذر من الاختلاف والتنازع ومنها قوله تعالى: {وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} (الأنفال:46)، وفي حديث أبي مسعود: “كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يمسح مناكبنا في الصلاة ، ويقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم” (رواه مسلم)
إنني أدعو جميع أفراد المجتمع إلى الوحدة والترابط؛ وأن يحل الاتفاق مكان الاختلاف؛ والاجتماع والاعتصام بدلا من التفرق والتشرذم، والحب بدلا من الكره، والإيثار بدلا من الأثرة، والإخاء بدلا من العداوة؛ وبالجملة محاسن الأخلاق بدلا من مساوئها؛ ولنرجع إلى القيم الخلقية التي تحلى بها الرعيل الأول من صحابة النبي ومن أهم هذه القيم قيمة الإيثار التي كانت علامة بارزة في طريق الحب والإخاء – بين الشعب بعضه بعضا – الذي أصبح عملة نادرة في واقعنا المعاصر؛ فهناك فرق بين من يعرف هذه المعاني ويتفوه بها وبين من يطبقها عمليا؛ وهناك فرق بين ﻣﻦ ﻳﺘﻠﻔﻆ ﺑﺎﻟﺤﺐ ﻭﻣﻦ ﻳﻌﻴﺸﻪ؛ وقد ﺳﺌﻞ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﺤﻜﻤﺎﺀ ﻳﻮﻣﺎ : ﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﻣﻦ ﻳﺘﻠﻔﻆ ﺑﺎﻟﺤﺐ ﻭﻣﻦ ﻳﻌﻴﺸﻪ ؟ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ : ﺳﻮﻑ ﺗﺮﻭﻥ ﺍلآﻥ!! ﻭﺩﻋﺎﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﻭﻟﻴﻤﺔ، ﻭﺑﺪﺃ ﺑﺎﻟﺬﻳﻦ ﻟﻢ ﺗﺘﺠﺎﻭﺯ ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﻤﺤﺒﺔ ﺷﻔﺎﻫﻬﻢ ﻭﻟﻢ ﻳﻨﺰﻟﻮﻫﺎ ﺑﻌﺪ ﺇﻟﻰ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻭﺟﻠﺲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺎﺋﺪﺓ، ﻭﻫﻢ ﺟﻠﺴﻮﺍ ﺑﻌﺪﻩ …؛ﺛﻢ ﺃﺣﻀﺮ ﺍﻟﺤﺴﺎﺀ ﻭﺳﻜﺒﻪ ﻟﻬﻢ ، ﻭﺃﺣﻀﺮ ﻟﻜﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻠﻌﻘﺔ ﺑﻄﻮﻝ ﻣﺘﺮ ! ﻭﺍﺷﺘﺮﻁ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﺤﺘﺴﻮﻩ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﻠﻌﻘﺔ ﺍﻟﻌﺠﻴﺒﺔ ! ﺣﺎﻭﻟﻮﺍ ﺟﺎﻫﺪﻳﻦ ﻟﻜﻨﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻔﻠﺤﻮﺍ ، ﻓﻜﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﻘﺪﺭ ﺃﻥ ﻳﻮﺻﻞ ﺍﻟﺤﺴﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﻓﻤﻪ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺴﻜﺒﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ !! ﻭﻗﺎﻣﻮﺍ ﺟﺎﺋﻌﻴﻦ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻴﻮﻡ ..
ﺣﺴﻨﺎ ، ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻭﺍﻵﻥ ﺍﻧﻈﺮﻭﺍ ! ﻭﺩﻋﺎ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺤﻤﻠﻮﻥ ﺍﻟﺤﺐ ﺩﺍﺧﻞ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻤﺎﺋﺪﺓ ، ﻓﺄﻗﺒﻠﻮﺍ ﻭﺍﻟﻨﻮﺭ ﻳﺘﻸﻷ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﻫهﻢ ﺍﻟﻮﺿﻴﺌﺔ ، ﻭﻗﺪﻡ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻤﻼﻋﻖ ﺍﻟﻄﻮﻳﻠﺔ ! ﻓﺄﺧﺬ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻠﻌﻘﺘﻪ ﻭﻣﻸﻫﺎ ﺑﺎﻟﺤﺴﺎﺀ ﺛﻢ ﻣﺪﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﺭﻩ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﺠﺎﻧﺒﻪ ، ﻭﺑﺬﻟﻚ ﺷﺒﻌﻮﺍ ﺟﻤﻴﻌﻬﻢ ﺛﻢ ﺣﻤﺪﻭﺍ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻗﺎﻣﻮﺍ ﺷﺒﻌﺎﻧﻴﻦ ..ﻭﻗﻒ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻭﻗﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻤﻊ ﺣﻜﻤﺘﻪ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻋﺎﻳﺸﻮﻫﺎ ﻋﻦ ﻗﺮﺏ : فمن ﻳﻔﻜﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﺋﺪﺓ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺃﻥ يشبع ﻧﻔﺴﻪ ﻓﻘﻂ ﻓﺴﻴﺒﻘﻰ ﺟﺎﺋﻌﺎ، ﻭﻣﻦ ﻳﻔﻜﺮ ﺃﻥ ﻳﺸﺒﻊ ﺃﺧﺎﻩ ﺳﻴﺸﺒﻊ ﺍﻹﺛﻨﺎﻥ ﻣﻌﺎ !
ﻓﻤﻦ ﻳﻌﻄﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﺮﺍﺑﺢ ﺩﻭﻣﺎ ﻻﻣﻦ ﻳﺄﺧﺬ.
فهيا إلى تنقية قلوبنا من الشحناء والبغضاء والحقد والحسد، وليحل مكانها التراحم والتواصل والحب، فهذا رجل يَسُبُّ ويشتم ابن عباس رضي الله عنهما أمام الناس، فيكظم غيظه ولا يرد عليه، فما زال الرجل يسبه ويشتمه، فقال له ابن عباس: أتشتمني وتسبني وفيَّ ثلاث خصال. قال: وما هي؟ قال: ما نزلت الأمطار في أرض إلا سررت بذلك وليس لي في تلك الأرض شاة ولا جمل، وما سمعت بقاضٍ عادل إلا حمدت الله ودعوت له في ظهر الغيب وليس لي عنده قضية، وما تعلمت آية من كتاب الله أو حديثاً من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وددت أن كل مسلم علم منها ما علمت.
فانظر إلى ابن عباس يحب الثلاث ويسر بها مع أنه ليس له فيها جمل ولا ناقة، ومع ذلك يحب لأخيه ما يحبه لنسفه، ويسر لسرور الآخرين ويحزن لحزنهم، فأين نحن من هذه المعاني؟!!!
العنصر الثاني: الدعوات الهدامة الداخلية وأثرها على وحدة الأمة
هناك دعوات داخلية متنوعة ومتشعبة تعمل على تفكيك المجتمع وهدم بنيانه وتمزيق أوصاله وزلزلة أركانه، وهذه الدعوات تتمثل في حالة الفرقة والاختلاف التي نعيشها الآن.
إن الفرقة والاختلاف داءان وبيلان يُقعدان بالأفراد والأمم عن الإصلاح والبناء، ويمكنان للهدم والفساد، ويسببان ظلمة القلوب، وفساد الألسن، والطعن في الناس، وقد يؤديان إلى الاحتراب والتقاتل.
وما أُصيب بنو إسرائيل بالنقص والخذلان، وحاق بهم الذل والهوان، وحقت عليهم اللعنة – رغم أن النبوة كانت فيهم، وقد فضلوا على العالمين – إلا بسبب اختلافهم على أنبيائهم، واتباع أهوائهم، وأدى بهم ذلك إلى الفرقة والعداوة والبغضاء فيما بينهم، يقول الله تعالى في شأن اليهود: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ} [المائدة:64] وفي شأن النصارى قال سبحانه: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ} [المائدة:14].
لقد نهانا ربنا جل جلاله أن نكون كما كانت بنو إسرائيل فرقة واختلافا وتباغضا وتناحرا؛ لئلا نضل كما ضلوا، ونزيغ كما زاغوا {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران:105] وفي الآية الأخرى {وَلَا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الرُّوم:32].
إنه طريق واحد هو الصراط المستقيم الذي أمرنا الله تعالى بسلوكه، وهو طريق الأنبياء كلهم، من سلكه أنجى نفسه، وسعى بالصلاح في أمته، ومن حاد عنه فقد فرَّق دينه، وأوبق نفسه، وجنى على أمته. ولما أمر الله تعالى بسلوك هذا الطريق الأوحد نهى عن الطرق الأخرى التي ينتج عنها التفرق والاختلاف {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153] وفي الآية الأخرى {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشُّورى:13].
ومع هذا التحذير العظيم من التفرق والاختلاف الذي أبدى فيه القرآن وأعاد فإن أمة الإسلام وإن كانت معصومة من الإجماع على ضلالة، فإنها ليست معصومة من التفرق والاختلاف، الذي سببه البدع والضلالات، واتباع الهوى، وتعطيل السنن، والغرور بالدنيا وزخارفها؛ ولذلك أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهذه الواحدة هي من سلكت سبيل المرسلين، والفرق الباقية الهالكة هي التي ابتدعت في الدين.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: والبدعة مقرونة بالفرقة كما أن السنة مقرونة بالجماعة، فيقال: أهل السنة والجماعة كما يقال: أهل البدعة والفرقة. اهـ
وقد يبلغ التفرق بالأمة مبلغ الاحتراب والاقتتال، فيفني بعضهم بعضا، ويقتلون أنفسهم ويتركون أعداءهم؛ كما وقع ذلك في كثير من دول الإسلام وتاريخهم، ولا يزال يقع إلى يومنا هذا، فعن عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” أَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ الْعَالِيَةِ حَتَّى إِذَا مَرَّ بِمَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ دَخَلَ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَدَعَا رَبَّهُ طَوِيلًا ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْنَا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي ثِنْتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا” ( مسلم )
وإذا كان التفرق والاختلاف واقعا في الأمة لا محالة، وهو من قدر الله تعالى الذي قدره عليها، فليس معنى ذلك أن يستسلم أفراد الأمة لهذا القدر، ولا أن يحتجوا به على تفرقهم واختلافهم؛ لأن الله تعالى وإنْ قدر ذلك بحكمته فقد أمرنا سبحانه بالاجتماع، ونهانا عن الفرقة {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] وفي أخرى {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46].
إن العبادات الإسلامية توحد ولا تفرق؛ فإذا نظرنا إلي شعيرة الصلاة وجدنا أنها تشرع في وقت محدد وأن كل مسلم يتوحد مع إخوانه في هذه الأوقات؛ وكذلك شعيرة الصيام والحج وسائر العبادات في الدين تجمع ولا تفرق وتوحد صفوف المسلمين، وقد كان السلف الأول يختلفون ولكن بدون تعصب مذموم، وكان كل إمام من الأئمة يقول رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب، ولم نر إماما يحمل الناس علي رأي واحد ويتعصب، وإذا كان الواحد يري أنه علي الحق دائما فهذا هو الخطأ الصريح لأنه كما يقال إن من ظن أنه علم فقد جهل، ثم إن الله يبين أن الاختلاف العقدي سنة إلهية، وانه مادام سنة إلهية فلا يصح أن يحدث عداء من أصحاب الديانات السماوية، لأن الله لو أراد أن يجمع الناس علي دين واحد لفعل، ولكن أراد هذا الاختلاف لقوله تعالي: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ }( هود: 118؛ 119)، فالاختلاف سنة إلهية ولا حرج في أن يختلف الناس في العقيدة والرأي؛ ولكن الحرج في التعصب المذموم وهى محاولة إيجاد الفرقة بين الناس علي أساس الجنس أو اللون أو العرق أو الدم.
صور من أدب الصحابة والعلماء في الاختلاف:
————————
أسوق لكم صوراً من اختلاف الصحابة والعلماء والفقهاء وموقفهم من ذلك:
– اختلف الصحابة في توريث الإخوة مع وجود الجد، فكان زيد وعلي وابن مسعود لا يرونه، وأما ابن عباس فيخالفهم ويقول: (ألا يتقي الله زيد يجعل ابن الابن ابناً، ولا يجعل أب الأب أباً) وقال: (لوددت أني وهؤلاء الذين يخالفونني في الفريضة نجتمع فنضع أيدينا على الركن ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) [مصنف عبد الرزاق ح19024].
ورغم هذه الثقة العارمة برأيه فإنه ذات يوم رأى زيداً على دابته فأخذ بخطامها وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا، فقال زيد: أرني يدك، فأخرج ابن عباس يده فقبلها زيد وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم [تقبيل اليد، أبو بكر المقري ص 95].
– ولما دفن زيد قال ابن عباس: (هكذا ذهاب العلم، لقد دفن اليوم علم كثير) [البيهقي في السنن 6/211، الحاكم ح5810].
– يقول ابن الشافعي: ما رأيت أبي يناقش أحداً قط ويرفع صوته.
– ويقول الإمام الشافعي عن نفسه: ما ناقشت أحداً إلا ودعوت الله وأنا أناقشه أن يوفق ويسدد ويؤيد من الله. هذا هو الرجل الذي أسس علم أصول الفقه، وقواعد التفكير والاستنباط من القرآن.
– ويقول الشافعي: ما ناقشت أحداً وأحببت أن يخطئ، وما ناقشت أحداً إلا على نصيحة وما ناقشت أحداً بنية الغلبة، وما ناقشت أحداً وفرق معي أن يظهر الحق على لسانه أو لساني.
– وعندما جاءه الموت قال: وودت أن هذا العلم انتشر بين الناس ولا ينسب إليّ.
– ذات مرة اختلف الشافعي في مسألة مع رجل اسمه يونس، وكان خلافاً شديداً، وافترقا، ثم التقيا بعد سنة .. فأمسك الشافعي بيده، وقال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نختلف في مسألة ونظل متحابين؟ نظر إليه وقال أبو موسى: والله يا شافعي معك نصف عقل أهل الدنيا. فعادا متحابين.
– في مذهب الشافعي رفع اليدين أثناء الصلاة في التكبيرات، لكنه حين ذهب إلى العراق وصلى في مسجد أبي حنيفة لم يرفع يديه ..لماذا؟
أجاب الشافعي عن ذلك فقال: احتراماً لصاحب هذا القبر.
كذلك عند الإمام الشافعي القنوت في الفجر وهذه سنة غير موجودة عند الحنفية، أي الدعاء عند القيام من الركوع الثاني، والإمام الشافعي عندما صلى الفجر في مسجد أبي حنيفة لم يقنت، وحين سألوه قال: أيضاً ذلك من احترام صاحب هذا المقام، والشافعي عنده أولويات، فترك السنن ليس عليه إثم، وفعلها عليه أجر.
وهو قد سن السنن الصالحة في المجتمع كالاحترام والتوقير، وهي سنة أكبر من التعبد الشخصي، لأنها تعطى مثالاً للآخرين، وتعلم الناس على مدى واسع. وهو هنا يرى أنه يخسر أجره عن سنة أصغر ليكسب أجراً عن سنة أكبر، جمع فيها الناس، والتنازل هنا لا يضر بل ينفع.
-حينما اختلف الناس في الجامع الأزهر على عدد ركعات صلاة التراويح وكادوا يقتتلون، فاتصلوا بأحد علماء الأزهر يسألونه في ذلك؟ فقال: عليكم بغلق المسجد وعدم صلاة التراويح اليوم، لأن اجتماع المسلمين ووحدتهم وعدم اختلافهم وتفرقهم فرض وواجب، وصلاة التراويح سنة؛ والفرض مقدم على السنة.
قارن بين ذلك وبين ما يدور في هذه الأيام من خلاف وشقاق في بعض المسائل والأفكار، فكم من اختلاف وقع في الفجر الجمعة أذان واحد أم اثنان؟! وفي القنوت في الصبح!! وفي الوتر في رمضان الثلاث ركعات بتشهد واحد أم اثنين؟!! وكذلك الاختلاف في الفكر والعقيدة والانتماء الحزبي والسياسي وصدق الله حيث يقول: { مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} ( الروم: 32) وهكذا تصير الخلافات مدعاة للفرقة والتشاحن والتباغض!!!
عباد الله: إن السبيل الوحيد لعلاج الانقسام والخلاف والتناحر هو الالتزام بتعاليم الدين الحنيف التي أصَّلت لمبادئ توحيد المسلمين وتجنب آثار الفتن التي يحاول أعداء الإسلام النفخ فيها لضرب الأمة الإسلامية من الداخل وإحداث الانقسام والخلاف بين كل عناصرها بحجج وأسباب غير موضوعية·
إن تأليف القلوب كان ولا يزال باب الإسلام إلى تحقيق نعمة الوحدة والأخوَّة بين المؤمنين، ومن ثم إلى تحقيق التكامل، ولقد كان المسلمون الأوائل إخوة متحابين، وأولياء مجتمعين، لا ينزع أحدهم يده من يد أخيه، أو يعرض عنه، أو ينأى بجانبه ليعيش وحده دون إخوانه، وإن خالفه وعارضه في الرأي والقول، بل كانوا مثالاً للإخاء والمودة، ولو على حساب راحتهم مستجيبين لهدي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذ يقول: ” إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ” ( متفق عليه)
فعلى المؤمنين مهما اختلفتْ مذاهبهم، ومهما تعدَّدت مشاربهم، ومهما تنوَّعتْ آراؤهم وتباينتْ أفكارهم أن يتراحَموا فيما بينهم، وأن تغشاهم سحب المحبة، وأن يرتشفوا معًا فرات المودة والتعاطف، وأن يستظلوا جميعًا بظلال الإخاء والوداد، فهم – كما شبَّههم رسول الله، – صلى الله عليه وسلم – جسدٌ واحدٌ، وذلك عندما قال: “مَثَل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مَثَل الجسد، إذا اشتكى منه عضو: تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” (البخاري ومسلم)
العنصر الثالث: الدعوات الهدامة الخارجية وأثرها على وحدة الأمة
لا شك أن الغرب وأعداء الإسلام – وعلى رأسهم اليهود – يتألمون حينما يروا وحدة العرب والمسلمين، فهذه الوحدة وهذا الاجتماع والاعتصام يقلق مضجعهم ويجعلهم ينظرون إلى المسلمين نظرة حقد وحسد، وقد سجل ذلك القرآن والسنة، فقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم بذلك حيث قال: ” إِنَّهُمْ لَا يَحْسُدُونَا عَلَى شَيْءٍ كَمَا يَحْسُدُونَا عَلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ الَّتِي هَدَانَا اللَّهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا ، وَعَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي هَدَانَا اللَّهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا ، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الْإِمَامِ آمِينَ ” ( الصحيحة للألباني)، وتدبرت في هذه الثلاث فوجدت العلة واحدة وهي ( الوحدة والاجتماع في كل ) وهذا بلا شك يغضبهم ويحزنهم ويسوءهم.
وهذا الذي حمل اليهود على حقدهم وحسدهم للوحدة الإسلامية في بلادنا، وهذا ما سلكه اليهود مع الرسول في المدينة، حيث جمع الله به شتات المؤمنين، ووحدهم بعد تفرقهم امتثالا لقوله تعالى:{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} ( آل عمران : 103)
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره : “أن هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج، وذلك أن رجلا من اليهود مَرَّ بملأ من الأوس والخزرج، فساءه ما هُمْ عليه من الاتفاق والألْفَة، فبعث رجلا معه وأمره أن يجلس بينهم ويذكرهم ما كان من حروبهم يوم بُعَاث وتلك الحروب، ففعل، فلم يزل ذلك دأبُه حتى حميت نفوس القوم وغضب بعضهم على بعض، وتثاوروا، ونادوا بشعارهم وطلبوا أسلحتهم، وتواعدوا إلى الحرة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم فجعل يُسكِّنهم ويقول: “أبِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ وأَنَا بَيْنَ أظْهُرِكُمْ؟” وتلا عليهم هذه الآية، فندموا على ما كان منهم، واصطلحوا وتعانقوا، وألقوا السلاح، رضي الله عنهم.”أ.ه
وفي العصر الحديث صرحوا بهذا الحقد والحسد على وحدة المسلمين واجتماعهم في كتبهم واجتماعاتهم ومؤتمراتهم، ففي بروتوكولات (حكماء صهيون) قالوا: إننا لن نستطيع التغلب على المسلمين ماداموا متحدين دولاً وشعوباً تحت حكم خليفة واحد ، فلا بد من إسقاط الخلافة و تقسيم الدولة الإسلامية إلى دويلات ضعيفة لا تستطيع الوقوف في وجهنا فيسهل علينا استعمارها . ويقول لورانس براون : “إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطراً ، أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذٍ بلا وزن ولا تأثير”.
إن خصوم الإسلام يدركون جيداً أهمية شعائر الإسلام في توحيد الأمة، وإن مما يذكر في ذلك – أيضا – ما كتبه رئيس حملة التبشير التي اجتاحت مصر في أوائل هذا القرن حيث يقول: “سيظل الإسلام في مصر صخرة عاتية تتحطم عليها محاولات التبشير المسيحي؛ ما دام للإسلام هذه الدعائم الثلاث: القرآن، واجتماع الجمعة الأسبوعي، ومؤتمر الحج السنوي”!
إنه يؤسفني ويحزنني أن يتحد الغرب ويسمون أنفسهم الولايات المتحدة ، ونحن لا أقول دولاً بل جماعات وأحزاب وفرق شتى، ولقد زار أحد المسلمين معظم دول العالم فتعجب من وحدة الغرب واجتماعه وتفرق المسلمين واختلافهم فأنشد قائلاً :
تجولت في طول البلاد وعرضها ……. وطفت بلاد الله غربا ومشرقا
فلم أر كالإسلام أدعى لوحدة………ولا مثل أهليه أشد تفرقا
لا شك أن التفرق ضعف والتنازع شر، والأعداء يعتمدون على قاعدة ” فرق تسد ” وقد نجحوا إلى حد ما في زرع الشحناء والبغضاء وإثارة الفتن، وربنا عز وجل حذرنا من ذلك فقال سبحانه { وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } ( الأنفال: 46)
عباد الله: هناك مثل مشهور يقول : ” لقد أُكِلتُ يومَ أُكِل الثورُ الأبيض.” وله قصة فيها عبر تنزل على واقعنا المعاصر، هي أنه في أحد الأزمنة عاشَ ثلاثة من الثيران في مرجٍ واسع، يرعون ويأكلون ويرتعون بأمانٍ، كان لأحدها لونٌ أبيض والآخر أحمر والأخير أسود, وكان يجاورهم في المرْعى أسدٌ يَطمع في الاعتداء عليها، ولكنَّه لَم يكنْ قادرًا على ذلك؛ خشية أن تجتمعَ عليه؛ فتَفتِكَ به نَطْحًا. ولأن الأسدَ لا يُمكنه النَّيْل منها إلا مُنفردة، قرَّر أن يُعْمِل الْحِيلةَ؛ ليَنال مُبْتغاه, وفعْلاً هذا ما لَجَأ إليه، ففي أحد الأيام وجَد الثورين الأسود والأبيض مُنفردين في المرْعى، فاقتربَ من الأسوَد، وهَمَس له ناصحًا بأنَّ رفِيقك الأبيض لافتٌ للنظر، وأنَّه متى جاء صيَّاد للمكان فلن يلبثَ أنْ يهتديَ إليكم بسبب لونه الفاضح, كما أنَّ خيرات المرْعى تناقصتْ مؤخَّرًا، فلو تخلَّصْتُم منه لكفتْكم خيراتُه أنت وأخوك الأحمر، كما أنَّ القِسمة على اثنين خيرٌ منها على ثلاثة. وهكذا لَم يزلْ به حتى أثَّرَتْ كلماتُه عليه، وأخذتْ في فِكْره القَبول, ولكنَّه لا يعرف كيف يُبِعد الأبيض عن المكان، فقال له الأسد: لا تحمل هَمًّا، أنا أكفيك أمرَه، وما عليك إلا الابتعادُ من هنا، ودَعْ أمرَه لي. تركَ الأَسْود المكان، فانفردَ الأسد بالثور الأبيض وفتَك به، وعندما عاد الأحمر أوْهَمَه الأَسْوَد بأنَّ الأبيض لَحِق به، وأنَّه للآن لَم يرجِع, وبعد مُرور مدة من الزمن، نُسِي أمرُه ويُئِسَ من عوْدته. ثم أقبلَ الأسد مرة أخرى مُسْدِيًا نُصحَه للأَسْوَد، ومُذكِّرًا له أنَّ المرْعى لواحدٍ خيرٌ منه لاثنين وهكذا، حتى تَمكَّن الأسد من النَّيْل من الثور الأحمر. ثم ما لبثَ الأسد أنْ عاد بعد أيَّام وفي عَينيه نظرة فَهمها الثورُ الأسوَد جيِّدًا، فأدْرَك أنَّه لاحِقٌ بصاحِبَيه، فصاحَ: لقد أُكِلتُ يومَ أُكِل الثورُ الأبيض!!!! والمعنى: أنَّه بسماحِهِ للأسَد بأكْلِ صاحبه الأول، فقد وضَع نفسَه في القائمة بعده دون أنْ يدري. ومَغْزى هذا الْمَثَل بيِّنٌ، فمتى ضَحَّينا بأحدٍ؛ لننالَ مكانه أو ما كان يناله، فقد حَكَمْنا على أنفسنا بنفس مصيره، ووضعْنا أنفسنا بعده في القائمة.
والعِبَر في هذه الحكاية مُمتدة، لأن غاية الغرب هي تمزيق وحدة المسلمين وجعلهم دويلات صغيرة حتى يقضوا عليها واحدة تلو الأخرى لأنهم لا يستطيعون القضاء على المسلمين ما داموا مجتمعين، كما فعل الأسد، فالفُرقة والاختلاف في الرأْي تُضْعِفُ الأفراد وتَكسِرهم، وتُمكِّن الأعداء وتحقِّق لهم مآرِبَهم.
فالفُرقة والتحاسُد والتباغُض والعداء أمورٌ مَنْهيٌّ عنها، وما يَنْهى دينُنا الحنيف عن شيءٍ إلاَّ وهو شرٌّ للبشريَّة، والخير كلُّ الخير في اتِّباع ما شَرعه الله ودعا إليه نبيُّه، ونبْذ الشِّقاق والفُرقة.
إنَّ الأمة الإسلاميَّة متى اجْتمعتْ واتَّحدتْ، لَم تستطعْ أُمَّة مَهْمَا كانتْ قوَّتها النَّيْل منها؛ لأن يدَ الله مع الجماعة، ولأنها مع اتِّحادها مَحمية بربِّها، وهذا ما عُرِف على مَرِّ السنين، فما قَوِيَتْ أُمَّة مُتفرقة مُشَتَّتة، وما ضَعُفَتْ أُمَّة اجْتمعتْ وتكاتَفَتْ وارتبطتْ بربِّها.
لذلك أراد حكيم أن يعطى أولاده درساً في ليلة من ليالي الشتاء الباردة حين أحس بقرب أجله , فاجتمع أولاده حول سريره , وأراد أن يوصيهم بوصية تنفعهم قبل وفاته ، فطلب منهم أن يحضروا حزمة من الحطب , وطلب من كل واحد منهم أن يكسر الحزمة , فلم يستطع أي واحد منهم أن يكسرها , أخذ الحكيم الحزمة , وفرقها أعواداً , وأعطى كل واحد من أبنائه عوداً , وطلب منهم كسر الأعواد وهي متفرقة , فكسر كل واحد منهم عوده بسهولة . فقال الأب الذي هو الحكيم : يا أبنائي إياكم والتفرقة , كونوا كهذه الحزمة متحدين , حتى لا يقدر عدو على هزيمتكم .
كونوا جميعاً يا بني إذا اعترى………….. خطب ولا تتفرقوا آحـــادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً ………..وإذا افترقن تكسرت أفرادا
ألا فلنحتد جميعاً من أجل بناء مجتمعنا، من أجل بناء وطننا، من أجل بناء مصرنا، من أجل بناء حضارتنا، بعيدين عن التفرقة، عن التشرذم ، عن التحزب، عن التشتت، حتى نحقق آمالنا، ويعلو بنياننا ، ونبلغ منانا، فنكون جميعاً أدوات بناء لا أدوات هدم!!
ومتى يبلغ البنيان يوماً تمامه………إذا كنت تبني وغيرك يهدم؟!!!
نسألُ الله أن يَجمعَ شَمْلنا وقلوبَنا على طاعته، وألا يجعلَ في قلوبنا غِلاًّ للذين آمنوا.
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي