خطبة بعنوان: “العمل التطوعي وأثره في سعادة الدارين”، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 20 محرم 1438هـ – 21 أكتوبر 2016م
خطبة بعنوان: “العمل التطوعي وأثره في سعادة الدارين”، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 20 محرم 1438هـ – 21 أكتوبر 2016م.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: منزلة العمل التطوعي والحث عليه في الإسلام
العنصر الثاني: نماذج وصور مشرقة للعمل التطوعي
العنصر الثالث: مجالات العمل التطوعي
العنصر الرابع: أهمية العمل التطوعي في مجال العبادات
المقدمة: أما بعد:
العنصر الأول: منزلة العمل التطوعي والحث عليه في الإسلام
عباد الله: للعمل التطوعي وفعل الخير ومساعدة الآخرين وأصحاب الحوائج منزلة كبيرة في الإسلام.
والعمل التطوعي هو: تقديم العون إلى شخص أو مجموعة أشخاص، يحتاجون إليه، دون مقابل مادي أو معنوي.
والتطوع مسألة إنسانية تحدثت عنها كل الشرائع السماوية وجميع الدساتير الأرضية.
ويُعَدُّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أعظم من تحدث عن هذا الجانب، وطبّقه في حياته، وقد تضافرت الآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة التي رَغَّبت في ذلك.
فقد جاءت في القرآن الكريم دعوة كريمة إلى الخير، ووردت بتعبير غاية في الجمال، إذ يقول الله تعالى: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة: 245]. ويقول تعالى: {مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد: 11]. وتشير الآيات إلى العطاء للآخرين، وتقديم الخير لهم في صورته للإنسان الذي أمامك، وفي حقيقته أنه لله، ومن كان يعطي ربه الكريم، فليتصور كم تكون مكافأته؟!!!.
كما حثنا الله -عز وجل- على العمل التطوعي والتعاون والتشارك في الخير والبر فقال تعالي:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}( المائدة: 2)؛ يقول الطاهر بن عاشور: ” أي: ليعن بعضكم بعضا على البر والتقوى . وفائدة التعاون تيسير العمل ، وتوفير المصالح ، وإظهار الاتحاد والتناصر، حتى يصبح ذلك خلقا للأمة .وقوله: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) تأكيد لمضمون وتعاونوا على البر والتقوى لأن الأمر بالشيء، وإن كان يتضمن النهي عن ضده، فالاهتمام بحكم الضد يقتضي النهي عنه بخصوصه. والمقصود أنه يجب أن يصد بعضكم بعضا عن ظلم قوم لكم نحوهم شنآن” (التحرير والتنوير)
ولقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في فعل الخير والأعمال التطوعية قبل البعثة وبعدها ؛ ونحن نعلم قول السيدة خديجة فيه لما نزل عليه الوحي وجاء يرجف فؤاده:” كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ؛ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ؛ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ؛ وَتَقْرِي الضَّيْفَ؛ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ”. ( متفق عليه )
وقد ربى الرسول – صلى الله عليه وسلم – أصحابه على أعمال البر والخير والعون والمساعدة؛ حتى أصبح حق أحدهم ملكاً للجميع؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:” بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ؛ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ. قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ.” (مسلم)؛ وعَنْ أَبي هُريرة رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ؛ تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ , وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَبِكُلِّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ”.( متفق عليه) .
عباد الله: ما أجمل أن يسعى الإنسان في قضاء حوائج المسلمين وتفريج كروبهم وتقديم يد العون لهم؛ فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ؛ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ؛ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِِ”.(متفق عليه) . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ”(مسلم). قال الإمام النووي: ” فيه فضل قضاء حوائج المسلمين ونفعهم بما تيسر من علم أو مال أو معاونة أو إشارة بمصلحة أو نصيحة وغير ذلك، وفضل الستر على المسلمين، وفضل إنظار المعسر.” (شرح النووي على مسلم.)
ومن هذه الفضائل- أيضا- هذا الحديث العظيم الذي يرغب في قضاء الحاجة ومساعدة الآخرين وينشط المسلم لفعل الخير، فعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما:” أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد – يعني مسجد المدينة – شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ـ ولو شاء أن يمضيه أمضاه ـ ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة ـ حتى يثبتها له ـ أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام.” (رواه ابن أبي الدنيا في كتاب: قضاء الحوائج، والطبراني وغيرهما، وحسنه الألباني.)
وعن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد من العمر.” (رواه الطبراني بسند حسن)
والمصرع: هو مكان الموت، فيقي الله من يحسن إلى الناس بقضاء حوائجهم من الموت في مكان سيء أو هيئة سيئة أو ميتة سيئة.
كل هذه النصوص وغيرها الكثير الهدف منها جعل المسلمين جميعاً ذكوراً وإناثاً يشعرون بروح الجماعة الواحدة المرتبطة ببعضها البعض مادياً ومعنوياً؛ فهم كالفرد الواحد وكالجسد الواحد؛ تسعد الأعضاء كلها بسعادته وتحزن لحزنه، فعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :”مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”(مسلم)
لذلك كثرت أقوال السلف حول الحث على فعل الخير وقضاء الحوائج؛ وتقديم يد العون والمساعدة للآخرين؛ يقول الحسن البصري رحمه الله: ” لأن أقضي حاجة لأخ أحب إليَّ من أن أصلي ألف ركعة، ولأن أقضي حاجة لأخ أحب إليَّ من أن أعتكف شهرين”. وقد قيل: “العجلة من الشيطان” إلا في خمس : إطعام الضيف؛ وتجهيز الميت؛ وتزويج البكر؛ وقضاء الدين؛ والتوبة من الذنب. وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: لأن أعول أهل بيت من المسلمين شهراً أو جمعة أو ما شاء الله أحب إليَّ من حجة، وَلَطَبَقٌ بدرهم أهديه إلى أخ لي في الله أحب إليَّ من دينار أنفقه في سبيل الله”.؛ ويقول مالك بن دينار: ” إن صدور المسلمين تغلي بأعمال البر وإن صدور الفجار تغلي بأعمال الفجور ، والله تعالى يرى همومكم فانظروا ما همومكم رحمكم الله .؟!!
فما أعظم هذا الدين الذي جعل مساعدة الناس وفعل الخير تطوعا بهذه المنزلة العظيمة، بل وحتى مساعدة الحيوانات، ولنقرأ هذا الحديث العظيم لنعلم فضل دين الإسلام وأن فيه صلاح الدنيا والآخرة وأن البشرية لم يصبها الشقاء إلا بعد أن تركت الأخذ بهذا الدين العظيم، ففي صحيحي البخاري ومسلم: عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” أن امرأة بغياً رأت كلباً في يوم حار يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش فنزعت له بموقها فغفر لها.” والبغي: هي المرأة الزانية. ومع هذا، غفر الله لها بهذه المساعدة لهذا الحيوان، فكيف بمساعدة الصالحين لإخوانهم وأخواتهم؟ لا شك أن ثوابه أعظم.!!
العنصر الثاني: نماذج وصور مشرقة للعمل التطوعي
عباد الله: تعالوا معنا في هذا العنصر لنتعايش مع هذه الصور المشرقة للأعمال التطوعية ودورها في نشر التعاون والتراحم والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع ومن هذه الصور:
– تطوع ذي القرنين ببناء السد: قال تعالى:{ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا } (الكهف : 94 – 97)؛ فيأجوج ، ومأجوج من ذرية آدم ، وخلق من خلق الله تعالي ، ولكنهم أهل شر وفساد؛ وهم أكثر أهل النار؛ وقد حال الله بينهم وبين الإفساد في الأرض ، والإفساد علي الخلق بسد ذي القرنين؛ فإذا جاء وعد الله جعل هذا السد الذي عجزوا عن نقبه ، والصعود عليه دكا فيخرجون من كل حدب ويعيثون في الأرض فسادا فيهرب الناس منهم ، وتكون نهايتهم بأن يجأر الناس إلى الله تعالي بالشكوى فيستجيب الله تعالي لهم ويميتهم جميعا .
لذا كان بناء السد نعمة عظمي للبشرية وسبباً من أسباب الهناء والعيش علي الأرض.
والشاهد { فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا } أي أجرا عظيما – أرادوا أن يجمعوا له من بينهم مال يعطونه إياه حتى يجعل بينهم وبينه سداً . فقال لهم ذو القرنين – بعفة وقصد فعل الخير التطوعي – { مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ }أي: ما أعطانيه الله من الملك والتمكين خير لي من المال الذي تجمعونه لي ، ولكن أعينوني وساعدوني بقوة – بعملكم ، وبآلات البناء – أجعل بينكم وبينهم ردما ، ثم قال لهم آتوني زبر الحديد – والزبر جمع زبرة وهي القطعة من الحديد؛ ثم جاء بالنحاس فأذابه في النار فصبه على الحديد فجعله سداً منيعاً؛ {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} أي: ما قدروا على أن يصعدوا فوق هذا السد ولا قدروا على نقبه من أسفله. ولما كان الظهور عليه أسهل من نقبه قابل كلا بما يناسبه فقال: { فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا } وهذا دليل على أنهم لم يقدروا على نقبه، ولا على شيء منه.(انظر تفسير ابن كثير بتصرف)
– تطوع موسي عليه السلام: قال تعالي: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ }(القصص: 23 ؛ 24)
لما وصل موسي عليه السلام ماء مدين وجد عددا كبيراً من الناس يسقون مواشيهم ، ووجد من دونهم امرأتين تحبسان أغنامهما عن الماء حتى يفرغ الناس ، فسألهما { مَا خَطْبُكُمَا } ماشأنكما؟ {قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} أي ينصرف الناس عن الماء؛ والسبب هو العجز عن السقي معهم؛ وأبونا شيخ كبير عالي السن لا يقدر أن يأتي ويسقي ؛ فلما سمع موسي كلامهما رحمهما وسقي لهما أغنامهما ، ولما فرغ من السقي تولي إلى الظل ، أي انصرف إليه وجلس ونادي ربه قائلا { رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } أي خير كنت أنا محتاج إليه؛ قال ابن عباس: سار موسى من مصر إلى مدين، ليس له طعام إلا البقل وورق الشجر، وكان حافيًا فما وصل مَدْيَن حتى سقطت نعل قدمه؛ وجلس في الظل وهو صفوة الله من خلقه، وإن بطنه لاصق بظهره من الجوع، وإن خضرة البقل لترى من داخل جوفه وإنه لمحتاج إلى شق تمرة؛ ولما قُدِّم إلي موسي الطعام قال: إنا أهل بيت لا نبع ديننا بملء الأرض ذهبا ؛ فكان عمله التطوعي باب خير — تزوج ابنة الرجل الصالح وأكل طعاما حلالا بإجارة شريفة.(انظر: تفسير ابن كثير)
– تطوع أبوبكر الصديق رضي الله عنه: الذي ما وَجَد طريقاً علِم أنَّ فيها خيرًا وأجرًا إلاَّ سلَكها ومشَى فيها، فحينما وجَّهَ النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – إلى أصحابِه بعضَ الأسئلةِ عن أفعالِ الخيرِ التطوعية اليوميَّة، كان أبو بكرٍ الصديق هو المجيب، قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ” مَن أصبحَ مِنكُم اليومَ صائمًا؟ “، قال أبو بَكرٍ: أنا، قال: ” فمَن تَبِع مِنكم اليومَ جنازةً؟”، قال أبو بكرٍ: أنا، قال: ” فمَن أَطْعَم منكم اليومَ مِسكينًا؟ “، قال أبو بكر: أنا، قال: ” فمَن عادَ مِنكم اليومَ مريضًا؟”، قال أبو بكر: أَنا، فقال رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ” ما اجْتمَعْنَ في امرئٍ إلاَّ دخَل الجَنَّةَ .”( أخرجه مسلم)
كما كان أبو بكر رضي الله عنه له السبق؛ عندما طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من صحابته أن يتصدقوا تطوعاً، يقول عمر: ووافق ذلك عندي مالا فقلت : اليوم أسبق أبا بكر ، فجئته بنصف مالي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك ؟ قلت : مثله ، وأتى أبو بكر بكل ما عنده ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك ؟ فقال : أبقيت لهم الله ورسوله ، عندئذ قال عمر : لا أسبقه إلى شيء أبدا ” (رواه الترمذي)
– تطوع عثمان رضي الله عنه: فمن أروع الأمثلة في الإنفاق التطوعي والتكافل الاجتماعي موقف عثمان بن عفان في وقت المجاعة؛ فقد حدث غلاء في زمن أبي بكر رضي الله عنه وكان عثمان ذو النورين يملك قافلة تجارية كاملة وأنفقها كلها لصالح الفقراء والمعدمين ؛ ” فعن ابن عباس قال: قحط الناس في زمان أبي بكر، فقال أبو بكر: لا تمسون حتى يفرج الله عنكم. فلما كان من الغد جاء البشير إليه قال: قدمت لعثمان ألف راحلة براً وطعاماً، قال: فغدا التجار على عثمان فقرعوا عليه الباب فخرج إليهم وعليه ملاءة قد خالف بين طرفيهما على عاتقه فقال لهم: ما تريدون؟ قالوا: قد بلغنا أنه قد قدم لك ألف راحلة براً وطعاماً، بعنا حتى نوسع به على فقراء المدينة، فقال لهم عثمان: ادخلوا. فدخلوا فإذا ألف وقر قد صب في دار عثمان، فقال لهم: كم تربحوني على شرائي من الشام؟ قالوا العشرة اثني عشر، قال: قد زادوني، قالوا: العشرة أربعة عشر، قال: قد زادوني. قالوا: العشرة خمسة عشر، قال: قد زادوني، قالوا: من زادك ونحن تجار المدينة؟ قال: زادني بكل درهم عشرة، عندكم زيادة؟ قالوا: لا!! قال: فأشهدكم معشر التجار أنها صدقة على فقراء المدينة قال عبد الله بن عباس: فبت ليلتي فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم في منامي وهو على برذون أشهب يستعجل؛ وعليه حلة من نور؛ وبيده قضيب من نور؛ وعليه نعلان شراكهما من نور، فقلت له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد طال شوقي إليك، فقال صلى الله عليه وسلم: إني مبادر لأن عثمان تصدق بألف راحلة، وإن الله تعالى قد قبلها منه وزوجه بها عروسا في الجنة، وأنا ذاهب إلى عرس عثمان.”( الرياض النضرة في مناقب العشرة للمحب الطبري)؛ فعثمان رضي الله سنحت له الفرص في الاحتكار والاستغلال وحاجة الناس؛ ومع ذلك آثر ما عند الله عز وجل والتراحم والتكافل؛ وفعل الخير التطوعي؛ فأين التجار والمحتكرون من هذه القيم النبيلة ؟!!
أيها المسلمون: ما زلنا مع ذي النورين عثمان -رضي الله عنه- الذي يسعى إلى الجنة عن طريق التراحم والتكافل والعمل التطوعي؛ ” فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال من يشتري بئر رومة يوسع بها على المسلمين وله الجنة ؟ قال: فاشتراها عثمان بن عفان رضي الله عنه من يهودي بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وسبلها للمسلمين؛ وكان اليهودي يبيع ماءها . وفي الحديث أن عثمان رضي الله عنه اشترى منه نصفها باثني عشر ألفا ؛ ثم قال لليهودي اختر إما أن تأخذها يوما وآخذها يوما وإما أن تنصب لك عليها دلوا وأنصب عليها دلوا ؛ فاختار يوما ويوما ؛ فكان الناس يستقون منها في يوم عثمان لليومين ؛ فقال اليهودي: أفسدت عليَّ بئري فاشتر باقيها ؛ فاشتراه بثمانية آلاف ” ( زاد المعاد لابن القيم ) تخيلوا يا عباد الله أنه لا يوجد بئر ولا ماء للمسلمين غير هذه ؛ وكان عثمان رضي الله عنه قادرا على احتكارها وحده؛ ولكنه مثالٌ للتراحم والتعاون والتكافل؛ وفعل الخير التطوعي لإنقاذ البلاد والعباد من المحن التي حلت بهم؛ وتخيلوا لو أن هذه البئر في أيدي أحد المحتكرين الجشعين وحده في هذا الزمان؛ ماذا كان يفعل بالمسلمين ؟!!
– تطوع عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الذي يسعى لخدمة العجزة والأرامل والمقعدين تطوعاً؛ فقد روى أبو نُعيم في «حلية الأولياء» أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه خرج في سواد الليل فرآه طلحة، فذهب عمر فدخل بيتاً ثم دخل آخر، فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت فإذا بعجوز عمياء مقعدة، فقال لها: ما بال هذا الرجل يأتيك؟ قالت: أنه يتعاهدني منذ كذا وكذا يأتيني بما يصلحني، ويخرج عني الأذى، فقال طلحة: ثكلتك أمك يا طلحة أعثرات عمر تتبع؟!
أختم هذا العنصر بهذا الموقف الجميل النبيل للصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ والذي ضرب أروع الأمثلة في فعل الخير والأعمال التطوعية؛ فروي أنه: ” لما استُخلف أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه أصبح غاديًا إلى السُّوق، وكان يحلب للحي أغنامهم قبل الخلافة، فلمَّا بُويَع قالت جارية مِن الحي: الآن لا يحلب لنا. فقال: بلى لأحلبنَّها لكم، وإنِّي لأرجو ألَّا يغيِّرني ما دخلت فيه.) (التبصرة لابن الجوزي)
العنصر الثالث: مجالات العمل التطوعي
أحبتي في الله: قد يقول قائل: إن فضل العمل التطوعي عظيم وأجره كبير وثوابه جزيل ولكن ما هي المجالات التى يمكن من خلالها أطرق أبواب العمل التطوعي؟!! أقول: مجالات العمل التطوعي كثيرة وعديدة:
منها: مجال العبادة : من خلال التطوع بالنوافل والسنن والقربات، والأمر واسع ومتاح للتنافس والتسابق في شتى أنواع العبادات كالصلاة والصيام والصدقات وغيرها.
ومنها المجال الدعوي: كنشر الدعوة الإسلامية، وتعليم القرآن الكريم حفظا وأداء وتدبرا، وإعداد الوعاظ، وطلاب العلم .
ومنها المجالات العلمية،كإنشاء المكتبات والمدارس والمعاهد، والجامعات، ومراكز البحوث ، والدراسات ، ورعاية الموهوبين ، وسائر المؤسسات العلمية التي لا يكون هدفها الربح المالي، ثم القيام عليها ودعمها.
ومها المجالات المالية، التي تتطلب دفع المال وتقديمه بسخاء من أجل نفع الناس ومساعدتهم، وكفالة الأيتام ، والفقراء، والمحتاجين ، والأرامل، وأصحاب الأمراض.
ومنها المجالات الفكرية، من خلال وضع الخطط الرائدة النافعة للمجتمع والأمة الإسلامية ، والآراء الصائبة والنصائح القيمة.
ومنها المجالات الصحية،كإنشاء المستشفيات ومراكز البحوث الصحية.
ومنها المجالات التربوية،كالندوات، ورعاية الأسرة، والتوجيهات الأسرية، ورعاية النشء من الانحرافات.
ومنها المجالات الإعلامية،كنشر المجلات النافعة ، وإنشاء القنوات الفضائية الهادفة، ودعمها بعدة لغات، وطباعة الكتب المفيدة، والترجمة،وكذلك الصفحات التى تنشر الفضائل على النت.
ومنها المجالات الاجتماعية،كإنشاء لجان الإصلاح المحلية، وإصلاح ذات البين، وإعداد برامج أسرية ، وتربية الأولاد. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: إصلاح ذات البين”. (رواه أبو داود والترمذي). فأين ترى نفسك يبن هؤلاء..؟!!
العنصر الرابع: أهمية العمل التطوعي في مجال العبادات
عباد الله : إذا كنا قد تكلمنا عن العمل التطوعي وأثره في التكافل والتراحم والتعاون؛ فلا يفوتنا أن نتكلم العمل التطوعي في مجال العبادة وأثره في نجاة العبد وفوزه في الآخرة .
ومن رحمة النبي – صلى الله عليه وسلم – بأمته أنه شرع مع كل فريضة من الفرائض عملاً تطوعاً ليجبر ما نقص من الفرائض من خلل أو تقصير ؛ وبطبيعة الحال فإن الواحد منا تدفعه ظروف الحياة المعيشية والأسرية إلى الانشغال والتقصير في حق الله تعالى؛ فكانت الأعمال التطوعية المقرونة بالفرائض جبراً وسداً للخل الذي وقع من العبد تجاه هذه الفرائض؛ وحينما نطالع كتب الفقه نجد صلاة التطوع؛ وصيام التطوع؛ وإنفاق التطوع؛ وهكذا في بقية العبادات؛ الفريضة + التطوع؛ فلو صدق الإنسان في أداء جميع الفرائض دون نقصان أو خلل أو تقصير – وهذا صعب المنال- دخل الجنة؛ فعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ؛ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَائِرَ الرَّأْسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا. فَقَالَ: أَخْبِرْنِي مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ الصِّيَامِ؟ فَقَالَ: شَهْرَ رَمَضَانَ إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا. فَقَالَ: أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ الزَّكَاةِ. فَقَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ؛ قَالَ: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ لَا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا وَلَا أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ”. (متفق عليه)
ولا شك إن الإنسان دائم التقصير ؛ لا أقول في ترك العبادة؛ بل في إتقانه للعبادة؛ فقد يحافظ على الفرائض ولكن لا يتقنها فينقص بذلك أجره ؛ فلو صلينا الظهر – مثلاً – فإن الدرجة التي يحصل عليها كل واحد منا تختلف عن الآخر تماماً، وهذا راجع إلى خشية العبد وتقواه لربه، والنسبة المئوية الناقصة تكمل من التطوع، ورسولنا – صلى الله عليه وسلم – يصور ذلك فيقول: “إنَّ العبدَ لَيصلِّي الصَّلاةَ ما يُكتُبُ لَهُ منْها إلَّا عُشرُها، تُسعُها، ثمنُها، سُبعُها، سُدسُها، خمسُها، ربعُها، ثلثُها نصفُها”( أحمد وأبوداود وصححه العراقي).
وهنا وقفة: الرسول -صلى الله عليه وسلم- اقتصر على النسب المجزأة دون الكل؛ فلم يقل: كلها. وهذا دليل على أن العبد – مع المجاهدة في العبادة والطاعة – لا يحصل على الدرجة الكلية !! وبذلك يحتاج إلى التطوع ؛ ولهذا قال – صلى الله عليه وسلم – عن الأعرابي السائل:” أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ”.
فإن قَصَّرَ العبد – وكلنا مقصرون – فإن التطوع يجبر ما وقع في هذه الفرائض من خلل أو تقصير؛ فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ ” إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ بِصَلَاتِهِ فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ؟ فَيُكَمَّلُ بِهِ مَا نَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ”.( النسائي والترمذي وحسنه)
وهنا مفاهيم يجب أن تصحح؛ فقد يقصر العبد في مرحلة شبابه في الصلاة – مثلاً – فلما تتقدم به السن ويحس بدنو أجله؛ يندم على ما فاته من تقصير ؛ فيصلى الظهر مرتين والعصر مرتين وهكذا ؛ ويقول: فرض حاضر وفرض ماضي مما علىَّ!! وهذا فهمٌ خاطئٌ؛ فقد قال العلماء: عليه أن يكثر من النوافل والتطوع ليجبر ما نقص أو وقع من خلل في الفرائض استناداً إلى الأحاديث سالفة الذكر !!
أيها المسلمون: عليكم أن تكثروا من الأعمال التطوعية الاجتماعية التي تؤدي إلى التعاطف والتعاون والتراحم بين أفراد المجتمع؛ كما تكثروا من الأعمال التطوعية في مجال العبادات لتكون لكم نجاة في الآخرة وطريقاً إلى الجنة؛ فتفوزوا بسعادة العاجل والآجل !!!
الدعاء،،،،،،، وأقم الصلاة،،،،،،،
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي