الخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعة
خطبة بعنوان : المخدرات ضياع للإنسان ، الشيخ أحمد أبو اسلام
خطبة بعنوان : المخدرات ضياع للإنسان
بتاريخ ٢٥ / جمادى الآخرة/١٤٤٦
٢٧/ ديسمبر ٢٠٢٤
إعداد الشيخ أحمد أبو اسلام
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية
عناصر الخطبة:
١) الحفاظ على العقل من مقاصد الشريعة الإسلامية
٢) أوجب الله الحفاظ على العقل من كل مايذهبه
٣) المسكرات على اختلاف أنواعها محرمة
٤) عقوبة شرب الخمر وما في معناها
٥) الخمر والمخدرات تأباهما أصحاب الفطرة السليمة
٦) الخمر والمخدرات تأباهما أصحاب الفطرة السليمة
الحفاظ على العقل من مقاصد الشريعة الإسلامية
_____________________________________
إن من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان أن وهبه العقل، وكرمه به تكريما بليغا، فجعله مناط التكليف والمسؤولية، وبه فضله على سائر الكائنات تفضيلا، وبواسطته هيأه للاستخلاف في الأرض، وإعمارها بالخير والصلاح. ولقد اهتم الإسلام بالعقل اهتماما متزايدا؛ وذلك أن مادة (ع ق ل) وردت في القرآن الكريم نحو تسع وأربعين مرة، بتصريفاتها اللغوية المتعددة (عقلوه، تعقلون، نعقل، يعقلها، يعقلون) [المعجم المفهرس] .
وإذا أضفنا إلى العدد السابق كلمة (الألباب) التي وردت نحو ست وعشرين مرة ، ومادة (ق ل ب) ومشتقاتها المتنوعة (قلوب، قلوبكم، قلوبهما، قلوبنا، قلوبهم، قلوبهن) التي بلغت نحو اثني عشر ومائة مرة ، فإننا سنحصل على نظرة قرآنية إلى العقل وما يتعلق به ذات أهمية معرفية هامة، تقوم على أساس أن هذا التردد الملحوظ يدل على تنويه بالعقل، وإحلاله مقام التعظيم، والتنبيه إلى ضرورة حسن إعماله، وجودة استعماله، بدلا من تعطيله أو شلّ قدراته الاجتهادية.
العقل نعمة عظيمة من نِعم الله تعالى، ميَّز الله به الإنسان عن جميع مخلوقاته، وجعله مناط التكليف، وسرَّ التكريم والتشريف؛ فهو القوة المُفَكِّرة التي يعقل بها الإنسان حقائق الأشياء، فيُميِّز به بين الضارِّ والنَّافع، والحسن والقبيح، ويختار به طريق الخير، ويبتعد عن طريق الشرِّ.
أوجب الله الحفاظ على العقل من كل مايذهبه
__________________________________
ولذلك أوجَب الله الحفاظَ عليه، وحرَّم كلَّ ما يذهبه أو يُخلُّ بوظائفه؛ من خَمْر ومُسْكر، ومُفَتِّر ومُخَدِّر، ورتَّب الشَّرعُ الحدَّ والعقوبة على مَن يتناول شيئًا من هذه المسكرات، التي أخبر اللهُ تعالى عنها بأنَّها رِجس ونجس، يوسوس الشيطان للإنسان بتناولها فيذهب عقله، ويصبح بعد ذلك مَرتعًا خصبًا لوساوسه وإغواءاته، فيأمره بالمنكرات، ويحرِّضه على العداوات، ويصُده عن ذِكر الله تعالى وعن الصلاة، وعن عمل الخيرات والطاعات، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: ٩٠].
وقد كان من مقاصد بعثة النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يُحِلَّ للنَّاس الطيبات، ويحرِّم عليهم الخبائث والمنكرات، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [الأعراف: 157].
ولن تجد عاقلًا في الدنيا متحرِّرًا من شهواته وأهوائه يحكم على المُسْكرات والمخدرات بأنها من الطيبات، فكلُّ العقلاء مُجمعون على أنَّ المسكرات بكلِّ أنواعها ومسمياتها مضرَّة بالبدن، مُفسِدَة للعقل، قاطعة عن الصِّلة بالله، محرِّضة على الفواحش والمنكرات، مِن زنا وقتل وسَرقة ونيل من أعراض النَّاس، وإفساد للعلاقات الاجتماعية، وهو ما أشار إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله: ((لا تَشربِ الخمر؛ فإنَّها مِفْتَاح كلِّ شَرٍّ))[رواه البخاري]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((الخَمْرُ أمُّ الخَبائث))[رواه النسائى ]، وعندما جاءه رجل يسأله عن صنع الخمر، نهاه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال الرجل: إنَّما أصنعُها للدَّواء، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((إنَّه ليس بدواءٍ، ولكنَّه داءٌ))[رواه مسلم].ومما يؤيد ما قد ورد أنه قد سافر عروة من المدينة إلى دمشق، وفي الطريق بوادي القرى أصيبتْ رجلُه بأَكَلَةٍ، ولم يَكَد يَصِل دمشق حتى كانت نصفُ ساقه قد تلِفتْ، فدخل على الخليفة الوليد بن عبدالملك، فبادر الوليد باستدعاء الأطبَّاء العارفين بالأمراض وطرق علاجها، فأجمعوا على أن العلاج الوحيد هو قطعها قبل أن يَسريَ المرض إلى الرِّجل كلِّها حتى الوَرِك، وربما أكلتِ الجسمَ كله، فوافق عروةُ بعد لأْيٍ على أن تُنْشَر رِجله، وعرض عليه الأطباء إسقاءه مُرْقِدًا (دواءٌ يُرْقِدُ متعاطِيَه، كالأَفيون) ؛ حتى يغيب عن وعيه فلا يشعر بالألم، فرفض عروة ذلك بشدة قائلاً: لا والله، ما كنت أظن أحدًا يشرب شرابًا، أو يأكل شيئًا يُذهِب عقلَه، ولكن إن كنتم لا بُدَّ فاعلين فافعلوا ذلك وأنا في الصلاة؛ فإني لا أحس بذلك ولا أشعر به، فقطعوا رجله من فوق الأكلة من المكان الحي؛ احتياطًا أن لا يبقى منها شيء، وهو قائم يصلي، فما تضوَّر ولا اختلج، فلما انصرف من الصلاة عزَّاه الوليد في رجله، فقال: اللهم لك الحمد، كان لي أطرافٌ أربعة فأخذتَ واحدًا، ولئن كنتَ أخذتَ فقد أبقيتَ، وإن كنتَ قد ابتليتَ فلطالما عافيتَ، فلك الحمد على ما أخذتَ وعلى ما عافيتَ، اللهم إني لم أمشِ بها إلى سوء قط.
وكان قد صحب بعضَ بنيه، ومنهم ابنه محمد الذي هو أحب أولاده إليه، فدخل دارَ الدواب فرفسته فرسٌ فمات، فجاء المعزون إلى أبيه، فقال: الحمد لله كانوا سبعةً فأخذتَ منهم واحدًا وأبقيتَ ستة، فلئن كنت قد ابتليت فلطالما عافيت، ولئن كنت قد أخذت فلطالما أعطيت، فلمَّا قضى حاجته من دمشق رجع إلى المدينة، فما سُمع يَذكُر رِجْله ولا ولده، ولا شكا ذلك إلى أحد، حتى دخل وادي القرى الذي أصابته فيه الأكلة، وهناك قال: لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا، فلما دخل المدينة أتاه بعض الناس يسلمون عليه ويعزونه في رجله وولده، وبلغه أن بعض الناس قال: إنما أصابه هذا بذنب عظيم أحدثه، فأنشد عروة متمثِّلاً قول معن بن أوس:
لَعَمْرُكَ ما أَهْوَيْتُ كَفِّي لِرِيبَةٍ
وَلاَ حَمَلَتْنِي نَحْوَ فَاحِشَةٍ رِجْلِي
وَلاَ قَادَنِي سَمْعِي وَلاَ بَصَرِي لَهَا
وَلاَ دَلَّنِي رَأْيِي عَلَيْهَا وَلاَ عَقْلِي
وَلَسْتُ بِمَاشٍ مَا حَيِيتُ لِمُنْكَرٍ
مِنَ الأَمْرِ لاَ يَمْشِي إِلَى مِثْلِهِ مِثْلِي
وَلاَ مُؤْثِرًا نَفْسِي عَلَى ذِي قَرَابَةٍ
وَأُوثِرُ ضَيْفِي مَا أَقَامَ عَلَى أَهْلِي
وَأَعْلَمُ أَنِّي لَمْ تُصِبْنِي مُصِيبَةٌ
مِنَ الدَّهْرِ إِلاَّ قَدْ أَصَابَتْ فَتًى قَبْلِي[وفيات الأعيان لابن خلكان]
المسكرات على اختلاف أنواعها محرمة
______________________________
والمُسْكِرات على اختلاف أسمائها، وأشكالها، وأنواعها، وتركيباتها، وصفاتها – محرَّمة في شرع الله، قَلَّت أو كَثُرت؛ فقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((كلُّ مُسكرٍ حرامٌ))[رواه البخاري]، وفي رواية: ((كلُّ مُسكرٍ خمرٌ، وكلُّ مُسكرٍ حرامٌ، ومَن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يُدمنها لم يتُب، لم يشربها في الآخرة))[رواه مسلم]، وأخبر النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّ قليلها وكثيرها في الحرمة سواء، فقال صلى الله عليه وسلم: ((ما أسكر كثيرُه، فقليلُه حرامٌ))[رواه أحمد ].
وكلُّ ما سبَّب إسكارًا أو تَفتيرًا، ولم يستعمل لضرورة أو يقصد به العلاج، فهو من جملة المسكرات المحرمات؛ فقد نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن كلِّ مُسكرٍ ومُفتِّرٍ[رواه أحمد]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((كلُّ ما أسكر عن الصَّلاة فهو حرامٌ))[رواه البخاري].
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ وصف الإيمان يُنزع عن شارب الخمر ومتعاطي المسكرات حال فعله إلى أن يقلع عن ذلك ويتوب إلى الله تعالى، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لا يَشْرب الخَمر حين يَشْرَبُ وهو مُؤمن))[رواه البخاري]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَن زنى وشرب الخمر، نزعَ اللهُ منه الإيمانَ، كما يخلَع الإنسانُ القميصَ من رأسه))[المستدرك للحاكم ].
وأما صلاة شارب الخمر، فلا تُقبل أربعين صباحًا؛ ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((مَن شرِب الخمر، لم يقبل الله له صلاةً أربعين صباحًا؛ فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاةً أربعين صباحًا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاةً أربعين صباحًا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة لم يقبل الله له صلاةً أربعين صباحًا، فإن تاب لم يتُب الله عليه، وسقاه من نهر الخبال))، قيل لابن عمر: وما نهرُ الخبال؟ قال: نهرٌ من صديد أهل النار[المستدرك للحاكم ]، وفي رواية: ((لا يشرب الخمرَ رجلٌ من أمَّتي فتُقبل له صلاةٌ أربعين صباحًا))[رواه أحمد ].
قصة
____
فالله عز وجل يقبل توبة التائبين من كل ذنب عامة ومن شرب الخمور وما في معناها من المخدرات خاصة وفي ذالك قصة :
خرج الامام مالك بن دينار يوما من المسجد بعد صلاة العشاء
فوجد فى الطريق رجلاً مخمورا بيده زجاجة خمر يقع على الارض من السكر وكلما وقع قال الله يا رب
فقال مالك بن دينار هذا الفم الملىء بالخمر لا ينبغى ان يخرج منه لفظ الجلالة وهو ملىء بالنجاسات
فرجع الى المسجد واحضر جرة ماء وصب على رأس الرجل وعلى فمه حتى طهر فم الرجل تمام من الخمر
ورفع يده الى الله وقال اللهم اهده اللهم عافه من الخمر
وعاد مالك بن دينار لبيته
ونام فرأى رؤية رأى منادى من السماء ينادى يا مالك يابن دينار فنظر فاذا مع المنادى الرجل المخمور الذى غسلت فمه بعد صلاة العشاء
وقال المنادى من قبل السماء يا مالك يا بن دينار …طهرت فمه من أجلنا فطهرنا قلبه من أجلك
واستيقظ مالك متعجب من الرؤية
وذهب قبيل الفجر للمسجد يستعد للاذان فدخل المسجد فى الظلام فاذا برجل عند القبلة يصلى ويعود ويبكى ويسئل الله العفو
فقال مالك ما شاء الله أنتظر هذا الخائف من الله ليدعو لى بعد ان يخرج من الصلاة فلما انهى الرجل الصلاة والتفت لمالك كاد مالك ان يصعق
انه شارب الخمر بالامس عند صلاة العشاء الذى رأه فى الرؤيا بالامس قيل فى حقه
يا مالك يا بن دينار طهرت فمه من أجلنا فطهرنا قلبه من أجلك
فتقدم نحو الرجل وقال له السلام عليكم كيف حالك? فقال له الرجل
أخبرك عن حالى ياابن دينار من دعوته فهدانى
فسبحان من يجعل البحر الأجاج بفضله ريا
ومن بهدايته يجعل الفاجر وليا (التوابين)
عقوبة شرب الخمر وما في معناها
__________________________
أمَّا عقوبة شرب الخمر والمسكرات في الآخرة، فهي:
• أنَّ الله تعالى يحرِّم عليه الجنَّة إن مات وهو مُدْمن على شربها مُسْتحلٌّ لها[التيسير شرح الجامع الصغير للمناوي] وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنَّةَ مُدْمِنُ خمر))[رواه أحمد]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثةٌ لا يَدخُلون الجنَّة: العاقُّ لوالديه، والمُدمنُ على الخمر، والمنَّانُ بما أعطى))[رواه أحمد].
• ومن عقوبة شارب الخمر أن يَسقيه الله تعالى يوم القيامة من عصارة أهل النار؛ ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنَّ على الله عزَّ وجل عهدًا لمن يشربُ المُسكر أن يَسقيه من طينة الخبال))، قالُوا: يا رسُول الله وما طينةُ الخبال؟ قال: ((عرقُ أهل النار، أو عُصارةُ أهل النار))[رواه مسلم].
• وأن الله تعالى يَحرِمُ شاربَ الخمر يوم القيامة من شرب خمر الجنَّة إن لم يتب عن شرب خَمر الدنيا قبل الموت؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((مَن شرِب الخمرَ في الدنيا ثُمَّ لم يتُب منها، حُرِمَها في الآخرة))[رواه البخاري].
الخمر والمخدرات تأباهما أصحاب الفطرة السليمة
__________________________________
= وَعَن الفضيل بن عِيَاض أَنه حضر عِنْد تلميذ لَهُ حَضرته الْوَفَاة فَجعل يلقنه الشَّهَادَة وَلسَانه لَا ينْطق بهَا فكررها عَلَيْهِ فَقَالَ لَا أقولها وَأَنا بَرِيء مِنْهَا فَخرج الفضيل من عِنْده وَهُوَ يبكي ثمَّ رَآهُ بعد مُدَّة فِي مَنَامه وَهُوَ يسحب بِهِ إِلَى النَّار فَقَالَ لَهُ يَا مِسْكين بِمَ نزعت مِنْك الْمعرفَة فَقَالَ يَا أستاذ كَانَ بِي عِلّة فَأتيت بعض الْأَطِبَّاء فَقَالَ لي تشرب فِي كل سنة قدحاً من الْخمر وَإِن لم تفعل تبقى بك علتك فَكنت أشربها فِي كل سنة لأجل التَّدَاوِي فَهَذَا حَال من يشْربهَا للتداوي فَكيف حَال من يشْربهَا لغير ذَلِك نسْأَل الله الْعَفو والعافية من كل بلَاء(الكبائر للذهبي)
= سُئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه: هل شربت الخمر في الجاهلية؟ قال: أعوذ بالله! فقيل له: ولِمَ؟ قال: كنت أصون عرضي، وأحفظ مروءتي
= وهذا قصيّ بن كلاب – يروي أنه لما احتُضر قال لأولاده: اجتنبوا الخمرة، فإنها لا تصلح الأبدان بل تفسد الأذهان. وقال عثمان بن مظعون: لا أشرب شيئا يُذهب عقلي، ويضحك بي من هو أدنى مني، ويحملني على أن أنكح كريمتي من لا أريد. وقيل للعباس بن مرداس لم تركت الشراب؟ فقال: (أكره أن أصبح سيد قوم وأمسي سفيههم).
= لقد كان بعضُ أهل الجاهلية يَمْتنع عن المسكرات؛ لما ظهر له من خطرها وأثرها، هذا أحدُهم كان شرَّابًا للخمر، مولعًا بها، وذات يوم سكر، فغَمَز مؤخِّرةَ ابنته، وهو سكران، وشتم والديه، وأعطى الخمارَ مالاً كثيرًا، فلمَّا أفاقَ وأخبروه بما فَعَل؛ حرَّمها على نفسه، وقال:
رَأَيْتُ الخَمْرَ صَالِحَةً وَفِيهَا
خِصَالٌ تُفْسِدُ الرَّجُلَ الحَلِيمَا
فَلا وَاللهِ أَشْرَبُهَا صَحِيحًا
وَلا أَشْفِي بِهَا أَبَدًا سَقِيمَا
وَلا أُعْطِي بِهَا ثَمَنًا حَيَاتِي
وَلا أَدْعُو لَهَا أَبَدًا نَدِيمَا
فَإِنَّ الخَمْرَ تَفْضَحُ شَارِبِيهَا
وَتَجْنِيهِمْ مِنَ الأَمْرِ العَظِيمَا
= وممّن حرّمها في الجاهليّة أيضاً: قيس بن عاصم، وذلك أنّه سكر ذات ليلة فقام لابنته أو لأخته، فهربت منه، فلمّا أصبح سأل عنها فقيل له: أوما علمت ما صنعت البارحة، فأخبر القصّة، فحرّم الخمر على نفسه.
الخمر والمخدرات تأباهما أصحاب الفطرة السليمة
__________________________________________
وأمَّا الاتجار والعمل والتداول للخمور والمسكرات والمخدرات، وكل ما يتعلق بها من عمل، فهو محرَّم ومن كبائر الذنوب، وفاعله مَلعون عند الله تعالى؛ ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((لَعَن الله الخمرَ، وشاربَها وساقيها، وبائعها ومُبتاعها، وعاصرها ومُعتصرها، وحاملَها والمحمُولة إليه))[رواه أحمد]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((حُرِّمَت التجارةُ في الخمر))[رواه البخاري].
وقد أخبرَنا النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ شرب الخمر وتداولها بين المسلمين مِن علامات الساعة التي تأتي على النَّاس بشرٍّ مُستطير، فقال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ من أشراط الساعة أن يُرفع العِلمُ، ويثبُت الجهلُ، ويُشرب الخمرُ، ويظهر الزنا))[رواه البخاري]، كما أخبر النَّبي صلى الله عليه وسلم عمَّا سيكون من احتيال بَعض الناس وخداعهم بتسمية المسكرات والخمور بغير أسمائها ليستحلُّوا شربها، فقال صلى الله عليه وسلم: ((ليشربنَّ ناسٌ من أُمَّتي الخمر، يُسمُّونها بغير اسمها))[رواه أحمد].
فيا عجبًا لأمَّة احتُرم فيها العقل وحُرِّم كلُّ ما يضيِّعه أو يؤثِّر على فاعليته، ثم نرى فئامًا منها يأبَوْن إلَّا إضاعة عقولهم وأموالهم، وفساد مجتمعاتهم، مضيِّعين أعظمَ نعمةٍ وهبهم الله إياها؟! أمَا كان لهم في الطيِّبات التي أحلَّها الله لهم كفاية وغنًى عمَّا حرم الله؟! أم أنهم يأبون إلَّا طاعة للشيطان، ومعصية للرحمن، وتشبهًا بأهل الكفر والعصيان؟!
جمع وترتيب الشيخ أحمد أبو اسلام
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية