خطبة بعنوان: دروس وعبر من الإسراء والمعراج بين النظرية والتطبيق، للدكتور خالد بدير
خطبة بعنوان: دروس وعبر من الإسراء والمعراج بين النظرية والتطبيق، للدكتور خالد بدير.
لتحميل الخطبة بصبغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصبغة pdf أضغط هنا
عناصر الخطبة:
الدرس الأول: بعد المحن تأتي المنح
الدرس الثاني: الصداقة الحقيقية مبادئ ومواقف
الدرس الثالث: أهمية ومكانة المسجد الأقصى
الدرس الرابع: أهمية الصلاة وسبب فرضيتها في السماء دون بقية العبادات!!
الدرس الخامس: تسليم القيادة والريادة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم
الدرس السادس: رؤية الحقائق الغيبية وأثرها في تثبيت القلب وزيادة الإيمان
المقدمة: أما بعد:
عباد الله: نحن نعيش في هذه الأيام ذكرى عزيزة علينا ألا وهي ذكرى الإسراء والمعراج؛ وأنا لا أتكلم مع حضراتكم عن قصة الإسراء والمعراج كحدثٍ ورواية؛ وإنما أقف مع حضراتكم حول الدروس والعبر المستفادة والمستخلصة من رحلة الإسراء والمعراج وكيف نطبقها على أرض الواقع ونجعلها منهج حياة؟! وفي الحقيقة حينما أردت استخلاص هذه الدروس وجدتها أكثر من أن تحصى؛ ولا تسعها هذه الوريقات؛ فاكتفيت بأهمها وما يحتاجه مجتمعنا في هذا الوقت وفي هذه الأحوال والظروف الراهنة؛ لذلك جعلت عنوان اللقاء: ” دروس وعبر من الإسراء والمعراج بين النظرية والتطبيق ” ؛ وهذه الدروس تتمثل فيما يلي:-
الدرس الأول: بعد المحن تأتي المنح
من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أسر بدعوته ثلاث سنوات؛ وحينما أمره الله بالجهر بالدعوة لقي صلى الله عليه وسلم أشد أنواع الإيذاء والاضطهاد منذ أن جهر بالدعوة على جبل الصفا ؛ وكان أول من وقف ضده أقرب الناس إليه عمه أبو لهب قائلا: تبا لك يا محمد ألهذا جمعتنا؟! ونزل في ذلك سورة المسد؛ ثم توالى الإيذاء بالسب والشتم تارة؛ وبرمي سلا الجزور عليه وهو ساجد أخرى؛ وبالحصار في الشعب ثالثة؛ وأشق من ذلك كله عليه فقدان عمه أبو طالب وزوجه خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وتبع ذلك عندما ذهب إلى أهل الطائف يطلب منهم الوقوف بجانبه وأن يدخلوا الإسلام؛ فعمد إلى نفر من ثقيف، هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم وهم إخوة ثلاثة: عبد ياليل بن عمرو بن عمير ، ومسعود بن عمرو بن عمير ، وحبيب بن عمرو بن عمير ، فجلس إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى الله وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه؛ فقال له أحدهم: أمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك! وقال الآخر: أما وجد الله أحدا يرسله غيرك! وقال الثالث: والله لا أكلمك أبدا !. لئن كنت رسولا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام؛ ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك! فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خبر ثقيف ، وقد قال لهم: إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني؛ وسلطوا عليه الصبيان يرموه بالحجارة حتى سالت الدماء من قدمه؛ ثم أوى إلى الشجرة ودعا ربه دعائه المعروف:”اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أو إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك علي غضب فلا أبال ولكن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو تحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك”.( سيرة ابن هشام وابن كثير)؛ فنزل جبريل عليه قائلاً بلسان الحال قم يا محمد: إذا كان أهل مكة آذوك وطردوك فإن رب البرية لزيارته يدعوك!! فكانت رحلة الإسراء والمعراج؛ وبعد المحن تأتي المنح.
أيها المسلون؛ أيها الدعاة: إن هذه المحن والابتلاءات والشدائد التي نمر بها في حياتنا تعلِّمنا أن الدنيا دارُ التواء ، لا دارُ استواء ، ومنزل ترح لا منزلُ فرح ، وأن من عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن لشقاء ، وأن الله قد جعلها دار بلوى ، وجعل الآخرة دار عقبى ، فجعل بلاءَ الدنيا لعطاء الآخرة سبباً ، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً ، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي .
إنها تُعلمنا أن للمحن والمصائب حِكَماً جَليلة، منها أنها تسوق أصحابها إلى باب الله تعالى، وتُلبسهم رداءَ العُبودية، وتُلجئهم إلى طلب العون من الله .
إنها تُعلِّمنا أنَّه لا ينبغي أن تَصدَّنا المحن والعقبات، عن متابعة السير في استقامة وثبات .
إنها تُعلِّمنا أنَّه ما دام الله هو الآمر ، فلا شكَّ أنه هو الضامن والحافظ والناصر .
إنها تُعلِّمنا أنه لولا الجهادُ والصبر ، ما عُبِدَ الله في الأرض ، ولا انتشر الإسلام في الخافقين ، ولا قُمنا في هذا المكان ، وعلى أمواج الأثير نوحِّدُ الله ونُسبِّحه ، وندعو إليه .
إنها تُعلِّمنا أن اليسر مع العُسر ، وأن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب .
الدرس الثاني: الصداقة الحقيقية مبادئ ومواقف
فحينما عاد النبي صلى الله عليه وسلم من رحلة الإسراء والمعراج وقص على قريش ما حدث كذبوه فيما قال؛ وعلى رأسهم المطعم بن عدي الذي قال: أنا أشهد أنك كاذب، نحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس مصعدا شهرا ومنحدرا شهرا، أتدعي أنت أتيته في ليلة ؟! واللات والعزى لا أصدقك. وانطلق نفرٌ من قريش إلى أبي بكر رضي الله عنه يسألونه عن موقفه من الخبر ، فقال لهم : ” لئن كان قال ذلك لقد صدق ” ، فتعجّبوا وقالوا : ” أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح ؟! ” ، فقال : ” نعم ؛ إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة ” ، فأطلق عليه من يومها لقب ” الصديق ” . ( عيون الأثر , ابن سيد الناس ؛ وسبل الهدى والرشاد )
ولا ننسى لهفة أبي بكر وحبه لصحبة الرسول صلى الله عليه وسلم في الهجرة؛ وهذا الحب هو الذي أبكى أبا بكر فرحاً بصحبته صلى الله عليه وسلم!! إن هذا الحب هو الذي أرخص عند أبي بكر كل ماله ليؤثر به الحبيب صلى الله عليه وسلم على أهله ونفسه.
وفي طريق الهجرة كما ذكر ابن القيم في زاد الميعاد، والبيهقي في الدلائل: ” أن أبا بكر ليلة انطلق مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الغار، كان يمشي بين يديه ساعة، ومن خلفه ساعة، فسأله، فقال: أذكر الطلب (ما يأتي من الخلف) فأمشي خلفك، وأذكر الرصد (المترصد في الطريق) فأمشي أمامك، فقال صلى الله عليه وسلم: ( لو كان شيء أحْبَبْتَ أن تُقتل دوني؟ )، قال: أي والذي بعثك بالحق، فلما انتهيا إلى الغار قال: مكانك يا رسول الله حتى أستبرئ لك الغار، فاستبرأه “
لقد ضرب الصديق رضي الله عنه مثلا رائعا في أن الصداقة مبادئ ومواقف، وليست شعارات وأقوال؛ وهكذا الصداقة الحقيقية, ولله در من قال:
جزى الله الشدائد كل خير * * * * * عرفت بها عدوي من صديقي
وإنك لو نظرت إلى واقعنا المعاصر تجد أن الصداقة من أجل المصلحة والمنفعة والفائدة؛ فإذا انتهت المصلحة والفائدة انقطع حبل الصداقة؛ وتجد الشخص يتودد إليك بالكلام المعسول؛ ويقابلك بالقبلات والأحضان والمعانقة؛ فإذا احتجت إليه وقت العسر والشدة كأنه لا يعرفك؛ وكان أبعد الناس منك؛ وفي ذلك يقول لقمان الحكيم: ثلاثة لا يعرفون إلا عند ثلاثة: لا يعرف الحليم إلا عند الغضب؛ ولا يعرف الشجاع إلا عند الحرب؛ ولا يعرف الأخ إلا عند الحاجة إليه.( المجالسة وجواهر العلم للدينوري)
وكفي بالواقع المعاصر على ذلك دليلا!!!
الدرس الثالث: أهمية ومكانة المسجد الأقصى
لقد بعث الرسول في مكة؛ وبها أول بيت وضع للناس؛ ولقد أثبت العلم الحديث أن مكة والمسجد الحرام وسط ومركز اليابسة في العالم؛ والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا أسري بالنبي – صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام إلى بيت المقدس ليعرج به من هناك ولم يعرج به من المسجد الحرام مباشرة من حيث موطنه ومبعثه؟!!
أقول: ذلك لحكم كثيرة وجليلة تتلخص فيما يلي:
* أن ذلك كَانَ إظهاراً لصدق دعوى الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين سألته قريش عن نعت بيت المقدس، فنعته لهم وأخبرهم عن عيرهم التي مر عليها في طريقه، ولو كَانَ عروجه إِلَى السماء من مكة لما حصل ذلك، لأنهم لا علم لهم بالعالم العلوي، إذ لا يمكن إطلاعهم عَلَى ما في السماء لو أخبرهم عنه، وقد اطلعوا على بيت المقدس فأخبرهم بنعته، لذلك قال لقريش: ” وآية ذلك أنى مررت بعير بنى فلان بوادي كذا وكذا، فأنفرهم حس الدابة، فند لهم بعير فدللتهم عليه وأنا متوجه إلى الشام، ثم مررت بعير بنى فلان، فوجدت القوم نياماً ولهم إناء فيه ماء قد غطوا عليه بشئ، فكشفت غطاءه وشربت ما فيه، ثم غطيت عليه كما كان، وآية ذلك أن عيرهم تصوب الآن من ثنية التنعيم البيضاء، يقدمها جمل أورق عليه غرارتان إحداهما سوداء والأخرى برقاء. قال: فابتدر القوم الثنية فلم يلقهم أول من الجمل الذي وصف لهم وسألوهم عن الإناء وعن البعير، فأخبروهم كما ذكر صلوات الله وسلامه عليه، وذكر عن إسماعيل السدي، أن الشمس كادت أن تغرب قبل أن يقدم ذلك العير، فدعا الله عز وجل فحبسها حتى قدموا كما وصف لهم. قال: فلم تحتبس الشمس على أحد إلا عليه ذلك اليوم وعلى يوشع بن نون.”(البيهقي، وسيرة ابن كثير)
* الترابط بين مهبط الرسالات: فبيت المقدس هو مهبط النبوة قبل نبوته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأنبياء بني إسرائيل بعثوا في تلك الأرض المقدسة، وهناك القبلة الأولى التي كَانَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه يستقبلونها، إذاً فهناك ربط بين هذا النبي الجديد وبيئته وبلدته الجديدة -النبوة الخاتمة- وبين مهبط النبوة السابقة لها أيضاً، وفيه إشعار بأن هذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكمِّل ومتمِّمٌ لرسالات الأَنْبِيَاء قبله، فهو خاتمهم، ولم يأتِ في باب التوحيد والإيمان بجديد عما جاءوا به في أصَلِ القضية، وإنما دعا إِلَى ما دعوا إليه.
فالنبوة حصرت في ذرية إبراهيم عَلَيْهِ السَّلام، ثُمَّ كانت النبوة في فرع إسحاق فنقلها الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى فرع إسماعيل، وكلاهما أبناء إبراهيم الخليل عليه وعليهم أفضل الصلاة والتسليم.
* أن في ذلك إشارةً إلى انتقال القيادة والريادة من أمة اليهود، الذين عاثوا في الأرض فسادًا، فلم يعودوا يصلحون لقيادة البشرية إلى أمة جديدة، صاحبة رسالة وهداية؛ هي أمة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران: 110).
* أن أرض فلسطين وما حولها أرض مباركة، بركة حسية ومعنوية، فيها بيت المقدس؛ أولى القبلتين، وثالث الحرمين، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم عاش هناك أغلب الأنبياء، ودفن هناك إبراهيم ولوط ويعقوب ويحيى وزكريا عليهم السلام، ولقد مدحها الله في القرآن الكريم في خمسة مواضع؛ وهي أرض إسلامية صرفة، ليست ملكًا لحاكم ولا لشعب، وإنما هي ملك للإسلام والمسلمين في كل مكان، وهذا يبيِّن واجبنا نحوها ونحو أهلها والمقدسات التي على أرضها، وفي الحديث: “لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم؛ حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك” (البخاري). وفي رواية: (قيل: أين هم يا رسول الله؟ قال: “في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس”. وكل البلاد الإسلامية التي تحيط بها من أكناف بيت المقدس.
الدرس الرابع: أهمية الصلاة وسبب فرضيتها في السماء دون بقية العبادات!!
إن الصلاة هي الفريضة الوحيدة التي فرضت ليلة الإسراء والمعراج في السماء السابعة وبدون واسطة, فلماذا فرضت العبادات كلها عن طريق الوحي على وجه الأرض دون الصلاة، فأخذ الله نبيه إلى مكان لم يصل إليه أحد فتفرض هناك خاصة؟!!
والجواب عن ذلك أقول: إن الإنسان يتكون من قسمين: جسد وروح، فالجسد خلق من طين وغذاؤه من طين ومرجعه للطين، والروح مخلوقة من روح الله { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} (الحجر: 29)، وغذاؤها غذاءٌ روحي هو العبادة والصلاة، ومرجعها إلى الله كما في الحديث أن ملك الموت وأعوانه يصعدون بها إلى الله حين قبض الروح من العبد مباشرة، فناسب أن يكون غذاؤها من المكان الذي خلقت منه – كالجسد وغذاؤه – ففرضت هناك، فأصبحت معراجاً روحياً بينك وبين الله، ففي صحيح مسلم ” قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي. وَإِذَا قَالَ:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي. وَإِذَا قَالَ:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي. فَإِذَا قَالَ:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ. فَإِذَا قَالَ:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ”
فالصلاة معراج للأرواح والنفوس، خمس مرات كل يوم في الأداء، وخمسون في الأجر والثواب عند الله، وإشارة إلى أن المسلم يسمو بنفسه وروحه فوق الشهوات والشبهات، ودائمًا يتطلع إلى المعالي، ويتعلَّق بالمثل الأعلى في كل شيء من قيم الحياة، فلا يرضى بالدون أو المؤخرة.
وثمة حكمة أخرى من فرضية الصلاة في السماء: أن الصلاة هي العبادة الوحيدة التي يشترك فيها أهل السماء مع أهل الأرض، لأن الملائكة لا تزكي لأنها لا تملك المال، ولا تأكل ولا تشرب حتى تصوم، ولا تتناكح ولا تتناسل حتى تؤمر بصلة الأرحام وضوابط المعاملات، وإنما هي أجسام نورانية لطيفة قادرة على التشكل بأشكال حسنة، مفطورون على العبادة، منهم الراكع لا يرفع رأسه، ومنهم الساجد لا يرفع رأسه، ومنهم المسبح ومنهم القائم، وكرم الله الإنسان لأنه جمع في صلاته أنواع صلوات الملائكة من قيام وركوع وسجود وتسبيح وغيرها، فالملائكة يسبِّحون اللَّيل والنَّهار لا يفترون، فإذا كان يوم القيامة قالوا: سبحانك! ما عبدناك حقَّ عبادتك. وإذا كانت الملائكة تقول ذلك حياءً من التقصير- مع أن الراكع والساجد لا يرفع رأسه إلى يوم القيامة – فماذا نقول نحن لله؟! لذلك ناسب أن تفرض الصلاة في السماء لاشتراك أهل السماء مع الأرض فيها.
عباد الله: لو جئنا إلى التطبيق العملي لوجدنا أن الكثير من الناس يغفل عن هذا المعراج الروحي من خلال الصلاة والعبادة؛ ويهتم بأمور الدنيا وشهواتها وملذاتها؛ وبعد ذلك يقول: إنني في ضيق وغم وهم وحزن!!!
إن الحياة بدون عبادة حياة خاوية الروح، مظلمة الفكر، منتنة الطبع، متعفنة الفطرة، مرة المذاق، ولا أدل على ذلك من حالات الناس في تلك المجتمعات التي فقدت السلطان الروحي؛ حيث يندفع الكثير منهم إلى الانتحار نتيجة القلق النفسي، فإن عبادة الله سبحانه وتعالى بها يحفظ التوازن بين مطالب الجسم ورغائب الروح، وبين دوافع الغرائز ودواعي الضمائر، وبين تطلعات العقل وأشواق القلب، وهي مدد ووقود لجذوة العقيدة التي تنير جوانب النفس. ولذلك ” كان النبي r إذا حزبه أمر صلى ” ( أبو داود )، وكلما أحس r بضيق أو هَمٍّ يقول: ” أقم الصلاة يا بلال أرحنا بها “( أبو داود )، فكلما بعدتَّ عن العبادة والطاعة كنتَ في ضيق وغمٍّ وقلق نفسي وتوتر وضنك، والشفاء والعلاج في صلتك بالله، {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}( طه: 124 – 126)
فضلا عن أن الصلاة لا تسقط بحال من الأحوال؛ وإنما يعتريها التخفيف؛ أما الصوم والزكاة والحج فهي عبادات تسقط بالكلية عند عدم الاستطاعة؛ كما أن الصلاة أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة؛ لذلك كله ناسب أن تفرض في السماء.
فما أحوجنا إلى المحافظة على هذه الفريضة العظيمة التي أكرمنا الله بها في ليلة الإسراء والمعراج عن طريق نبيه صلى الله عليه وسلم!!
الدرس الخامس: تسليم القيادة والريادة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم
وهذا الدرس العظيم يتمثل في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بجميع الأنبياء والمرسلين إماما بعد أن أحياهم الله له جميعا؛ فإمامة النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء والمرسلين السابقين في بيت المقدس، إشارةٌ إلى مكانة النبي عند ربه؛ حيث جعله إمامًا لجميع الأنبياء والمرسلين، وإشارة إلى وحدة الرسالات السابقة في المصدر والهدف والغاية، فمصدرها جميعًا من الله، وهدفها تعبيد الناس إلى الله، فالأنبياء جميعًا إخوة فيما بينهم، كل واحد يؤدي دوره، ويأتي من بعده ليكمل الرسالة، وفي الحديث: “مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى دارًا فأتمها إلا موضع لبنة؛ فكان الناس يقولون: لولا هذه اللبنة، فأنا هذه اللبنة”(البخاري). كما يدل ذلك دلالة واضحة على العهد والميثاق الذي أخذه الله على كل الأنبياء والمرسلين لئن بعث محمد وأنتم أحياء لتؤمنن به ولتنصرنه؛ قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ؛ فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}؛ (آل عمران: 81 ، 82) ” قال علي بن أبي طالب وابن عمه عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما: ما بعث الله نبيا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق، لئن بَعَث محمدًا وهو حَيّ ليؤمنن به ولينصرنه، وأمَرَه أن يأخذ الميثاق على أمته: لئن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وهم أحياء ليؤمِنُنَّ به ولينصرُنَّه. وروي أن عمر بن الخطاب أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقال : يا رسول الله ! إني أصبت كتابا حسنا من بعض أهل الكتاب ، قال : فغضب وقال : (أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب ! فوالذي نفسي بيده ! لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، لا تسألوهم عن شئ فيخبروكم بحق فتكذبوا به ، أو بباطل فتصدقوا به ، والذي نفسي بيده ! لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني” ( تفسير ابن كثير )
إن رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم جاءت خاتمة وناسخة لكل الشرائع التي مضت؛ وإن على الجميع الإذعان والتسليم والانقياد لهذا الدين العظيم دين الإسلام؛ {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران:85)؛ وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ؛ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:” وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ” (مسلم)
إن الإسلام دين السلام والتسامح؛ ولم يكره أحدا على الدخول في الإسلام ؛ وإنما هي رسالة بلغها الرسول عن ربه؛ { وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ }( الكهف: 29)؛ {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (النور: 54؛ والعنكبوت : 18) فهل يعي الآخر ذلك ويطبقه؟!
الدرس السادس: رؤية الحقائق الغيبية وأثرها في تثبيت القلب وزيادة الإيمان
فنحن نعلم أن الإيمان بالغيب درجات ثلاثة، علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين، فلو قلت لك هناك موت وبعث وجنة ونار، فهذا علم، فلو رأيت ذلك بعينيك فهذا عين اليقين، فلو جربته وأكلت من الجنة مثلاً فهذا حق اليقين، وكلما ارتقيت من درجة إلى أخرى يزداد يقينك وإيمانك بالله، فليس من رأي وجرّب كمن علم وسمع. والدرجات الثلاثة وردت في القرآن الكريم قال تعالى:{كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7)} (التكاثر) ، فهاتان درجتان، والثالثة في قوله تعالى:{إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ}(الواقعة:95) والضمير عائد على الموت وخروج الروح، فهو حق أي أن الكل سيجربه حقاً ويموت. فالله أكرم نبيه في المعراج برؤية الغيبيات لهذه الحكمة، وقد ذكر ذلك في آيات الإسراء فقال:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الإسراء : 1)، وفي آيات المعراج قال:{لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}(النجم: 18)، وهذا الأمر ليس قاصراً على نبينا فقط، بل شمل أنبياء كثيرين قبله، فهذا موسى قال الله له:{وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى (23) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24)} (طه) فأراه الآيات أولاً تثبيتاً له ثم عقبها بالذهاب إلى فرعون. وهذا إبراهيم عليه السلام قال الله فيه:{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (البقرة: 260)، جاء في تفسير ابن كثير “عن ابن عباس قال: { فَصُرْهُنَّ إِلَيْك } أوثقهن، فلما أوثقهن ذبحهن، ثم جعل على كل جبل منهن جزءًا، فذكروا أنه عمد إلى أربعة من الطير فذبحهن، ثم قطعهن ونتف ريشهن، ومزقهن وخلط بعضهن في ببعض، ثم جزأهن أجزاءً، وجعل على كل جبل منهن جزءًا، قيل: أربعة جبال . وقيل: سبعة. قال ابن عباس: وأخذ رؤوسهن بيده، ثم أمره الله عز وجل، أن يدعوهن، فدعاهن كما أمره الله عز وجل، فجعل ينظر إلى الريش يطير إلى الريش، والدم إلى الدم، واللحم إلى اللحم، والأجزاء من كل طائر يتصل بعضها إلى بعض، حتى قام كل طائر على حدته، وأتينه يمشين سعيا ليكون أبلغ له في الرؤية التي سألها، وجعل كل طائر يجيء ليأخذ رأسه الذي في يد إبراهيم، عليه السلام، فإذا قدم له غير رأسه يأباه، فإذا قدم إليه رأسه تركب مع بقية جثته بحول الله وقوته؛ ولهذا قال:{ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } أي: عزيز لا يغلبه شيء، ولا يمتنع منه شيء، وما شاء كان بلا ممانع لأنه العظيم القاهر لكل شيء، حكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره. قال ابن عباس في قوله تعالى: { وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } ما في القرآن آية أرجى عندي منها” أ.ه
وكأن الله يقول لسيدنا إبراهيم نحن أكرم منك يا إبراهيم، فأنت طلبت الرؤيا-الدرجة الثانية عين اليقين- ونحن جعلناك جربت ذلك بنفسك فأعطيناك الدرجة الثالثة، لذلك ليس من علم بالله كمن رآه، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ :” قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْر،ِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ قَالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ: فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ عز وجل -وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ- مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ قَالُوا: يَقُولُون: يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ قَالَ: فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ قَالَ: فَيَقُولُ: وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا، وَتَحْمِيدًا وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا، قَالَ: يَقُولُ: فَمَا يَسْأَلُونِي؟ قَالَ يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا، قَالَ: يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا، وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَة،ً قَالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: مِنْ النَّارِ، قَالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا، قَالَ: يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا، قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا، كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً، قَالَ: فَيَقُولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، قَالَ: يَقُولُ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ: فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ، قَالَ: هُمْ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ”( البخاري)، بل إن الصحابة يزداد يقينهم وثباتهم وإيمانهم برؤية الرسول صلى الله عليه وسلم فما بالك برؤية الله؟!! فعَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ قَالَ:” لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةُ؟ قَالَ قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ. قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا تَقُولُ؟! قَالَ قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيرًا. فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ”( مسلم)، فينبغي على كل مسلم أن يتذكر الغيب أمامه؛ ويعمل على كل عمل يذكره بربه والآخرة؛ فذلك أدعى لزيادة الإيمان وتثبيت القلب على طاعة الرحمن!
هذا فضلا عن أن المشاهد التي رآها الرسول في رحلة المعراج رسائل وإشارات إلى تحذير الأمة من هذه الانحرافات؛ حيث كانت العقوبات الشديدة المنفرة، فيحذِّر النبي الأمة من هذه الآفات كالربا، والزنا، وأكل مال اليتيم؛ والغيبة والنميمة وغيرها؛ لأنها أمراض اجتماعية تدمِّر الفراد والمجتمع. نسأل الله أن يجعل ما قلناه وما سمعناه حجة لنا لا علينا يوم القيامة؛ وأن يجعلنا من العالمين العاملين المخلصين!
الدعاء،،،،،، وأقم الصلاة،،،،،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي