خطبة الأسبوععاجل

خطبة بعنوان: “ظاهرة الإدمان وعلاجها في الإسلام”، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 22 من شعبان 1438هـ – 19 مايو 2017م

خطبة بعنوان: “ظاهرة الإدمان وعلاجها في الإسلام”، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 22 من شعبان 1438هـ – 19 مايو 2017م.

لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا

لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا

 

ولقراءة الخطبة كما يلي:

عناصر الخطبة:

العنصر الأول: دعوة الإسلام إلى الحفاظ على العقل

العنصر الثاني: أسباب انتشار الإدمان والمخدرات

العنصر الثالث: أضرار وآثار الإدمان على الفرد والمجتمع

العنصر الرابع: علاج ظاهرة الإدمان

المقدمة:                                                            أما بعد:

العنصر الأول: دعوة الإسلام إلى الحفاظ على العقل

خلق الله الإنسان في هذا الكون ليعمره ويكون خليفة في الأرض؛ ووهبه الله نعما كثيرة لا تعد ولا تحصى؛ وأمره أن يقوم عليها ويرعاها ويحفظها ولا يعتدي عليها بأي أنواع الاعتداء؛ ومن أجل وأعظم هذه النعم نعمة العقل؛ ومن المعلوم أن عقل الإنسان ليس ملكًا له على وجه الحقيقة، وإنما هو بمثابة الوديعة أو العارية عنده، لأنها ملك خالقها وهو الله جل جلاله، وليس من حق الإنسان وهو بمثابة الوديع أو المستعير إتلاف ما استودعه الله إلا إذا أذِن له الله تعالى بذلك كما في الجهاد.

 إن العقل أحد الضرورات الخمس التي أوجب الشارع حفظها؛ يقول الإمام الشاطبي في الموافقات: ” ومجموع الضرورات خمس هي: حفظ الدين ، والنفس ، والنسل ، والمال، والعقل، هذه الضرورات إن فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة ، بل على فساد وتهارج ، وفوت حياة، وفي الآخرة فوت النجاة والنعمة، والرجوع بالخسران المبين.”

فالعقل من أعظم الفروق بين الإنسان والحيوان ، وهو مناط التكليف ، فالإنسان لا يكلف حتى يبلغ الحلم ، ويكون عقله ثابتاً ، ولهذا فالمجنون لا ترتبط به التكاليف ولا تناط به ، بل يرفع عنه القلم حتى يعود إليه عقله ، عَنْ عَلِيِّ بن أبي طالب رضي الله عنه : عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ : عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ ” [ البخاري ] .

إذاً فلا يجوز بحالٍ تعاط المخدرات والمسكرات والخمور والحبوب والمخدرة والمنشطة بشتى أنواعها وأشكالها لأنها تُذهب العقل وتزيله ، وتجعل المتعاط معرضاً للخطر في كل لحظة ، بل قد تعرض الآمنين من المسلمين لخطر السكران والمخمور .

إن شكر النعمة استخدامها فيما خلقت له؛ وكفران النعمة استخدامها في الهلاك والدمار والاعتداء عليها؛ فالعقل نعمة فإذا استخدمته في طاعة وحافظت عليه فقد شكرت النعمة وأديت حقها؛ فبذلك تنال الرحمة والمغفرة!! أما إذا استخدمته في معصية وأسرفت فيه؛ وتعديت عليه بالمسكرات؛ فقد ظلمت نفسك وكفرت بالنعمة ولم تؤد حقها فبذلك دخلت في دائرة الظلم والكفران!! فالأمر في ذلك منوط بعمل الإنسان!! وقس على ذلك بقية النعم من المال والتكنولوجيات الحديثة من النت والدش والفيس بوك والمحمول والبلوتوث وغير ذلك!!!

عباد الله: أسوق لكم قصة مثالية لسلفنا الصالح ومدى حرصهم على طاعة الله وذكره في أشد المحن والأوقات؛ قال ابنُ أبي الدنيا في كتابه “الأمراض والكفارات”  أن عروة بن الزبير لما وقَعَت الأَكَلَة في رِجْلِهِ ، فقيل له : ألا ندعو لك طبيباً ؟ قال : إن شئتم  . فجاء الطبيب ، فقال : أسقيك شراباً يزول فيه عقلك ؟ فقال : امضِ لشأنك ، ما ظننتُ أنَّ خلقاً شرب شراباً يزول فيه عقْله حتى لا يعرف ربّه  .قال : فوضع المنشار على ركبته اليسرى ، ونحن حوله ، فما سمعنا حساً .فلما قطعها جعل يقول : لئن أخذت لقد أبقيت ، ولئن ابتليت لقد عافيت .قال : وما تَرَكَ جُزأه بالقرآن تلك الليلة .” أ . ه؛  وانظر القصة كاملة في وفيات الأعيان والبداية والنهاية وصفة الصفوة وغيرها .

فانظر كيف أبَى أن يعطل عقله عن الذكر والدعاء والتسبيح – مع أن الضرورة أباحت له المخدر – فكيف بنا نعمد إلى تعاطي المخدرات والمسكرات ونعتدي على العقل بلا حاجة أو ضرورة؟!!

عباد الله: شرب الخمور والمخدرات ، وتعاطي المسكرات وانتشار المنومات علامة ظاهرة من علامات قرب الساعة ، والأدهى من ذلك استحلال بعض الناس لها، نعم لقد استحلها بعض المسلمين اليوم ولا يبالون بالتحريم والتحذير منها عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ : ” أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ ، وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ ، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا ” [ متفق عليه ] . وعن أَبي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا ” [أحمد وابن ماجة بسند صحيح] . فقد أطلقوا اليوم على الخمر أسماءً متعددة من باب التغطية ، فكما جاء في الحديث يسمونها بغير اسمها ، فسموها المشروبات الروحية ، والبيرة ، ومشروب الشعير ، والمقويات ، والمسهرات ، وغير ذلك من الأسماء ، وفي الحقيقة هي المدمرات!!!

لذلك كانت الخمر والمخدرات مفتاح كل شر؛ وهذه قصة تؤيد مصداقية حديث النبي صلى الله عليه وسلم في أن الخمر سبب لكل شر ، ومفتاح لكل سوء ، فقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه أن عثمان بن عفان خطب الناس فقال : اجتنبوا الخمر ، فإنها أم الخبائث ، إن رجلاً ممن كان قبلكم ، كان يتعبد ويعتزل النساء ، فعلقته امرأة غاوية ، فأرسلت إليه أني أريد أن أشهدك بشهادة ، فانطلق مع جاريتها ، فجعل كلما دخل باباً أغلقته دونه ، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة ، وعندها باطية فيها خمر ، فقالت : إني والله ما دعوتك لشهادة ، ولكن دعوتك لتقع علي ، أو لتشرب من هذا الخمر كأساً ، أو لتقتل هذا الغلام ، وإلا صحت بك وفضحتك ، فلما أن رأى أن ليس بد من بعض ما قالت ، قال : اسقيني من هذا الخمر كأساً ـ ففي ظنه أن الخمر أهونها مصيبة ، وأقلها ضرراً ـ فسقته ، فقال : زيديني كأساً ، فشرب فسكر ، فقتل الغلام ، ووقع على المرأة ، فاجتنبوا الخمر ، فوالله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر في قلب رجل إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه “. فانظروا عاقبة شرب الخمر ، أوقعت في قتل النفس المعصومة ، وتسببت في الوقوع في الفاحشة والرذيلة ، فيالها من عاقبة وخيمة ، ونهاية مؤلمة لمن ألف الخمر وشربها ، والمخدرات وتعاطيها .

العنصر الثاني: أسباب انتشار الإدمان والمخدرات

 انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة الإدمان والمخدرات وذلك لأسبابٍ عديدةٍ؛ وهذه الأسباب  منها ما يعود إلى المجتمع؛ ومنها ما يعود إلى الأسرة؛ ومنها ما يعود إلى المتعاطي نفسه.

* أما الأسباب التي تعود إلى المجتمع فهي:

1- غياب القيم الأخلاقية الإسلامية.                     2- وجود الفراغ الروحي “الغفلة عن الصلة بالله” في المجتمع بصفة عامة.

3- عدم توافر الوعي الاجتماعي الكامل بالأضرار الناتجة عن تعاطي المخدرات.

4- انتشار المخدرات في المجتمع المحيط بالشباب.                      5- غياب جماعة الرفاق الصالحين.

6- ضعف الوعي الديني والتوعية لدى أفراد المجتمع.                  7 – التقليد الأعمى للغرب.

*أما الأسباب الأسرية فهي:

1- عدم وعي الأسرة بخطورة تعاطي المخدرات، وتقصير الأسرة في التحذير منها.

2- وجود الخلافات العائلية والتفكك الأسري.                   3- انشغال الأب بأعمال كثيرة خارج المنزل ولفترات طويلة.

* أما عن الأسباب المتعلقة بالمتعاطي نفسه فكانت أهمها:

1- الرغبة لدى المتعاطي في اقتحام سور الممنوع.                2- عدم الاستغلال الأمثل لوقت الفراغ في ما يفيد الفرد ومجتمعه.

3- التخلف الدراسي وكثرة الرسوب عند الفرد.                 

4- وجود الاضطرابات النفسية ومسببات القلق النفسي.

5- مصاحبة رفاق السوء في كثير من الأماكن العامة والخاصة.

هذه هي أسباب شرب الخمور والمخدرات عند الأفراد والأسر والمجتمعات؛ ومن خلالها يمكن معرفة العلاج؛ وبضدها تتميز الأشياء!!

العنصر الثالث: أضرار وآثار الإدمان على الفرد والمجتمع

لا يخفى على أدنى عاقل ما تحدثه ظاهرة الإدمان من أضرار جسيمة على الفرد والمجتمع ، وقد ذكر العلماء والباحثون قديماً وحديثاً أضراراً كثيرة لهذه المواد المدمنة، بل أفردها بعضهم بالتصنيف .

ولهذا قال ابن حجر الهيتمي – بعد أن ذكر الحشيشة والمخدرات –  : ” وفي أكلها مائة وعشرون مضرة دينية ودنيوية ”   ثم ذكر بعض مضارها . وأعتذر لحضراتكم عن طول هذا العنصر وذلك لاشتماله على أضرارٍ لمجالات دينية واجتماعية واقتصادية وصحية متنوعة؛ حتى تكتمل الفكرة !!! ويمكن أن نقسم أضرار المخدرات إلى عدة أقسام :-

أولاً : الأضرار الدينية:

وتتمثل الأضرار الدينية في عدة جوانب دنيوية وأخروية منها:

 الصد عن ذكر الله وعبادته :  قال تعالى:{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ } (المائدة:91). والمدمن الذي تعلق قلبه بالمخدرات من أبعد الناس عن الاستجابة لأمر الله ، ومن أغفلهم عن ذكر الله .

ومنها: عدم إجابة الدعاء :  وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: ” أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ” ( أخرجه مسلم).

ومنها: السنة السيئة ، والدعوة إلى الضلالة : فمتعاط المخدرات ربما كان قدوة سيئة لغيره ، فإن كان أباً اقتدى به أولاده ، وإن كان أخاً قلده إخوانه ، وإن كان ريئساً تبعه مرؤوسيه ، وهكذا صاحب المخدرات دائماً يمثل وصمة عار لمجتمعه وأسرته وأمته، وتحمل أوزاراً وأثاماً لا طاقة له بحملها ، فعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ ” ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا” [أخرجهما مسلم في صحيحه]

ومنها: أنها تقتل الحياء : والحياء شعبة من شعب الإيمان ، وإذا ذهب حياء الإنسان ساء سلوكه؛ وقد روى أبو مسعود الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت ” ( رواه البخاري ).

ومنها: الطرد والإبعاد عن رحمة الله تعالى :  فمتعاطي المخدرات والمسكرات ملعون بلعنة رسول الله، كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : لعن رسولُ اللهِ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – في الخمرِ عَشْرَةً : عاصرَها ، ومعتصرَها ، وشاربَها ، وحاملَها ، والمحمولةَ إليه ، وساقِيَها ، وبائعَها ، وآكلَ ثَمَنِها ، والمشترِي لها ، والمُشتَراةَ له (صحيح سنن الترمذي )

ومنها: أن شرب الخمور وتعاطي المخدرات سبب للعقوبات : فعَنْ جَابِرٍ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ ” قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ ؟ قَالَ : ” عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ ” [مسلم]

ثانيا: الأضرار الصحية للخمور والمخدرات :

هناك العديد من الأضرار الصحية التي تسببها المخدرات ، والخمور والمسكرات ، وهاكم شيئاً منها :

تسبب مرض السل ؛ تفسد المعدة ؛ تفقد الشهية للطعام ؛ تسبب جحوظ العينين ؛ تسبب في إسراع الهرم ؛ تعوق دورة الدم ، وقد توقفها أحياناً ، فيموت السكران ؛ وبالنسبة للنساء يكون أطفالهن معوقين في الغالب ، ومنهم من يموت في بطن أمه بسبب السموم التي تنتقل إليه . كما أنها تضعف القدرة العقلية ، حيث ينتهي تعاطيها إلى الجنون ؛ كما تضعف المناعة لدى الجسم ، مما يجعله عرضة للأمراض ، وخصوصاً الفتاكة ؛ كما تسبب تليف خلايا الدماغ ؛ وتسبب هبوط القلب ؛ والتهاب الكبد وتليفه ؛ وتعطل وظائف الكلى ، وتسبب الفشل الكلوي ؛  وسرطان الرئة ؛ كما تؤثر القات تأثيراً كبيراً ، فيحطم الأضراس ، ويهيج البواسير .

وقد دُعي أحد الأطباء لإلقاء محاضرة في مركز للمدمنين عن أضرار الخمر فأحضر معه حوضان زجاجيان: ‏الأول فيه ماء، والثاني فيه خمر ووضع دودة في ‏الماء فسبحت، ثم وضعها في الخمر ‏فتحللت وذابت حينها نظر إلى المدمنين سائلاً: هل وصلت الرسالة ؟!فكان الجواب نعم!

ثالثا: الأضرار النفسية والعقلية :-

تورث الخمور والمخدرات كثيرا من الأضرار النفسية والعقلية منها: القلق والاكتئاب؛ والتوتر العصبي والنفسي؛ والهلاوس السمعية والبصرية والحسية كسماع أصوات أو رؤية أشباح لا وجود لها؛ كما أنها تولد البلادة أو ضعف الإدراك والتركيز ، واضطراب الذاكرة وكثرة النسيان ، وقد يصاب المدمن في بعض الحالات بفقدان الذاكرة أو الجنون؛ وضعف الاستجابة للمؤثرات الخارجية؛ وسوء تقدير الزمان والمكان وتقدير المسافات والسرعة؛ والانطواء والعزلة ، والشعور بالإحباط؛ وانفصام الشخصية .

وقد سجلت حوادث كثيرة  بسبب تأثير المخدرات على العقل والإدراك ، نذكر فيما يلي طرفاً منها:

– دخلت فتاة جامعية إحدى المستشفيات في ولاية كاليفورنيا وهي تصرخ : إنني أخرج من جلدي الأفعى، ثم أصيبت بالجنون بعد أيام .

– شاب في أمريكا تناول المهلوسات، وكان بين مجموعة من أصدقائه فقال لهم: أن الحائط يتجه نحوي، وما كان منه إلا أن رمى نفسه من الطابق الرابع والعشرين فسقط قتيلاً!!

– شاب ألقى نفسه تحت عجلات القطار؛ فلما أنقذه الناس من تحت عجلات القطار قال: لقد أصبحت شخصين نتحدث إلى بعضنا البعض، وقذفني نصفي الثاني تحت عجلات القطار!!

– ألقت سيدة مدمنة بطفلتها الرضيعة على الأرض، بسبب ظنها أن الطفلة تحولت إلى قطة تمتص ثديها!!

وغير ذلك كثير من الحوادث التي كانت بسبب الخمر والمخدرات!! {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} ( هود: 101)

رابعاً : الأضرار الاجتماعية

هناك عدة أضرار اجتماعية للخمر والمخدرات منها:

هتك أعراض البيوت : فكم أوقعت المخدرات من أسر في بحار الفضيحة والعار ، وكم هتكت للبيوت من أستار ، يحتاج الأب لمخدر فيبيع بيته ، وسيارته ، وأثاثه ، ثم يفتقر ، فلا يجد شيئاً يبيعه غير عرض زوجته أو ابنته ، هكذا هي الوقائع والأحداث اليوم والتي تجري على مسرح الحياة الحقيقية ، فهي مصائب ومفتن ومحن ، وبلاياً ورزاياً حطت على الأمة ، بسبب المخدرات!!

فالخمور والمسكرات والمخدرات ، تفسد العقل ولقد رأى أبو بكر الصديق رجلا يبول في فم رجلٍ آخر وهو يقول له : زدني ، زدني! وروى القرطبي رحمه الله في تفسيره : أن أحد السكارى جعل يبول ، ويأخذ بوله بيديه ليغسل به وجهه وهو يقول : اللهم اجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهرين!!

ولما سُئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه : هل شربت الخمر في الجاهلية ؟ قال : أعوذ بالله ! فقيل له : ولِمَ ؟ قال : كنت أصون عرضي ، وأحفظ مروءتي ، فإن من شرب الخمر كان مضيعاً في عرضه ومروءته ، وصدق رضي الله عنه ، فكم هي الأعراض التي أنتهكت وبيعت بسبب شربة خمر ، أو جرعة هروين ، أو حبة مخدر!!!

ومنها : تشريد الأبناء وتفكك الأسرة :  فكم من أسر تدهورت أحوالها ، وانقلبت رأساً على عقب ، فتبدلت الفرحة إلى حزن ، والألفة إلى نفرة ، والمحبة إلى عداوة ، مل ذلك بسبب تعاط المخدرات ، واستعمال الحشيش والقات ، وغيرها من أنواع السموم المحرمات ، كم من أسرة عم الخراب جدرانها ، ومزق التوتر أهلها ، وتفرق أبناؤها ، وتشتت بناتها ، فهرب الأبناء من الأب المدمن ، وهجرت الزوجة فراش المجرم ، ترك الأبناء بيتهم نجاة من أبيهم ، فوقعوا ضحية أصحاب السوء ، وأهل الفساد ، وتلقفتهم أيدي العابثين بالأعراض ، وضاعت الأم بسبب عدم تحملها لأعباء الأسرة ، وكثرة المشاكل والقلاقل ، فكانت ضحية هي الأخرى .

ومنها: كثرة حالات الطلاق : فإن كثيراً من حالات الطلاق وقعت نتيجة لعدم قيام المدمن بحقوق زوجته وأولاده ، أو نتيجة للخلافات التي تحدث بين الزوجين بسبب الإدمان وآثاره .

ومنها: فساد المجتمع وضعفه : فالمدمن عنصر فاسدٌ في نفسه ، مفسدٌ لغيره من أفراد المجتمع ، وإذا كثر المدمنون في المجتمع هدمت مقوماته ، وخارت قواه ، ودب فيه الوهن والضعف ، مما يجعله فريسة سهلة لأعدائه ؛ كما يؤدي إلى انطفاء نار الغيرة على العرض في قلب المدمن؛ فإن المدمن قد يلجأ – وهو يلهث وراء جرعة المخدر – إلى المتاجرة بعرضه للحصول على المخدر ، وكم وقع من حوادث الدياثة والمتاجرة بأعراض البنات والأخوات ما يندى له جبين المؤمن ، والله المستعان .

خامساً : الأضرار الأمنية  وهذه الأضرار وإن كانت تدخل ضمن الأضرار الاجتماعية ، إلا أننا نفردها لأهميتها ، فمنها :

زعزعة الأمن : فالسكران والمخمور ومتعاط المخدرات يسبب الذعر بين صفوف الناس ، فيتهور في قيادته لسيارته ، ويتهور في مشاجرته مع الآخرين ، فقد يقتل بريئاً بسبب فقده لعقله ، وقد يسبب إرباكاً أثناء قيادته ، فقد تتصادم عدد من السيارات بسبب قيادته الهوجاء ، إضافة إلى ما يسببه السكران والمخمور من تعد على الآخرين ، بقول أو فعل ، أو يخرج من بيته فيبلغ عنه أهله ، خوفاً من ضرره .

ومنها: وقوع الجرائم و انتشارها : فالمخدرات من الأسباب الرئيسية لوقوع الجرائم الأخرى في المجتمع ، فقد أثبتت الدراسات التي أجريت على بعض المتعاطين العلاقة الوثيقة بين الإدمان والجريمة ، كما أثبتت الدراسات أن المخدرات كانت وراء كثير من جرائم القتل والاغتصاب والسرقة والسطو وقطع الطريق ؛ كما أن هناك جرائم أخرى ترتبط بهذه الجريمة كالتزوير وتزييف العملة والرشوة وغسيل الأموال وغيرها.

ومنها: كثرة الحوادث المرورية : فإن نسبة كبيرة من الحوادث تقع بسبب تعاطي المخدرات والمسكرات ، مما يؤثر على أمن وسلامة الناس في الطرقات ، وفي دراسة أجريت بفرنسا تبين أن 90% من حوادث السيارات تنجم عن تعاطي الخمور .

ومنها: تعرض رجال الأمن للخطر : تنتهج عصابات التهريب سلوكاً عدوانياً ، وتستميت في مقاومة رجال الأمن هرباً من العقوبة، وقد شهدت الساحة مواجهات دامية بين هذه الشرذمة وبين رجال الأمن الذين يقدمون أرواحهم في سبيل المحافظة على أمن المجتمع واستقراره.

سادساً: الأضرار الاقتصادية

تشكل تجارة المخدرات والإنفاق الدولي المترتب عليها خطراً جسيماً يهدد اقتصاد العالم ، فقد أعلنت الأمم المتحدة أن الأموال التي تنفق في تجارة المخدرات تقدر بحوالي300 مليار دولار سنوياً ، ويمكن أن نقسم الأضرار الاقتصادية الناجمة عن تعاطي المخدرات إلى قسمين:-

أ ) أضرار المخدرات على دخل المتعاطي وحالة أسرته المادية :

منها: ضعف إنتاجية الفرد وقلة دخله : وذلك بسبب انهيار جسمه، واختلال تفكيره، وتعرضه للطرد من عمله مما يؤثر على دخله المادي .

ومنها:  سوء حالة الأسرة المادية : تستقطع المخدرات جزءاً كبيراً من دخل المتعاطي وهذا الأمر له أثره البالغ على نفقات أسرته ، لاسيما في الأسر الفقيرة ؛ ويا لله ، كم من أسرة باتت من الجوع طاوية ، وبطونها من الزاد خاوية ، تفترش الأرض ، وتلتحف السماء ، وربـها المدمن ينفق آلاف الدولارات على المخدرات!!

ومنها: ضعف الأداء الوظيفي : لا شك أن المخدرات قرينة الآفات، فالذين يتعاطونها لا يتورعون عن فعل أي شيء بهدف الحصول على المزيد منها لإشباع عادتهم، وتوضح الدراسات أن متعاطي المخدرات أقل إنتاجية بمقدار الثلث، ونسبة حوادثهم الوظيفية ثلاثة أضعاف، ونسبة الغياب بالنسبة لهم ضعف ما لغيرهم من الموظفين الذين لا يستعملون المخدرات ، فكم هم الذين فصلوا من أعمالهم ، وسرحوا من وظائفهم بسبب تعاطيهم للمخدرات .

ب) أضرار المخدرات على اقتصاد الدول :       

هناك أضرار اقتصادية للمخدرات تؤثر سلبا على الاقتصاد الدولي وتتمثل فيما يلي:

منها: أن الدول تنفق مبالغ ضخمة في عمليات مكافحة المخدرات ، وفي توفير الرعاية الصحية والاجتماعية للمدمنين ، وفي رعاية الموقوفين ونزلاء السجون من المتورطين في قضايا المخدرات ، هذه المبالغ لو صرفت في المشاريع النافعة لكان لها أثرها الكبير في دفع عجلة التنمية وازدهار البلاد ، ففي مصر مثلاً تبلغ الخسائر السنوية في عمليات المخدرات حوالي مليار ونصف مليار جنيه سنوياً.

ومنها:  انخفاض الناتج القومي نظراً لضعف إنتاجية العاملين بسبب التغيب عن العمل ، أو التكاسل ، أو التعرض للإصابة والحوادث .

ومنها: أن زراعة المخدرات تؤثر تأثيراً بالغاً على الزراعات المشروعة .

ومنها: الأعباء الاقتصادية المترتبة على تلف السيارات والممتلكات بسبب حوادث المرور ، إضافة إلى التلف الذي يلحق الممتلكات العامة والخاصة بسبب سلوك المدمن العدواني ، مما يشكل عبئاً اقتصادياً على الأفراد والدول .

أيها المسلمون: شرب الخمور والمخدرات كبيرة من كبائر الذنوب .. فهي أم الخبائث .. ومفتاح كل شر .. تغتال العقل .. تستنزف المال .. كريهة المذاق .. رجس من عمل الشيطان ؛ توقع العداوة والبغضاء بين الناس .. وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة ، تدعو إلى الزنا ، وربما دعت إلى الوقوع على البنت والأخت وذوات المحارم، المخدرات تذهب الغيرة وتورث الخزي والندامة والفضيحة .. وتلحق شاربها بأنقص نوع الإنسان وهم المجانين .. تهتك الأستار .. تظهر الأسرار .. تهوِّن ارتكاب القبائح والمآثم .. تخرج من القلب تعظيم المحارم .. ومدمنها كعابد صنم .المخدرات : كم هيجت من حرب ؟.. وأفقرت من غني ؟.. وذلت من عزيز؟.. ووضعت من شريف ؟.. وسلبت من نعمة؟.. وجلبت من نقمة ؟.. وكم فرقت الخمور والمخدرات بين رجل وزوجته ؟.. فذهبت بقلبه وراحت بلبّه . وكم أورثت من حسرة أو جرّت من عبرة ؟.. وكم أغلقت الخمور والمخدرات في وجه شاربها باباً من الخير ، وفتحت له باباً من الشر ؟ المخدرات كم أوقعت في بلية وعجّلت من منية ؟ المخدرات كم جرّت على شاربها من محنة ، وأدخلته في فتنة ؟ فهي جماع الإثم ومفتاح الشر ، وسلاّبة النعم ، وجلاَّبة النقم!!

 العنصر الرابع: علاج ظاهرة الإدمان

أيها المسلمون: إن علاج هذه الظاهرة يكون بتكاتف فئات المجتمع وذلك بالطرق التالية:

أولاً: الوعظ والتخويف من عقاب الله: فينبغي تذكير شارب الخمر وتخويفه من غضب الله عليه؛ وهذا ما فعله عمر بن الخطاب مع شارب الخمر؛ فقد روى ابن أبي حاتم بإسناده، عن يزيد بن الأصم، قال: ”كان رجل من أهل الشام ذا بأس، وكان يوفد إلى عمر بن الخطاب، ففقده عمر، فقال: ما فعل فلان؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين تتابع في هذا الشراب ( أي الخمر )، فدعا عمر كاتبه، فقال: اكتب: من عمر بن الخطاب إلى فلان بن فلان، سلام عليك، أما بعد، فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو ”غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير” غافر:3 ؛ ثم قال لأصحابه: ادعوا الله لأخيكم أن يُقبِل بقلبه ويتوب عليه. فلما بلغ الرجل كتاب عمر، جعل يقرأه ويردده، ويقول: ”غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب” ، قد حذرني عقوبته ووعدني أن يغفر لي. فلم يزل يرددها على نفسه، ثم بكى، ثم نزع فأحسن النزع ـ أي تاب فأحسن التوبة ـ فلما بلغ عمر خبره قال: ”هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أخاكم زلّ زلة فسدّدوه ووفقوه وادعوا الله أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعوانا للشيطان عليه”.(رواه أبو نعيم في حلية الأولياء، وأورده القرطبي في تفسيره؛ والسيوطي في الدر المنثور )

ثانيا: فرض عقوبة رادعة لمن يتناول الخمر والمسكرات: وليكن الهدف من العقاب هو ردع كل مَنْ تُسَوِّل له نفسه أن يُدمن المسكرات أو المخدِّرات، وليس التشفِّي أو الانتقام من صاحبها؛ فهو شخص مريض في حاجة إلى العلاج؛ لذلك عَمِل رسول الله  على تأصيل هذه المعاني في نفوس الصحابة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ” أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ ، قَالَ : اضْرِبُوهُ ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ ، قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ : أَخْزَاكَ اللَّهُ ، قَالَ : لَا تَقُولُوا هَكَذَا ، لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ ” ( البخاري)

ثالثا: تكثيف الرقابة الأمنية من جهة الدولة وذلك بضبط المتلبسين بهذه الجريمة ومحاسبتهم.

رابعا: كثرة التوعية والندوات؛ وذلك عن طريق الإعلام المرئي والمسموع والمقروء ومراكز الشباب والخطب والدروس والمحاضرات وجميع وسائل الاتصال الحديثة؛ تهدف إلى توضيح مخاطر الخمر والمخدرات على المستوى الثقافي والديني والاجتماعي والاقتصادي.

خامسا: التنشئة الأسرية: وذلك بتربية النشء على القيم والمبادئ الإسلامية لأن الأبوين هما المسئولان عنهم، وبين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله:” كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ” ( متفق عليه) .

سادسا: تخير الصحبة الصالحة: لأن الصاحب ساحب والقرين بالمقارن يقتدي. وقد حث الإسلام على صحبة الصالحين والأخيار، وحذر من صحبة الأشرار، وفي الحديث الصحيح: ” لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طعامك إلا تقي “. ( أحمد وأبو دواد والترمذي والحاكم وصححه )؛ وفي تخير الأصحاب الصالحين حماية من الوقوع في الانحراف والبعد بهم عن مزالق السوء ومهاوي الردى.

فصحبة الأخيار للقلب دواء وتزيده نشاطاً وقوى وتأخذك إلى الطاعة، وصحبة الأشرار داء وعمى تزيد القلب سقماً وتأخذك إلى المهالك.

عباد الله: إن حلَّ ظاهرة الإدمان والمخدرات وعلاجَها لا يقتصر على فئةٍ معينةٍ، وإنما يشمل جميعَ أفراد المجتمع: شباباً وأسرةً ودعاةً ومؤسساتٍ وحكومةً؛ فإذا كان الطبيب يعطى المريض جرعة متكاملة حتى يشفى من سَقمه – إن قصر فى نوع منها لا يتم شفاؤه – فكذلك علاج هذه الظاهرة يكون مع تكاتف المجتمع بجميع فئاته، فكل فئة لها دور ، وباكتمال الأدوار يرتفع البنيان، وإلا كما قيل:

ومتى يبلغ البنيان يوماً تمامَه                إذا كنت تبنى وغيرك يهدم

وفي الختام  أهمس كلمة في أذن المدمن فأقول: الله الله أيها المدمن، اتق الله ، وراقبه في حركاتك وسكناتك ، وإياك والغفلة أو التسويف ، فما قتل النفوس إلا كلمة سوف ، عجل بالتوبة ، فالباب مفتوح ، وإياك أن تغرغر الروح ، فعند ذاك لا توبة تنفع ، ولا شفيع يُسمع ، وليكن لك القدوة في الصحابة الذين امتثلوا للأمر فور نزوله في القرآن فقالوا : انتهينا ربنا ، فعَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ ، قَالَ : اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} قَالَ فَدُعِيَ عُمَرُ رَضِي اللَّه عَنْه فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} فَكَانَ مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذَا أَقَامَ الصَّلَاةَ نَادَى أَنْ لَا يَقْرَبَنَّ الصَّلَاةَ سَكْرَانُ ، فَدُعِيَ عُمَرُ رَضِي اللَّه عَنْه فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ : اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ ، فَدُعِيَ عُمَرُ رَضِي اللَّه عَنْه فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَلَمَّا بَلَغَ {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} قَالَ عُمَرُ رَضِي اللَّه عَنْه : انْتَهَيْنَا انْتَهَيْنَا ” [متفق عليه].

فأين أنت يا أخي من أولئك الرجال ؟!  فإياك أن يستحوذ عليك الشيطان، فيوقعك في النار ويقذفك فيها قذفاً ، فالحق بقوافل التائبين ، وانج مع الناجين ، وإياك وسوف ، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ، فاليوم حياة وغداً ممات ، ولا تدري أتكون غداً بل بعد لحظة من أهل الحياة، أم من أهل القبور؟ فاعمل ليوم البعث والنشور ، يوم تقدم على علام الغيوب .

فهذه فرصة عظيمة للإقلاع عن المسكرات والمخدرات وجميع المعاصي والموبقات ولا سيما ونحن مقبلون على شهر الخيرات والبركات !!

الدعاء؛؛؛؛؛؛؛؛                     وأقم الصلاة؛؛؛؛؛؛؛؛؛                                                        كتبه : خادم الدعوة الإسلامية

د / خالد بدير بدوي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى