خطبة بعنوان: فضائل الصحابة ( رضى الله عنهم ) وواجبنا نحوهم
خطبة بعنوان: فضائل الصحابة ( رضى الله عنهم ) وواجبنا نحوهم
16جمادى الآخرة 1437هـ – 25مارس 2016م
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: فضائل الصحابة ومنزلتهم
العنصر الثاني: الحث على الاقتداء بالصحابة واتباعهم رضي الله عنهم
العنصر الثالث: واجبنا نحو الصحابة الكرام
المقدمة: أما بعد:
العنصر الأول: فضائل الصحابة ومنزلتهم
عباد الله: لقد مدح الله – عز وجل – الصحابة الكرام المهاجرين منهم والأنصار في مواضع كثيرة من القرآن الكريم. قال تعالى: { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة: 100) ؛ وكتب الله لهم الفلاح لنصرتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:{ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف: 157)؛ وغير ذلك من الآيات كما في سورتي الفتح والحشر.
أيها المسلمون: لقد عرَّف الإمام البخاريُّ الصحابيَّ في صحيحه فقال: ” الصَّحَابِي: مَن صَحِبَ النَّبيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – أو رآهُ مِن المُسْلِمِينَ فهو مِن أصْحَابِه”.
فالصحابيُّ: هو مَن لقي النبيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – مؤمنًا به، وماتَ على الإسلام.
وهذا التعميم في تعريفِ الصحابي؛ يدل على فضْل الصُّحبة، وعلى شرفِ منزلة النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -؛ ولأنَّ لرؤية نور النبوة قوةَ سريانٍ في قلْب المؤمِن، فتظهر آثارُها على جوارحِ الرَّائي في الطاعةِ والاستقامة مدَى الحياة، ببركتِه – صلَّى الله عليه وسلَّم – ويَشهد لهذا قوله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ” طُوبَى لِمَن رآنِي وآمَنَ بي، وطُوبَى لِمَن آمَنَ بي وَلَمْ يَرنِي سَبْعَ مِرارٍ .”( أحمد )
فانظروا – يرحمكم الله -: الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر طوبى مرة واحدة لمن رآه وآمن به؛ وسبع مرار لمن آمن به ولم يره !! لماذ؟! قال المناوي رحمه الله:” وذلك لأن الله مدحهم بإيمانهم بالغيب؛ وكان إيمان الصدر الأول غيبا وشهودا؛ فإنهم آمنوا بالله واليوم الآخر غيبا؛ وآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم شهودا لما أنهم رأوا الآيات وشاهدوا المعجزات؛ وآخر هذه الأمة آمنوا غيبا بما آمن به أولها شهودا؛ فلذا أثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم.!!” ( فيض القدير )
فالصحابيُّ بهذا التعريفِ قد حصَل على “شرَف الصُّحبة وعِظم رُؤية النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم؛ وذلك أنَّ رؤيةَ الصالحين لها أثرٌ عظيمٌ، فكيف برؤية سيِّد الصالحين؟! فإذا رَآه مسلمٌ – ولو لحظة – انطَبع قلبُه على الاستقامةِ؛ لأنَّه بإسلامه متهيِّئ للقَبول، فإذا قابَل ذلك النورَ العظيم أشْرَقَ عليه وظهَر أثرُه في قلْبه، وعلى جوارحِه”[ الإبهاج في شرح المنهاج، تقي الدين السبكي].
عباد الله: إن الله اصطفى قلوب صحابة نبيه صلى الله عليه وسلم وطهرها من بين قلوب العباد. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:” إِنَّ اللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ؛ ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ؛ فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌ.”(أحمد والبزار والطبراني وقال الهيثمي في المجمع: رجاله موثوقون)
لذلك استحقوا أن يكونوا خيار الناس على الإطلاق؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي؛ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ؛ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ؛ ثُمَّ يَجِيءُ مِنْ بَعْدِهِمْ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَتُهُمْ أَيْمَانَهُمْ وَأَيْمَانُهُمْ شَهَادَتَهُمْ.” ( متفق عليه ). ” وإنما صار أول هذه الأمة خير القرون ؛ لأنهم آمنوا به حين كفر الناس ، وصدقوه حين كذبه الناس ، وعزروه ، ونصروه ، وآووه ، وواسوه بأموالهم وأنفسهم ، وقاتلوا غيرهم على كفرهم حتى أدخلوهم في الإسلام ” ا.هـ [التمهيد ؛ وفيض القدير] .
إن خير الأزمان والعصور عصر النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم؛ فكيف لو أنهم أدركوا زماننا هذا؟!! ” فعن محمد بن مهاجر عن الزبيدي عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: رحم الله لبيداً إذ يقول:
ذَهَبَ الَّذينَ يُعاشُ في أَكنافِهِم …………. وَبَقيتُ في خَلفٍ كَجِلدِ الأَجرَبِ
فقالت عائشة: كيف لو أدرك زماننا هذا؟! قال عروة: رحم الله عائشة لو أدركت زماننا هذا؟! قال الزهري: رحم الله عروة كيف لو أدرك زماننا هذا؟! قال الزبيدي: رحم الله الزهري كيف لو أدرك زماننا هذا؟! قال ابن مهاجر: رحم الله الزبيدي كيف لو أدرك زماننا هذا؟! قال ابن عوف: رحم الله ابن مهاجر كيف لو أدرك زماننا هذا؟! …………ثم ذكر بعدهم ما يقرب من عشرة رواه…قال المؤلف ( ابن عساكر ): رحم الله أبا الحسن كيف لو أدرك زماننا هذا؟!”( تاريخ دمشق – ابن عساكر )
قلت : – رحم الله هؤلاء جميعاً ومَن بعدهم ؛ فكيف لو أدركوا زماننا هذا وما يحدث فيه ؟!
ومما جاء في فضل الصحابة -رضى الله عنهم- ما رواه أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :” النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ؛ فَإِذَا ذَهَبَتْ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ؛ وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ؛ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ.” [مسلم]. “وهو إشارة إلى الفتن الحادثة بعد انقراض عصر الصحابة؛ من طمس السنن وظهور البدع وفشو الفجور في أقطار الأرض. ” [تحفة الأحوذي وفيض القدير] .
أيها المسلمون: علينا أن نعلمَ، أنَّه إذا فاتنا شرفُ الصُّحْبة، فيجب ألاَّ تفوتنا أُخوَّةُ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – والصحابةِ، وأنْ نكونَ من الذين تمنَّى رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – رؤيتَهم؛ فعن أبِي هُريرةَ :”أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أتى المقبرةَ فقال : السلامُ عليكُمْ دارَ قومٍ مُؤمنينَ . وإنا، إنْ شاء اللهُ، بكمْ لاحقونَ . وددتُ أنا قدْ رأينا إخوانَنا قالوا : أولسنَا إخوانَك يا رسولَ اللهِ ؟ قال أنتمْ أصحابي . وإخوانُنا الذين لمْ يأتوا بعدُ . فقالوا : كيفَ تعرفُ منْ لم يأتِ بعدُ من أمتكِ يا رسولِ اللهِ ؟ فقال أرأيتَ لو أنَّ رجلًا لهُ خيلٌ غرٌّ محجَّلةٌ . بين ظهرِي خيلٍ دهمٍ بهمْ . ألا يعرف خيلَهُ ؟ قالوا : بلى . يا رسولَ اللهِ ! قال فإنهمْ يأتونَ غرًا مُحجَّلينَ منَ الوضوءِ . وأنا فرَطُهمْ على الحوضِ . ألا ليذادنَّ رجالٌ عنْ حوضِي كما يذادُ البعيرُ الضالُّ . أُناديهم : ألا هلُمُّ ! فيقال : إنهمْ قد بدَّلوا بعدَكَ . فأقولُ : سُحقًا سُحقًا ” (مسلم) شريطة اتباع هديه والعمل بسنته صلى الله عليه وسلم.
عباد الله: إن فضل الصحابة عظيم؛ ويكفي أن كل عمل – يعمله مَن بعدهم إلى يوم القيامة – في ميزان حسناتهم !! قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: ” فكل خير فيه المسلمون إلى يوم القيامة من الإيمان والإسلام ، والقرآن والعلم، والمعارف والعبادات، ودخول الجنة، والنجاة من النار، وانتصارهم على الكفار، وعلو كلمة الله فإنما هو ببركة ما فعله الصحابة، الذين بلغوا الدين، وجاهدوا في سبيل الله. وكل مؤمن آمن بالله فللصحابة – رضي الله عنهم – عليه فضل إلى يوم القيامة” ( منهاج السنة النبوية )
أحبتي في الله: إن فضائل الصحابة لا يحصيها عد ؛ ولا يسطرها قلم؛ ولا يصفها لسان؛ ولا يحيط بها بيان!!
وقد ذكر أصحاب السنن كُتُباً وأبواباً في مناقب وفضائل الصحابة كلٌ على حده؛ ومن أراد معرفة المزيد فليرجع إلى مظانها في كتب السنة؛ وحسبي ما ذكرت في فضلهم إجمالاً ؛ جعلنا الله وإياكم أحسن حالا ومآلاً !!
العنصر الثاني: الحث على الاقتداء بالصحابة واتباعهم رضي الله عنهم
أيها المسلمون: إذا كان الصحابة قد نالوا الشرف العظيم بصحبة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم؛ فالواجب علينا أن نقتدي بهم؛ ونهتدي بهديهم؛ ونستن بسنتهم كما أمرنا بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ فَعنِ الْعِرْبَاضِ بْنَ سَارِيَةَ قَالَ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ؛ وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ؛ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ.”( أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان)
قال القاري في المرقاة : ” فعليكم بسنتي ” أي بطريقتي الثابتة عني واجبا أو مندوبا ، وسنة الخلفاء الراشدين فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي ، فالإضافة إليهم إما لعملهم بها أو لاستنباطهم واختيارهم.”
” وقال ابن مسعود رضى الله عنه: من كان منكم متأسيا فليتأس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، وأقومها هديا، وأحسنها حالا، اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم.” (تفسير القرطبي)
وقال ابن رجب:” والسُّنة : هي الطريقة المسلوكةُ ، فيشمل ذلك التمسُّك بما كان عليه هو وخلفاؤه الرَّاشدونَ مِنَ الاعتقادات والأعمال والأقوال ، وهذه هي السُّنةُ الكاملةُ ، ولهذا كان السلف قديماً لا يُطلقون اسم السُّنَّةِ إلا على ما يشمل ذلك كلَّه.”(جامع العلوم والحكم)
فالصحابة كانوا يقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم في جميع الأقوال والأعمال والأفعال؛ ولشدة اقتداء الصحابة به – صلى الله عليه وسلم- اتبعوه في خلع نعله أثناء الصلاة ، مع أن هذا الأمر خاص به – لعارض – دون غيره.
فقد أخرج أبو داود والحاكم والببهقي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِذْ وَضَعَ نَعْلَيْهِ عَلَى يَسَارِهِ فَأَلْقَى النَّاسُ نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاةَ ، قَالَ: ” مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ ؟ “، قَالُوا : رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ فَأَلْقَيْنَا، فَقَالَ: ” إِنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا أَوْ أَذًى فَمَنْ رَأَى – يَعْنِي – فِي نَعْلِهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُمَا ثُمَّ لِيُصَلِّ فِيهِمَا .”
فالرسول – صلى الله عليه وسلم- لم يشرح لهم أركان الصلاة وسننها وفروضها ومبطلاتها وشروط صحتها كما نفعل الآن!! وإنما قال: « صلوا كما رأيتموني أصلي » ( متفق عليه )؛ وفي الحج قال: ” خذوا عني مناسككم”(مسلم وأبو داود وأحمد والبيهقي واللفظ له)
ولذلك كان عمر – رضي الله عنه- يقبل الحجر الأسود ويقول: والله إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر ؛ ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك !!
أختم هذه الصور والمواقف بموقف رائع لسيدنا عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ؛ فقد روي أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- مر على طريق يوما ثم نزل من فوق ظهر ناقته، وصلى ركعتين، فصنع ابن عمر ذلك إذا جمعه السفر بنفس البقعة والمكان..فسئل عن ذلك فقال: رأيت الرسول -صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك ففعلت!!
بل إنه ليذكر أن ناقة الرسول دارت به دورتين في هذا المكان بمكة، قبل أن ينزل الرسول من فوق ظهرها، ويصلي ركعتين، وقد تكون الناقة فعلت ذلك تلقائيا لتهيئ لنفسها مناخها؛ لكن عبدالله بن عمر لا يكاد يبلغ ها المكان يوما حتى يدور بناقته، ثم ينيخها، ثم يصلي ركعتين لله.. تماما كما رأى المشهد من قبل مع رسول الله..
عباد الله: القدوة القدوة تفلحوا !!
فمن منا يستطيع أن يقتدي بأبي بكر فى صحبته وصداقته؟ أو ببلال فى توحيده؟ أو بأبي هريرة فى بره لأمه؟ أو بعمر فى الحق والعدل؟ أو بعبد الرحمن بن عوف في إصراره على الربح الحلال ؟ أو بعلي رضي الله عنه في ثقته في النبي وفدائيته؟ أو بعثمان في حيائه وتصدقه؟ أو بأبي دجانة فى استماتته فى الدفاع عن نبيه؟ أو بخباب فى دفاعه عن عرض نبيه؟ أو بعمار بن ياسر فى صبره؟ أو بابن مسعود فى قراءته للقرآن؟ أو بخالد فى نصرته لدينه؟ أو بأنس بن مالك فى خدمته حبه؟ أو بسلمان فى بحثه عن الحقيقة؟
أو بأبي موسى الأشعري فى كرمه؟ أو بأبي أيوب الأنصارى فى حسن استقباله لضيفه؟ أو ……أو…….
فعَلينا أن نتشبَّه بصحابةِ رسولِ الله الأبرار، وأن نَمشيَ على نهجهم.
وَتَشَبَّهُوا إِنْ لَمْ تَكُونُوا مِثْلَهُمْ……….. إِنَّ التَّشَبُّهَ بِالكِرَامِ فَلاَحُ
أحبتي في الله: والله ثم والله: إننا إن فعلنا ذلك واقتدينا بهم؛ لصلح حالنا وحال أولادنا وبناتنا وآبائنا ونسائنا؛ وصلح حال جميع البلاد والعباد !!
العنصر الثالث: واجبنا نحو الصحابة الكرام
عباد الله: تعالوا بنا إلى عنصرنا العملي والتطبيقي لنعرف واجبنا نحو صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم والذي يتلخص فيما يلي:-
1– حب الصحابة رضي الله عنهم : فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي؛ لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي؛ فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ؛ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ؛ وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي؛ وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى؛ وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ.” [أحمد والترمذي والبيهقي وضعفه الألباني] قال المناوي _رحمه الله تعالى_ ” ( الله الله في حق أصحابي ) أي اتقوا الله فيهم ، ولا تلمزوهم بسوء ، أو اذكروا الله فيهم وفي تعظيمهم وتوقيرهم ، وكرره إيذانا بمزيد الحث على الكف عن التعرض لهم بمنقص ( لا تتخذوهم غرضا ) هدفا ترموهم بقبيح الكلام كما يرمى الهدف بالسهام هو تشبيه بليغ ( بعدي ) أي بعد وفاتي ” ا.هـ ( [فيض القدير] .
واعلم – يا عبد الله – أنك لو أخلصت في حبك لهم؛ فإنك ستكون رفيقا لهم في الجنة وإن لم تعمل مثلهم. فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ ، فَقَالَ : مَتَى السَّاعَةُ ؟ ، قَالَ : ” وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا ؟ ” قَالَ : لَا شَيْءَ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : ” أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ” . قَالَ أَنَسٌ : فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ” ، قَالَ أَنَسٌ : فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ , وَعُمَرَ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ “(البخاري)
لذلك كان السلف يعلمون أولادهم حب الصحابة وسيرتهم.. قال الإمام مالك -رحمه الله-: ” كانوا يعلموننا حب أبي بكر وعمر كما يعلموننا السورة من القرآن “..
فعلينا أن نحب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم – ولا سيما الأنصار – لأنهم هم الذين آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصروه؛ لذلك تمنى صلى الله عليه وسلم أن يكون واحدا منهم !! فعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ : ” مَنْ أَحَبَّ الأَنْصَارَ أَحَبَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ أَبْغَضَ الأَنْصَارَ أَبْغَضَهُ اللَّهُ.” (ابن ماجة)
2- عدم سبهم: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ .” (متفق عليه). ” وسبب تفضيل نفقتهم أنها كانت في وقت الضرورة ، وضيق الحال بخلاف غيرهم ، ولأن إنفاقهم كان في نصرته -صلى الله عليه وسلم- ، وحمايته ، وذلك معدوم بعده ، وكذا جهادهم وسائر طاعتهم ، وقد قال تعالى ( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً )(الحديد:10) وهذا كله مع ما كان فيهم في أنفسهم من الشفقة ، والتودد ، والخشوع ، والتواضع ، والإيثار ، والجهاد في الله حق جهاده ، وفضيلة الصحبة ولو لحظة لا يوازيها عمل ، ولا ينال درجتها بشيء ، والفضائل لا تؤخذ بقياس ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ” ا.هـ [شرح مسلم للنووي]
وقيل ” السبب فيه أن تلك النفقة أثمرت في فتح الإسلام ، وإعلاء كلمة الله ما لا يثمر غيرها ، وكذلك الجهاد بالنفوس لا يصل المتأخرون فيه إلى فضل المتقدمين لقلة عدد المتقدمين ، وقلة أنصارهم فكان جهادهم أفضل ، ولأن بذل النفس مع النصرة ، ورجاء الحياة ليس كبذلها مع عدمها ” ا.هـ [تحفة الأحوذي] .
وفي النهي عن سبهم كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ : ” لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ ، فَلَمُقَامُ أَحَدِهِمْ سَاعَةً ، خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ عُمُرَهُ.” (ابن ماجة وحسنه الألباني)؛ وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ , وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.” [الطبراني في الكبير والألباني في الصحيحة] .
3- عدم ذكر مساوئهم: فنحن نسمع بين الفينة والأخرى من يذكرهم بسوء؛ أو يذكر الخلافات التى دارت بينهم؛ وذلك من أجل التشكيك في عدالتهم ونزاهتهم؛ وهذا منهي عنه شرعاً؛ قال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- ” لا يجوز لأحد أن يذكر شيئا من مساوئهم ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا نقص فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته ليس له أن يعفو عنه بل يعاقبه ويستتيبه فان تاب قبل منه وإن ثبت أعاد عليه العقوبة وخلده الحبس حتى يموت أو يراجع .” [طبقات الحنابلة والصارم المسلول]
قال الطحاوي _رحمه الله تعالى_ ” ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نُفرط في حب أحد منهم ، ولا نتبرأ من أحد منهم ونبغض من يبغضهم ، وبغير الحق يذكرهم ، ولا نذكرهم إلا بخير ، وحبهم دين وإيمان وإحسان ، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان ” ا.ه[العقيدة الطحاوية].
4- الترضي والترحم عليهم: ففي كل ذكرٍ لهم نترحم عليهم وندعوا لهم. قال الحميدي _رحمه الله تعالى_ أن من السنة: ” الترحم على أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- كلهم فإن الله عز وجل قال:{ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ}(الحشر:10)؛ فلم نؤمر إلا بالاستغفار لهم ، فمن سبهم أو تنقصهم أو أحدا منهم فليس على السنة؛ وليس له في الفيء حق ، أخبرنا غير واحد عن مالك بن أنس. ” ا.ه[أصول السنة]
5- مطالعة سيرهم وتعليمها للنشء : فعلينا أن نطالع سيرهم وأعمالهم وكيف كانوا يضحون بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله؟!! ونعلم ذلك أبناءنا!! فإن تعلم ذلك يعلى من همة الآباء والأبناء على السواء. يقول ابن الجوزي: “فسبيل طالب الكمال في طلب العلم الاطلاع على الكتب، التي قد تخلفت من المصنفات، فليكثر من المطالعة؛ فإنه يرى من علوم القوم، وعلو هممهم ما يشحذ خاطره، ويحرك عزيمته للجد، وما يخلو كتاب من فائدة…
فالله الله وعليكم بملاحظة سير السلف، ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم، فالاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم.” . إلى أن قال: ” فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم، وقدر هممهم، وحفظهم وعباداتهم، وغرائب علومهم: ما لا يعرفه من لم يطالع، فصرت أستزري ما الناس فيه، وأحتقر همم الطلاب!!.” (صيد الخاطر)
6- الدفاع عنهم: فكم من جاهل ناعق بين الحين والحين يخرج على فضائية أو إعلام يسب الصحابة العدول رضي الله عنهم؛ أو يطعن فيهم؛ وينبغي على كل فرد ولا سيما العلماء أن يدافعوا عنهم؛ فعن إبراهيم العذري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله؛ ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين » (البيهقي وصححه الألباني).
رضي الله عن الصحابة الكرام؛ وجمعنا الله بهم في مستقر رحمته ودار كرامته!!
الدعاء،،،،، وأقم الصلاة،،،،،
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي