الخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعة
خطبة بعنوان “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة” أعدها الشيخ / ماهر السيد خضير
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة بعنوان
“وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة”
أعدها الشيخ / ماهر السيد خضير
أما بعد، أيها المؤمنون، فإن الله تعالى قد أمرنا في كتابه العزيز، وحثنا نبينا صلى الله عليه وسلم على التجهيز والاستعداد لمواجهة الأعداء، فقال تعالى: “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم”. بداية عباد الله تعالوا لنتعرف على معنى كلمة القوة:
القوة لغة: شدة الإرادة.
القوة شرعاً: هي ما يميز الإنسان عن غيره في الخصائص الجسمية والعقلية حتى يكون عنصراً فاعلاً في بناء أمته وحضارته.
والسؤال الآن ما هي القوة التي ندعو إلى إعدادها؟
إن القوة المقصودة هنا ليست القوة البدنية وحدها، بل هي قوة شاملة تشمل:
• القوة العسكرية: تجهيز الجيوش وتدريبها على القتال للدفاع عن الدين والوطن.
عباد الله اعلموا ان الأمم التي بلغت الذروة في العزة والسيادة، نجدها إنما بلغت تلك الذروة بما ملكت من قوة الروح العسكرية، فبقوة الروح العسكرية تسلم البلاد من خطر يمتدُّ إليها من الخارج، وبهذه القوة يستتبُّ الأمن في داخل البلاد على ما يرام، ذلك أنَّ قوة الروح العسكرية تجعل الأُمَّة قوية الشوكة، نافذة الإرادة، مرهوبة الجانب؛ ونجد عناية القرآن الكريم بخصلة البطولة والإقدام، فقد أقبل على النفوس، وأخذ يُنقِّيها من رذيلة الجبن والإحجام، ويُذكِّرها بسوء عاقبة الجبناء؛ كقوله تعالى (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً)وأما عناية القرآن بإعداد وسائل الدفاع، فحسبنا شاهدًا عليها قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}
وقال تعالى: (وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا)
وفي غزوة بدر الكبرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض». فقال عمير بن الحمام الأنصاري -رضي الله عنه -: يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال: «نعم». قال: بخٍ بخٍ (كلمة تعجب). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يحملك على قول: بخٍ بخٍ؟». قال: لا والله يا رسول الله، إلا رجاء أن أكون من أهلها قال: «فإنك من أهلها».
فأخرج تمرات من قرنه (جعبة النشاب) فجعل يأكل منه، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، قال: فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قُتل)( مسلم/1901)
وفي رواية قال: قال أنس: فرمى ما كان معه من التمر، وقاتل وهو يقول:
ركضًا إلى الله بغير زاد … إلا التقى وعمل المعاد
والصبر في الله على الجهاد … وكل زاد عرضة للنفاد …. غير التقى والبر والرشاد
فقاتل رحمه الله حتى استشهد.
ومن صور التعبئة المعنوية أنه صلى الله عليه وسلم كان يبشرهم بقتل صناديد المشركين، وزيادة لهم في التطمين كان يحدد مكان قتلى كل واحد منهم، كما كان يبشر المؤمنين بالنصر قبل بدء القتال فيقول: «أبشر أبا بكر». ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للصحابة رضوان الله عليهم: «والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرًا محتسبًا مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة».
وقد أثرت هذه التعبئة المعنوية في نفوس أصحابه رضوان الله عليهم والذين جاءوا من بعدهم بإحسان.
• القوة الاقتصادية: بناء اقتصاد قوي ومتين يعتمد على الإنتاج والاعتماد على الذات.
الإسلام يدعو إلى تحصيل الثروة والأموال من خلال مختلف الأساليب المشروعة، وفي هذا دعوة إلى التنمية الاقتصادية بأعمق صورها. وأساليب تحصيل الثروة والمال في الإسلام متعددة، فهناك التجارة ﴿ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ﴾ [قريش: 1-2] وهناك الزراعة حيث يوجهنا القرآن الكريم إلى إحياء الأرض وزراعتها واستثمارها بقوله تعالى ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾ [عبس: 24 – 32]. وقد دعا الإسلام إلى إحياء الأرض الموات فقد أفاض الفقهاء في هذه الناحية وهناك باب خاص بذلك في كتب الفقه ويقول عليه السلام ” من أحيا أضراً ميتة فله رقبتها ” وقد انصرف المسلمون إلى إحياء الأرض الموات تحت تأثير هذا التوجيه الكريم وبدافع التملك والربح الحلال الذي حث الإسلام عليه. وهناك الصناعة. وفي القرآن الكريم توجيها إلى التنمية الصناعية بكل أشكالها في إطار ضوابط شرعية. فقد أشار القرآن الكريم إلى صناعة الحديد ﴿ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ﴾ [الحديد: 25] وصناعة الملابس ﴿ يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا ﴾ [الأعراف: 26] ومثل صناعة المعمار والتشييد والبناء ﴿ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ ﴾ [النمل: 44] وينبه القرآن إلى السعي وابتغاء فضل الله في الأرض بمختلف الأساليب والوسائل ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15] ولم يأمر سبحانه وتعالى بالانصراف عن تحصيل الثروة بالأساليب المشروعة إلا للعبادة، فإذا قضيت الصلاة فإن الناس مدعوون إلى الانتشار في الأرض واستثمار كل طاقاتها، من خلال التفكير والعمل المثمر. ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 10].
• القوة العلمية: الاهتمام بالعلم والمعرفة وتطوير التكنولوجيا.
أول سورة وأول آية وأول أمر نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو (اقرأ باسم ربك الذي خلق)
• القوة الإيمانية: تقوية الإيمان بالله والالتزام بتعاليمه، فالإيمان هو أقوى سلاح للمؤمن.
أهمية الاستعداد والقوة:
• حماية الدين: الدفاع عن الدين الإسلامي وحماية مقدساته من الاعتداءات.
• حماية الوطن: حماية الوطن من الأعداء والمحافظة على أمنه واستقراره.
• ردع الأعداء: إظهار القوة والجاهزية لردع الأعداء عن الاعتداء.
• تحقيق العزة والكرامة: تحقيق العزة والكرامة للمسلمين ورفع راية الإسلام.
كيف نعد القوة؟
• التعاون والتكاتف: يجب على المسلمين أن يتعاونوا ويتكاتفوا لتحقيق القوة المطلوبة.
• الاجتهاد والعمل: يجب على كل فرد أن يجتهد في عمله ويساهم في بناء مجتمع قوي.
• التعلم والتطوير: يجب الاهتمام بالتعلم والمعرفة وتطوير المهارات.
• التربية الإسلامية: يجب تربية الأجيال على حب الدين والوطن والالتزام بالقيم الإسلامية.
• الدعوة إلى الله: يجب الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وجذب الناس إلى الإسلام.
الدروس المستفادة من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم:
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة لنا في التجهيز والاستعداد. فقد بدأ ببناء الدولة الإسلامية القوية، وجمع الشمل، وقوى العلاقة بين المسلمين، وحارب الكفار والمنافقين بكل حزم وقوة.
ختامًا: أيها المؤمنون، إن الاستعداد والقوة هما واجبان علينا، فالله تعالى أمرنا بهما، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة لنا في ذلك. فلنعمل جميعًا من أجل بناء أمة قوية متحدة، تحمي دينها ووطنها.
دعاء: اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم اجعلنا من الذين يقاتلون في سبيلك، اللهم انصر دينك واعز الإسلام والمسلمين.
اللهم يا قوي يا عزيز، يا من لا يعجزه شيء، نسألك أن تجعلنا من عبادك الصالحين، وأن تجعلنا من الناصرين لدينك، وأن تجعلنا من أهل الجنة، اللهم آمين.
أعدها الشيخ
ماهر السيد خضير
امام وخطيب ومدرس بأوقاف المنوفية