عاجل

خطبة للشيخ عبد الناصر بليح بعنوان”الانتماء واجب ديني”

الانتماء واجب ديني .

الحمد لله رب العالمين .. يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ولك الحمد حمداً كثيراً طيباُ مباركاً فيه ..

وأشهد أن لا أله الله وحده لا شريك له في سلطانه ولي الصالحين .

وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله ..

أما بعد فيا جماعة الإسلام :

يقول الله تعالي : ” وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ” ( الأنعام / 153). الانتماء ، كلمة معناها عظيم.. وتشمل الانتماء للدين والانتماء للوطن ..

الانتماء للدين : فلنبدأ بالدين ، ما هو تفسيرنا للانتماء إلى دين معين ، هل هو مجرد تصنيف يكتب في البطاقة أو في شهادة الميلاد ، هل هو فقط لتحديد مواعيد أعيادنا ، هل هذا هو الانتماء الديني أم إن هذا الانتماء يفرض علينا واجبات كثيرة ، إلا يفرض علينا إن نكون سفراء لديننا ، أن نتعلمه ، أن نعرف واجباتنا و الفروض ، أن نتبعه ،أن ننشره ،أن نحافظ عليه ، هل كل من تباهى بانتمائه هو بالفعل منتمى ، أم إن هناك ما يفرضه علينا ذلك الانتماء ، أين نحن الآن من الانتماء إلى ديننا ، و ما هو مفهوم هذا الانتماء؟ ” قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ” (الأنعام – /162).

إذا كنّا نعتقد أن الله سبحانه وتعالى الإله الواحد المستحق للعبادة ، خالقنا وخالق كل شئ، قد إرتضى لنا الإسلام خاتم الديانات.. يعني هو الدين حتى تقوم الساعة،، وبما أنه موحى به من الخالق، فلا يستقيم أن نقول أن هناك أمور طرأت تستلزم ترك النصوص جانباً -على سبيل المثال- لأن النصوص لا تلائم العصر! فالدين الإسلامي بتعاليمه السمحة صالح لكل زمان ومكان ..

من أجل ذلك تحمل الرسول صلي الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين الأوائل الصعاب والمشاق في سبيل نشر الدين الإسلامي وتعرضوا لأشد أنواع العذاب والتنكيل .. حتى أن المسلم كان يأتي لرسول الله صلي الله عليه وسلم يشكو قسوة التعذيب ..كما روي أن خبابا يقول : أتيت النبي صلى الله عليه و سلم و هو متوسد ببردة و هو في ظل الكعبة و قد لقينا من المشركين شدة فقلت :ألا تدعوا الله ؟فقعد و هو محمر وجهه فقال : قد كان من كان قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه و يوضع المنشار على مفرق رأسه باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه و ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله عز وجل ] زاد بيان [ و الذئب على غنمه ]و في رواية [ و لكنكم تستعجلون ](انفرد به البخاري دون مسلم)

ثانيا الوطن:

الانتماء إلى الوطن ، هل الانتماء إلى الوطن هو مجرد تحديد الرقعة الجغرافية ؟ هل هو مجرد تحديد لشكل العلم الذي سأحمله في مباريات كرة القدم؟ هل نعتبر من هم خارج الوطن اقل انتماءً لأنهم تركوه أم قد يكونوا أكثر انتماءً ممن يعيشون داخل حدود الوطن و يخربونه ؟ من منهم أكثر انتماءً؟ هل كل من قال أنا وطني ، ينطبق عليه شروط الانتماء ؟ ما هو مفهوم الانتماء إلى الوطن ؟

اعتقد أن انتمائنا لوطن معين يفرض علينا واجبات كثيرة :

الانتماء ليس فقط لتحديد جنسية في خانة الجنسية لتكملة شهادة الميلاد أو البطاقة ، اعتقد أن كلمة انتماء لها معاني عميقة ، و هي تعنى الكثير ، اعتقد أنها تعنى الإحساس بحب الوطن و الرغبة في الدفاع عنه و التباهي بالانتماء إليه مهما حدث ، التضحية من أجله ، الانتماء للوطن هي أن نربى أبنائنا على حب الوطن ، على معنى كلمة الوطن .. الانتماء للوطن ، هو التعرف على تاريخه ، على حضارته و المساهمة في بناء مستقبله .. اعتقد أننا افتقدنا المعنى الحقيقي للانتماء و ضاع الانتماء مع معاني أخرى كثيرة ضاعت.

‌ حب الوطن من الإيمان :

يعد مفهوم الانتماء الوطني من المفاهيم العالمية المهمة في عالمنا المعاصر الذي أصبح من المفاهيم المتكررة في وسائل إعلامنا وفي محاضراتنا وندواتنا بل أصبح مفهومًا رئيسًا في حياتنا العامة.

فموطن الإنسان منا أحب إليه من نفسه وولده وأغلي عنده من ماله وكل ما يملك لذلك عد رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي يموت في سبيل الدفاع عن أرضه من الشهداء وقرنه مع الدفاع عن النفس والمال والعرض والأهل .. ” من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد “. أخرجه أبو داود (2 / 275) والنسائي والترمذي (2 / 316) وصححه، وأحمد (1652) 1653) عن سعيد بن زيد، وسنده صحيح. وفي رواية “” من قتل دون مظلمته فهو شهيد ” :من قتل دون أرضه فهو شهيد”

ولما خرج رسول الله صلي الله عليه وسل مهاجراً من مكة إلى المدينة كما روي عنه :وقف علي الحزورة(سوق) ونظر إلى البيت وقال :والله انك لأحب أرض الله إلي وانك لأحب أرض الله إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت منك”(الترمذي والنسائي –زادالمعاد1/8). ورغم فساد أهلها وظلمهم له ومحاربتهم لدعوته ولكن الرسول صلي الله عليه وسلم يعطينا درساً في الانتماء فيقول في رواية أخري :” ما أطيبك من بلد وأحبك إلي ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك – قاله لمكة . (صححه الألباني).

وهذا يشير إلى مدي حب رسول الله صلي الله عليه وسلم لبلده مكة المكرمة موطن ولادته ونشأته وفيها البيت الحرام ولأنها منزل الوحي ولأن بها الأهل والأقربين ولأن بها مآثر إبراهيم.(خاتم النبيين2/5) .

والرسول صلي الله عليه وسلم كان حين يذكر أحد الصحابة مكة أمامه تذرف عيناه بالدمع ويقول له :”دع القلوب تقر”ولا عجب فحب الوطن من الإيمان وقديما قال الحكماء :”الحنين من رقة القلب ورقة القلب من الرعاية والرعاية من الرحمة والرحمة من كرم الفطرة وكرم الفطرة من طهارة الرشدة(أي صحة النسب) وطهارة الرشدة من كرم المحتد(أي الأصل )وقال أخر:”ميلك إلى مولدك من كرم محتدك “

وقال بعض الفلاسفة:”فطرة الرجل معجون بحب الوطن”ولذا قال أبقراط :يداوي كل عليل بعقاقير أرضه فان الطبيعة تتطلع لهوائها وتنزع إلى غذائها. وقالت الهند:حرمة بلدك عليك كحرمة أبويك لأن غذائك منها وأنت جنين وغذاءهما منه” وقال أخر:من إمارات العاقل بره لإخوانه وحنينه لأوطانه ومداراته لأهل زمانه.وكانت العرب اذاغزت وسافرت حملت معها من تربة بلادها رملا وعفرا(ترابا) تستنشقه عند نزلة أوزكام أو صداع”(0الحنين إلى الأوطان لأبي عثمان : عمر بن ). لذلك كانت السيدة عائشة رضي اله عنها دائماً تقول :”مارأيت القمر أبهي ولا أجمل مما رأيته في مكة”وذلك كناية علي حبها وعشقها وشدة حنينها للوطن..

الانتماء العائلي و الأسرى:

الانتماء العائلي و الأسرى ، هل الانتماء العائلي هو مجرد أن ينتهي اسمي بلقب ، و أن يتباهى البعض بهذا اللقب ، أنا من عائلة فلان و أنا من عائلة علان ، أم انه لقب ليكتب في النعي ،

اعتقد أن الانتماء العائلي ليس فقط أن أحمل لقب ، و لكن هو على الأقل أن أكون على صلة بأفراد عائلتي ، أن اسأل عنهم أن احترمهم ، كم من بشر يتباهون إنهم من تلك العائلة و هم لا يعلمون حتى أشكال أفرادها ، هل هذا يعتبر انتماء ، اعتقد انه من أولى مبادئ الانتماء هو أن نعلم أولادنا معنى الأهل و الأسرة و العائلة ، أن يرى الأطفال أهلهم يسألون عن أقاربهم و يصلون أرحامهم ، أن يرى الأطفال أهله يحترمون أهلهم ، الانتماء هو أن نعلم أطفالنا معنى العائلة و إن نعرفهم من هي عائلتهم حتى و أن كانوا يعيشون في بلد أخر ، أليس هذا هو الانتماء أم إن هناك مفهوم أخر.

اعتقد أننا افتقدنا المعنى الحقيقي للانتماء و ضاع الانتماء مع معاني أخرى كثيرة ضاعت. ويعلمنا الإسلام كيف الانتماء للأقارب وليس التعصب الأعمى فقال عنها الرسول صلي الله عليه وسلم :” إن الرحم شجنة آخذة بحجزة الرحمن يصل من وصلها ويقطع من قطعها ” . ( صحيح ) . ( شجنة بتثليث الشين المعجمة : الشعبة من كل شيء كما في المعجم الوسيط . وفي الترغيب وقال أبو عبيد : يعني قرابة مشتبكة كاشتباك العروق والحجزة بضم الحاء المهملة : موضع شد الإزار من الوسط . ويقال : أخذ بحجزته : التجأ إليه واستعان به كما في المعجم). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عليهم ويجهلون علي فقال:” إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك “( مسلم).

الخطبة الثانية :

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله أمابعد :

فمن قيم الانتماء الوطني :

المواطنة :

العمل على إبراز قيمة الوحدة الوطنية وجعلها هدفًا يعمل الجميع على تحقيقه والمحافظة عليه، كما أن قيمة التسامح جزء مهم من قيم الانتماء الوطني؛ لأن من يعيش على أرض الوطن له الحق في المشاركة في بناء حضارته والمساهمة في التفاعل مع مجتمعه.

الأمن والأمان : ويعد الحفاظ على الأمن جزءًا مهما من الانتماء الوطني للفرد والمجتمع حيث إن المواطن يعيش على أرض هذا الوطن ويعمل على الحفاظ على أمن الوطن الفكري والأمني والاجتماعي والاقتصادي.

تعليم الأبناء حقيقة الانتماء:

ويعمل التعليم على تنمية الانتماء الوطني لدى الطلاب من خلال:

– غرس الانتماء إلى الوطن لدى الطالب لأنه أحد دعائم بناء الفرد والمجتمع، واعتبار الفرد جزءا منه ومعرفة الأحداث الجارية في الوطن والتفاعل معها إيجابيا.

– طاعة ولاة الأمر وهذه قيمة مهمة تعمل على تعريف الطلاب واجباتهم تجاه ولاة أمرهم ووجوب طاعتهم والعمل على المساهمة في بناء تنمية الوطن.

– المشاركة في شؤون المجتمع.

– الاهتمام بالآخرين، ويظهر ذلك من خلال الاهتمام بالطالب وعائلته والتفاعل مع جيرانه ومجتمعه.

– الالتزام بالسلوك الجيد والأخلاق الحميدة، ويظهر ذلك في جميع المواد الدراسية التي تعمل على غرس القيم الإسلامية وتنميتها لدى الطلاب.

– القدرة على امتلاك المعارف والمعلومات عن أنظمة الوطن ولوائحه، وعن مؤسسات المجتمع المدني والأمني.

– القدرة على مناقشة الفِكَر والآراء بشكل علمي سليم من أجل تزويد الفرد بالكثير من المفاهيم والاتجاهات الإيجابية.

– احترام عادات وتقاليد الوطن وتقدير مؤسساته واحترام أنظمته والمحافظة على ثرواته.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى