عاجل

د. محمد داود يكتب : من هم التكفيريون يا وزير الثقافة ؟!

هذا كلام لعالم مسلم له بصيرة نافذة، يرد فيه ردًّا علميًّا على وزير الثقافة الذي ضلَّ الفهم وأساء التعبير، حتى صار ضد ثقافة الوطن، وبدورنا نخاطب أهل العقول بالشاهد والدليل: هل تعلم يا سيادة وزير الثقافة من هم التكفيريون؟!

في تراثنا الفكري – القديم منه والحديث – إذا قيل: “حجة الإسلام”، انصرف الذهن إلى أبي حامد الغزالي (450 – 505 هـ، 1058 – 1111م)، الذي مثل ظاهرة فكرية جمعت بين “الموسوعية” وبين “التخصص” في الفلسفة ومذاهبها، والفقه وأصوله، والكلام وأصوله، والتصوف – علمًا وعملًا – والذي تجاوز علمه نطاق الحضارة الإسلامية؛ فكانت له تأثيرات ملحوظة في النهضة الأوربية الحديثة.

ومع كل هذا، وعلى الرغم منه، حكمت مجلة “الثقافة الجديدة” – الصادرة عن وزارة الثقافة المصرية – عدد أغسطس 2015م على حجة الإسلام الغزالي بأنه “من أصحاب الثقافة التكفيرية”.. وعممت هذا الحكم على أئمة الإسلام من أمثال الشافعي وأبي حنيفة ومالك وابن حنبل والأشعري والباقلاني والبخاري والشهرستاني وابن كثير. !.

وإذا كان استعراض موقف هؤلاء الأئمة من “التكفير” يحتاج إلى كتاب، فإن موقف الغزالي من ثقافة التكفير إنما يمثل نموذجًا لدحض هذا “الافتراء الجاهل” على أئمة الإسلام ومذاهبهم التي انتمت وتنتمي إليها جماهير هذه الأمة.

لقد توجه أبو حامد الغزالي إلى أحد تلاميذه، طالبًا منه “أن يرعوي عن تكفير الفرق وتطويل اللسان في أهل الإسلام وإن اختلفت طرقهم ما داموا متمسكين بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، صادقين بها غير مناقضين لها”.

كما أوصى هذا التلميذ “بأن يكف لسانه عن أهل القبلة ما أمكنه ذلك، لأن التكفير فيه خطر والسكوت لا خطر فيه، والمبادرة إلى التكفير إنما تغلب على طباع من يغلب عليهم الجهل”.

وغير هذا الطلب، وهذه الوصية، صاغ أبو حامد الغزالي “قانون منع التكفير” الذي قال فيه: “إن النظريات قسمان: قسم يتعلق بأصول القواعد، وقسم يتعلق بالفروع، وأصول الإيمان ثلاثة: الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر، وما عداه فروع، وإنه لا تكفير في الفروع أصلًا إلا في مسألة واحدة، وهي أن ينكر أصلًا دينيًّا علم من الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإن الخطأ في أصل الأمانة وتعينها وشروطها وما يتعلق بها لا يوجب شيئًا من التكفير، ومن أنكر ما ثبت بأخبار الآحاد فلا يلزمه به الكفر، ومن أنكر ما ثبت بالإجماع فهذا فيه نظر، لأن معرفة كون الإجماع حجة قاطعة فيه غموض يعرفه المحصلون لعلم أصول الفقه”.

وبعد هذا الطلب وهذه الوصية وهذا القانون قال أبو حامد الغزالي: “إنه لا يسارع إلى التكفير إلا الجهلة، وينبغي الاحتراز من التكفير ما وجد الإنسان إلى ذلك سبيلًا، فإن استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة، المصرحين بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر أهون من الخطأ في سفك مِحْجَمة من دم مسلم”.

هكذا تحدث حجة الإسلام أبو حامد الغزالي، رافضًا نزعة التكفير، وناهيًا عن المسارعة إلى التكفير، وقائلًا: إن الخطأ في ترك ألف كافر أهون من الخطأ في تكفير مسلم واحد، لأن التكفير فيه خطر، والسكوت عن التكفير لا خطر فيه.

ومع كل هذا، وبالرغم منه، حكمت مجلة “الثقافة الجديدة” الصادرة عن وزارة الثقافة المصرية على أبي حامد الغزالي وكل علماء الإسلام بأنهم أصحاب “ثقافة التكفير القمعية الإرهابية الفاشية”!! فهل هذا معقول؟! وهل هذا مقبول؟!).

إن الهجوم على الأزهر منارة الوسطية، فيه إحداث فراغ خطير للأفكار المتشددة أو المفرطة التي تصدر من وزارة الثقافة، التي لا تُمثِّل ثقافة مصر ولا المسلمين، أنت تغرد لثقافة أخرى ليس الثقافة الإسلامية؛ ولذلك نحن لا نعترف بك وزيرًا لثقافتنا.. أنت غريب ودخيل.. وأقول لك بكل يقين: لن يكون شيء مما تهدفون إليه، علمانيتكم سقطت ولا يقرأ لكم أحد، ولا يرغب فيكم أحد، واعتبر بكل ماضٍ، فكل المعارك ضد الإسلام ـ القرآن ـ خاسرة وأنت معها من الخاسرين.

 

 

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى