عاجل

صَـدَقَــةٌ مَـقْـبُـولَــةٌ و عِـرضٌ مَـصُــونٌ بقلم الشيخ خالد الشعراوي

( صَـدَقَــةٌ مَـقْـبُـولَــةٌ  و عِـرضٌ مَـصُــونٌ )

*************************************

إن الذي يتصدر للناس خدمةً لهم لابد أن يتعرض عِرضه للأذى ، فليوطن نفسه على ذلك ، ولا ينتظر محمدة منهم مهما كان قدره ومهما كان عطاؤه لهم.

لقد خلق الله الناس من عَدم  ورزقهم من عُدم وكساهم بعد عري وهداهم بعد ضلالة وعلمهم بعد جهالة ، فقابلوا كل ذلك بالكفر والإنكار بدلاً من الشكر والإقرار، وبدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار، ولم يسلم الله منهم  –  وهو السلام – رغم ذلك العطاء ، حتى قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : ( لَيْسَ أَحَدٌ، أَوْ لَيْسَ شَيْءٌ أَصْبَرَ، عَلَى أَذًى سَمِعَهُ، مِنَ اللهِ إِنَّهُمْ لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَدًا، وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ)                رواه البخاري و مسلم عن أبي موسى

وهذا رسول الله محمد – صلى الله عليه وسلم – والأنبياء قبله أفنوا حياتهم وبذلوا النفس والنفيس ولم يسلموا من الأذى والضرر من قومهم ،بل كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يتصبر بإخوته من الأنبياء كلما تعرض لأذى من قومه

فروى الشيخان عن ابن مسعود – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ، آثَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنَاسًا فِي القِسْمَةِ، فَأَعْطَى الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ العَرَبِ فَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي القِسْمَةِ، قَالَ رَجُلٌ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ القِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْتُهُ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ:«فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ».

فلا يشغلن أحد ممن تصدر لخدمة الناس نفسه بالدفاع والذود عن عرضه وكرامته ونفسه ، بل يجب عليه أن يتصدق على الناس بشئ من عرضه ، وليتذكر أن من كان أفضل منه سُبَّ و أُوذي في الله كثيراً.

قال ابن حزم – رحمه الله – : (من تصدر لخدمة العامة فلا بد أن يتصدق ببعض من عرضه على الناس ؛ لأنه لا محالة مشتوم ، وإن واصل الليل والنهار ).

ولا تعجب إذا علمت أنك كلما ازددت في خدمة الناس زاد أذاهم لك، وإنهم ليجدون أعواناً من السفهاء على ذلك ، فاجتهد أن تجعل أمرك كله لله حتى لا تردك مسبتهم عن فعل الخيرات وإسداء المنح والهبات .

قال سَيِّدِ الْعُبَّادِ بَعْدَ الصَّحَابَةِ أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ : إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ لَمْ يَدَعَا لِلْمُؤْمِنِ صَدِيقًا: نَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، فَيَشْتُمُونَ أَعْرَاضَنَا، وَيَجِدُونَ فِي ذَلِكَ أَعْوَانًا مِنَ الْفَاسِقِينَ، حَتَّى وَاللَّهِ لَقَدْ رَمَوْنِي بِالْعَظَائِمِ، وَايْمُ اللَّهِ، لَا أَدَعُ أَنْ أَقُومَ فِيهِمْ بِحَقِّه ) .                            الإعتصام للشاطبي

فعلى العاقل أن يزيد في أجره كلما زادوا في اذاه بأن يتصدق بعرضه على من سبه فيه ، وليعلم أن الصدقة بالعرض جائزة كالصدقة بالجروح ،فقد قال الله فيها ( … والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ).     المائدة

وروى الطبراني والبزار عَنْ عُلْبَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: حَثَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَامَ عُلْبَةُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَثَثْتَ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَمَا عِنْدِي إِلا عِرْضِي، فَقَدْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي، قَالَ: فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، قَالَ: «أَيْنَ عُلْبَةُ بْنُ زَيْدٍ؟ أَوْ أَيْنَ الْمُتَصَدِّقُ بِعِرْضِهِ؟ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ قَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ»

واعلم أنك بهذه الصدقة ضاعفت أجرك  والله يصون عرضك ويدفع عنك ، فإنه يدافع عن الذين آمنوا ، فصدقتك مقبولة وعرضك مصون .

 

                                                                                   الشيخ / خالد الشعراوي

                                                                                         أوقاف القليوبية

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى