فضيلة الأمين العام للّجنة العليا للدعوة الإسلامية يكتب: الحرب على ثوابت الدين الإسلامي
هناك شرذمة من الأقزام تطاولوا على أصول الدين ومبادئه، ونالوا من كل ما هو مقدس في الإسلام، وعدوا ذلك تحضرًا ومدنية، وظنّوا أن التهجّم على ما لم يحيطوا بعلمه، ولم يعلموا قيمته وقدره مباح، ونسوا أن هناك رجالًا قيضهم الله لنصرة دين.
ومن أصول الدين الذي قام هؤلاء بحربه وتشويه صورته مكانة الصحابة وعدالتهم رضي الله عنهم، ثم الطعن في صحيح البخاري رحمه الله تعالى، وإنكار ما أجمع عليه أهل العلم الثقات، واستقر في وجدان الأمة.
وهي شبهات خطيرة تثار الآن ضد الإسلام، لا على الفرعيات والجزئيات، بل على الثوابت والأصول والكليات.
وليس الغريب أن يتولى كبر هذه الافتراءات مستشرقون أو أجانب عن هذا الدين، إنما الغريب أن يتولى كبر هذه الفرى رجال من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، وينتسبون زورًا لإسلامنا.
وصدق ربي إذ يقول: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ } [البقرة:204-206].
وقد وصف الصادق الذي لا ينطق عن الهوى هذا الصنف وصفًا دقيقًا في حديثه الصحيح الذي رواه البخاري و مسلم من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: ( كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم.
قلت: فهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم. وفيه دخن.
قلت: وما دخنه يا رسول الله؟ قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر.
قلت: فهل بعد ذلك الخير -أي: الذي شابه الدخن- من شر؟ قال: نعم.
دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها.
قلت: صفهم لنا يا رسول الله.
قال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، وفي رواية مسلم قال: ( رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس ).
وبكل أسف أعلى الأعلام بعض المجاهيل المناكير، وأشار إليهم بأنهم من أرباب الفكر، وأفاض عليهم من الدعاية الكاذبة ما يغطي انحرافهم ويستر جهلهم، وينفخ فيهم ليكونوا شيئًا مذكورًا ليصرفوا بسطاء المسلمين إليهم ليلبسوا عليهم دينهم، ويجعلوهم شيعًا.
تلك الثلة من أصحاب الجنوح الفكري التي رفعت الآن على الأعناق، بل وعلمت أن أقصر طريق للوصول إلى الشهرة الكاذبة هو النيل من ثوابت وأصول الإسلام، هم في الحقيقة كالطبل الأجوف يسمع صوته من بعيد وباطنه من الخيرات خال.
فيتهجّم الجهال على ثوابت ديننا، وينتقصون من البخاري ويذكرون الصحابة بسوء وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.
والكتابة عن الصحابة الأطهار تحتاج إلى صفاء في العقيدة، وأمانة في النقل، وإخلاص في النية، ودقة في الفهم فكيف بمن كان زائف العقيدة، مريض القلب، مجوف الفكر؟!!!
اتخاذ أهل الأهواء حرية الفكر والرأي ذريعة للطعن في الدين
وأهل الأهواء يعلمون يقينًا أن ما يقولونه لا يمت بأدنى صلة إلى حرية الفكر والرأي، فقد سكتوا سكوتًا أقرب للخرس على أمور لا تحتمل السكوت، فسكتوا حين وجب أن يتكلموا، وتكلموا حين وجب ولزم أن يسكتوا، تلك إذن قسمة ضيزى.
فهل التطاول على دين الله من حرية الفكر والرأي؟! هل الغمز واللمز بأصحاب النبي من حرية الفكر والرأي؟! هل التطاول على صحيح البخاري من حرية الفكر والرأي؟! هل التطاول على ثوابت الإسلام وأصوله من حرية الفكر والرأي؟!
فالإسلام لا يعارض حرية الفكر والرأي أبدًا، لكن بضوابط الإسلام الذي تدين به الأمة، فالإسلام دين الحرية، دين يدعو إلى الحريات لكن بالضوابط الشرعية.
أما أن يتطاول على ثوابت وأصول الدين باسم حرية الفكر والرأي فليس هذا من الدين، بل ولا من الأخلاق، بل ولا هو من الأدب في شيء.
الطعن في الصحابة حرب للإسلام
بدأ هؤلاء بإعلان الحرب على الصحابة. ونسوا أنّ الطعن في الصحابة زندقة.
يقول الحافظ أبو زرعة: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب النبي فاعلم أنه زنديق، وذلك لأن الرسول حق، والقرآن حق، وما جاء به النبي من عند الله حق، والذي نقل إلينا كل ذلك هم الصحابة، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا الصحابة ليبطلوا القرآن والسنة.
انظروا إلى كلام العلماء، لو شككت في أخلاقي لشككت فيما أنقله إليك من العلم، فالصحابة هم الذين نقلوا إلينا التركة المباركة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، نقلوا إلينا القرآن، نقلوا إلينا السنة، والطعن في الناقل طعن في المنقول، فهؤلاء يريدون أن يهدموا الصحابة وصولا لإبطال القرآن والسنة، ويأبى الله إلا أن يتم نوره.
قال الإمام مالك : (من وجد في قلبه غيظاً على أحد من أصحاب النبي فقد أصابه قوله تعالى: { لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ } [الفتح:29]، وقرأ الإمام مالك قول الله جل وعلا: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } [الفتح:29]).
وقال الإمام الطحاوي في عقيدته المشهورة: ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، فحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان.
مكانة الصحابة عند الله وعند رسوله
ونحن لم نمنح الصحابة هذه المنزلة تفضلًا منا عليهم، وإنما الذي رفع قدر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم وزكاهم هو رب العالمين.
آيات في فضل الصحابة
قال الله جل وعلا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } [آل عمران:110].
وهم المخاطبون بقوله تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } [البقرة:143].
وهم المخاطبون بقوله تعالى: { الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } [آل عمران:172-174].
وهم المخاطبون بقوله تعالى: { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [الأنفال:74]، والصحابة هم المخاطبون بقول الله جل وعلا: { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } [الفتح:18].
والصحابة هم المخاطبون بقول الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ } [الفتح:10].
والصحابة هم الذين قال الله في حقهم: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } [الفتح:29].
والصحابة هم الذين قال الله في حقهم: { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [النساء:115].
والصحابة هم الذين قال الله في حقهم: { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [الحشر:8-9].
ويعلمنا الله الأدب معهم بقوله تعالى: “وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ”
هكذا ينبغي أن نتعلم الأدب مع الصحابة، لا أن ننتقص من أقدارهم ونوجه لهم التّهم التي لا تنم إلا عن جهل فاضح.
أحاديث في فضل الصحابة
في الصحيحين من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خير الناس قرني )، شهادات من الله وشهادات من رسول الله، قال عليه الصلاة والسلام: ( خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ).
وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تسبوا أصحابي؛ فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه).
وفي الصحيحين من حديث أنس أنه قال: ( مروا بجنازة والنبيّ جالس بين الصحابة فأثنوا عليها خيراً، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: وجبت، فمروا بجنازة أخرى فأثنوا عليها شراً، فقال النبي: وجبت، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله! ما وجبت؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: مرت جنازة فأثنيتم عليها خيراً فوجبت لها الجنة، ومرت أخرى فأثنيتم عليها شراً فوجبت لها النار، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض ).
وفي صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري : ( أن النبي نظر يوماً إلى النجوم في أفق السماء، فقال عليه الصلاة والسلام: النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون ).
وفي صحيح مسلم من حديث عائذ بن عمرو: أن أبا سفيان مر على نفر من أصحاب النبي فيهم بلال و صهيب و عمار ، فلما رأى فقراء الصحابة أبا سفيان قالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عدو الله مأخذها، فلما سمع الصديق رضي الله عنه هذه الكلمة غضب وقال: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟، ثم ترك الصديق الصحابة وانطلق إلى النبي فأخبره بما قالوا وبما قال.
وانظر إلى ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي بكر الرجل الأول في الأمة بعد نبيها، ماذا قال النبي للصديق ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( يا أبا بكر ! لعلك أغضبتهم -أي: أغضبت بلالاً و عماراً و صهيباً و سلمان -؟ فلئن كنت أغضبتهم فلقد أغضبت ربك عز وجل )، فرجع الصديق يجري إلى أصحاب النبي وهو يقول: إخوتاه! أوغضبتم مني؟ فقالوا: لا، يغفر الله لك يا أخي.
فهل من الإنصاف والعدل أن يسب هؤلاء الذين زكاهم الله وزكاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل يسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟
الصحابة هم القدوة فاعرفوا لهم فضلهم
إننا نعيش في زمان قُدِّمَ فيه التافهون وأصبحوا القدوة والمثال، فلقد آن الأوان لننظر بأبصارنا إلى هذه القدوات الطيبة والمثل العليا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن مسعود: (من كان مستناً فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، اختارهم الله لصحبة نبيّه، ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم على آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه أيضاً: (إن الله تعالى نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد خير قلوب العباد؛ فاصطفاه لرسالته ونبوته، ونظر في قلوب العباد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد؛ فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه).
وعند الترمذي من حديث العرباض بن سارية قال: ( وعظنا رسول الله موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: كأنها موعظة مودع فأوصنا يا رسول الله.
فقال: أوصيكم بالسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة ).
إنّ تطاول السفهاء على الصحابة والاستهزاء بكتب الحديث التي تلقتها الأمة بالقبول تطرف فكري لا يختلف عن التطرف الديني، وكلاهما يجلب المزيد من الصراعات التي أثخنت الأمة بالجراح، في وقت يحتاج فيه الوطن من المؤسسات العاملة أن تجتمع على رفعة شأنه ولم شعث أفراده وجمع الكلمة وتأليف القلوب، وتنزيه ما استقر في وجدان الأمة وضمير علمائها، وما أجمع عليه أهل التخصص، فلا ينبغي أن يتصدر المشهد أنصاف المتعلمين بل أرباعهم، أو المتعالمون الذين لا حظ لهم من دينهم إلا شقشقة لفظية وكلمات يرددونها ترديد الببغاء التي لا تفهم ما تقول إلا يملى عليها.
وليعلم هؤلاء الأقزام أنهم لم ولن يرجعوا مما ذهبوا إليه إلا بخفي حنين، بل ولا بخفي حنين إلا أن تنهال الخفاف ضربًا وتقريعًا على رءوسهم الفارغة.
ولو صدقوا الله تعالى وظهر من نيتهم طلب الإصلاح وكان ما أثاروه مما أشكل عليهم لسألوا، قال تعالى: ” فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون”، لكنهم تحدثوا في دين الله تعالى بل تقولوا على الله ما لا يعلمون، أفلا يذكرون حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ. رواه مسلم.
وكان الأولى والأحرى بهؤلاء إن كانت عندهم نية النصيحة والإصلاح ونهضة المجتمع أن يردوا ما أشكل عليهم فهمه إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلم، وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ”
فهل يظن أولئك النفر أنهم يشوهون بذلك دين الله، أو يتوقعون بذلك أن يجرّوا أكبر مؤسسة رسمية تتكلم باسم الإسلام إلى معارك وهمية لا تعود عليهم إلا بالخسران المبين.
ألا فليعلموا أن أجنداتهم الممولة وخططهم الممنهجة معلومة الهدف والغرض، وبادية الخسران والبوار، ألا فليعلم هؤلاء الأغبياء أن نور الشريعة قد ملأ ساحات الأزهر ويأبى الله إلا أن يتم نوره، فقد شاء ربك القدير أن يكشف هؤلاء ومكرهم وأفكارهم المسمومة وآثامهم المدمرة، قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
فتارة تجد متنطعا ينكر عذاب القبر وتارة تجد أخرى تريد أن تتدخل في قسمة الله تعالى فتسوي بين الرجل والمرأة في المواريث، وتارة تجد غيرهما يتهجّم على صحيح البخاري، وهكذا يخرج علينا حينا بعد حين رويبضة جديد فيهرف بما لا يعرف، وما علم هؤلاء أن الإسلام دعوة ربانية خالدة، أنزلها الله وهو لها حافظ، فما يملك هؤلاء إلا الإفلاس الفكري والعقدي.
وقد غاب عن هؤلاء الأقزام أن ما ينفقونه من عمر ومال سيكون عليهم حسرة ولن يكون سببا لنصرة، ولن يعود عليهم إلا بالبوار، إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ.
وغاب عنهم أيضًا أن دين الله اكتمل وتمّ وأن الله تكفّل بحفظه، الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا ، وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ. رواه أحمد والطبراني والحاكم.
لن يتبقى لهذا العالم الحائر بعد أن خاض كلّ التجارب البشرية التي لم تزده إلا عنتا وإرهاقًا، لم يتبق إلا أن يستجيبوا لنداء الفطرة والاستسلام لخالقها، وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ.
كما يجب على وسائل الإعلام، أن تراعى الظروف الصعبة التى تمر بها بلدنا وأمتنا العربية كلها، والتى لا تحتمل استضافة أمثال هؤلاء الجهلة الذين لا صفة لهم سوى محاولة المتاجرة بالدين أو بالزى الأزهرى، شأنهم فى ذلك شأن المتطرفين سواء بسواء.
سائلين الله تعالى أن يديم على مصرنا الأمن والأمان وأن وأن يجنبها كلّ مكروه وسوء وجميع بلاد الإسلام والمسلمين، وأن يحافظ على الأزهر الشريف رمز الوسطية وضمير الأمة في ظل قيادته الرشيدة تحت رعاية مولانا فضيلة الإمام الأكبر، وأن يجمع كلمتنا على أمر سواء.
اللهم إنا نشهدك أننا نحب أصحاب نبيك المصطفى، اللهم احشرنا معهم بحبنا لهم وإن قصرت بنا أعمالنا، اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن ترد الأمة إلى دينك رداً جميلاً.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الأمين العام للّجنة العليا للدعوة الإسلامية
محمد زكي رزق بداري