ننفرد بالخطبة المسموعة : خطبة الجمعة محمد حرز : الأرض المباركة

ننفرد بالخطبة المسموعة : خطبة الجمعة محمد حرز : الأرض المباركة بتاريخ ، 26 شوال 1446هـ – الموافق 25 أبريل 2025م
وقال الدكتور محمد حرز في خطبته
الحَمْدُ للهِ الذِي مَنَّ عَلَينَا بِوَطَنٍ مِنْ خِيرَةِ الأَوطَانِ، وَنشَرَ عَلَينَا فِيهِ مَظَلَّةَ الأَمَانِ والاستِقْرَارِ، الحَمْدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ [التين:1-3]. وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وليُّ الصالحينَ وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفُيُّهُ مِن خلقهِ وخليلُهُ، القائلُ كما في حديثِ ابن عباس-رَضِيَ اللهُ عَنْهَما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «عَينانِ لا تمَسَّهُمَا النَّارُ: عينٌ بكتْ مِن خشيةِ اللهِ ، وعينٌ باتتْ تحرسُ في سبيلِ اللهِ » رواه الترمذي ،فاللهمَّ صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وصحبهِ الأطهارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (سورة أل عمران :102)
عبادَ الله): (الأرض المباركة) ((عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا .
ننفرد بخطبة ( خطبة الجمعة القادمة ) الدكتور محمد حرز بتاريخ 26 شوال 1446هـ الموافق 25 أبريل 2025
خطبة الجمعة القادمة محمد حرز pdf : الأرض المباركة ، 26 شوال 1446هـ – الموافق 25 أبريل 2025م
عناصرُ اللقاءِ:
أولًا: سيناءُ أرضٌ مباركةٌ.
ثانيًا: سيناءُ المحافظةُ عليها دينٌ، والموتُ في سبيلِهَا شهادةٌ.
ثالثــــًا: متى تعودُ الأمةُ إلى ربِّهَا؟
أيُّها السادةُ :ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلي أنْ يكونَ حديثُنَا عن سيناءَ المباركةِ المكانِ والمكانةِ، وخاصةً وهؤلاء الصهاينةُ الذين لا يرقبونَ في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمةً يريدونَ تهجيرَ أهلِ غزةَ إلي سيناءَ الحبيبةِ ومِن ثمَّ يضربُوهَا في أيِّ وقتٍ شاءوا بحجةِ الإرهابِ، لكن هيهاتَ هيهاتَ بقيادةِ مصرَ الحكيمةِ الرشيدةِ وبشعبِهَا الأبيِّ اليقظِ أيقنُوا خطورةَ الأمرِ وخطورةَ اللعبةِ فرفضُوا رفضًا تامًّا وأعلنُوها صريحةً، أيّ محاولةٍ للتعدِّي على مصرِنَا بصفةٍ عامةٍ وسيناءَ بصفةٍ خاصةٍ فلن تقفَ مصرُ مكتوفةَ الأيدِي فمصرُ تتحملُ الأشقاءَ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ وهم على العينِ والرأسِ، والواقعُ خيرُ شاهدٍ على ما أقولُ، لكن عندما يتعلقُ الأمرُ بتصفيةِ القضيةِ الفلسطينيةِ ويتعلقُ الأمرُ بسيادةِ مصرَ وأمنِهَا واستقرارِها فلا وألفُ لا، قالهَا فخامةُ الرئيسِ وقالهَا الشعبُ في كلِّ مكانٍ، وخاصةً وأرضُ سيناءَ أرتوتْ بدماءِ شهدائِنَا لتحريرِهَا مِن يدى العدوِّ الغاشمِ والتخلِّي عنها خزيٌ وعارٌ والدفاعُ عنها عزةٌ وكرامةٌ ورجولةٌ وشهامةٌ وشهادةٌ.
مصرُ الكنانةُ ما هانتْ على أحدٍ*** اللهُ يحرسُها عطفًا ويرعَاها
ندعوكَ يا ربِّ أنْ تحمِي مرابعَهَا *** فالشمسُ عينٌ لها والليلُ نجواهَا
أولًا: سيناءُ أرضٌ مباركةٌ.
خطبة الجمعة القادمة للدكتور محمد حرز : الأرض المباركة pdf – word
أيُّها السادة: شاءتْ حكمةُ اللهِ جلّ وعلا بأنْ فضّلَ الأماكنَ بعضَهَا على بعض، ففضلَ مكةَ علي غيرِهَا مِن الأماكنِ بأنْ جعلَ فيها البيتَ الحرامَ، وفضلَ الجنانَ بعضَهَا على بعضٍ ففضلَ جنةَ الفردوسِ على غيرِهَا مِن الجنانِ بأنْ جعلَ سقفهَا عرشَ الرحمنِ، وفضلَ الناسَ بعضَهُمْ على بعضٍ، (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) (النحل:71 ),وفضلَ الأنبياءَ بعضَهُم على بعضٍ ففضلَ مُحمدًا ﷺ على سائرِ الأنبياءِ والمرسلين، وفضلَ الشهورَ بعضَهَا على بعضٍ، ففضلَ شهرَ رمضانَ على غيرِه مِن الشهورِ بأنْ جعلَهُ شهرَ الصيامِ والقرآنِ، وفضلَ الأيامَ بعضَهَا على بعضٍ ففضلَ يومَ الجمعةِ على غيرِهِ مِن الأيامِ بأنْ جعلَهُ خيرَ يومٍ طلعتْ فيهِ الشمسُ، وفضلَ الليالي بعضَهَا على بعضٍ ففضلَ ليلةَ القدرِ على غيرِهَا مِن الليالِي بأنْ جعلهَا خيرًا مِن ألفِ شهر.. ومِن الأماكنِ التي فضلَهَا اللهُ جلَّ وعلا البقعةُ المباركةُ طورُ سيناءَ المبارك.
وسيناءُ أيُّها الأخيارُ جزءٌ مِن أرضِ مصرَ الغاليةِ ولها مكانةٌ عظيمةٌ ومميزةٌ في القرآنِ الكريمِ، حيثُ وصفَهَا اللهُ جلّ وعلا في قرآنهِ بأوصافٍ عديدةٍ وكثيرةٍ تدلُّ على فضلِهَا ومكانتِهَا: فهي البقعةُ المباركةُ قال جلَّ وعلا في قصةِ موسَى عليه السلامُ: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ}.. [القصص:30]. ووصفَهَا اللهُ جلَّ وعلا: بالأرضِ المقدسةِ، قالَ جلّ وعلا: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى. إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى. وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى. إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي). طه 11-14، وسيناءُ أرضٌ أقسمَ اللهُ بهَا في القرآنِ، فقالَ جلّ وعلا: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ [التين:1-3]. والتينِ والزيتونِ أي: المسجدُ الأقصى، وطورِ سينين أي: جبلُ الطورِ بسيناءَ، وهذا البلدِ الأمينِ أي: مكةُ المكرمةُ، وربطَ اللهُ جلَّ وعلا بينَ جبلِ الطورِ والكعبةِ في قرآنِهِ: (وَالطُّورِ. وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ. في رَقٍّ مَّنشُورٍ. وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) الطور 4-1، والطورُ جاءَ قبلَ الكعبةِ، ويشيرُ إلى أنَّ الطورَ شهدَ نزولَ التوراةِ للنبيِّ موسَى عليه السلام، وبعد ذلك شهدتْ مكةُ نزولَ القرآنِ الكريمِ على قلبِ النبيِّ ﷺ. وفيها شجرةٌ مباركةٌ تحدثَ عنها القرآنُ، ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ﴾. ﴿ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ﴾ يعني: الزَّيتون ﴿مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ﴾ يعني: جبلًا معروفًا، وأوَّلُ ما ينبتُ الزَّيتونُ ينبتُ هناك، ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ لأنَّه يتَّخذ الدُّهن من الزَّيتون ﴿وَصِبْغٍ﴾ إدام ﴿لِلْآكِلِينَ﴾.
وأرضُ سيناءَ وطئهَا الأنبياءُ والمرسلون والصحابةُ والصالحون والأخيارُ والأبرارُ فهذا هو أبو الأنبياءِ إبراهيمُ عليه السلامُ وطأَ أرضَهَا المباركةَ وتزوجَ هاجرَ المصريةَ أمَّ إسماعيلَ عليه وعلى نبيِّنَا أفضلُ الصلاةِ والسلام، ونزلَ عليهِ الوحيُ، ورفعَ لواءَ التوحيدِ في مواجهةِ الشركِ وعبادةِ الأصنامِ.
كما وطأَ أرضَهَا كلٌّ مِن يوسفَ الصديقِ وأبيهِ النبيِّ يعقوبَ عليهما السلامُ واخواتِه أسباطِ بنى إسرائيلَ حيث كان في هذه المنطقةِ عبورُهُم وذهابُهُم ومجيئُهُم ورواحُهُم، حيثُ تمَّ لقاءُ سيدِنَا يوسفَ بأبيهِ سيدِنَا يعقوب، فعلى أرضِهَا التأمَ شملهُمَا والتقيَا بعدَ سنواتٍ مِن العذابِ والغربةِ والحرمانِ.
خطبة الجمعة القادمة للدكتور محمد حرز : الأرض المباركة pdf – word
وعلى أرضِ العريشِ فصلتِ العيرُ، ومِن أرضِهَا انطلقتْ رائحةُ قميصِ يوسفَ حتى وصلَ الى فلسطينَ ليشمَّهُ يعقوبُ علية السلامُ ويقولُ قولتَهُ المأثورةَ إنِّي لأجدُ رائحةَ يوسفَ، وهذا ما جاءَ في تأويلِ قولِهِ تعالى: (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ). سورة يوسف، وتنزّلَ الوحيُّ عليه على أرضِ مصرَ، وقد قيل: إنَّ دخولَهُم كان عن طريقِ سيناءَ وما جاء على لسانِ سيدِنَا يوسفَ (عليه السلامُ): {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: 99] كان هذا مِن خلالِ سيناء. وعلى أرضِهَا دارتْ قصةُ موسي عليه السلامُ في أغلبِ أحداثِهَا فعندما عادَ موسَى عليه السلامُ إلى سيناءَ قاصدًا مصرَ، ولكنَّه ضلَّ الطريقَ كان لقاؤهُ مع ربِّه على جبلِ موسَى في منطقةِ الطورِ، حيثُ أمرَهُ اللهُ عزّ وجلّ يتلقَّى رسالتَهُ للإنسانيةِ في تلك الأرضِ التي باركَهَا اللهُ عزّ وجلّ، حيثُ تجلّتْ القدرةُ الإلهيةُ، وكلّمَ اللهُ موسَى على أرضِهَا مباشرةً بلا وحيٍ وتجلَّى ربُّنَا على الجبلِ تجليًا يليقُ بكمالِهِ وذاتِهِ جلّ جلالُهُ، وصورَ لنَا القرآنُ هذه الأحداثَ في أكثرَ مِن موضعٍ وسورةٍ فقالَ جلَّ وعلا عن أولِ حوارٍ بينَ ربِّ العزةِ وموسَى عليهِ السلامُ: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)(القصص29 : 30 ).وعلى جبلِ الطورِ بسيناءَ بوادِي طُوى كلّمَ اللهُ موسَى كلامًا حقيقيًّا بصوتٍ يسمعُهُ موسَى عليهِ السلامُ، قالَ جلّ وعلا: ( وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا }..[ النساء: 164].وقال جل وعلا:{ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى. إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى}..[ طه: 11-12].
جبلُ الطورِ وما أدركَ ما جبلُ الطورِ؟ إنّهُ الجبلُ الذي شهدَ ظاهرةً فريدةً لم تجرِ أحداثُهَا فوقَ أيِّ أرضٍ إلّا على أرضِ مصرَ في جبلِ الطورِ بسيناءَ الحبيبةِ، حيثُ تجلَّى اللهُ تعالى للجبلِ فجعلَهُ دكًّا وخرَّ سيدُنَا موسَى (عليه السلام) صعقًا، قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}[الأعراف: 143].إنّه الجبلُ الذي شهدَ نزولَ الألواحِ أو كتابَ التوراةِ، قالَ جلّ وعلا:{وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [سورة الأعراف:154].إنَّه الجبلُ الذي شهدَ ذلك اللقاءَ الذي رفعَ اللهُ (جلَّ وعلا) الجبلَ فوقَ بنِي اسرائيلَ وأخذَ عليهمُ فيهِ العَهْدَ والمِيثَاقَ، قال جلّ وعلا: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة الأعراف: 171].إنَّهُ الجبلُ الذي شهدَ مجيءَ سيدِنَا موسَى (عليه السلام) بسبعينَ رجلًا مِن قومِهِ للتوبةِ عندَ الطورِ فأخذتْهُم الرجفةُ، قال تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا} [الأعراف: 155].إنّهُ الجبلُ الذي شهدَ هذه القاعدةَ الإلهيةَ (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)، فحينَ أخذتهُم الرجفةُ، قال سيدُنَا موسى (عليه السلام) مخاطبًا ربَّهُ عزَّ وجلَّ: {قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ * وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [الأعراف]، فكانتْ الإجابةُ مِن قبلِ اللهِ (عزّ وجلَّ): {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}[الأعراف: 156].إنَّهُ الجبلُ الذي أقسمَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) به مع البقاعِ المقدسةِ التي شرَّفَهَا اللهُ تعالى بالوحيِ والرسالاتِ السماويةِ، قال تعالى:{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ}[التين:1-3].
خطبة الجمعة القادمة للدكتور محمد حرز : الأرض المباركة pdf – word
وعلى أرضِ سيناءَ الحبيبةِ شهدتْ أولَ تدريبٍ لسيدِنَا موسَى (عليهِ السلامُ) على معجزةِ العصَا، والذي سيستخدمُهَا فيمَا بعد مع قومهِ بني إسرائيلَ حين يضربُ بهَا الحجرَ، فتنفجرُ منه اثنتَا عشرةَ عينًا بالماءِ، ومع سحرةِ فرعونَ حين تلفقُ ما كانوا يأفكون، ومع فرعونَ ومطاردتِهِ مع جنودِه لسيدِنَا موسَى (عليه السلام) وقومِهِ، فيضربُ بهَا البحرَ فينفلقُ، كلُّ فرقٍ كالطودِ العظيمِ. فعلى أرضِهَا دارَ حوارُ الحبِّ والألفةِ موسى عليه السلام مع ربِّهِ عندمَا سألَهُ الملكُ جلَّ جلالُه وهو أعلمُ {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى * قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى * وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى * لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى *………الآيات}سورة طه: 17-23 وعلى أرضِ سيناءَ الحبيبةِ استجابَ اللهُ فيها لرغبةِ سيدِنَا موسَى (عليه السلام)، فجعلَ معهُ أخاه هارونَ نبيًّا ووزيرًا ليشدَّ مِن أزرِهِ، قال جلَّ وعلا: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى *} [سورة طه: 29-36].وعندمَا عادَ موسَى ثانيةً بقومِهِ مِن بنِى إسرائيلَ هربًا مِن فرعون، سارُوا متجهينَ إلى سيناءَ ، حيثُ وجدوا البحرَ الأحمرَ في مواجهتِهِم ومِن خلفِهِم لحقَهُم فرعونُ وجنودُهُ ،فحدثتْ المعجزةُ على أرضِهَا حينمَا أمرَ اللهُ موسَى أنْ يضربَ البحرَ بعصاهُ ليجدَ الطريقَ أمامَهُ يابسًا مُمهدًا له ومَن معهُ ثم يعودَ البحرُ مرةً أخرى إلى حالتِه الأولى فيغرقَ فرعونُ وجنودُه وينجُو موسَى وقومُهُ بإذنِ اللهِ، حيثُ حدثتْ المعجزاتُ الإلهيةُ، قال جلَّ وعلا: ( فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ • قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)، فيأتيه الردُّ مِن السماءِ (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) ﴾.
وعلى أرضِ سيناءَ الحبيبةِ ضربَ موسَى الأحجارَ لتنفجرَ منها ينابيعُ المياهِ (عيونُ موسى) الاحدَى عشر، بعددِ اسباطِ بنى اسرائيلَ، حيثُ عرفَ كلُّ قومٍ مشربَهُ والتي هي موجودةٌ حتى الآن تشهدُ بمعجزةِ الخالقِ عزَّ وجلَّ، قال جلَّ وعلا: (إِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۖ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) البقرة(60).
وعلى أرضِ سيناءَ الحبيبةِ تلقَّى موسَى عليهِ السلامُ الوصايا العشرَ مِن ربِّهِ سبحانه وتعالى، وهي القاضيةُ بوحدانيةِ اللهِ عزَّ وجلَّ والجامعةُ لدروسِ الآدابِ الدينيةِ.
وعلى أرضِ سيناءَ الحبيبةِ أنزلَ اللهُ على موسى وقومِهِ مِن بنِى إسرائيلَ (المنَّ والسلوَى)، ولكنْ تجبرَ بنو إسرائيلَ وعصوا موسَى فغضبَ اللهُ عليهم وكتبَ عليهم التيهَ بينَ الجبالِ وفى أوديةِ سيناءَ أربعين عامًا جزاءَ ما اقترفُوه كفرًا وعصيانًا، وكتبَ اللهُ عليهم المذلةَ والمسكنةَ كما في قولِه عزَّ وجلَّ: (قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) المائدة (اية 26).