وزير الأوقاف يكتب: الأزهر بين الإنصاف والاختطاف
لا شك أن الجدل الدائر حول دور الأزهر الشريف ومدى وفائه بحق رسالته التاريخية العظيمة , وقيامه بواجبه تجاه تجديد الخطاب الديني , قد ازداد في الآونة الأخيرة لعوامل عديدة , يأتي في مقدمتها استشراء ظواهر التشدد والتطرف والإرهاب العالمي , وبخاصة هذا الإرهاب المتستر بعباءة الإسلام كذبًا وزورًا وافتراء .
وفي رحلة البحث عن منقذ , أو مواجه , أو حتى شماعة تعلق عليها الأخطاء والخطايا , لينفض بعض من يجب عليهم أن ينتفضوا أيديهم من التقصير , رأى بعض الناس أن يلقوا بالتبعة كل التبعة على تلك المؤسسة العريقة لما عرف عنها أنها كانت دائمًا في مقدمة الصفوف , وموضع الثقة , وأنها متى تحركت تحركًا إيجابيًا أثرت في الأحداث وغيرت مجراها .
ولا شك أن المنصفين لدور هذه المؤسسة العريقة , الحريصين على تقوية أمرها , لوازع ديني أو وطني , مازالوا والحمد لله كثرًا وليسوا قلة , فهم كل وطني غيور على دينه ووطنه , وكل المسلمين الذين نهلوا من علم الأزهر الشريف وتربوا على أيدي رجاله وعلمائه المخلصين , بل وغير المسلمين الذين يدركون أن الأزهر كان ومازال وسيظل بإذن الله تعالى صمام الأمان ورمانة الميزان في الفكر الإسلامي ونشر المنهج الوسطي , وأن الآراء الفردية أو الشاذة لبعض المحسوبين عليه أو المنتسبين إليه لا يعتد بها , ولا يقاس عليها , ولا يمكن أن تشكل قاعدة أو أصلاً .
وأرى أن إصلاح الأزهر قادم , ويسير في الاتجاه الصحيح , وإن كنا نؤمن ونقر أننا في حاجة إلى خطى أسرع وأكثر تقدمًا , وأكثر شجاعة , بما يتواكب مع الرؤية التي يسعى ويتطلع لها فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف , إذ يتطلب الأمر أن نعمل معًا كفريق واحد , ليل نهار , ليس أمامنا سوى هدف واحد , هو : الدين والوطن والأزهر الشريف , محاولين بل جادين في التغلب على نقاط الضعف البشري الذي لا يمكن لأحد إنكاره , أو أن يدعي أنه منه براء , أو أنه في عالم آخر غير عالم البشر وطبيعة البشر التي تحتاج إلى مراجعة ومعالجة دائمة في تجرد واحتساب وإخلاص نية لله عز وجل , في رؤية تجمع ولا تفرق , وتحتضن ولا تقصى , وتحكم على الظاهر ولا تنقب في القلوب والنيات , وتأخذ بمبدأ أن المؤمن إذا سمع خيرًا نشره , وإذا سمع غير ذلك ستره وسعى في إصلاحه لا التشهير بصاحبه .
فالعدل والتسامح هما ميزان الاعتدال للدول والمؤسسات والهيئات أيا كان أمرها أو تصنيفها , فالمؤسسات العريقة تحتضن أبناءها , تقوّم المعوج , وتصوّب المخطئ, وترشد الضال , في رحمة ومودة , ولا زال أبناء الأزهر يرون في الإمام الأكبر أستاذًا أو أخًا أكبر أو والدًا كريمًا , وهو مؤهل للم الشمل وجمع الكلمة , وليس هناك من ينكر عليه ذلك , أو يفكر في الخروج عليه أو الشرود عنه , بل الجميع يسعون إلى إجابته والتفاني في خدمة مؤسستهم متى طلب إليهم ذلك .
غير أن الأمر جد خطير في محاولات اختطاف دور الأزهر في الداخل والخارج , فالمد الشيعي بإنفاقه الباذخ , وتلك الدول التي تريد أن توظف الإنفاق على الدعوة لبناء أمجاد سياسية على حساب الدور التاريخي للأزهر الشريف من خلال إنفاق مالي باهظ على بناء المساجد والمراكز والمجمعات الإسلامية المذهبية أو السياسية وتمويلها واستخدامها فكريًا وثقافيًا لخدمة أهدافها وأغراضها السياسية , وعلى وجه التحديد الدور التركي , ودول أخرى تحاول , وما لم تكن لنا خطة سريعة وعاجلة ومدروسة وجماعية فإن دور هذه الدول يتنامى , على أننا نملك من الرصيد والثقة والاسم التاريخي ما يؤهلنا للعودة بسرعة شديدة لو أحسنّا التنظيم والتحرك , من خلال : الأزهر الشريف , ووزارة الأوقاف , ودار الإفتاء المصرية , بالتنسيق والترتيب مع وزارة الخارجية وأجهزة الدولة المعنية .
وفي داخل مصر حاول كثير من الإخوان وغيرهم من الجماعات والتنظيمات اختراق الأزهر والسيطرة عليه , وتوظيفه لأفكارهم , أو العمل على إضعافه , لأنه يمثل العقبة الكأداء أمام مشروعاتهم الفكرية , ورؤاهم , سواء تلك التي تعمل على توظيف الدين لأغراض سياسية , أم تلك التي تتبنى أفكارًا متشددة أو تخدم جهات داعمة لأجل مصالحها حتى لو كان على حساب المصلحة الوطنية .
وفي الجهة الأخرى هناك من يحاولون إضعاف الأزهر من خلال محاولات الهدم بالتطاول السافر على ثوابت الدين واتهام الأزهر بأنه سبب الكوارث والتشدد , دون أن تكون لهم أي خبرة لا بالأزهر ولا بالمناهج , ولا بالثابت ولا بالمتغير , في خروج تام عن الموضوعية والمنهجية العلمية في النقد .
ونؤكد أن الأزهر الشريف يرحب بالنقد الموضوعي البناء , أما الافتراء والافتئات فلا يمكن أن يقبله لا الأزهر ولا غير الأزهر , فشتان بين النقد الموضوعي وبين السب والقذف والسباب الصراح .
وليس معنى ذلك أننا نقول ليس في الإمكان أبدع مما كان , أو أن مؤسستنا العريقة في أحسن أحوالها , أو أنها تقوم بكامل دورها , أو أنها قد أدت كل ما عليها وما يجب أن تقوم به , فإن الطريق شاق وطويل ومضن , والخطر محدق , ويحتاج إلى جهد استثنائي , لأن الظرف استثنائي وخطير , والأمل في الله ثم في الأزهر ورجاله كبير , فهل يمكن أن نبدأ جميعًا في إصلاح الذات , وتجديد النية , وأن نتحلى بحسن الظن , وأن نتخير أكفأ العناصر وأكثرها وطنية وقدرة على الحركة والعطاء , ممن يمتلكون الرؤية الثاقبة , ويتسمون بحسن الفهم وشموله , والقدرة العلمية والثقافية والعقلية على الحوار والمناقشة والتفاعل مع المجتمع وأدواته المختلفة , ممن يؤمنون بالتنوع وقبول الآخر , ويرفضون كل ألوان التشدد والغلو , ويعملون على مواجهة التطرف والإرهاب صراحة لا ضمنا , ويقسمون على الولاء للدين والوطن والوسطية والاعتدال الذي يؤمن به الأزهر الشريف ويعمل على تأصيله وترسيخه , ويعلنون صراحة براءتهم الكاملة من الانتساب إلى أي جماعات أو جمعيات حزبية أو سياسية وبخاصة تلك المعروفة إما بعدم إيمانها بالدولة الوطنية , أو التي تتبنى أفكارًا ومناهج متشددة لا يقرها ولا يرتضيها الأزهر الشريف , ولا تتوافق مع مناهجه , وأن يكون ولاء جميع أبناء الأزهر الشريف لدينهم ووطنهم وفكرهم الأزهري الوسطي دون سواه .