وزير الأوقاف يكتب : شاهد عيان على داعش
سألني أحد السائقين السوريين الذين يعملون بدولة الكويت الشقيقة إبان زيارتي لها خلال الأيام القليلة الماضية لحضور مؤتمر ” دور المرأة في العمل الخيري ” : ما رأيكم في داعش ؟ وكان السؤال في حضور المهندس صلاح جنيدي رئيس هيئة الأوقاف المصرية، فرددت إليه السؤال : وما رأيك أنت ؟ فقال : أنا شاب سوري من دير الزور التي يسيطر عليها أعضاء التنظيم الإرهابي المسمى داعش ، وإن هؤلاء القتلة المجرمين قد ذبحوا من قريتي نحو عشرة شباب ، ومن منطقة نفطية مجاورة ، جميع الشباب ما بين الخامسة عشرة والأربعين ، وهجّروا بقية الرجال والنساء وأخلوا المنطقة من البشر ليستولوا على نفطها ، ويبيعونه عبر تركيا ليحصلوا في المقابل على العتاد والسلاح والمؤن الغذائية ،و على المال الذي يغرّون به من ينضم إليهم ، وقال : إنهم يعطون رواتب سخية جدًا لمن يحمل السلاح معهم ، على أن جزاءه الذبح إن حاول الإنكار عليهم أو التنكر لهم أو الإفلات من قبضتهم ،كما أكّد أن بضاعتهم الرائجة هي الصبية ومن كانوا في مقدمة الشباب ما بين الثالثة عشرة والعشرين ، يستقطبونهم ويغدقون لهم العطاء ، ويدفعونهم إلى صفوف القتال أو حواجز التفتيش ، وهؤلاء الصبية لا عقل لهم ولا ثقافة ،ثم إنهم مهددون بالذبح إن خرجوا عما يملى عليهم من تعليمات .
لقد أخذ هذا التنظيم الإرهابي يستقطب تحت دافع التهديد والفتك تارة ،والإغراء بالمال والنساء تارة أخرى شبابًا وصبية ، ويعمل على إقناعهم أو إكراههم على اعتناق مسالكه الشيطانية ، ومع كل يوم تتسع فيه رقعة سيطرته يزداد تعاون الخونة والعملاء معه ، ويصبح الخطر على الجميع داهمًا ، ومما لا شك فيه أن قوى كبرى دولية وأخرى إقليمية مستفيدة بصورة أو بأخرى من وجود هذا التنظيم الإرهابي الغاشم ، سواء من سيطرته على بعض آبار النفط الذي يباع بثمن بخس ، أم من جهة تسويق السلاح والعتاد العسكري لهذه الجماعات الإرهابية ، أم بتمزيق منطقتنا والاستيلاء على خيراتها ومقدراتها .
ولا شك أن التسليح الذي يحصل عليه هذا التنظيم ،وهذا التراخي الدولي البيّن في القضاء عليه، يعد أمرًا لافتا للنظر مثيرًا للدهشة ، كما أن هناك أمورًا أخرى أكثر لفتا للنظر ، منها : صمت جميع المنظمات الدولية والعالمية المعنية بحقوق : المرأة ، والأقليات ، والطفل ، وحقوق الإنسان عن جرائم هؤلاء الإرهابيين ، فلم نكد نرى سوى إدانات خجولة لا ترقى إلى مستوى الإجرام الذي يقوم به هذا التنظيم الإرهابي الغاشم ، وإلا فلتقل لنا هذه المنظمات الدولية : ماذا صنعت تجاه قطع رءوس الأطفال والشباب والشيوخ ؟ وتجاه استخدام الأطفال في الحمل القسري للسلاح ؟ وتجاه هذا المنظرالمرعب لختان بعض البنات بصورة ربما لم يشهد التاريخ مثلها وحشية وهمجية ؟
بل أين هذه المنظمات من التجنيد القسري لبعض النساء ودفعهن دفعا إلى العمليات الانتحارية ، فضلا عن امتهانهن وسبيهن واسترقاقهن وبيعهن في سوق جديدة للنخاسة والعبيد ، في عالم يزعم أنه يعمل على القضاء على كل ألوان العبودية والرق التي لم يعد اسمها مطاقا ولا مستساغاً في عالمنا المعاصر ؟
وإذا كان العالم يزعم أنه يحترم حقوق الأكثرية والأقلية ، فماذا صنع العالم الذي يزعم أنه حر تجاه حقوق المسيحيين والأيزيديين من رجال ونساء وأطفال ممن تعرضوا للقتل والذبح والتهجير والاستعباد ، فلم نسمع صوتا يجهر بإنقاذ هؤلاء وهم يُقتّلون ويُهجّرون ، وتُسبى نساؤهم وأطفالهم ، ممن لا يرقبون في البشر ولا في الحجر عهدًا ولا ذمة ولا دينًا ولا خلقًا ولا إنسانية .
وإذا كانت بعض منظمات المجتمع المدني الدولي قد تخصصت في حقوق الحيوان فإننا نقول لأعضائها : أين أنتم يا حمائم السلام ونسائم الحرية من انتهاك هذه الجماعات الإرهابية لحقوق الإنسان والحيوان والحجر والشجر ؟ أو أن الأمر حين يتعلق بالإنسان العربي أو المسلم فلا حقوق ولا إنسانية ؟
إن المبادئ الحقيقية لا يمكن أن تتجزأ ، وإن تجزأت وتغيرت وفق المصالح والأهواء لم تعد صالحة، ولا يمكن للبشر أن يؤمنوا بها أو بأصحابها .
وأؤكد أننا في حاجة إلى اصطفاف وطني وعربي وإسلامي ودولي يجمع أصحاب الضمير الإنساني الحر ،لتكوين جبهة عالمية في مواجهة الإرهاب قبل أن يأكل هذا الإرهاب الغاشم الأخضر واليابس ، وكل يوم يتأخر فيه هذا الاصطفاف يزداد الإرهاب الأسود ضراوة وشراسة في البطش والانتقام وتشويه صورة الإسلام ، كما يخدش بلا شك وجه الإنسانية ، ويكشف زيف التحضر الكاذب الذي يدّعيه المتشدقون بالدفاع عن حقوق الإنسان والحيوان .
وهناك مؤشرات خطيرة ينبغي أن يتنبه لها الجميع ، منها : حادث سدني باستراليا ، وحادث طلاب المدرسة العسكرية بباكستان ، مما يعد جرس إنذار للعالم كله .
وإذا كنا سابقًا نقول : إن الإرهاب يأكل من يدعمه ويموله ويغذيه ، فإننا اليوم نضيف بعدًا آخر فنقول إنه سيأكل من يدعمونه والصامتين عليه والواقفين موقف المتفرج أو المتردد .
غير أننا سنمضي في مواجهة هذا الإرهاب بعزيمة لا تكل ولا تمل مرضاة لربنا ، ودفاعا عن أوطاننا وأعراضنا وأموالنا ، حتى لو كنا في الميدان وحدنا دون سوانا ، لأننا أصحاب قيم ومبادئ لا نحيد عنها في أحرج الظروف واللحظات ، وهو ما يميز مصر عن سواها ويجعلها قرّة عين صديقها وغيظ عداها .