خطبة الأسبوععاجل

خطبة بعنوان: أوجه العظمة في الحضارة الإسلامية وأثرها في انتشار الإسلام، للدكتور خالد بدير

 

 

خطبة بعنوان: أوجه العظمة في الحضارة الإسلامية وأثرها في انتشار الإسلام، للدكتور خالد بدير.

لتحميل الخطبة أضغط هنا

 

وللإطلاع علي الخطبة كما يلي:

 

       عناصر الخطبة: 

العنصر الأول: عظمة النبي صلى الله عليه وسلم مؤسس الحضارة الإسلامية وأثرها في انتشار الإسلام.

العنصر الثاني: عظمة التجار المسلمين وأثرها في انتشار الإسلام.

العنصر الثالث: عظمة الإسلام فى الحروب والتعامل مع الآخر.

العنصر الرابع: عظمة الحضارة الإسلامية في الجانب الأخلاقي.

المقدمة:                                                            أما بعد،،،،،،،،،

عباد الله: حينما طالعت الكتب والمؤلفات، وبحثت في محرك البحث ” جوجل ” على شبكة الانترنت عن هذا الموضوع؛ وجدت مؤلفات عديدة وموسوعات ضخمة عن عظمة الإسلام بحضارته العريقة بجوانبها المختلفة، مما جعل القلم يتحير عن أي عظمة يكتب؟! عظمة الرسول؟! أم عظمة القرآن؟! أم عظمة الأخلاق؟!! أم عظمة العبادات؟!! أم عظمة المعاملات؟!! أم عظمة العقيدة والتوحيد؟!! أم عظمته في مجالات الحياة الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية والعسكرية والقضائية……….إلخ

وفي الحقيقة هذا الموضوع لا تسعفه هذه الوريقات في هذه الدقائق السريعة؛ ولكني أقف مع حضراتكم حول مقتطفات من أوجه عظمة الحضارة الإسلامية من خلال العناصر التالية:

العنصر الأول: عظمة النبي صلى الله عليه وسلم مؤسس الحضارة الإسلامية وأثرها في انتشار الإسلام

لو أردنا أن نتحدث عن جوانب من الحضارة الإسلامية فلا ينبغي لنا أن نغفل عظمة النبي – صلى الله عليه وسلم – مؤسس هذه الحضارة ومنشئها، لأنه قد تفرَّد بشخصية امتازت بصفات لم تَجتمِع في أحد؛ فهو – صلى الله عليه وسلم – أعظم شخصية عرَفها التاريخ، وأكمل رجل عرفته الإنسانية على الإطلاق.

إن محمداً صلى الله عليه وسلم يستحق العظمة ، كيف لا وقد أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور وهداهم إلى صراط مستقيم .

إنه ” رجل واحد في مقابل جميع الرجال ” ، الذي استطاع بنصر الله له وبصدق عزيمته وبإخلاصه في دعوته أن يقف أمام الجميع ليدحض الباطل ويُظهر الحق حتى يحق الله الحق بكلماته ولو كره الكافرون .

إن هذا الرجل العظيم الذي استطاع أن يقف أمام العالم أجمع وأمام جهالات قريش وكفرها العنيد وأمام الأصنام وعبادة الكواكب وكل ما يعبد من دون الله وقف يدعو إلى الله وحده لا شريك له ونبذ كل ما سواه ، إنه بحق لجدير بكل تبجيل واحترام ليس فقط من أتباعه بل من كل من يفهموا العبقرية وخصائصها من المسلمين وغيرهم.

هذا ما قاله الكاتب الغربي مايكل هارت مؤلف كتاب ( الخالدون : المائة الأوائل )…يصف إعجابه الشديد بشخصية النبي صلى الله عليه و سلم.

– فكرة المؤلف مايكل هارت .. ….اختيار مائة شخصية عالمية كأعظم العظماء الذين غيروا حياة العالم على مر التاريخ البشري قاطبة.

– الكتاب أثار ضجة في الغرب لأنه يصرح بقوة : أن محمدا أعظم شخصية مرت على العالم على الإطلاق.

– الكتاب تتبع عظماء التاريخ في كل مجالات الحياة ( السياسة والطب  والأدب والرياضيات ، والمجالات العسكرية ، والكيمياء، والاجتماع ، والفلسفة ، والقانون …..الخ ) عند جميع الأمم……..وبدأ يستخرج من هو الأعظم ويتتبع هكذا إلى أن وصل إلى أعظم 100 ، اختارهم وبعناية فائقة ….حسب نظرية اجتماعية ذات أسس علمية ترصد ( الأكثر تأثيرا وتغييرا في الحياة البشرية )

– من الشخصيات التي وضعها مع الخالدين المائة : ( عيسى عليه السلام ، أرسطو ، موسى عليه السلام ، نيوتن ، أنشتاين ، عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المرتبة 51 ، مارتن لوثر – جاليليو …..الخ )

– واجه الكاتب حرجا وانتقادا ، لوضعه النبي صلى الله عليه وسلم كأعظم شخصية في العالم الغربي لأنه وضعه قبل المسيح عيسى عليه السلام الذي جاء في المرتبة الثالثة.

– قال المؤلف في رده على الانتقاد : ( إن اختياري لمحمد ليأتي في المرتبة الأولى من قائمة أكثر أشخاص العالم تأثيراً في البشرية قد يدهش بعض القراء وقد يعترض عليه البعض ولكنه كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي حقق نجاحاً بارزاً على كل من المستوى الديني والدنيوي )

– و قال أيضا : ( إن البقية ولدوا في بلاد حضارات وعلم ….بينما محمد ولد في بيئة صحراوية جاهلة وفقيرة وبعيدة عن العلم )

– يقول : ( محمد تأثيره ذاتي وعظيم ومتجدد إلى يومنا)

– و قال المؤلف ، يصف إعجابه بشخصيته : ( لو كان محمدا موجودا لحل مشاكل العالم المعقدة …وهو يرتشف فنجان قهوة الصباح ) صلى الله عليه وسلم. أ.ه

إن الصفات التي تفردت في هذا الرسول العظيم لجديرة بأن يحصل على نوط الامتياز ويحظى بكل تقدير واحترام . إنه بحق الأعظم، وهذا ما جعل الصحابة يقدمون حبه على حبهم لأنفسهم وأبنائهم وأموالهم وذويهم، أحب أصحاب محمد محمدا (صلى الله عليه وسلم) إلى درجة استعدادهم التام بأن يبذلوا أنفسهم وأموالهم وأهليهم فداء له, ولماذا يزداد هذا الحبُّ له والارتباط به مع ازدياد معاشرتهم له؟!

فهذا واحد من الصحابة الكرام رضي الله عنهم يغيب عن رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة من الزمن ساعات فيشعر بمرارة فراق رسول الله ويفكر في كيفية تحمل فراقه صلى الله عليه وسلم في الآخرة حتى قبل أن يفكر في دخول الجنة…

عَنْ  عَائِشَةَ  ، قَالَتْ : ” جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ،  إِنَّكَ لَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي وَأَهْلِي وَوَلَدِي ، وَإِنِّي لأَكُونُ فِي الْبَيْتِ ، فَأَذْكُرَكَ فَمَا أَصْبِرُ حَتَّى آتِيكَ ، فَأَنْظُرُ إِلَيْكَ ، وَإِذَا ذَكَرْتُ مَوْتِي وَمَوْتَكَ عَرَفْتُ أَنَّكَ إِذَا دَخَلْتَ الْجَنَّةَ رُفِعْتَ مَعَ النَّبِيِّينَ ، وَإِنِّي وَإِذَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ خَشِيتُ أَنْ لَا أَرَاكَ ، فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذِهِ الآيَةِ : {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا }» (النساء: 69) (رواه الطبراني)

هذا الحب أثار دهشة عروة بن مسعود الثقفي وجعله يتعجب من الحب والإجلال والتعظيم من الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك حينما بعثته قريش ليتفاوض مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، ” فجَعَلَ عُرْوَةُ يَرْمُقُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنَيْهِ قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ ، فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ؛ وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا”(البخاري) وهذه العظمة التي رآها كانت سبباً في إسلامه ومات شهيداً.

وروى البيهقي عن عروة – رضي الله تعالى عنه –” أن أهل مكة أخرجوا زيد بن الدثنة من الحرم ليقتلوه، فقال له أبو سفيان: أنشدك بالله يا زيد، أتحب أن محمدا عندنا بمقامك تضرب عنقه، وأنت في أهلك، فقال زيد – رضي الله تعالى عنه -: والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وأنا جالس في أهلي، فقال أبو سفيان: والله ما رأيت أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا.”

وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ” عدل صفوف أصحابه يوم بدر، وفى يده قدح يعدل به القوم، فمر بسواد بن غزية حليف بنى عدى بن النجار وهو مستنتل من الصف. فطعن في بطنه بالقدح وقال: ” استو يا سواد “. فقال: يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدنى. فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه فقال: استقد. قال: فاعتنقه فقبل بطنه، فقال: ما حملك على هذا يا سواد ؟ قال: يا رسول الله حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدى جلدك. فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير” (سيرة ابن هشام)

وقد سئل على ابن أبي طالب عن شدة حب الصحابة للنبي فقال: “كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ” (الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض)

بل إن مبغضيه وكارهيه قد تحولوا من شدة البغض له إلى شدة الحب والتوقير والإجلال لما رأوا فيه من حسن الخلق والمعاملة.

فعن أَبَي هُرَيْرَةَ يَقُولُ: ” بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ مِنْ الْغَدِ فَقَالَ: مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ، فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهَا إِلَيَّ” (متفق عليه)

وفي صحيح مسلم عَنْ ابْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ قَالَ: ” حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ فَبَكَى طَوِيلًا وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ: يَا أَبَتَاهُ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا قَالَ: فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلَاثٍ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِّي وَلَا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ قَدْ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُهُ فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ. فَبَسَطَ يَمِينَهُ قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي قَالَ: مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟ قَالَ قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ قَالَ: تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟ قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ وَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَرَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ”

لماذا كل هذا الحب؟؟؟ هل مجرد لأنهم آمنوا بكونه نبي مرسل؟؟ لا ، إن كل هذا الحب تولد من عظمة النبي صلى الله عليه وسلم وحسن أخلاقه ومعاملاته مع المسلم وغير المسلم، وإذا كان الصحابة قد أحبوا النبي لصحبتهم وإتباعهم له، فينبغي لنا أن نحبه ونتبع سنته {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }( آل عمران: 31)، إننا إن فعلنا ذلك نكون أحبابه، ففي صحيح مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ : ” السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاحِقُونَ . وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا . قَالُوا : أَوَ لَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : أَنْتُمْ أَصْحَابِي ، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ . فَقَالُوا : كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ ، أَلا يَعْرِفُ خَيْلَهُ ؟ قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ الْوُضُوءِ ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ ، أَلا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ ، أُنَادِيهِمْ : أَلا هَلُمَّ ، فَيُقَالُ : إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ ، فَأَقُولُ : سُحْقًا سُحْقًا .”

أحبتي في الله: إن الحديث عن عظمة النبي – صلى الله عليه وسلم – وشيمه وأخلاقه وصفاته يحتاج إلى مجلدات، وحسبكم كتب السنة والسيرة التي انفردت بوصف أخلاقه وشيمه؛ التي أهلته ليكون بحق أعظم شخصية حولت مسار العالم  كله كما شهد بذلك التاريخ، فما أحوج أمتنا الآن إلى التحلي بهذه القيم والأخلاق!!!

العنصر الثاني: عظمة التجار المسلمين وأثرها في انتشار الإسلام.

لم يكن الفتح العسكري هو الطريقة الوحيدة التي انتشر بها الإسلام في العالم، ولكن دخل الإسلام بلادًا عديدةً عن طريق الدعوة التي كان يمارسها التجار المسلمون؛ سواء بطريقة مباشرة عن طريق عرض الإسلام صراحة، أو بطريقة غير مباشرة عندما يرى الناس أخلاق التجار المسلمين وصدقهم في الحديث وأمانتهم؛ فيُعجبوا بالإسلام ويدخلوا فيه، وكان ذلك سبباً في نشر الإسلام في أكبر الدول الإسلامية الآن كإندونيسيا وماليزيا والصين والهند وباكستان وأفغانستان والجمهوريات الروسية وكل دول وسط وجنوب أفريقيا.

هذه الأخلاق التي كان لها بعد كبير على رواج دعوة الإسلام في كل بقاع العالم، وفيما يلي نماذج من تاريخنا العريق للتاجر المسلم الصدوق:

فقد أصاب الناس القحط في زمن الصديق رضي الله عنه، فقدمت لعثمان رضي الله عنه ألف راحلة من البُر والطعام، فغدا التجار عليه كلهم يريد شراءها منه, لا للتكسب ولا للاحتكار لرفع الأسعار, وإنما ليوسّعوا على فقراء المدينة في هذه النازلة، فجعــل التجار يساومون عثمان على شراء هذه السلعة، حتى أربحوه بالعشرة خمسة عشر، فأبــى وأنفقها في سوق المدينة على الفقراء والمساكين، وربح البيع يا ذا النورين.

أما الإمام أبو حنيفة رحمه الله، فقد كان والده ميسورًا، ويعمل تاجرًا للقماش، وكذلك كان أبو حنيفة، ولعل التجارة والتعامل مع أنماط مختلفة من مجتمعه كانت من الأمور التي جعلت الإمام أبا حنيفة يوصف بالأمانة الشديدة، والخلق الكريم.

وقد كانت لأمانته صور عدة، وآثار كثيرة، منها: أن امرأة جاءته بثوب من الحرير تبيعه له، فقال: كم ثمنه؟ فقالت: مائة، فقال لها: هو خير من مائة، بكم تقولين؟ فزادت مائة ثم مائة حتى قالت: أربعمائة، قال: هو خير من ذلك، فقالت: أتهزأ بي؟ فقال: هاتي رجلًا يقوِّمْه، فجاءت برجل فاشتراه بخمسائة.

فما أعظم أمانته! يحتاط لغيره أكثر مما يحتاط لنفسه، وفاءً لحق دينه عليه وأمانته، فكان رحمه الله تاجرًا عرف ربه وعرف حقَّ مجتمعه عليه، وعرف أن وراءه يومًا لابد أنه صائر إليه ومحاسب فيه على كل ما اكتسبت يداه.

إنما كانت أمانته كذلك لأن المال كان في يديه، ولم يتمكن من قلبه، فهو يعلم أن ذلك المال فضل من عند الله، ولذا كان يجعل أرباح تجارته لسد حاجات العلماء والمحدّثين والفقراء وقضاء حوائجهم ودفع خلتهم، فيجمع الأرباح من سنة إلى سنة، فيشتري بها حوائجهم وأقواتهم وكسوتهم ويدفع باقي الأرباح إليهم، ويقول: أنفقوا في حوائجكم ولا تحمدوا إلا الله؛ فإني ما أعطيتكم من مالي شيئا ولكن من فضل الله عليّ فيكم، وهذه أرباح بضائعكم؛ فإنه هو والله مما يجريه الله لكم على يدي فما في رزق الله حول لغيره.

رجل لو تشبه به كل تاجر مسلم ….ولو بعشر ما فعل….لكنا بألف خير…ولم يبق فقير واحد في المسلمين.

وكان الإمام أبو حنيفة، خزازا (تاجر حرير) وكان أول من ملك مركزاً تجارياً ووضع فيه نظام خدمة الزبائن، فكان يمنع الباعة أن يزكوا بضاعته للمشتري. فذات مرة جاءت امرأة تشتري الحرير ففتح ابنه حماد طاقة الحرير وقال: ما شاء الله فقال الإمام أبو حنيفة: يا حماد اجمع القماش فليست للبيع لقد زكيت.

وكان غنياً يقرض الناس، فذهب مع الناس يعود مريضاً وقت الظهر، فاستظل الناس بحائط البيت وبقى هو واقفاً في الشمس ينتظرون أن يفتح الباب لهم، فقالوا له: اقترب تستظل بالحائط حتى يأذن لنا، فقال أبو حنيفة: لا.. إن صاحبكم مديون إليَّ وأخاف أن يجر الدين نفعاً فأكون قد رابيت.

وصورة أخرى مشرقـة من صور حياة تجار سلفنا الصالح، فقد كان محمد بن المنكدر من معادن الصدق والأمانة، كان له سلع تباع بخمسة، وسلع تباع بعشرة، فباع غلامه في غَيبته شيئا من سلع الخمسة بعشرة , فلما عرف ابن المنكدر ما فعل غلامه اغتمّ لصنيعه، وطفق يبحث عن المشتري طوال النهار … حتى وجده، وكان من الأعراب، فقال له ابن المنكدر : إنَّ الغلام قد غلط فباعك ما يساوي خمسة بعشرة، فقال الأعرابي: يا هذا قد رضيت. فقال ابن المنكدر: وإن رضيت فإنّا لا نرضى لك إلا ما نرضاه لأنفسنا، فاختر إحدى ثلاث: إما أن تستعيد مالك وتعيد السلعة، وإما أن تُردَّ إليك خمسة، وإما أن تأخذ من سلعة الخمس سلعة العشر. فقال الأعرابي: أعطني خمسة، فرد عليه الخمسة وانصرف؛ فسأل الأعرابي أهل السـوق عن هذا التاجـــر الأمين؟ فقيل له: هذا محمد بن المنكدر، فقال: لا إله إلا الله، هذا الذي ملأ الآفاق ذكره.

-يقول أحد التجار الملتزمين: إنّ كلمة تاجر تعتبر عندنا معشرَ التجار اختصارا في أحرفها الأربعة لعدد مماثل من المعاني، فحرف التاء تعني التقوى، والألف أمانة والجيم جرأة والراء رحمة.

-نعم فالتاجر يجب أن يكون أولا تقيّا، يهاب الله في أعماله وتجارته، وأمينا حيث تقتضي الأمانة في التعامل مع الناس ومع غيره من أولاد الصنعة أن يكون مؤتمنا على الأموال المودعة لديه، وأن يكون جريئا في الحق والعرض والطلب، وأن يكون رحيما بالناس.

كل هذه الأخلاق العالية كانت سبباً في انتشار الإسلام في شتى بقاع العالم، فأين نحن منها الآن؟!!!

انظر إلى واقعنا المعاصر، ذهبت البركة في التجارة، واليوم أصبحنا نسمع عبارة: (التجارة شطارة).. وعندما نسأل هؤلاء التجار عن معنى «أن تكون رجل أعمال شاطر» نجد أنّ كلمة «شاطر» يندرج تحتها كثير من التعاملات غير الأخلاقية، والبعيدة كل البعد عن المعايير الربانية، وروح الشرع ومقاصده العليا، وتحقيق مفهوم عمارة الأرض، ومراقبة الرب في الأخذ بالأسباب الشريفة بإصلاح النية، ومعاملة المسبِّب، وتحقيق الغايات النبيلة. ومثال ذلك أن يبرّر التاجر «الشاطر» الرشوة بذريعة أنه لا يأخذ حقَّ غيره، وبدونها تتعطل مصالحه، ويبررها بأنه يوازن بين المصالح والمفاسد، ومصلحة عمله تقتضي ذلك، ولا يدري أنه يفسد المجتمع بأسره بعمله هذا، وصدق المجتمع وهو لا يدري عندما أضفى على هذا النوع من التجار اسم التاجر «الشاطر» ففي اللغة العربية الفصحى كلمة شاطر معناها: المتباعد من الخير. وقال أبو عبيدة: الشاطر معناه في كلامهم: الذي شطر نحو الشر وأراده.

لذا ينبغي على جميع التجار أن يتذكروا أن هذا المال منحة من عند الله جل وعلا، وقد هيأه الله للتجارة والنماء، وقد يكون ذلك امتحانا واختبارا له، ومن أعطاه الله هذا المال قادر على أخذه منه، فاللهَ اللهَ بالنصح للمسلمين ومراعاة أحوالهم وترك الطمع والجشع.

وختاما فالتاجر القدوة سلعة غابت عن كثير من جوانب حياتنا، وغيابها يمثل خطرا عظيما على المجتمع، ذلك لأنّ التاجر الأمين يمثل وجوده في المجتمع ركيزة قوية وعظيمة من ركائز الأمن الاجتماعي، لذا فقد جعله رسول الله صلي الله عليه وسلم في صفوف النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة، وهي أسمى المنازل التي ينالها إنسان يوم القيامة، ولاشك أنه لا ينالها إلا من كان عطاؤه وقيمة عطائه على قدرها.

فهل يكون التجار اليوم دعاة بأعمالهم قبل ألسنتهم، حاملين همَّ‏ الرسالة كأسلافهم، داعين العالمين إلى الإسلام، والمنحرفين إلى التوبة والإنابة؟!

العنصر الثالث: عظمة الإسلام فى الحروب والتعامل مع الآخر.

وأعني بالآخر غير المسلم، سواء كان في أرض الكفر أو أقلية في بلاد المسلمين، وإنني أؤكد وأركز على هذا العنصر لما نراه من اضطهاد وتعذيب وقتل للأطفال والشيوخ والنساء، وانتهاك للحرمات كما في الأرض المقدسة وغيرها من بلاد المسلمين.

إن الإسلام لم يهمل أخلاق الحرب، بل وضع قيماً وأخلاقاً وضوابط إنسانية للحرب حتى مع الكفار ومن ذلك:

– عدم قتل النساء والأطفال : فقد قال رسول الله:”لا تقتُلُن امرأة ولا عسيفا” ، و”نهى النبي عن قتل النساء والصبيان” ، وروي أن النبي قال :”انطلقوا باسم الله ، لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا امرأة” . واليهود اليوم لا تفرق بين امرأة وشيخ وأعزل ومسلح .

– عدم قتل الهارب والجريح : فإن رسول الله في فتح مكة قد أمر منذ البداية ألا يتعرض أحد لجريح ولا يتابع أحدٌ فارّاً ( أي من فرّ هاربا بحياته) ، وقال :” لا تجهزن على جريح ولا يُتبعَنَّ مُدبر ” .

لا بل رأينا ما يشبه الأساطير عندما قام صلاح الدين بإرسال طبيبه الخاص لمعالجة أشهر أعدائه من قادة الحملات الصليبية وهو ريتشارد قلب الأسد وحمل إليه الدواء والفواكه.

ونحن اليوم في عصر الديمقراطية تُمنع سيارات الإسعاف من التحرك لإنقاذ الجرحى .

_عدم قتال من التجأ إلى بيته : فإن رسول الله قد قال :”ومن جلس خلف باب بيته فلهم الأمان جميعا” ، وقال يوم فتح مكة : “من دخل داره فهو آمن ، ومن وضع سلاحه فهو آمن ، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن” .

ونحن اليوم تقصف البيوت بمن فيها ولأحد يبالي هل هم محاربون أم مسالمون؟!

– عدم قتال العُبّاد : فإن رسول الله حين كان يرسل المجاهدين إلى مكان كان يقول لهم : ” لا تقتلوا أصحاب الصوامع ” ، وأما أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقد قال في وصيته لجيوشه : ” لا تؤذوا راهبا أو عابدا ولا تهدموا معبدا أو صومعة ” .

واليوم تقصف المساجد ، وتحول إلى ثكنات عسكريه وأماكن لاستراحة الجنود .

– عدم الإحراق بالنار : ومبدأنا حيال هذا العمل الوحشي المتمثل بإحراق المقاتلين من الأعداء بالنار سواء كانوا أحياء أو أمواتا فإنه من خلق معلمنا ومرشدنا إلى الخير سيدنا رسول الله الذي قال : ” لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار ” ، وقال كذلك ” لا تعذبوا بعذاب الله ” ، يقصد النار التي بها يعذب الله الكفار والعصاة يوم القيامة .

وحدث ولا حرج عن إضرام النار بالقرى وتحويلها إلى أرض محروقة بما فيها .

-عدم قتل الأسير والمقيد والمربوط : فمن أخلاقنا وشيمنا الإسلامية العربية فقد تمثلت بتوجيهات نبي الرحمة الذي نهى عن قتل الأسير بعد ربطه ولا حتى إيذائه وهو مربوط ، فقد قال أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه : سمعت رسول الله ينهى عن قتل الصُّبْر ” فوالذي نفسي بيده لو كانت دجاجة ما صبرتُها” ، وقال : يوم فتح مكة ” لا تجهزن على جريح ولا يُتبعنّ مُدبر ولا يقتل أسير ، ومن أغلق بابه فهو آمن ” .

-عدم التمثيل بالميت : إن إيذاء الميت بعد موته ، والاعتداء على جثته بانتهاك حرمتها أو قطع أطرافها أو أي صورة من صور الأذى مما يترفع عنه من كانت عنده بقايا انتماء إلى الإنسانية ، فقد قال النبي فيما رواه عبد الله بن يزيد الأنصاري رضي الله عنه : ” نهى النبي عن النُّهبى والمثلة ” أي التمثيل بالميت ، ومما رواه الإمام مسلم أن النبي كان يوصي جنوده الذاهبين للجهاد بقوله ” لا تغدروا ولا تغلّوا ولا تمثلوا ”

وتشويه الجثث والتمثيل بها جزء لا يتجزأ من قوانين حروب عصرنا .

هذه أخلاق سيد البشر وصحابته في جهادهم فشتان بين من كان خلقه القرآن ومن حربه مليئة بالحقد والكراهية يتلذذ بالقتل والحرق والتدمير والإهانة .

وانظر إلى العهدة العمرية لنصارى بيت المقدس فى العام الخامس عشر الهجري..فعندما طلب نصارى بيت المقدس الصلح اشترطوا أن يكون الصلح مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب نفسه وليس مع قائد الجيش, فأرسل قائد الجيش عمرو بن العاص إلى أمير المؤمنين عمر بذلك فسار عمر بن الخطاب بنفسه ليتم الصلح, ولننظر إلى موكب الخليفة فى هذه الرحلة….

خرج عمر بن الخطاب أمير المؤمنين فى موكب لا يضم إلا عمر وخادمه وبعير واحد يتعاقبان عليه الركوب فيركب عمر لفترة ثم ينزل ويركب الخادم لنفس الفترة وهكذا إلى أن قدموا الشام, فلما قدمها عمر اعترضت طريقه مخاضه من المياه فنزل عن بعيره وخاض الماء مع بعيره, فقال له أبو عبيده: لقد صنعت اليوم صنيعا عظيما عند أهل الأرض, فقال عمر : أولو غيرك يقولها يا أبا عبيده؟! إنكم كنتم أذل الناس فأعزكم الله بالإسلام, فمهما تطلبوا العزة بغيره يذلكم الله…

هذا هو موكب عمر ، موكب من خرج لحفظ الأرواح وليس للتعالي على الناس وإظهار السطوة والجبروت..

وكتب لأهلها عهدا يبين عظمة الإسلام فى التعامل مع الآخر, وتقديسه للنفس البشرية وإقراره لحرية الاعتقاد..فأعطى لأهل البلدة الأمان التام على أنفسهم وأموالهم وأعطاهم الحرية الكاملة فى دينهم وعباداتهم بل نص على ألا تمس صلبانهم ولا تهدم كنائسهم…وأن لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم , وإن أصابهم جدب سقط عنهم ما فرض عليهم..

فأي عظمة هذه؟!! فما أعظمها من أخلاق وما أروعها من مُثُل!!!

ولننظر إلى هذا الموقف الرائع..عندما دخل عمر بن الخطاب إلى كنيسة القيامة وحان وقت الصلاة, فقال للبطريرك:أريد الصلاة, فقال له :صل موضعك, فامتنع عمر, وصلى على الدرجة التي على باب الكنيسة منفردا , فلما قضى صلاته قال للبطريرك: لو صليت داخل الكنيسة أخذها المسلمون بعدى, وقالوا هنا صلى عمر.

هذه هي عظمة الإسلام في حفظ مقدسات الآخرين وتقديره لها وحرصه على عدم المساس بها..

ولنقارن هذا بما فعله الصليبيون عندما دخلوا بيت المقدس بعد ذلك باسم الدين -وفقا لما ذكره ستيفن رينسمان , وغوستاف لوبون, وريموند داجميل فى كتبهم-وما ذكره بن الأثير فى تاريخه- إن الصليبيين لبثوا أسبوعا يقتلون المسلمين فقتلوا فى المسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفا منهم جماعه كبيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم , وكانوا يزهون بأنهم دخلوا بيت المقدس وأرجل خيولهم تغوص فى دماء المسلمين, إلى جانب ما فعلوه من استباحة الحرمات والمقدسات , ومن نهب للأموال..

ولنقارنه بما فعله ويفعله اليهود من مجازر وبشاعات في هذه الأيام عند دخولهم بيت المقدس، ونقضهم للعهود والمواثيق، فهذا هو الإسلام وعظمته ومبادئه فى إقرار حقوق الإنسان وحريته فى الاعتقاد بالواقع العملى, وليس بالشعارات والوعود البراقة كما هو واقع الآن.

أقول: هل سمعتم أن بلدة إسلامية احتلت بلداً من بلاد الكفر؟!!! كم نسمع من احتلال قديمٍ وحديثٍ من بلاد الكفر لبلاد الإسلام وكتب التاريخ شاهدة على ذلك، إنها عظمة الإسلام في كل جوانب الحياة وقد ألف في ذلك كتب عن أخلاق الحرب في الإسلام ، بل حازت رسائل من الماجستير والدكتوراه على درجات علمية في هذا الشأن.

العنصر الرابع: عظمة الحضارة الإسلامية في الجانب الأخلاقي.

إن الحضارة الإسلامية مليئة بالقيم الخلقية التي تحلى بها الرعيل الأول من صحابة النبي ومن أهم هذه القيم قيمة الإيثار التي كانت علامة بارزة في طريق الهجرة. فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:” قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الْمَدِينَةَ فَآخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ سَعْدٌ ذَا غِنًى فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ أُقَاسِمُكَ مَالِي نِصْفَيْنِ وَأُزَوِّجُكَ قَالَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ فَمَا رَجَعَ حَتَّى اسْتَفْضَلَ أَقِطًا وَسَمْنًا فَأَتَى بِهِ أَهْلَ مَنْزِلِهِ فَمَكَثْنَا يَسِيرًا أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ فَجَاءَ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْيَمْ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ مَا سُقْتَ إِلَيْهَا قَالَ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ” (البخاري)

فسعد بن الربيع ضرب لنا أروع الأمثلة في الإيثار، وعبدالرحمن بن عوف ضرب لنا أروع الأمثلة في العفة.

وقد صور ذلك القرآن في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الحشر: 9)

وهذا مثال آخر في التكافل والبر، فعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ:” النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ” (متفق عليه)

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: ” بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ قَالَ فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ قَالَ فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ” (مسلم)

فأنت ترى من خلال هذه النصوص أن المسلمين كلهم كالفرد الواحد، فعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :”مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”(مسلم)

فهم إخوة كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} ( الحجرات:10)

وهنا نكتة بلاغية، لماذا جاء التعبير إنما المؤمنون إخوة ولم يقل إنما المؤمنون إخوان؟!! يجيب عن ذلك الإمام الفخر الرازي بقوله: ( إذا كان الله قد عبر بالأخوة التي هي من النسب ، دون الإخوان التي من الصداقة ، ففي ذلك إشارة إلى أن ما بينهم ، ما بين الأخوة من النسب ، والإسلام كالأب . قال قائلهم:

أبي الإسلام لا أب لي سواه               إذا افتخروا بقيس أو تميم. (التفسير الكبير)

أحبتي في الله: الدين الإسلامي كله خلق وكله عظمة، وقد أفردت خطبتين كاملتين عن ذلك في شهر رمضان، الأولى تحت عنوان:” أخلاق الصائمين” والثانية: ” رمضان شهر البر والصلة والتكافل” مما يغني عن إعادته مرة أخرى.

الدعاء……….                                                       وأقم الصلاة،،،،

كتبه : خادم الدعوة الإسلامية

د / خالد بدير بدوي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى