عاجل

أحمد نور الدين يكتب : السكينة

 

السكينة ، خلق إسلامي رصين ، يودعه الله – عز وجل – قلوب عباده المؤمنين الصالحين , اطمئنانا ووقارا لهم من كل هم وحزن , ومن ذلك قول ربنا –تعالى- : (ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) [التَّوبة: 26] أي: أنزل عليهم ما يُسكِّنهم ويُذهب خوفهم، حتَّى اجترؤوا على قتال المشركين بعد أن ولَّوا, وقوله –سبحانه- 🙁 إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا) [التَّوبة: 40], و قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) [الفتح: 4].. وغيرها من الآيات التى وردت بهل لفظ السكينة او مشتقاتها .

ولقد عرفها ابن القيِّم – ر حمه الله –  بقوله : (هي الطُّمَأنِينة والوَقَار والسُّكون، الذي ينزِّله الله في قلب عبده عند اضطرابه من شدَّة المخاوف، فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه، ويوجب له زيادة الإيمان، وقوَّة اليقين والثَّبات) , وعرفها الجرجانى– ر حمه الله – قائلا: (السَّكِينَة: ما يجده القلب من الطُّمَأنِينة عند تنزُّل الغيب، وهي نور في القلب يَسْكُن إلى شاهده ويطمئن) .

وهناك ترادف وفرق بسيط بين كلمتى السَّكِينَة والوَقَار ، إذ السَّكِينَة هيئةٌ بدنيَّةٌ تنشأ من اطمئنان الأعضاء , والوَقَار هيئةٌ نفسانيَّةٌ تنشأ من ثبات القلب، ولا يخفى أنَّه لو عُكِس الفرق، لكان أصوب، وأحقَّ بأن تكون السَّكِينَة هيئةً نفسانيَّةً، والوَقَار: هيئةٌ بدنيَّةٌ) .

ومن عظم خلق السكينة ما نجده من أمر وحث نبينا الحبيب ( صلى الله عليه وسلم) بالأخذ به , ومن ذلك قوله : عن أبى هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أُقِيمت الصَّلاة، فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون، وعليكم السَّكِينَة، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا)رواه البخارى ومسلم , وعن ابن عبَّاس أنَّهُ دفعَ معَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يومَ عرَفَةَ ، فسمعَ النبيُّ صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ وراءَهُ زَجْرًا شديدًا، وضربًا وصوتًا للإبِلِ، فأشَارَ بسَوطِهِ إليهمْ، وقالَ: أيُّها الناسُ، عليكم بالسَّكِينَةِ) رواه البخارى .

كما كان لعظائنا السلف وتابعينا الصالحين ما أوردوه في السكينة تعظيما لهذا الخلق الإسلامي ومن ذلك قول عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: “تعلَّموا العلم، وتعلَّموا للعلم السَّكِينَة والحلم” ، ويقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “كنَّا نتحدَّث أنَّ السَّكِينَة تنطق على لسان عمر وقلبه” ، ويقول ابن القيِّم: “السَّكِينَة إذا نزلت على القلب اطمأن بها، وسكنت إليها الجوارح، وخشعت، واكتسبت الوَقَار، وأنطقت اللِّسان بالصَّواب والحِكْمة، وحالت بينه وبين قول الخَنَا والفحش، واللَّغو والهجر وكلِّ باطلٍ، وفي صفة رسول الله في الكتب المتقدِّمة: إنِّي باعث نبيًّا أمِّيًّا، ليس بفظٍّ ولا غليظٍ، ولا صخَّابٍ في الأسواق، ولا متزيِّنٍ بالفحش، ولا قوَّالٍ للخَنَا، أسدِّده لكلِّ جميلٍ، وأَهَب له كلَّ خُلق كريم، ثمَّ أجعل السَّكِينَة لِبَاسه، والبرَّ شعاره، والتَّقوى ضميره، والحِكْمَة معقوله، والصِّدق والوفاء طبيعته، والعفو والمعروف خُلُقه، والعدل سيرته، والحقَّ شريعته، والهدي إمامه، والإسلام ملَّته، وأحمد اسمه” .

ويقول حسين المهدى فى كتابه (صيد الافكار) :” الصَّبر من الفضائل الخُلقية، التي تُعَوِّد الإنسان السَّكِينَة والاطمئنان، وتكون بلسَمًا لجراحه، ودواءً لمرضه وبلائه، فالصَّابر يتلقَّى المكاره بالقبول، فيحبس نَفْسه عن السَّخط، فيتحلَّى بالسَّكِينَة والوَقَار .

وورد في أعلام النبوة للماوردى قوله متحدثا عن خير من تدثر بخلق السكين نبينا الكريم ( صلى الله عليه وسلم , قوله : “كان صلى الله عليه وسلم من خُلُقِه السَّكِينَة الباعثة على الهيبة والتَّعظيم، الدَّاعية إلى التَّقديم والتَّسليم، وكان من أعظم مَهِيب في النُّفوس، حتَّى ارْتَاعت رُسُل كسرى من هيبته حين أتوه، مع ارتياضهم بصَوْلة الأكَاسِرة، ومكاثرة الملوك الجبابرة، فكان في نفوسهم أهيب، وفي أعينهم أعظم، وإن لم يتعاظم بأهبة، ولم يتطاول بسطوة، بل كان بالتَّواضع موصوفًا، وبالوِطاء معروفًا ” .

ومن صور خلق السكينة عند الإمام أحمد بن حنبل ما اورده الذهبى في (سير اعلام النبلاء) قول المروذي : “لم أرَ الفقير في مجلس أعزَّ منه في مجلس أحمد، كان مائلًا إليهم، مُقْصرًا عن أهل الدُّنيا، وكان فيه حلم، ولم يكن بالعَجُول، وكان كثير التَّواضع، تعلوه السَّكِينَة والوَقَار، وإذا جلس في مجلسه بعد العصر للفُتيا، لا يتكلَّم حتَّى يُسْأل، وإذا خرج إلى مسجده، لم يتصدَّر من الأقوال البليغة فى خلق السكينة” .

ومن فوائد السكينة للعبد المؤمن انها رداء ينزل فيثبِّت القلوب الطَّائرة، ويهدِّئ الانفعالات الثَّائرة , وأنَّ المتَحلِّي بها يمتثل لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ((السَّكِينَة السَّكِينَة))  رواه مسلم .

وأنها كما اورده ابن القيم في ( مدارج السالكين ) 🙁 متى نزلت على العبد السَّكِينَة استقام، وصَلحت أحواله، وصَلح بالُه، وإذا ترحَّلت عنه السَّكِينَة، ترحَّل عنه السُّرور والأمن والدَّعة والرَّاحة وطيب العيش، فمِنْ أعظم نعم الله على عبده: تَـنَـزُّل السَّكِينَة عليه، ومن أعظم أسبابها: الرِّضا عنه) .

كما ان  المتَحلِّي بالسَّكِينَة يخشع في صلاته, ومن صفة النَّاسك السَّكِينَة؛ لغلبة التَّواضع وإتيان القناعة، ورفض الشَّهوات , كما اورد الجاحظ في ( الأمل والمأمول) , و السَّكِينَة علامة من علامات رضا الله عزَّ وجلَّ , وهى من ثمارها محبَّة الله للعبد، ومن ثمَّ محبَّة النَّاس له , وتجعل العبد قادرًا على تحمُّل المصيبة إذا نزلت, وهى تجعل العبد قادرًا على امتصاص غضبه في المواقف الصَّعبة, وغير ذلك من الفوائد العظيمة، التي يجنيها الفرد والمجتمع المسلم من هذا الخُلِق الكريم.

نسأل الله العظيم ان يحلينا بخلق السكينة , وان يودعها استقامة لقلوبنا ونفوسنا , وصلاحا لأحوالنا .

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى