بعد تهنئة الأئمة بالنجاح الباهر لمؤتمر الأقصر وزير الأوقاف يكتب روح الفريق وحرفية المؤتمرات
لا شك أن الإنسان الذي يعد نفسه محور الكون وبؤرة الأحداث وحده لم يخلق ولن يخلق ، ولا بديل أمامنا من أن نعمل معًا بروح الفريق ، وأن نتسامى عن جميع الأغراض الشخصية والنفعية والأنانية ، وأن نؤثر المصلحة العامة في كل مجال على المصلحة الخاصة أو الشخصية ، فالقاعدة أن الأعم نفعًا مقدم على الأخص.
على أن هذا الأمر يحتاج إلى ثقافة وتدريب وتثقيف مستمر يبدأ منذ المراحل التعليمية الأولى والمبكرة من مرحلة الروضة إلى المرحلة الابتدائية وما يتبعها وصولا إلى المرحلة الجامعية وما قد يلحق بها ، مع دعم أسري مستمر لروح الفريق والعمل الجماعي داخل الأسرة .
وقد دعا الإسلام إلى هذه الروح وحث على التعاون والتكامل والتضافر لخدمة الدين والوطن والإنسانية، حيث يقول الحق (سبحانه وتعالى) في كتابه العزيز : ” وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ” ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم ) : ” المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ” في إشارة وكناية واضحة عن ضرورة التلاحم والتماسك ، ويقول (صلى الله عليه وسلم ) : “مثَلُ المؤمنين فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ ، وَتَعَاطُفِهم مَثَلُ الْجَسَدِ ، إذَا اشْتَكَى مِنْهً عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بالسَّهر وَالحُمَّى ” .
وأستطيع أن أقول إن روح الفريق هي التي أسهمت في نجاح مؤتمرنا الأخير ” رؤية الأئمة والدعاة لتجديد الخطاب الديني وتفكيك الفكر المتطرف “هذا النجاح الذي ألقى بظلاله على جميع الضيوف والمشاركين ، حيث تضافرت جهود وزارات السياحة ، والشباب والرياضة ، والطيران ، والآثار ، ومحافظة الأقصر، وكثير من وسائل الإعلام ومن السادة الإعلاميين ، مع جهود وزارة الأوقاف والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية لإنجاح هذا المؤتمر ، حيث عمل الجميع من منطلق وإحساس وطني ، وكان جميع المشاركين حريصين على إبراز الوجه الحضاري لمصر ، والإسهام في تفكيك الفكر المتطرف ، إيمانا منهم جميعًا بخطورة التطرف والإرهاب ، وأنه لا سبيل للقضاء عليه واجتثاثه من جذوره إلا بمزيد من التعاون والتكاتف ، خدمة لديننا من أن يشوهه الضالون المنحرفون من الجهلة والمأجورين والمستأجرين والخونة والعملاء وغير المؤهلين وغير المتخصصين في الشأن الديني أو الخطاب الديني ، وحرصا على وطننا من أن تتخطفه أيدي المتشددين والمتطرفين ودعاة الفوضى المتربصين بنا من أعداء أمتنا الذين يعملون على تفكيك بنيانها وإثارة الفوضى في جنباتها حتى يتمكنوا من السيطرة على خيراتها ومقدراتها .
ونؤكد أن أي دعوة للفوضى وهدم الأوطان أو الإفساد فيها أو تعطيل مسيرتها إنما هي جريمة شرعية وخيانة وطنية ، وبخاصة أننا نخوض حربا ضروسا ضد العناصر والتنظيمات الإرهابية المدفوعة دفعا لضرب استقرار الوطن والمنطقة ، مما يتطلب من كل عاقل العمل على تفويت الفرصة على أعداء الوطن من الوصول إلى حالة الفوضى التي حلت ببعض دول المنطقة ، فشردت أبناءها ، وهدمت بنايتها ، وخربت العامر منها ، وأروني أي دولة سقطت فقامت أو يرجى لها قيام في القريب العاجل ، على أن كل ذلك إنما يصب لصالح قوى الاستمعار من جهة وصالح العدو الصهيوني الذي ازداد فجورًا وغطرسة من جهة أخرى مستغلا الظروف التي تمر بها المنطقة ، محاولا تنفيذ مخططاته وأطماعه تجاه أقصانا الشريف .
وإذا كانت الشدائد تجمع ولا تفرق فإن على كل مخلص لدينه مخلص لوطنه أن يؤثر مصلحة الوطن على جميع المصالح الزائلة ، وأن يدرك أن الحفاظ على مصر قوية أبيّة هو واجب وطني وشرعي وقومي لأن مصر هي القلب النابض للعروبة والإسلام .
وعندما ننظر في المؤتمرات الثلاثة التي أقامتها أخبار اليوم سواء المؤتمر الاقتصادي الأول أم المؤتمر الاقتصادي الثاني ، أم مؤتمر دعم السياحة الأخير ، نجد الروح الوطنية وروح الفريق ماثلتين وبقوة في هذه المؤتمرات ، وإن شئت فقل إن هذه الروح هي سر نجاح هذه المؤتمرات ، مع أهمية تناول موضوع السياحة لأنه لم يُعد مجرد أمر ترفيهي ، فالسياحة إنما هي صناعة وجزء هام من مقوماتنا الاقتصادية ، وتحتاج إلى تضافر الجهود للنهوض بها ، ومن أهمها ثقافة التعامل مع السائح ، إذ يجب أن يدرك الجميع أن حماية جميع السياح وإكرامهم وحسن معاملتهم والحفاظ على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم إنما هو واجب شرعي ووطني ، لأنهم دخلوا بلادنا بعهد وذمة وأمان ، فتأشيرة الدخول التي تمنح للسائح أو حتى مجرد ختم الدخول إنما هو بمثابة عقد وذمة بين الدولة وبين من يدخلها ، سواء أكان سائحا أم غير سائح ، مما يستوجب حمايته حماية كاملة كحماية أبناء الوطن جميعًا ، بل وأشد من ذلك لأنه بمثابة الضيف ، وحق الضيف أن يكرم ، وأن نريه من أنفسنا أحسن الأخلاق والتصرفات ، فلا يُستغل ولا يبتز ، ولا يهان بأي لون من ألوان الإهانة أو التعريض أو الامتعاض ، فحضارتنا السمحة علمتنا أن نقول للناس جميعًا الكلمة الطيبة ، حيث يقول الحق سبحانه :” وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً ” ، فيجب أن نقول القول الحسن ليس للمسلمين وحدهم ولا للمؤمنين وحدهم ، إنما للناس كل الناس ، وبلا أي استثناءات ، وعلينا أن ندرك أن الإسلام انتشر في أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان ، وهي دولة أندونيسيا على أيدي مجموعة من التجار الذين عرفوا بصدقهم وأمانتهم وحسن تعاملهم وحسن أخلاقهم .
على أن تناول هذه الموضوعات الجادة يأتي في عمق الرسالة الوطنية للإعلام الجاد والمؤسسات الوطنية الجادة ، التي تبحث ليس عن مجرد الخبر لتنقله ، إنما تعمل على صنع الأخبار الجادة ، والإسهام في العمل على وضع حلول للقضايا الوطنية ، فتحدث نقلة من مجرد نقل الخبر إلى صنع الخبر والإسهام في معالجة المشكلات ، والتحول نحو الثقافة الجادة الشاملة في المجالات المختلفة ، وملء الساحة الفكرية بما هو جيد ومفيد ومثمر .