خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

جمعة الجمعة : كلمة (أنا) نور ونار للدكتور محمد داود

جمعة الجمعة : كلمة (أنا) نور ونار للدكتور محمد داود ، (12 شوال 1446هـ –  11 أبريل 2025م)

خطبة بعنــــوان:
كلمة (أنا) نــــور ونــــار
للدكتـــــــــور/ محمد حسـن داود
(12 شوال 1446هـ –  11 أبريل 2025م)

العناصـــــر :
– الإسلام دين التواضع والمحبة والألفة.
– ” أنا ” النارية وعواقبها.
– ” أنا ” النورانية وفضائلها.
– سل نفسك عن نفسك؟.

جمعة الجمعة word : كلمة (أنا) نور ونار للدكتور محمد داود ، (12 شوال 1446هـ –  11 أبريل 2025م)

جمعة الجمعة pdf : كلمة (أنا) نور ونار للدكتور محمد داود ، (12 شوال 1446هـ –  11 أبريل 2025م)

  الموضــــــوع: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله فاطر السبع الطباق، مقسم الأرزاق، الهادي لأحسن الأخلاق، مالك يوم التلاق، نحمده على آلاء تملأ الآفاق، ونعم تطوق القلوب والأعناق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: “إنما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ صالِحَ الأخْلاقِ”، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، و بعد

فإن الإسلام دين التواضع والمحبة والألفة، إذ يقول النبي (صلى اللهُ عليه وسلم): “المُؤمِنُ يألَفُ ويُؤلَفُ ولا خيرَ فيمَنْ لا يألَفُ ولا يُؤلَفُ، وخيرُ النَّاسِ أنفَعُهم للنَّاسِ”.. يحب التواضع ويرفع قدره، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلمَ): “إنَّ اللهَ أوحى إليَّ أن تواضَعوا حتى لا يبغيَ أحدٌ على أحدٍ، ولا يفخرَ أحدٌ على أحدٍ”.. لا يرضى بالكبر ولا يقره، قال تعالى: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا * كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا) (الإسراء: 37-38)، حيث إن الكبر والاستعلاء والأنا المتكبرة، أنا الأنانية، أنا غمط الحق، لها عواقب وخيمة، إذ يقول النبي (صلى الله عليه وسلمَ): “أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟: كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ” (متفقٌ عليه) وقال: “مَا مِنْ رَجُلٍ يَتَعَاظَمُ فِي نَفْسِهِ، وَيَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ، إِلَّا لَقِيَ اللهَ وَهو عَلَيْهِ غَضْبَانُ” (رواه أحمد والحاكم).

لقد درج على ألسنة البعض أن إذا قال: ” أنا ” ألحقها بجملة: “وأعوذ بالله من كلمة أنا”، خوفا أن تأخذ بيده إلى العُجْب والتكبر والغرور.‏. والحقيقة أن كلمة ” أنـا ” وهي كلمة صغيرة في مبناها، عظيمة في معناها ودلالتها، لا تكون دائما على وتيرة واحدة، وإنما هي إما أن تكون نارية أو نورانية؛ وقد يعجب البعض من هذه الجملة، لكنها في الحقيقة تحمل في طياتها وحروفها ما يسكن قلب الإنسان وما تعيشه جوارحه:

** فأنا النارية تأتي في سياق الأنانية والكبر والفخر، والتعالي والغرور، وتضخيم الذات، والإعجاب بالنفس، والثناء عليها، وإنكار الحق، وهذه كلها صفات مذمومة وآفات خطيرة، يكفي في عواقبها الخسارة والصغار والهلاك، ولك أن ترى ذلك واضحا جليا في كتاب الله (عز وجل):

– فقد قالها إبليس استكبارا لما عصى أمر ربه بالسجود لسيدنا آدم (عليه السلام)؛ حيث قال: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (الأعراف: 12)، فكانت العاقبة أن باء بلعنة الله والطرد من رحمته، فصار من الصاغرين، بعد أن كان صاحب منزلة سامية؛ قال تعالى: (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ) (ص: 77- 78)، وقال سبحانه: (قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) (الأعراف: 18).

– وقالها النمروذ وكان قد ادعى أنه إله؛ فلما دعاه سيدنا إبراهيم (عليه السلام) إلى الله (عز وجل)، مبيِّنا له أن الله (عز وجل) وحده الأحق بالعبادة؛ وهو الذي يحيي ويميت، قال النمروذ، وقد تملَّكه الكبر والغرور: أنا أحيي وأميت؛ قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (البقرة: 258) فكانت عاقبته كما جاء عن زيد بن أسلم، أنه قال: ” ‌إن ‌أوّلَ ‌جبارٍ ‌كان ‌في ‌الأرضِ ‌نُمرودُ، ‌فبعَث ‌اللهُ ‌عليه ‌بَعوضةً، ‌فدخَلت ‌في ‌مَنخَرِه، ‌فمكث ‌أربعَمائةِ ‌سنةٍ ‌يُضْرَبُ ‌رأسُه بالمطارقِ، أرحمُ الناسِ به من جمعَ يديه فضَرَب بهما رأسَه، وكان جبارًا أربعَمائةِ سنةٍ، فعذَّبه اللهُ أربعَمائةِ سنةٍ كمُلْكِه، ثم أماته اللهُ؛ وهو الذي كان بني صَرْحًا إلى السماءِ، وهو الذي قال اللهُ: (فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) (النحل: 26) (تفسير الطبري).

– وقالها فرعون: لما دعاه نبي الله موسى (عليه السلام) إلى الله (عز وجل)، فتكبَّر وتعظَّم، ثم قال عن نفسه: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ) (النازعات:24)، فكانت العاقبة: (فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ*إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ) (النازعات:25- 26).

– وقالها صاحب الجنتين: وهو يحاور صاحبه مفتخرًا مغرورًا؛ قال تعالى: (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا) (الكهف:35-36). فأرسل الله على جنتيه مطرًا عظيمًا مزعجًا، أقلع زرعها وشجرها، وصارت صعيدًا زَلَقًا؛ أي: ترابًا أملس لا يثبت فيه قدم، وذهب ماؤها غائرًا في أعماق الأرض، فأصبح يقلب كفَّيه حزنًا وأسفًا على أمواله التي أنفقها على جنَّتيه؛ حيث اضمحلَّت وتلاشت وتَلِفَتْ، ولم ينفعه حينئذٍ ما كان يفتخر به؛ قال تعالى: ( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا * هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا) (الكهف: 37 – 44).

– وقالها بمعناها قارون حيث الإعجاب بكسبه ومهارته، منكرا فضل الله (عز وجل) وجاحدا شكره في ماله، حيث قال: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)(القصص: 78)، فكانت العاقبة كما أخبرنا القرآن الكريم، قال تعالى: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ) (القصص: 81).

أما أنا الثانية، فهي “أنا” النورانية، “أنا” الممتلئة بالنور والتواضع والمحبة والألفة، “أنا ” التي يشع من حروفها الخير والنفع، والمروءة، والشعور بالآخرين والإيثار، أنا التي فيها إجابة لسؤال السائل، وتفريج لكرب المكروب، وقضاء لحاجة المحتاج، وكساء العاري، ومداواة المريض، وإطعام الطعام، أنا التي لا يتكلم بها إلا الأنبياء والأولياء وأهل الشهامة وأهل النخوة وأهل النجدة.

– فتراها في كلام سيدنا موسى (عليه السلام) تدل على الشهامة والنجدة والنخوة، وتنشر الطمأنينة والألفة، قال تعالى: (وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰٓ إِلَيْهِ أَخَاهُ ۖ قَالَ إِنِّىٓ أَنَا۠ أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (يوسف: 69).

– تراها في كلام النبي (صلى الله عليه وسلمَ) مبينا للحق، متواضعا مخبرًا عن فضل الله (عز وجل) ومننه ونعمه، شاكرا لله (عز وجل) هذه النعم، لا يريد بها فخرا ولا تكبرا، إذ يقول صَلى الله عليه وسلم: “أنا سيدُ ولدِ آدم يوم القيامة ولا فخرَ، وبيدي لواءُ الحمد ولا فخر، وما من نبيٍّ يومئذٍ آدمُ فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أولُ شافع وأول مُشفَّعٍ ولا فخر”.

– تراها في كلام النبي (صلى الله عليه وسلمَ) في حديث الشفاعة نافعا بها الأمة، مخبرًا عن فضل الله (عز وجل) بأن جعل له شفاعة، إذ يقول صلى الله عليه وسلمَ: “إذا كان يوم القيامة ماجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إلى بعْض، فيأتون آدم فيقولون له: اشْفَعْ لِذُرِّيَّتِك، فيقول: لسْتُ لها، ولكنْ عليكم بإبراهيم (عليه السَّلام)، فإنه خليل الله، فيأْتون إبراهيم فيقول: لَسْتُ لها، ولكِنْ عليكم بموسى (عليه السَّلام)، فإنَّه كَلِيمُ الله، فيُؤْتَى موسى، فيقول: لسْتُ لها، ولكنْ عليكم بعيسى (عليه السَّلام)، فإنه روح الله وكلِمَتُه، فيُؤتَى عيسى، فيقول: لسْتُ لها، ولكِنْ عليْكُم بمُحَمَّدٍ (صَلى الله عليه وسلم)، فَأُوتَى، فأقول: أنا لها”.

– تراها في كلام سيدنا أبي بكر (رضي الله عنه) في موضع المسابقة إلى الخيرات والمنافسة بالطاعات، والسعي إلى الفوز بالدرجات؛ فلما سأل النبي (صلى الله عليه وسلمَ): “مَن أصْبَحَ مِنْكُمُ اليومَ صائِمًا؟”، قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: “فمَن تَبِعَ مِنْكُمُ اليومَ جِنازَةً؟”، قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: “فمَن أطْعَمَ مِنكُمُ اليومَ مِسْكِينًا”، قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، قالَ: “فمَن عادَ مِنْكُمُ اليومَ مَرِيضًا”، قالَ أبو بَكْرٍ: أنا، فقالَ رَسولُ اللهِ (صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ): “ما اجْتَمَعْنَ في امْرِئٍ إلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ” (رواه مسلم).

– تراها في كلام ابن آدم متحدثا عن الخوف من الله (عز وجل) الذي يمنعه فعل السيئات، ويدفعه إلى الطاعات، دون غرور، قال تعالى: (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ(المائدة: 28).

** ترى نورها وأثرها وفضلها في قوله تعالى: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الحج: 77) في قول النبي (صلى الله عليه وسلمَ): “وما تواضعَ أحدٌ للَّهِ إلَّا رفعَهُ اللَّهُ” (رواه الترمذي)، وفي قوله: “مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، ومَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيه فِي الدُّنيَا والآخِرَةِ، ومَنْ سَتَرَ مُسلِماً سَتَرهُ اللهُ فِي الدُّنيَا والآخِرَةِ، واللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فَي عَوْنِ أَخِيهِ”. في قول أم المؤمنين خديجة (رضي الله عنها) للنبي (صلى الله عليه وسلمَ): “واللهِ لاَ يُخْزِيكَ اللهُ أَبَداً، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحمِلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ المَعدومَ، وتَقري الضَّيفَ، وتُعِينُ عَلَى نَوائِبِ الحَقِّ”. هذا وغيره الكثير.

** ولعلي أسأل نفسي هنا سؤالا، أرجو أن تشاركوني فيطرحه كل منا على نفسه: إن أردت أن أحدث نفسي عن نفسي بأنا، فماذا سأقول؟؟؟؟؟. هل سأقول لنفسي: الحمد لله أنا أقوم بالفرائض، وأتقرب إلى الله بالنوافل، وأمنع عن الناس شروري فيا نفس داومي واستمري وأكثري من الصالحات، أم سأقول يا نفس أنا كم من الفرائض ضيعت؟، وكم من نفس أذيت؟، وكم من كلمة بالسوء نطقت؟، وكم من سوء فعلت؟، هل سأحدثها بالطاعة أم بالمعصية؟، بالحسنات أم بالسيئات؟، لذلك كان المؤمن الفطن، الأريب، الكيس، اللبيب من داوم على محاسبة نفسه وسؤالها مرارا وتكررا؛ فقد قال سيدنا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ): “حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، فَإِنَّ أَهْوَنَ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَدًا أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ تَزِنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ يَوْمَ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ “.

إن الأيام تتعاقب، والشهور تتوالى، والسنون تتلاحق، والأعمار تطوى، والآجال تقضى، وليس أهم عند المؤمن من أن يعمر دنياه وأخراه بعمل يرضي به الله (عز وجل) وينال ثوابه، ويتجنب سخطه وعقابه، فيوم القيامة يقف الإنسان للحساب (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) (آل عمران:30) يُسأل عن الصغير، والكبير، والقليل، والكثير (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) (الزلزلة: 7-8) فلا أغرق غفلة ممن يعلم أنه يُحصى عليه مثاقيل الذر، وسيواجَه بما عمل من خير أو شر، ثم يترك نفسه دون محاسبة، لذا لزم أهل العقول والنهى تزكية النفس وإصلاحها، ومحاسبتها وتقييم مسارها، قبل أن تقف أمام الله (عز وجل) للحساب والجزاء والعقاب؛ يقول سيدنا الإمام الحسن البصري (رحمه الله): “لا تلقى المؤمن إلا يحاسب نفسه، ماذا أردت تعملين؟ ماذا أردت تأكلين؟ ماذا أردت تشربين؟ والفاجر يمضي قدما لا يحاسب نفسه”. فأكثروا من العمل الصالح وإن قل، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلمَ): “إنَّ تبسُّمُك في وجهِ أخيك يُكْتَبُ لك به صدقةٌ”. ولا تحقروا عملا سيئا، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلمَ): “إياكم ومحقراتِ الذنوبِ، فإنهُنَّ يجتمعنَ على الرجلِ حتى يُهلكنَهُ”

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، واصرف عنا سيئها، واحفظ اللهم مصر من كل مكروه وسوء.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى