حرية المرأة في الإسلام للشيخ عبد الناصر بليح
الحمد لله رب العالمين ، حمد الذاكرين الشاكرين الموحدين بالله رب العالمين ..
القائل :”وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ” [ البقرة /228]. واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ” [ الحشر /18].
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبد الله ورسوله القائل :” إذا دعا الرجل المرأة على فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح “( البخاري ).
اللهم صلاة وسلاماً عليك يا سيدي يا رسول الله وعلى آلك وصحبك وسلم ..
أما بعد فيا جماعة الإسلام .. يقول الله تعالي :”يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ” [ الحجرات /13].
أخوة الإيمان والإسلام .. إن اٌسلام قد أنصف المرأة فقد كانت المرأة قبل الإسلام مهانة وكانت تتعامل علي أنها سقط متاع وكانوا يعتبرونها مخلوق نجس وكان اليهود إذا حاضت المرأة لايأكلونها ولايجامعونها ولايجلسون معها ..وكان العربي إذا ماتت زوجة أبيه جاء ووضع عليها الثياب حتي يرثها ويتملها كرقيقة وأمة .. وكانوا يكرهونها علي البغاء إذا أرادت أن تتعفف وتتحصن .. الخ هذه الأمور التي كانت تقاسيها المرأة ..
وحديثنا إليكم اليوم عن حرية المرأة في الإسلام وقبل الحديث عن هذا الأمر لابد أن نلقي نظرة سريعة حول ما يتصل بالمساواة بين الرجل والمرأة في تشريع الإسلام : فهذه قضية ترددت فيها كل القوانين والأنظمة البشرية وما زالت تتردى معها أحوال المرأة بالرغم من التقدم الهائل الذي أحرزته الدولة التي تدعي التقدم والمدنية : وإذا نظرنا لوجدنا أنه لا يتحقق للمرأة تلك المساواة الحقيقية إلا في ظل الإسلام :
فالمرأة مساوية للرجل فيما يلي :
1- في أصل الخلقة “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ” [ الحجرات 49/13].
2- وفي القيمة الإنسانية : حيث لا تفاضل بين الجنسين في الإسلام إلا في ميزان التقوى “إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ” [ الحجرات /13].
3- الثواب والعقاب الإلهي : “مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ” [ النحل /97].
4- في المسئولية الجنائية كذلك “وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ” [ المائدة /38]. وكل ما يترتب على هذه الأسس للتساوي فهما فيه سواء لا فرق لأحدهما على الآخر وفيما عدا ذلك تبقى الخلافات والفوارق الخلقية بين الرجل والمرأة . ما يتصل بحرية المرأة : فالمرأة في نظر الإسلام ليست كماً مهملاً ولا جسداً يباع ويشترى ولا هي سقط متاع ولا هي مخلوق نجس ولا هي نذير شؤم ونحس ولا هي تقتل مع زوجها إذا مات ولا هي تدفن حية وهو ما يسمى بالوأد . كما أنها ليست وسيلة إمتاع وتسلية المجتمع للرجال كما هو مشاهد في بعض المجتمعات المعاصرة.
ولنستعرض بإيجاز بعض ملامح حرية المرأة في الإسلام :
1) حرية العقيدة فللمرأة كامل حريتها في العقيدة التي تحب أن تعتنقها بمعنى أنه ليس من مبادئ هذا الدين إجبار المرأة غير المسلمة وكذلك الرجل غير المسلم على اعتناق دين الإسلام فهي إما أن تعتنقه بمحض إرادتها وكامل حريتها وإقتناعها وإما أن تظل في مجتمع المسلمين على عقيدتها وتعامل معاملة الذميين “لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ” [ البقرة /256] لكن إذا اعتنقت الإسلام ليس لها أن تعدل عنه إلى غيره وإلا اعتبرت مرتدة وتعامل معاملة المرتدين عن الإسلام ، فهي إن تزوجت بمسلم وأحبت أن تظل على ديانتها اليهودية أو المسيحية فلها ذلك وليس لزوجها إجبارها على الدخول في الإسلام . “الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ ” [سورة المائدة /5].
2) حريتها في زواجها إنشاء وإنهاء : بمعنى أنه عند تزوج المرأة لابد من موافقتها على الزواج من هذا الرجل الذي يريد الزواج منها ولابد أن تكون هذه الموافقة صريحة لا إكراه فيها ولا إجبار . ففي الحديث الشريف :” لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن “( البخاري) .
وروى النسائي وبن ماجة أن فتاة جاءت إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقالت : إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع به خسيسته ” يغطي نقصه وفقره ” قال فجعل الأمر إليها فقالت قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء شيء “( النسائي وابن ماجة ).
3) رؤية خاطبها وقد أعطاها المشرع حق رؤية خاطبها ، وتعرفه معرفة يقينية وتعرفه وتقتنع به وبإمكان الحياة معه ولولا حق الرؤية والمعرفة لكانتا هذه الموافقة شكلية وبلا مضمون وإذا لم توافق وامتنع إتمام هذا الزواج الذي لا ترغب فيه المرأة.
4- اختيار الرجل الصالح : وللمرأة الحق في اختيار الرجل الصالح وأرشد الإسلام إلى هذا الأمر فقال صلي الله عليه وسلم ” إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير “(الترمذي ). وأية فتنة أن تقع الفتاة المؤمنة المتدينة في عصمة رجل متحلل أو زوج ملحد لا يرغب في مؤمنة إلاً ولا ذمة ولا يقيم للشرف والغيرة والعرض وزناً ولا اعتباراً وأيه فتنة أعظم على المرأة الصالحة من أن تقع في عصمة زوج إباحي فاجر يكرهها على السفور والاختلاط ويجبرها على شرب الخمر ومراقصة الرجال . اختيار على أساس الأصل والشرف زكما حث الإسلام الرجل على أن يختار زوجته أصيلة وشريفة ومتدينة أعطى أيضاً للمرأة هذا الحق ولقد نوه النبي عن اختلاف معادن الناس حين قال :” الناس معادن في الخير والشر خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا “( الطيالسي وابن متيع والعسكري ) ولهذا حض عليه الصلاة والسلام كل راغب في الزواج أن يكون الانتقاء في الزواج على أساس الأصالة والشرف والصلاح والطيب .
5- المهر : كما أعطى الإسلام حرية للمرأة في أن تأخذ المهر تكريماً لها وإيناساً لوحشتها تلبية لغريزة حب التملك المتأصلة فيها وإعانة لها على الانتقال إلى حياة الزوجية حيث تتملك ما يزوق لها . قال تعالى :”وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً” [ النساء /4]؛ فللمرأة أن تأخذ مهرها سواء كان قليلاً أو كثيراً حسب الحالة ونهاها الإسلام أن تبالغ في ذلك حين قال رسول الله ” أعظم النساء بركة أيسرهن صداقاً”( أحمد والبيهقي ). هذا المهر أو الجهاز تملكه المرأة كما تملك أي مال لها وليس لزوجها الحق في الولاية عليه كله ولا بعضه”.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين : والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين أما بعد:
وللمرأة الحق في زواجها إنشاءً وعرفنا ذلك . ولها الحق في زواجها إنهاءً بمعنى أن المرأة إذا تزوجت واكتشفت أن هذا الزواج لا يمكنها الحياة في ظله أو أن الحياة بعد فترة انقلبت بين الزوجين إلى شقاء وجحيم أو غير ذلك من الصور وطلبت المرأة من الزوج أن يفترقا فأبى : هنا لا يقبل الإسلام أن يكره المرأة على البقاء مع مثل هذا الرجل الذي لا يرضاه ولا تحب البقاء معه فيعطيها حرية حرية إنها هذا الزواج ، نعم يعطيها حرية إنهاء هذا الزواج بنفسها وهو ما يسمى بالخلع ” : وصورته أن تفتدي المرأة نفسها من زوجها على مال يأخذه منها سواء كان هو المهر الذي دفعه لها أو أقل منه أو كثر أو غير ذلك ثم يخلعها وبذلك تكون حرة من هذه الزيجة التي لا تحب الاستمرار فيها ولو امتنع ذلك اجبر قانوناً “. “الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ ” [ البقرة /229]. ويروى أنه قد جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى رسول الله فقالت يا رسول الله : ثابت بن قيس ما عبت عليه في خلق ولا دين ولكني أكرهه في الإسلام فقال رسول الله ” : أتردين عليه حديقته ؟ قالت نعم قال رسول الله ” : اقبل الحديقة وطلقها تطليقه “(البخاري ).
6) حق التملك : وللمرأة حق التملك وحريتها في التصرف فيما تملكه “لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً ” [ النساء /7]. ولا سلطان لأحد ولا ولاية عليها تحول بينها وبين والدها أو أخيها أو زوجها أو ابنها في هذه التصرفات المالية إلا إذا أدت إلى خروجها عن طاعة الله أو طاعة زوجها أو الإهمال في حقوقه عليها فله أن يقومها في هذه الحال