خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبة الجمعة 10 يناير 2025 م بعنوان : فضل حسن الخلق وبسط الوجه، للشيخ ياسر عبدالبديع ،

خطبة الجمعة بتاريخ 10 يناير 2025 م – 10 رجب 1446هجرية لفضيلة الشيخ ياسر عبدالبديع ، بعنوان : فضل حسن الخلق وبسط الوجه

لتحميل الخطبة pdf

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، وسَلّم تسليمًا كثيرًا.
أَمّا بعد:
اتقوا الله وأحسنوا أخلاقكم كما أمركم رسولكم محمد – صلى الله عليه وسلم – واعلموا أنه لا يُحصَى من دخل في الإسلام بسبب خلق النبي الكريم عليه الصلاة والسلام سواء كان ذلك الخلق الحسن من: جوده أو كرمه، أو عفوه أو صفحه، أو حلمه أو أناته، أو رفقه أو صبره، أو تواضعه أو عدله، أو رحمته أو بسط وجهه
وقد رغَّب النبي – صلى الله عليه وسلم – في حسن الخلق في مجالات عديدة منها:
• الخلق الحسن في حياة المسلم عامة وفي حياتنا إلى الله تعالى خاصة من أعظم روابط الإيمان وأعلى درجاته، لقوله – صلى الله عليه وسلم -: “أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا
• والخلق الحسن ضرورة اجتماعية لجميع المجتمعات، وهو من أعظم المهمات التي تتعين على جميع الناس إلى الله تعالى؛ لأن من تخلّق به كان من أحب الناس إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وأقربهم منه مجلسًا يوم القيامة، قال – صلى الله عليه وسلم -: “إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا
• والخلق الحسن يجعل المسلم من أحسن الناس، ومن خيارهم مطلقًا، ولا يكون كذلك إلا بالتخلق بهذا الخلق العظيم، قال – صلى الله عليه وسلم -: “إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا
وقد أحسن الشاعر إذ يقول:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
• والخلق الحسن من أعظم القربات وأجلّ العطايا والهبات، والداعية إلى الله تعالى هو من أحق الناس بهذا الخير العظيم؛ ليطبقه على نفسه، ويدعو الناس إليه؛ ليحصل على الثواب الجزيل، ولهذا قال – صلى الله عليه وسلم -: “ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن”وقال – صلى الله عليه وسلم -: “إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم” وقال – صلى الله عليه وسلم – لعبد الله بن عمرو: “أربع إذا كن فيك فما عليك ما فاتك من الدنيا: حفظُ أمانةٍ، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة في طعمة”، وبهذا يحصل المسلم على جوامع الخيرات والبركات، قال – صلى الله عليه وسلم -: “البر حسن الخلق”
• والخلق الحسن هو وصية رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى جميع المسلمين، فقد أوصى به – صلى الله عليه وسلم – معاذ بن جبل حينما بعثه إلى اليمن واليًا، وقاضيًا، وداعيًا إلى الله فقال له: “.. وخالق الناس بخلق حسن”
• والخلق الحسن ذو أهمية بالغة؛ لأن الله عز وجل أمر به نبيه الكريم، وأثنى عليه به، وعظم شأنه الرسول الأمين – صلى الله عليه وسلم -. قال عز وجل: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ وقال سبحانه وتعالى: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ وقال عليه الصلاة والسلام: “إنما بعثتُ لِأُتمِّمَ مكارم الأخلاق” وسئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه – صلى الله عليه وسلم – فقالت: “.. فإن خلق نبيكم – صلى الله عليه وسلم – كان القرآن”
• والخلق الحسن من أعظم الأساليب التي تجذب الناس إلى الإسلام، والهداية، والاستقامة؛ ولهذا من تتبع سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام وجد أنه كان يلازم الخلق الحسن في سائر أحواله وخاصة في دعوته إلى الله تعالى، فأقبل الناس ودخلوا في دين الله أفواجًا بفضل الله تعالى ثم بفضل حسن خلقه – صلى الله عليه وسلم -، فكم دخل في الإسلام بسبب خلقه العظيم، فهذا يسلم ويقول: (والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إليَّ) وذاك يقول: (اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا) تأثر بعفو النبي – صلى الله عليه وسلم – ولم يتركه على تحجيره رحمة الله التي وسعت كل شيء، بل قال له – صلى الله عليه وسلم -: “لقد تحجرت واسعًا”، والآخر يقول: (فبأبي هو وأمي ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه) والرابع يقول: (يا قومي أسلموا فإن محمدًا يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة) والخامس يقول: (والله لقد أعطاني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليَّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليَّ) والسادس يقول: بعد عفو النبي – صلى الله عليه وسلم – عنه (جئتكم من عند خير الناس)، ثم يدعو قومه للإسلام فأسلم منهم خلق كثير وهناك أمثلة كثيرة جدًا.
• والخلق الحسن هو أمنية كل مسلم وكل داعية مخلص خاصة؛ لأنه بذلك ينجو ويفوز وينجح في جميع أموره الخاصة والعامة؛ ولهذه الأهمية كان – صلى الله عليه وسلم – يدعو ربه أن يهديه للخلق الحسن، فكان – صلى الله عليه وسلم – أحيانًا يقول في استفتاحه للصلاة: “واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت..” وكان يقول: “اللهم كما أحسنت خَلْقي فحسِّن خُلُقي”
• والخلق الحسن يُحبب صاحبه إلى الناس جميعًا حتى أعدائه، ويتمكن بذلك من إرضاء الناس على اختلاف طبقاتهم، وكل من جالسه أو خالطه أحبه، وبهذا يسهل على المسلم إدراك مطالبه السامية بإذن الله تعالى؛ لأن المسلمون إلى الله عز وجل لا يسعون الناس بأموالهم ولكن ببسط الوجه وحسن الخلق.
• وإن من لم يتخلق بالخلق الحسن من الدعاة ينفر الناس من دعوته، ولا يستفيدون من علمه وخبرته؛ لأن من طبائع الناس أنهم لا يقبلون ممن يستطيل عليهم أو يبدو منه احتقارهم، واستصغارهم، ولو كان ما يقوله حقًا. قال عز وجل للنبي الكريم – صلى الله عليه وسلم -: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ) وقال عز وجل: ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) وقال عز وجل مُـمْتَنًّا على عباده: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ الآية، وقال: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾وقال: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ﴾ ولا شك أنه يتعين على كل مسلم أن يتخذه عليه الصلاة والسلام قدوة وإمامًا لقوله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾
• وإن صلاح الأمة وهدايتها والنهوض بها لا يكون سليمًا نقيًا إلا بالأخذ من المنبع الصافي، والبعد عن الأفكار الهدامة المنحرفة، والتزام المسلمين بالخلق الحسن ودعوة الناس إليه هو من هذا المنبع، وتطبيق ذلك على أنفسهم، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ ولهذا أمر الله بالعلم قبل العمل، وبالعمل قبل الدعوة إليه، فقال تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ الآية، وقال: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ فقدم العمل قبل الدعوة إلى الحق.
• والخلق الحسن يجعل المسلم مستنير القلب، ويفتح مداركه، فيتبصر به مواطن الحق، ويهتدي به إلى الوسائل والأساليب الصحيحة في دعوة الناس الملائمة للظروف والأحوال، والأشخاص ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا… ﴾
• والخلق الحسن من أعظم الأسباب التي تنجي من النار وتورث الفوز بأعلى الدرجات في جنات النعيم وهذا هو غاية كل مسلم بعد رضى الله عز وجل، ولهذا عندما سأل – صلى الله عليه وسلم – رجلًا فقال له: “ما تقول في الصلاة؟” قال: أتشهّد ثم أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار. أما والله! ما أحسن دندنتك، ولا دندنة معاذ. فقال – صلى الله عليه وسلم – “حولها نُدَنْدِنُ”وهذا يدل أن جميع الأقوال والدعوات والأعمال؛ إنما هو من أجل الفوز بالجنة والنجاة من النار بعد رضى الله عز وجل.
وقد تكفل – صلى الله عليه وسلم – ببيت في أعْلى الجنة لمن حسَّن خلقه فقال: “أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسَّن خلقه”
• والخلق الحسن من أكثر الأعمال التي يدخل بها المسلم الجنة، فقد سُئل النبي – صلى الله عليه وسلم – عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، فقال: “تقوى الله وحسن الخلق” ويبين – صلى الله عليه وسلم -: أن النار تحرم على كل قريب هَيِّنٍ سهل. فعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “ألا أُخبركم بمن يحرم على النار – أو بمن تَحرُمُ عليه النار -؟! على كُلِّ قريبٍ هيِّنٍ لَـيِّـنٍ”
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى للنبي – صلى الله عليه وسلم -: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيْمٍ ﴾
أما الخلق العظيم الذي مدح الله به النبي – صلى الله عليه وسلم – فهو الدين كله، والخلق الحسن جزء منه كما ذكر ابن تيمية رحمه الله تعالى في الفتاوى، وقال الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى – في مدارج السالكين: (حسن الخلق يقوم على أربعة أركان، لا يتصور قيام ساقِه إلا عليها: الصبر، والعفة، والشجاعة، والعدل. ومنشأ جميع الأخلاق الفاضلة من هذه الأربعة)
وهذه الأخلاق الحسنة العظيمة قد عمل بها النبي – صلى الله عليه وسلم -. فاجتهدوا في الاقتداء بالنبي – صلى الله عليه وسلم – في أخلاقه تفوزوا بالسعادة في الدنيا والآخرة
ومن اجمل الأخلاق بسط الوجه والبشاشة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنكم لا تسعون الناس بأموالكم وَلْيَسَعُهُمْ منكم بَسْطُ الوجه وحسن الخلق».
الحديث دليل على فضل بسط الوجه وطلاقته وبشاشته عند اللقاء، وفضل حسن الخلق وحسن المعاشرة، ومعاملة الناس بالكلام الطيب
إن الإنسان قد يجذب الناس ويحببهم به بدون مال إنما بطلاقة الوجه. إن طلاقة الوجه وحسن الخلق من أفضل وأنجح الوسائل للدعوة إلى الله. يستفاد من الحديث أنه ينبغي حسن معاشرة الناس ومخالطتهم والتبسم لهم، وطلاقة الوجه معهم.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، اللهم آمِنّا في أوطاننا،. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفر لأمواتنا وأموات المسلمين، وأعذهم من عذاب القبر وعذاب النار، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم إنا نسألك الهدى والتُّقى، والعفاف والغنى، اللهم اهدنا وسددنا

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى