خطبة الجمعة : إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ ، للدكتور مسعد الشايب

خطبة الجمعة : إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ ، للدكتور مسعد الشايب
النهي عن التشدد في العبادة والطاعة الجمعة 22 من شعبان 1446هـ الموافق 21 من فبراير 2025م للدكتور مسعد الشايب
===========================================
خطبة الجمعة word : إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ ، للدكتور مسعد الشايب
خطبة الجمعة pdf : إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ ، للدكتور مسعد الشايب
أولا: العناصر:
- من خصائص الشريعة الإسلامية اليسر، ورفع الحرج، الصلاة أنموذج.
- ستة نماذج من نهي النبي (صلى الله عليه وسلم) عن الغلو والتشدد.
- الخطبة الثانية: (تحذير النبي (صلى الله عليه وسلم) من أصحاب التنطع والتشدد).
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي جعلنا من أمة خاتم الأنبياء والمرسلين، الحمد لله الذي هدانا لنعمة الإسلام وتوفيق الإيمان، الحمد لله الذي هدانا لحفظ وتلاوة آيات القرآن، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}[الأعراف:43]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلاة وسلاما عليه دائمين متلازمين إلى يوم الدين وعلى آله وصحبه وأتباعه وأحبابه إلى يوم الدين، وبعد:
(1) ((من خصائص الشريعة الإسلامية اليسر، ورفع الحرج، الصلاة أنموذج)):
===========================================
أيها الأحبة الكرام: من أبرز خصائص الدين الإسلامي، ومن مظاهر العظمة فيه، ومن أهم مقاصده التيسير، ورفع الحرج، فالإسلام دينُ يسرٍ، وسهولةٍ، وسلاسةٍ ولينٍ، لا تضييقَ فيه ولا تشديدَ، ولا حرجَ ولا تعسيرَ، قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185]، وقال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، أي: لا يكلف أحدًا فوق طاقته، وقال سبحانه وتعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء:28]، وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]، وقال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:7].
وكما سجل القرآن الكريم سهولة ويسر الشريعة الإسلامية، كذلك جاءت سنة نبينا (صلى الله عليه وسلم)، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه)، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ) (رواه البخاري)، وقال (صلى الله عليه وسلم): (إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ) (رواه أحمد)، أي: سهلة على النفوس لا مشقة فيها، وكان سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا يخير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما.
====
فالدين الإسلامي يتميز بالسهولة واليسر في كل مناحي الحياة؛ في عقيدته، في عبادته، في سلوكياته وأخلاقه، في تعامله مع الآخرين، فإذا رأيت من يشدد على الناس دينهم، ويعسر عليهم أمورهم فاعلم أنه لم يشم رائحة العلم، ولا يعرف عن الإسلام شيئًا.
وانظروا معي إلى بعض النماذج التي تدل على التيسير ورفع الحرج في الشريعة الإسلامية، ولنأخذ فريضة الصلاة مثالا لذلك:
1ـ من شروط صحة الصلاة الطهارة المائية بالوضوء أو الغسل قبلها، فمن لم يجد الماء كأن كان في صحراء، أو كان الماء معه قليلا لا يكفي إلا طعامه وشرابه، أو تعذر على استعماله لمرض أو عذر أبيح له التيمم بالتراب الطاهر عوضا عن الماء، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة:6].
====
2ـ ومن أركان الصلاة القيام في صلاة الفريضة؛ لقول الله (عزّ وجلّ): {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238]، فمن عجز عن الصلاة قائمًا؛ صلى قاعدًا، أو كما تيسر له، فعن عمران بن حصين (رضي الله عنه)، قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي (صلى الله عليه وسلم) عن الصلاة، فقال: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ) (رواه البخاري).
====
3ـ المسافر أكثر من (89) تسعة وثمانين كيلو متر: عند الجمهور يباح له قصر الصلاة الرباعية فقط، فيصليها ركعتين بدلا من أربع، ويباح له جمع التقديم بين الظهر والعصر فيصلي العصر في وقت الظهر بآذان واحد وإقامتين، ويباح له جميع التأخير بين المغرب والعشاء فيصلي المغرب ثلاث ركعات في وقت العشاء بآذان واحد وإقامتين، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ شَطْرَ الصَّلَاةِ) (رواه أصحاب السنن، واللفظ لابن ماجه)، وقد صلى نبينا (صلى الله عليه وسلم) في حجة الوداع يوم عرفة الظهر والعصر جمع تقديم، والمغرب والعشاء جمع تأخير.
(2) ((ستة نماذج من نهي النبي (صلى الله عليه وسلم) عن الغلو والتشدد)):
===========================================
أيها الأحبة الكرام: إذا كانت الشريعة الإسلامية قد أبانت لنا عن سهولتها وتيسيرها، ورفعها للحرج عن المتعبدين من خلال الصلاة كما رأينا، فقد جاء نبينا (صلى الله عليه وسلم) تأكيدا على هذا اليسر، وتلك السهولة، والسماحة ورفع الحرج، جاء فنهى عن التنطع، والتشدد في دين الله (عزّ وجلّ) عموما، فقال (صلى الله عليه وسلم): (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ) (سنن النسائي)، ولم يكتف نبينا (صلى الله عليه وسلم) بهذا النهي العام عن التنطع والتشدد في دين الله (عزّ وجلّ) بل أتبعه بالنص على أمور خاصة لمن تأمل في أحاديثه (صلى الله عليه وسلم)، منها:
1ـ النهي عن مواصلة الصيام، والقيام، فقد قال (صلى الله عليه وسلم) لعبد الله بن عمرو (رضي الله عنهما): (يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟). فقال: بلى يا رسول الله قال: (فَلاَ تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا…) (متفق عليه)، وفي رواية: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال له: (إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ، وَلَا تُبَغِّضْ إِلَى نَفْسِكَ عِبَادَةَ رَبِّكَ، فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لَا سَفَرًا قَطَعَ، وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى، فَاعْمَلْ عَمَلَ امْرِئٍ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَمُوتَ أَبَدًا، وَاحْذَرْ حَذَرًا يَخْشَى أَنْ يَمُوتَ غَدًا) (السنن والشعب للبيهقي).
وعن أنس بن مالك (رضي الله عنه)، قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) (قيل: هم علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمرو، وعثمان بن مظعون (رضي الله عنهم)، يسألون عن عبادة النبي (صلى الله عليه وسلم)، فلما أخبروا كأنهم تقالوها (عدوها قليلة)، فقالوا: وأين نحن من النبي (صلى الله عليه وسلم)؟، قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا، فجاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إليهم، فقال: (أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) (اللفظ للبخاري).
====
2ـ النهي عن التعبد حالة التعب، والكسل، فعن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: دخل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المسجد، وحبلٌ ممدودٌ بين ساريتين، فقال: (مَا هَذَا؟). قالوا: لزينب (بنت جحش) تصلي، فإذا كسلت، أو فترت أمسكت به. فقال: (حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا كَسِلَ، أَوْ فَتَرَ قَعَدَ) (متفق عليه).
وعن عائشة (رضي الله عنها)، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) دخل عليها وعندها امرأة، قال: (مَنْ هَذِهِ؟). فقلت: امرأة لا تنام تصلي، قال: (عَلَيْكُمْ مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَوَ اللهِ لَا يَمَلُّ اللهُ حَتَّى تَمَلُّوا). وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه. (اللفظ لمسلم).
====
3ـ النهي عن تعذيب النفس في العبادة والطاعة، فعن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أيضًا، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) رأى شيخا يهادى بين ابنيه (يمشي بينهما معتمدًا عليهما)، قال: (مَا بَالُ هَذَا؟)، أي: ما شأنه يمشي هكذا. قالوا: نذر أن يمشي (أي: إلى الكعبة)، فقال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ اللَّهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ) (متفق عليه).
وعن ابن عباس (رضي الله عنهما)، قال: بينا النبي (صلى الله عليه وسلم يخطب)، إذا هو برجل قائم، فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل، نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم. فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (مُرْهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ) (رواه البخاري).
====
4ـ النهي عن الغلو والاعتداء في الدعاء، فعن عبد الله بن مغفل (رضي الله عنه)، سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض، عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: أي بني، سل الله الجنة، وتعوذ به من النار، فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ) (رواه أبو داود).
====
5ـ النهي عن الغلو والاعتداء في الطهارة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما)، قال: جاء أعرابي إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) يسأله عن الوضوء، فأراه الوضوء ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: (هَكَذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ) (سنن النسائي).
6ـ النهي عن ترك الأخذ بالرخص الشرعية، كالفطر في السفر، فعن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما)، قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في سفر، فرأى رجلا قد اجتمع الناس عليه، وقد ظلل عليه، فقال: (مَا لَهُ؟). قالوا: رجل صائم. فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ) (اللفظ لمسلم).
عباد الله أقول قولي هذا، وأستغفر الله العليّ العظيم لي ولكم، فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له
(الخطبة الثانية)
((تحذير النبي (صلى الله عليه وسلم) من أصحاب التنطع والتشدد))
===========================================
الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين، اللهم صلّ عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
====
أيها أخوة الأحباب: ما زال الحديث بنا موصولا مع بيان يسر، وسماحة، وسهولة شريعتنا الإسلامية الغراء، ومما ينبغي علينا بيانه، وإبرازه في تلك الجمعة المباركة تحذير نبينا (صلى الله عليه وسلم) من أصحاب التنطع والتشدد، فأقول:
عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه)، أنه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، يقول: (يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ)، ولم يقل: منها. وفي رواية: (يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ (لا يحسنون الفكر، ولا التعقل، ولا الفهم)، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ). (تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ (تستقلونها)، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ، وَيَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ…)، وفي رواية: (يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ) (متفق عليه، واللفظ بالروايتين للبخاري).
(حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ): صغار السن. (سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ): ضعاف العقول، لا يحسنون الفكر، ولا التعقل، ولا الفهم. (يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ): ينسبون أنفسهم للسنة، فيسمون أنفسهم محدثين، أو آثريين، أو يقولون من خير قول البرية، أي: القرآن والسنة. (وَيَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ): أي: لا يفهمون منه شيئا، وهذا أثر من آثار سفاهة أحلامهم. (يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ (الصيد المرمي)): وهذا كناية عن عدم رسوخ إيمانهم، وسرعة خروجهم من الدين، وعدم استفادتهم منه بشيء بالرغم من عظم صلاتهم، وعظم صيامهم، وعظم تلاوتهم.
لقد حذر نبينا (صلى الله عليه وسلم) من أصحاب التنطع والتشدد، لأنهم سبب في إضعاف الأمة كما سمعنا من سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ)، ولنا في الدواعش، وأنصار كذا وأنصار كذا…الخ دليل وشاهد، فهم لا يرون إلا الجيوش العربية وحسب، أما الصهاينة واليهود فلا وجود لهم على أجنداتهم.
لقد حذر نبينا (صلى الله عليه وسلم) من أصحاب التنطع والتشدد، لأنهم سبب في فرقة الأمة وشرذمتها اليوم، وذلك بفضل سفاهة عقولهم وضعفها، انظر اليوم إلى كل من فتت دولة من الدول تجده من أصحاب التنطع والتشدد، انظر في ليبيا، انظر في سوريا، انظر في السودان، انظر في اليمن.
لقد حذر نبينا (صلى الله عليه وسلم) من أصحاب التنطع والتشدد، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، فهم يحبون التصدر دائما، للتعليم والإفتاء، ولا يحترمون العلماء والفقهاء، ويتهجمون عليهم، ويحبون التزبب وهم ما زالوا حصرما، فضلوا وأضلوا بغير علم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فاللهم أرنا الحق حقا، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، اللهمّ إنّا نسألك أن تختم لنا بخاتمة السعادة، اللهم نسألك رضاك والْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَما مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنعُوذُ بِكَ مِنَ سخطك ومن النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَما مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ اللهم ارفع عنا الوباء والبلاء والغلاء، وأمدنا بالدواء والغذاء والكساء، اللهم اصرف عنّا السوء بما شئت، وكيف شئت إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنّا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور/ مسعد أحمد سعد الشايب