أخبار رياضيةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبة الجمعة : الحياءُ خيرٌ كلُهُ ، للدكتور مسعد الشايب

الجمعة الموافقة 27 من جماد أول 1446هـ الموافقة 29/11/2024م

((الحياءُ خيرٌ كلُهُ)) الجمعة الموافقة 27 من جماد أول 1446هـ الموافقة 29/11/2024م مسعد الشايب
===========================================
أولا: العناصر:
1. ماهية الحياء وتعريفه.
2. مكانة الحياء في الشريعة الإسلامية.
3. الخطبة الثانية: ((صور ومراتب الحياء)).
===========================================
ثانيا: الموضوع:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله صادق الوعد الأمين، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أيها الأحبة الكرام: الدين الإسلامي هو دين المثل والقيم والأخلاق، وما أرسل نبينا (صلى الله عليه وسلم) إلا ليتمم صالح الأخلاق، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أنّ النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ)(رواه أحمد)، والدين كما قال علماؤنا: خلق، ومَنْ زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين.
===========================================
(1) ((ماهية الحياء، وتعريفه))
===========================================
ومن قيم الإسلام العالية، وأخلاقه ومثله السامية خلق الحياء، والحياء لغة: هو الحشمة، والانزواء والانقباض، ضد الوقاحة والتبذل. وشرعا هو: خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق. (شرح النووي على مسلم)، وقيل: هو تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به، أو يذم عليه. (طرح الثريب).
===
قلت: ويشهد لهذا المعنى قول أبي سفيان: (فَوَ اللَّهِ لَوْلاَ الحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ)(رواه البخاري)، هذا الخلق العظيم له مكانة عالية، ومنزلة سامية في شريعتنا الإسلامية الغراء.
===========================================
(2) ((مكانة الحياء في الشريعة الإسلامية))
===========================================
1ـ فالحياء أحد الأخلاق المحببة عند الحقِّ (تبارك وتعالى): فحينما قدِم المنذر بن عائذ بن المنذر (أشج عبد القيس، الأشج العَصَري) من البحرين على النبيّ (صلى الله عليه وسلم) في العام التاسع الهجري عام الوفود قال النبيّ (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ فِيكَ خُلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ). فقال: ما هما؟. فقال النبيّ (صلى الله عليه وسلم): (الْحِلْمُ، وَالْحَيَاءُ). قُال: أَ قَدِيمًا كَانَ فِيَّ أَمْ حَدِيثًا؟. قَالَ: (صلى الله عليه وسلم): (بَلْ قَدِيمًا). فقال الأشجّ العصري: الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما. (مسند أحمد) فالحياء من الأخلاق المحببة عند الله، وهذا لأنه لا يأتي إلا بكل خير كما سنعلم، كما أنه مِنْ صميم الدين كما سنرى بل هو الدين كله، فقد ذُكر الحياء عند عمر بن عبد العزيز (رضى الله عنه) فقالوا: الحياء من الدين. فقال: عمر (رضي الله عنه): (بَلْ هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ)(حلية الأولياء، وشعب الإيمان)، ومن مكانة الحياء أيضًا في شريعتنا الإسلامية الغراء:
==========
2ـ أنه أعظمُ أخلاق الإسلام، وأجلُها قدرًا، وأكثرها نفعًا، ولا يأتي إلا بكل خير، قال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ)(سنن ابن ماجه)، لكل دين خلق يميزه ويختصُ به أهله، ويصبحُ سمةً بارزةً وعلامةً ظاهرةً فيه، وخلق الإسلام الذي يميزه هو الحياء.
===
ولما خُصّ الحياء بذلك؟ لأنه لا يأتي إلا بكل خير كما أخبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: (الحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ) (متفق عليه)، بل جعله (صلى الله عليه وسلم) خيرًا كله، فقال (صلى الله عليه وسلم): (الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ)(صحيح مسلم)، ولا عجب في ذلك؛ فالحياء يمنع الإنسان من ارتكاب الرذائل والفواحش، ويدفعه إلى صيانة عرضه، ودفعِ المساوئ، ونشرِ المحاسن، والتحلي بمكارم الأخلاق، قال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ)(صحيح البخاري).
===
ومردّ الأخلاق كلها إلى الحياء، يقولَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ الحميرى (من كبار التابعين): (مَكْتُوبٌ فِي الحِكْمَةِ: إِنَّ مِنَ الحَيَاءِ وَقَارًا، وَإِنَّ مِنَ الحَيَاءِ سَكِينَةً)(متفق عليه)،قال الشاعر:
ورُبّ قبيحةٍ ما حال بيني ***** وبين ركوبها إلا الحياء
فكان هو الدواء لها ولكن ***** إذا ذهب الحياء فلا دواء
==========
3ـ ومن مكانة الحياء أيضًا في شريعتنا الإسلامية الغراء: أنه مرتبطٌ بالإيمان والإيمان مرتبطٌ به، فإذا وُجد الحياء؛ وُجد الإيمان، وإذا قلّ الحياء؛ قلّ الإيمان. وهذا يفسر لنا ما نحن فيه اليوم، فإنّه لما غابت قيمة الحياء من بيننا قلّ الإيمان، وانتشر العري، والفواحش، والزنا، والخنا، والرِشوة، والطعن في الصحابة الكرام، والأئمة الأعلام…الخ، فعن ابن عمر (رضي الله عنه) قال: (إِنَّ الْحَيَاءَ وَالْإِيمَانَ قُرِنَا جَمِيعًا فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا رُفِعَ الْآخَرُ)(الأدب المفرد)، ومن مكانة الحياء أيضًا في شريعتنا الإسلامية الغراء:
==========
4ـ أنه من أعظم أخلاق النبوة: فآدم (عليه السلام) حينما أكل من الشجرة التي نُهي عن الأكل منها هو وحواء ـ في الجنّة ـ سقطا عنهما لباسهما فبدت لهما عورتهما، فأسرعا يأخذن من ورق الجنة ليسترا تلك العورة حياء من الله (سبحانه وتعالى)، قال تعالى: {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ}[الأعراف:22].
وعن أُبيّ بن كعب، و عطاء(رضي الله عنهما) قالا: (لَمَّا ذَاقَ آدَمُ وحواء مِنَ الشَّجَرَةِ، وبدت لهما سوءتهما، فَرَّ هَارِبًا فَتَعَلَّقَتْ شَجَرَةٌ بِشَعْرِهِ فَنُودِيَ: يَا آدَمُ، أَ فِرَارًا مِنِّي؟. قَالَ: بَلْ حَيَاءً مِنْكَ يا رب، ما ظننت أن أحدًا يقسم باسمك كاذبًا)(تفسير السمعاني بتصرف).
===
وهذا نبيُّ الله موسى (عليه السلام) كان حييًا ستيرًا يبالغ في ستر نفسه حتى ادعى بنو إسرائيل أن بجسده عيب، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا}[الأحزاب:69]، قال (صلى الله عليه وسلم): (إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا، لاَ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ، فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالُوا: مَا يَسْتَتِرُ هَذَا التَّسَتُّرَ، إِلَّا مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ: إِمَّا بَرَصٌ وَإِمَّا أُدْرَةٌ: وَإِمَّا آفَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا لِمُوسَى، فَخَلاَ يَوْمًا وَحْدَهُ، فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى الحَجَرِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إِلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا، وَإِنَّ الحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ وَطَلَبَ الحَجَرَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: ثَوْبِي حَجَرُ، ثَوْبِي حَجَرُ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ، وَأَبْرَأَهُ مِمَّا يَقُولُونَ، وَقَامَ الحَجَرُ، فَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَلَبِسَهُ، وَطَفِقَ بِالحَجَرِ ضَرْبًا بِعَصَاهُ، فَوَ اللَّهِ إِنَّ بِالحَجَرِ لَنَدَبًا مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ، ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا}(صحيح البخاري)،(حييًا) كثير الحياء. (ستيرا) من شأنه ودأبه حب الستر وصون نفسه عن رؤية أحد لعورته. (برص) بقع بياض تكون على الجلد. (أدرة) انتفاخ في الخصية. (آفة) عيب. (عدا) مشى مسرعًا. (قام الحجر) وقف عن السير. (وجيها) ذا جاهٍ ومنزلة لا يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه.
ونبينا (صلى الله عليه وسلم) كان أشدّ حياء من العذراء في خدرها (البنت البكر في سترها) وكان إذا كره شيئا عرفه الصحابة (رضي الله عنهم) في وجهه. (متفق عليه).
عباد الله أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم،
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له
===========================================
(الخطبة الثانية)
((صور ومراتب الحياء))
===========================================
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فمازلنا نعيش من خلق الحياء كخلق من أخلاق الإسلام العالية، والحياء المحمود له خمس مراتب نتدرج تحتها صورٌ شتى، وبيانها كالتالي:ـ
==========
1ـ الحياء من الله (عزّ وجلّ): وهو أعظمها ـ ومعناه: إجلال الله (عزّ وجلّ)، ومراقبته، والخوف منه؛ بأن تحفظ أعضاءك، وجوارحك عن المعاصي، فلا يراك حيث نهاك، ولا يفتقدك حيث أمرك، كما يدخل في معناه الزهد في الحياة الدنيا، والإقبال على الأخرة، قال تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}[العلق:14]، وقال تعالى مخاطبا النبيّ (صلى الله عليه وسلم): {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ*وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}[الشعراء:218،219].
===
وقال (صلى الله عليه وسلم): (اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ). قال: قلنا: يا رسول الله إنا نستحيي والحمد لله، قال: (لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ المَوْتَ وَالبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ) (سنن الترمذي) (حق الحياء) أى: حياء صارمًا، ثابتًا، لازمًا. (ليس ذاك) أي: ليس حق الحياء ما تحسبونه. (وما وعى) أي: جمعه من القوى والأعضاء من العين والأذن واللسان، فلا يستعمل هذه الأشياء فيما لا يرضى به الله. (وما حوى) أي: ما حفظه البطنُ وجمعه، وما يتصل به من الفرج والرجلين واليدين والقلب من استعمالها في المعاصي. (والبلى) بكسر الباء: أي: صيرورته ترابًا بعد الموت. (تحفة الأحوذي بتصرف).
===
فلما لا نستحيي من الله حق الحياء؟ ونحن نتمرغ في نعمه؛ نعيش تحت سمائه، وعلى أرضه، ونأكل من رزقه. جاء رجل إلى إبراهيم بن أدهم (من تابعي التابعين ت:162هـ) فقال له: يا أبا إسحاق! إني مسرف على نفسي فاعرض علي ما يكون لها زاجرا ومستنقذًا لقلبي. قال: (إن قبلت خمس خصال وقدرت عليها لم تضرك معصية ولم توبقك لذة). قال: هات يا أبا إسحاق!. قال: (أما الأولى فإذا أردت أن تعصي الله (عزّ وجلّ) فلا تأكل رزقه). قال: فمن أين آكل وكل ما في الأرض من رزقه؟. قال له: (يا هذا! أفيحسن أن تأكل رزقه وتعصيه؟). قال: لا هات الثانية!. قال: (وإذا أردت أن تعصيه فلا تسكن شيئا من بلاده). قال الرجل: هذه أعظم من الأولى! يا هذا! إذا كان المشرق والمغرب وما بينهما له فأين أسكن؟ قال: (يا هذا! أفيحسن أن تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه؟). قال: لا هات الثالثة. قال: (إذا أردت أن تعصيه وأنت تحت رزقه وفي بلاده فانظر موضعا لا يراك فيه مبارزا له فاعصه فيه). قال: يا إبراهيم! كيف هذا وهو مطلع على ما في السرائر؟. قال: (يا هذا! أفيحسن أن تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه وهو يراك ويرى ما تجاهره به؟!). قال: لا هات الرابعة. قال: (إذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فقل له: أخرني حتى أتوب توبة نصوحا وأعمل لله عملا صالحا). قال: لا يقبل منّي. قال: (يا هذا! فأنت إذا لم تقدر أن تدفع عنك الموت لتتوب وتعلم أنه إذا جاء لم يكن له تأخير فكيف ترجو وجه الخلاص؟!). قال: هات الخامسة. قال: (إذا جاءتك الزبانية يوم القيامة ليأخذونك إلى النار فلا تذهب معهم). قال: لا يدعونني ولا يقبلون مني. قال: (فكيف ترجو النجاة إذا؟!). قال له: يا إبراهيم! حسبي أنا أستغفر الله وأتوب إليه. ولزمه في العبادة حتى فرق الموت بينهما. (التوابين لابن قدامة)، قال الشاعر:
يا مُدمِنَ الذَّنْبِ أما تَستَحِي ***** والله في الخَلْوَةِ ثَانِيكَا
غَرَّكَ مِنْ رَبِّكَ إمْهَالُهُ ***** وستْرُهُ طولَ مَساوِيكَا
==========
2ـ الحياء من رسول الله (صلى الله عليه وسلم): وذلك بالتزام هديه، واتباع سنته، ونُصرة دينه وشريعته، قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الحشر:7]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ) (سنن أبي داود، وسنن ابن ماجه) (النواجذ) الأضراس. قيل أراد به الجدّ في لزوم السنة كفعل من أمسك الشيء بين أضراسه وعضّ عليه منعا من أن ينتزع، أو الصبر على ما يصيب من التعب في ذات الله. كما يفعل المتألم بالوجع يصيبه.(حاشية السندي).
==========
3ـ الحياء من الملائكة: بأن توقن أنهم معك ومطلعون عليك، ويراقبونك، ويحصون أعمالك عليك، ولا يفارقونك إلا عند دخول الخلاء، أو إتيان الأهل؛ فلا تتلبس بشيء تُعاب به، أو تذم عندهم، فإنهم يتأذون مما يتأذى به بنو آدم كما صحّ عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ*كِرَامًا كَاتِبِينَ*يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}[الانفطار:10-12]، قال ابن القيم بعد ذكره لها: (أي: استحيوا من هؤلاء الحافظين الكرام وأكرموهم، وأجلوهم أن يروا منكم ما تستحيون أن يراكم عليه من هو مثلكم، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، وإذا كان ابن آدم يتأذى ممن يفجر ويعصي بين يديه، وإن كان يعمل مثل عمله، فما الظن بأذى الملائكة الكرام الكاتبين؟)(الداء والدواء).
==========
4ـ الحياء من الناس: فتكفّ عن إيذائهم بالقول أو اليد، لا في حضورهم كالهمز واللمز، ولا في غيابهم كالغيبة والنميمة، وكذلك تمنتع من التلبس بشيء تعاب به، أو تذم به أمامهم، ولا تقصر في حقٍّ من حقوقهم الواجبة عليك لهم، قال (صلى الله عليه وسلم): (أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ) (صحيح مسلم) يقصد عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، وعن عائشة (رضي الله عنها) قالت: (كُنْتُ أَدْخُلُ بَيْتِي الَّذِي دُفِنَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَأَبِي فَأَضَعُ ثَوْبِي، وَأَقُولُ: إِنَّمَا هُوَ زَوْجِي وَأَبِي، فَلَمَّا دُفِنَ عُمَرُ مَعَهُمْ فَوَ اللهِ مَا دَخَلْتُهُ إِلَّا وَأَنَا مَشْدُودَةٌ عَلَيَّ ثِيَابِي، حَيَاءً مِنْ عُمَرَ)(مسند أحمد).
===
وكان سيدنا الرَّبيع بن خُثَيم (أحد التابعين الأجلاء) ت (65هـ) مِن شدَّة غضه لبصره وإطراقه يَظُنُّ بعض النَّاس أنَّه أعمى، وكان يختلف إلى منزل ابن مسعود (رضي الله عنه) عشرين سنة، فإذا رأته جاريته قالت لابن مسعود: صديقك الأعمى قد جاء. فكان يضحك ابن مسعود (رضي الله عنه) مِن قولها، وكان إذا دقَّ الباب تخرج الجارية إليه فتراه مطرقًا غاضًّا بصره.(إحياء علوم الدين).
==========
5ـ الحياء من النفس: فيمتنع الإنسان من إيرادها إلى موارد الهلكة، ويسلك بها سبل الهدى، فيلزمها العفة، ويصون خلواتها، ولا يرضى لها النقص، ولا يقنع بالدون من العمل والعبادة، قال (صلى الله عليه وسلم): (مَا كَرِهْتَ أَنْ يَراهُ النَّاسُ مِنْكَ فَلاَ تَفْعَلْهُ بِنَفْسِكَ إِذَا خَلَوْتَ)(الجامع الصغير للسيوطي)، وعن ذي النون المصري (رحمه الله)، أنه قال: (مَنْ عَمِلَ فِي السِّرِّ عَمَلًا يَسْتَحِي مِنْهُ فِي الْعَلَانِيَةِ فَلَيْسَ لِنَفْسِهِ عِنْدَهُ خَطَرٌ قَدْرٌ)(الفتوة لأبي عبد الرحمن السُلميّ).
===========================================
فاللهم اهدنا لأحسنِ الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها، لا يصرفُ عنا سيئها إلا أنت، اللهم جنبنا منكراتِ الأخلاق والأهواء، والأعمال والأدواء، اللهمّ آمين، اللهمّ آمين.
كتبها الشيخ الدكتور
مسعد أحمد سعد الشايب

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى