خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبة الجمعة القادمة تحت عنوان ( وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ واستوصوا بالنِّساءِ خَيرا ) للشيخ ثروت سويف

خطبة الجمعة القادمة  بتاريخ 7 فبراير 2025 م ، الموافق 8 شعبان 1446هـ ، تحت عنوان ( وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ واستوصوا بالنِّساءِ خَيرا ) للشيخ ثروت سويف

خطبة الجمعة القادمة  بتاريخ 7 فبراير 2025 م ، الموافق 8 شعبان 1446هـ ، تحت عنوان ( وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ واستوصوا بالنِّساءِ خَيرا ) للشيخ ثروت سويف

لتحميل خطبة الجمعة القادمة word تحت عنوان ( وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ واستوصوا بالنِّساءِ خَيرا ) للشيخ ثروت سويف

خطبة الجمعة القادمة pdf تحت عنوان ( وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ واستوصوا بالنِّساءِ خَيرا ) للشيخ ثروت سويف

اقرأ في هذه الخطبة

أولا : ‌وذَرُوا ‌ظَاهِرَ ‌الإِثْمِ وبَاطِنَه ثانياً : وإعْجَابُ الْمَرْءَ بِنَفْسِهِ ثالثا : وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ

رابعاً: استوصوا بالنِّساءِ خَيرأً

الخطبة الأولي

الحمد ‌للّه القديم بلا غاية، والباقي بلا نهاية، الذي علا في دنوّه، ودنا في عُلوّه، فلا يحويه زمان، ولا يحيط به مكان، ولا يئوده حفظ ما خَلَق، ولم يخلقه على مثالِ سبق، بل أنشأه ابتداعا، وعدّله اصطناعا، فأحسن كلَّ شيء خلقه وتمم مشيئته، وأوضح حكمته، فدَلَّ على ألوهيَّته

وأشهد أن لا إِله إلا الله وحده لا مثيل له، إلها تقدست أسماؤه، وعظمت آلاؤه، علا عن صفات كلِّ مخلوق، وتنزّه عن شبه كل مصنوع، فلا تبلغه الأوهام، ولا تحيط به العقول ولا الأفهام، يعصىَ فيحلم، ويُدعَى فيسمع، ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما يفعلون.

وأشهد شهادةَ حقّ، وقولَ صدق، بإخلاص نية، وصدق طويةّ، أنَّ محمد بن عبد الله عبده ونبيه، وخالصتُهُ وصفيّه، ابتعثه إلى خلقه بالبينات والهدى ودين الحق، فبلَّغ مألُكتَهَ، ونصح لأمته، وجاهد في سبيله، لا تأخذه في الله لومةُ لائم، ولا يصدُّه عنه زعم زاعم، ماضياً على سنتّه، موفياً على قصده، حتى أتاه اليقين. فصلى الله على محمد وعلى آل محمد أفضل وأزكى، وأتم وأنمى، وأجل وأعلى صلاةٍ صلاّها على صفوة أنبيائه، وخالصة ملائكته، وأضعاف ذلك، إنه حميد مجيد.

أما بعد

عباد الله! اتقوا الله حق التقوى، فمن حقيقة هذه الكلمة: ألا تنظر إلى صغر الخطيئة، بل تنظر إلى عظمة من عصيت

إنه الله الجليل الأكبر الخالق البارئ المصور

كم من ذنب حقير استهان به العبد فكان هلاكاً له: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور:15]

أولا : ‌وذَرُوا ‌ظَاهِرَ ‌الإِثْمِ وبَاطِنَه

قال تعالى: {‌وذَرُوا ‌ظَاهِرَ ‌الإِثْمِ وبَاطِنَه إنَّ الذينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ}120 الأنعام

وقال تعالى: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن}

لم يقل: ذروا ظاهر الإثم فقط، ولا قال: ذروا باطن الإثم فقط، قال: ذروا ظاهر الإثم وباطنه، فظاهر الإثم كل ما يظهر للناس من البذاءة والفحش والسب واللعن والشتم ونحو ذلك.

وباطن الإثم كل ما يكون في القلب من الحقد والحسد والعجب والغش واحتقار الخلق ونحو ذلك فإذا تاب المؤمن من الكبائر اندرجت الصغائر في ضمنها لقوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} [النساء: 31] ولكن لا يطمع نفسه في ذلك، بل يجتهد في التوبة عن جميع الذنوب كبيرها وصغيرها، كما قال الشاعر:

خل الذنوب كبيرها وصغيرها … فهو التقي لمن استقام وشمرا

واصنع كماش فوق أرض الشوك يسـ … لك ما خلا حتى يحاذر ما يرى

لا تحقرن صغيرة في نفسها … إن الجبال من الحصى لم تحقرا

أيها الإخوة! الظاهر أمر عظيم وليس هناك في الإسلام شيء اسمه قشور ولب، والذين ينادون بتقسيم الإسلام إلى قشور ولباب أناسٌ ضالون مخطئون، الإسلام كلٌ لا يتجزأ الإسلام يؤخذ كله ويطبق كله، ومع الأسف فإن الناس اليوم يغترون بالظاهر، وليت أن ظاهر الأكثرية ظاهراً إسلامياً؛ إذاً لقلنا: إنهم على الأقل قد امتثلوا شيئاً من الدين، لكن الناس اليوم يعتنون بالمظاهر في الثياب والحفلات والزينات والطعام والشراب والسياحة، حتى العبادات إذا سمعوا قارئاً يقرأ بصوتٍ جميل، قال: صوتٌ رائع، ويجعلون حجهم سياحة، وعمرتهم أكل وحكايات في الحرم، هذا حالهم.

وطائفة أخرى من الناس دخلوا في الدين ظاهرياً؛ فهذا أطال لحيته وأعفاها، والتزم الثوب بطوله الشرعي الذي لا ينزل عن الكعبين، ولكن قلبه ينطوي على أنواع من المفاسد، والأمور العظيمة، ولذلك التصرفات الناتجة عنه والتعامل مع الناس بل مع زوجته وأولاده في البيت وأقربائه وجيرانه من أسوأ ما يمكن.

وأناسٌ قد أخذوا بنصيبٍ من هذا وهذا الالتزام الظاهري والباطني، ولكن عندهم نقص، نحن كلنا مقصرون ولذلك هذه دعوة حقيقة للالتزام بالإسلام ظاهراً وباطناً

ولسنا من الذين ينخدعون بالظاهر، ولا بالذين يقومون الناس على الظاهر

روي البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: (مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا). فَقَالَ: (رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، هَذَا وَاللَّهِ ‌حَرِيٌّ ‌إِنْ ‌خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا). فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا ‌حَرِيٌّ ‌إِنْ ‌خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا )

هذا الضعيف المستضعف خيرٌ من ملأ الأرض من أمثال هذا الذي تقول عنه: إنه من أشراف الناس

ولما كانت امرأة من بني إسرائيل ترضع صبياً لها، أقبل رجلٌ ذو شارة حسنة وهيئة وفخامة ولباس وحشم، فقالت: اللهم اجعل ابني مثل هذا، فترك الصبي الثدي، وأقبل وقال: اللهم لا تجعلني مثله، أنطقه الله في المهد

والحديث متفق عليه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: وَكَانَتِ امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنًا لَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ، فَقَالَتِ: ‌اللَّهُمَّ ‌اجْعَلْ ‌ابْنِي مِثْلَهُ، فَتَرَكَ ثَدْيَهَا وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهَا يَمَصُّهُ – قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَمَصُّ إِصْبَعَهُ – ثُمَّ مُرَّ بِأَمَةٍ، فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هَذِهِ، فَتَرَكَ ثَدْيَهَا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا، فَقَالَتْ لِمَ ذَاكَ؟ فَقَالَ: الرَّاكِبُ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ، وَهَذِهِ الْأَمَةُ يَقُولُونَ: سَرَقْتِ زَنَيْتِ، وَلَمْ تَفْعَلْ )

ونحن اليوم في خضم هذه الجاهلية التي يتعارك فيها ومعها؛ فإننا نحتاج إلى شخصيات إسلامية قوية ذات إيمان وإخلاص ذات علم وعمل: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} [النساء:66]

نحتاج إلى أناسٍ يتمسكون بالدين ظاهراً وباطناً نحتاج إلى أناس لا يلعبون بالدين، وإنما يكونون صادقين مع الله سبحانه وتعالى في تمسكهم به، وقلنا أن الناس اليوم قد اهتموا بالمظاهر السيئة، وبعضهم عنده مظاهر طيبة وبواطن سيئة، ولكن الأكثرية -كما قلنا- بعيدون عن شرع الله يلعبون بهذا الدين لعباً، وهؤلاء هم الذين ذمهم الله سبحانه وتعالى، فقال: {أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأعراف:98] {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء:2]

هذه النوعية التي تلعب بالدين ابتداءً من العقيدة:

ولا تك مرجياً لعوباً بدينه ألا إنما المرجي بالدين يمزح

وقل إنما الإيمان قولٌ ونيةٌ وفعل على قول النبي مصرح

وقيل: إن الذنب إذا صغر عند العبد عظم عند الله تعالى، فإذا استعظمه العبد صغر عند الله تعالى، فإنما يستعظم الذنب الصغير العبد المؤمن لعظم إيمانه ونمو معرفته، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المؤمن يرى ذنبه كالجبل فوقه يخاف أن يقع عليه، والمنافق يرى ذنبه كذباب طائر على أنفه فأطاره))

فإيَّاكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه، وإن لها من الله طالباً

لا تحقرنَّ صغيرة إن الجبال من الحصى والقَطْر منه تدفَّق الخُلْجَان

عن يزيد بن ميسرة وهو ابن حلبس قال: قال الحواريون: يا مسيح اللَّه، انظر إلى بيت اللَّه، ما أحسنه. قال: آمين آمين، بحق أقول لكم: لا يترك اللَّه من هذا المسجد حجرًا قائمًا على حجر إلا أهلكه بذنوب أهله؛ إنَّ اللَّه لا يصنع بالذهب ولا بالفضة ولا بهذِه الحجارة شيئًا، إنَّ أحب إلى اللَّه منها القلوب الصالحة، بها يعمر اللَّه الأرض، وبها يخرب الأرض إذا كانت على غير ذلك. “الزهد” ص 119

‌المعصية أمرها عجيب!

فلا يزال العبد يعصي الله حتى تنتقل إلى ولده وزوجته، وفي أثرالألهي عند ابن ابي شيبة في مصنفه عَنِ ابْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: ” أُوحِيَ إِلَى عُزَيْرٍ: يَا عُزَيْرُ، لَا تَحْلِفْ بِي كَاذِبًا، فَإِنِّي لَا أَرْضَى عَمَّنْ يَحْلِفُ بِي كَاذِبًا، يَا عُزَيْرُ، وَالِدَيْكَ فَإِنَّهُ مَنْ بَرَّ وَالِدَيْهِ رَضِيتُ، وَإِذَا ‌رَضِيتُ ‌بَارَكْتُ، وَإِذَا بَارَكْتُ بَلَغْتُ النَّسْلَ الرَّابِعَ، يَا عُزَيْرُ، لَا تَعُقَّ وَالِدَيْكَ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعُقُّ وَالِدَيْهِ غَضِبْتُ، وَإِذَا غَضِبْتُ لَعَنْتُ، وَإِذَا لَعَنْتُ بَلَغْتُ النَّسْلَ الرَّابِعَ ” بل تجد العاصي يلتف حوله عصاة ويوجد له خلايا في المجتمع وأصدقاء فيقعون في المعاصي.

فشُؤْمُ الذُّنُوبِ من الإنسان يعود علي غَيْرَهُ مِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ فَيَحْتَرِقُ هُوَ وَغَيْرُهُ بِشُؤْمِ الذُّنُوبِ وَالظُّلْمِ.

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنَّ الْحُبَارَى لَتَمُوتَ فِي وَكْرِهَا مِنْ ظُلْمِ الظَّالِمِ.

أيها المسلمون! إن للمعاصي شؤماً ولها عواقب في النفس والأهل والمجتمع، وفي البر والبحر، تضل بها الأهواء وتفسد بها الأجواء، بالمعاصي يهون العبد على ربه فيرفع مهابته من قلبه، قال تعالى: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:18

يقول الحسن البصري رحمه الله: [[هانوا على الله فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم]]

أخرج الإمام أحمد في مسنده عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه قال: لما فتحت قبرص رأيت أبا الدرداء جالساً وحده يبكي

فقلت: يا أبا الدرداء! ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال: ويحك يا جبير! ما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك، تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى فنعوذ بالله من سخط الله]].

عباد الله! بسبب الذنوب والآثام يكون الهم والحزن والعقد النفسية، إنها مصدر العجز والكسل، ومن ثم يكون البخل والجبن وغلبة الدين وقهر الرجال، وتسلط الأعداء، واندثار الحق وتفشي الباطل، بها تزول النعم، وتحل النقم، وتتحول العافية، ويستجلب سخط الرب ويحجب القطر.

إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم

وحافظ عليها بشكر الإله فإن الإله سريع النقم

إذا ابتلي العبد بالمعاصي استوحش قلبه، وضعفت بأهل الخير والصلاح صلته، وجفاه الصالحون من أقاربه وأهله

وجاء في الأثر: أن عقارب الأرض وهوامها تقول: لعن الله ابن آدم؛ منعنا القطر بشؤم معصيته! فهذا العاصي تجده هيناً ذليلاً عند أهله، بل عند الدواب التي يملكها، حتى قال بعض السلف: إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق امرأتي ودابتي

هاهم بنو إسرائيل -كما في كتاب التوابين لـ ابن قدامة – يلحق بهم قحط على عهد موسى عليه السلام، فاجتمعوا إلى موسى وقالوا: يا نبي الله! ادعُ لنا ربك أن يسقينا الغيث.

فقام معهم، وخرجوا إلى الصحراء ليستسقوا وهم سبعون ألفاً أو يزيدون، فقال موسى: إلهنا اسقنا غيثك، وانشر علينا رحمتك، وارحمنا بالأطفال الرُّضَّع، والبهائم الرُتَّع، والشيوخ الرُّكَّع، فما ازدادت السماء إلا تقشعاً، ذهب السحاب الذي في السماء، وما ازدادت الشمس إلا حرارة، فقال: يا رب! استسقيناك فلم تسقِنا، فقال: يا موسى إن فيكم عبداً يبارزني بالمعصية منذ أربعين عاماً، فمُرْهُ أن يخرج من بين أظهركم؛ فبشؤم ذنبه مُنِعْتم القطر من السماء، قال: يا رب! عبد ضعيف، وصوتي ضعيف، أين يبلغ وهم سبعون ألفاً أو يزيدون؟ فأوحى الله إليه -سبحانه وبحمده-: منك النداء وعلينا البلاغ.

فقام ينادي في سبعين ألفاً، قائلاً: يا أيها العبد العاصي الذي بارز الله بالمعصية أربعين عاماً!

اخرج من بين أظهرنا؛ فبشؤم ذنبك مُنِعْنَا القطر من السماء، فيوحي الله إلى موسى أنه تلفت هذا العبد يميناً وشمالاً لعله يخرج غيره، فعلم أنه المقصود بذلك، فقال في نفسه: إن خرجت افتضحت على رءوس بني إسرائيل، وإن بقيت هلكت وهلكوا جميعاً بالقحط والجدب.

فماذا كان منه؟ ما كان منه إلا أن أدخل رأسه في ثيابه، وقال: يا رب! عصيتك أربعين وأمهلتني، واليوم قد أقبلت إليك طائعاً تائباً نادماً، فاقبلني واسترني بين الخلق هؤلاء يا أكرم الأكرمين!

فلم يستتم الكلام حتى علتْ السماء سحابة بيضاء، فأمطرت كأفواه القِرَب، فقال كليم الله لربه: يا رب! سقيتنا ولم يخرج من بين أظهرنا أحد.

فقال: يا موسى! أسقيتكم بالذي منعتكم به -بنفس العبد الذي منعتكم به أسقيتكم به- قال: يا رب! أرني هذا العبد الطائع التائب النادم، قال: يا موسى! لم أكن لأفضحه وهو يعصيني أفأفضحه وهو يطيعني؟!

فيا مخطئاً! وكلنا ذوو خطأ، ويا من سقط في ‌المعصية! وكلنا ذاك الرجل؛ ويا من زلَّتْ قدمه! وكلنا ذاك الرجل؛ صحح أخطاءك، وعالج أمراضك، وغسِّل نفسك مما قد ران عليها، واستأنف الحياة في ثوب التوبة النقي النظيف، واسمع لداعي الله جل وعلا يوم يقول: {وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31].

ثانياً : وإعْجَابُ الْمَرْءَ بِنَفْسِهِ

‌وأما الْعُجْبِ فحقيقته أنه ظن كاذب بالنفس في استحقاق مرتبة هي غير مستحقة لها. وحقيق على من عرف نفسه أن يعرف كثرة العيوب والنقائص التي تعتورها فإن الفضل مقسوم بين البشر وليس يكمل الواحد منهم إلا بفضائل غيره وهذا كثيرا ما يقع فيه اصحاب العلم والرأي

واعلم أن مَنْ أُعْجِبَ بنفسه مَقَته الناسُ

روي عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ دَاوُدَ النبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ أَعْجَبْنَنِي: الْقَصْدُ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَالْعَدْلُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَالْخَشْيَةُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ أَهْلَكْنَهُ: ‌شُحٌّ ‌مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتُّبَع، وإعْجَابُ الْمَرْءَ بِنَفْسِهِ، وَأَرْبَعٌ مَنْ أُعْطِيَهُنَّ فَقَدْ أُعْطِيَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ: لِسَانٌ ذَاكِرٌ، وَقَلْبٌ شَاكِرٌ، وَبَدَنٌ صَابِرٌ، وَزَوْجَةٌ مُوَافِقَةٌ، أَوْ قَالَ: مُوَاتِيَةٌ. المصنف – عبد الرزاق

وقد قال إبليس: إذا ظفرت من ابن آدم بثلاث لا أطالبه بغيرها: إذا عجب بنفسه، واستكثر عمله ونسي ذنوبه، وكما أن ‌العجب بفرسه وإن كان رديئًا لا يروم أن يستبدل به غيره، كذلك العجحب بنفسه لا يريد بحاله وإن كانت رديئة بدلًا، وأصل الإعجاب من حب الإنسان

نفسه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ” حبك الشيء يعمي ويصم ” ومن عمي وصم تعذر عليه رؤية عيوبه، فيجب علينا أن نجعل على أنفسنا عيونًا تعرفنا عيوبنا بحق قال عمر رضي اللَّه تعالى عنه: ” رحم اللَّه امرأ أهدى إلي عيوبي “

اعْلَمْ أَنَّ آفَاتِ ‌الْعُجْبِ كَثِيرَةٌ، فَإِنَّ ‌الْعُجْبَ يَدْعُو إِلَى الْكِبْرِ ; لِأَنَّهُ أَحَدُ أَسْبَابِهِ، فَيَتَوَلَّدُ مِنَ ‌الْعُجْبِ الْكِبْرُ، وَمِنَ الْكِبْرِ الْآفَاتُ الْكَثِيرَةُ الَّتِي لَا تَخْفَى، هَذَا مَعَ الْعِبَادِ، وَأَمَّا مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فَالْعُجْبُ يَدْعُو إِلَى نِسْيَانِ الذُّنُوبِ وَإِهْمَالِهَا، فَبَعْضُ ذُنُوبِهِ لَا يَذْكُرُهَا لِظَنِّهِ أَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْ تَفَقُّدِهَا، وَمَا يَتَذَكَّرُهُ مِنْهَا فَيَسْتَصْغِرُهُ فَلَا يَجْتَهِدُ فِي إِزَالَتِهِ، بَلْ يَظُنُّ أَنَّهُ يُغْفَرُ لَهُ. وَأَمَّا الْعِبَادَاتُ وَالْأَعْمَالُ فَإِنَّهُ يَسْتَعْظِمُهَا وَيَمُنُّ عَلَى اللَّهِ بِفِعْلِهَا وَيَنْسَى نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ بِالتَّوْفِيقِ وَالتَّمْكِينِ مِنْهَا، ثُمَّ إِذَا أُعْجِبَ بِهَا عَمِيَ عَنْ آفَاتِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ وَعَذَابَهُ، وَيَظُنُّ أَنَّهُ عِنْدَ اللَّهِ بِمَكَانٍ الْمُعْجَبَ يَغْتَرُّ بِنَفْسِهِ وَبِرَأْيِهِ وَيَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ

فلا ينجوا احدكم بعمله عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ” قَارِبُوا وَسَدِّدُوا، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُنَجِّيهِ عَمَلُهُ ” قَالَوا: وَلَا إِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ” وَلَا إِيَّايَ، إِلَّا أَنْ ‌يَتَغَمَّدَنِي ‌اللهُ ‌بِرَحْمَتِهِ ” رواه احمد

وَذُكِرَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ دَاوُدَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ، خَرَجَ إِلَى سَاحِلٍ فَعَبَدَ رَبَّهُ سَنَةً، فَلَمَّا تَمَّتِ السَّنَةُ قَالَ: يَا رَبُّ قَدِ انْحَنَى ظَهْرِي، وَكَلَّتْ عَيْنَايَ، وَنَفَدَتِ الدُّمُوعُ، فَلَا أَدْرِي إِلَى مَاذَا يَصِيرُ أَمْرِي، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى ضِفْدَعٍ، أَنْ أُجِيبِ عَبْدِيَ دَاوُدَ، عليه السلام، فَقَالَتِ الضِّفْدَعُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ: أَتَمُنُّ عَلَى رَبِّكَ فِي عِبَادَةِ سَنَةٍ؟ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا، إِنِّي عَلَى ظَهْرِ بَرْدِيَّةٍ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً، أَوْ سِتِّينَ أُسَبِّحُهُ وَأَحْمَدُهُ، وَإِنَّ فَرَائِصِي تَرْعُدُ مِنْ مَخَافَةِ رَبِّي، فَبَكَى دَاوُدُ، عليه الصلاة والسلام عِنْدَ ذَلِكَ . تنبيه الغافلين

وروي الحاكم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: “خَرَجَ مِنْ عِنْدِي خَلِيلِي جِبْرِيلُ آنِفًا، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إِنَّ لِلَّهِ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ عَبَدَ اللهَ تَعَالَى خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ فِي الْبَحْرِ، عَرْضُهُ وَطُولُهُ ثَلَاثُونَ ذِرَاعًا فِي ثَلَاثِينَ ذِرَاعًا، وَالْبَحْرُ مُحِيطٌ بِهِ أَرْبَعَةُ آلافِ فَرْسَخٍ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَأَخْرَجَ اللهُ تَعَالَى عَيْنًا عَذْبَةً بِعَرْضِ الْأُصْبَعِ، تَبِضُّ بِمَاءٍ عَذْبٍ، فَتَسْتَنْقِعُ فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ، وَشَجَرَ رُمَّانٍ يُخْرِجُ لَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ رُمَّانَةً، فَتُغَذِّيهِ يَوْمَهُ، فَإِذَا أَمْسَى نَزَلَ فَأَصَابَ مِنَ الْوَضُوءِ، وَأَخَذَ تِلْكَ الرُّمَّانَةَ فَأَكَلَهَا، ثُمَّ قَامَ لِصَلَاتِهِ، فَسَأَلَ رَبَّهُ عز وجل عِنْدَ وَقْتِ الْأَجَلِ أَنْ يَقْبِضَهُ سَاجِدًا، وَأَنْ لَا يَجْعَلَ لِلْأَرْضِ وَلَا لِشَيْءٍ يُفْسِدُهُ عَلَيْهِ سَبِيلًا حَتَّى يَبْعَثَهُ وَهُوَ سَاجِدٌ. قَالَ: فَفَعَلَ، فَنَحْنُ نَمُرُّ عَلَيْهِ إِذَا هَبَطْنَا وَإِذَا عَرَجْنَا، فَنَجِدُ لَهُ فِي الْعِلْمِ أَنَّ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عز وجل، فَيَقُولُ لَهُ الرَّبُّ: أَدْخِلُوا عَبْدِي ‌الْجَنَّةَ ‌بِرَحْمَتِي فَيَقُولُ: رَبِّ بَلْ بِعَمَلِي. فَيَقُولُ الرَّبُّ: أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي. فَيَقُولُ: رَبِّ بَلْ بِعَمَلِي. فَيَقُولُ الرَّبُّ: أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي. فَيَقُولُ: رَبِّ بَلْ بِعَمَلِي. فَيَقُولُ اللهُ عز وجل لِلْمَلَائِكَةِ: قَايِسُوا عَبْدِي بِنِعْمَتِي عَلَيْهِ وَبِعَمَلِهِ. فَتُوجَدُ نِعْمَةُ الْبَصَرِ قَدْ أَحَاطَتْ بِعِبَادَةِ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ، وَبَقِيَتْ نِعْمَةُ الْجَسَدِ فَضْلًا عَلَيْهِ، فَيَقُولُ: أَدْخِلُوا عَبْدِي النَّارَ. قَالَ: فَيُجَرُّ إِلَى النَّارِ، فَيُنَادِي: رَبِّ بِرَحْمَتِكَ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ: رُدُّوهُ. فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيَقُولُ: يَا عَبْدِي، مَنْ خَلَقَكَ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا؟ فَيَقُولُ: أَنْتَ يَا رَبِّ. فَيَقُولُ: كَانَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِكَ أَوْ بِرَحْمَتِي؟ فَيَقُولُ: بَلْ بِرَحْمَتِكَ. فَيَقُولُ: مَنْ قَوَّاكَ لِعِبَادَةِ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ؟ فَيَقُولُ: أَنْتَ يَا رَبِّ. فَيَقُولُ: مَنْ أَنْزَلَكَ فِي جَبَلٍ وَسَطَ اللُّجَّةِ، وَأَخْرَجَ لَكَ الْمَاءَ الْعَذْبَ مِنَ الْمَاءِ الْمَالِحِ، وَأَخْرَجَ لَكَ كُلَّ لَيْلَةٍ رُمَّانَةً، وَإِنَّمَا تَخْرُجُ مَرَّةً فِي السَّنَةِ، وَسَأَلْتَنِي أَنْ أَقْبِضَكَ سَاجِدًا فَفَعَلْتُ ذَلِكَ بِكَ؟ فَيَقُولُ: أَنْتَ يَا رَبِّ. فَقَالَ اللهُ عز وجل: فَذَلِكَ بِرَحْمَتِي، وَبِرَحْمَتِي أُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ، أَدْخِلُوا عَبْدِي الْجَنَّةَ، فَنِعْمَ الْعَبْدُ كُنْتَ يَا عَبْدِي”. فَيُدْخِلُهُ اللهُ الْجَنَّةَ. قَالَ جِبْرِيلُ عليه السلام: إِنَّمَا الْأَشْيَاءُ بِرَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى يَا مُحَمَّدُ. هَذَا حَدِيثٌ صحِيحُ الْإِسْنَادِ

ثالثا : وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ

فقد ذم الله تعالى المتكبّرين، ولعن المتجبّرين، وأجمعت الأمّة على عيبه، والبراءة منه، وحتّى سمّي المتكبّر تائها، كالذي يختبط في التّية بلا أمارة، ويتعسّف الأرض بلا علامة

قد ذم الله ‌الكبر في مواضع من كتابه وذم كل جبار متكبر فقال تَعَالَى {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرض بغير الحق} وقال عز وجل {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جبار} وَقَالَ تَعَالَى {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ }

الكبر : عرفه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ. قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ: إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ ‌بَطَرُ ‌الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ » رواه مسلم . بطر الحق : اي يرى الحق باطلا ويقوم برده ودفعه وتكذيبه وتسفيه أمره .

غمط الناس : أي يؤذيهم و يحتقرهم ولا يراهم شيئا .

فالكبر: هو استعظام الإنسان نفسه واستحسان ما فيه من الفضائل والاستهانة بالناس واستصغارهم والترفع على من يجب التواضع له… وهو سبب للحرمان من الجنة.

والكبر مختص بالله وحده, فويلٌ لمن أراد أن يكون شريْكًا لله بصافته, قَالَ الله تعالى في الحديث القدسي الذي رواه احمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عز وجل قَالَ: ” ‌الْكِبْرِيَاءُ ‌رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، مَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا، قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ ” مسند أحمد

وقال سليمان بن داود عليهما السلام يوماً للطير والإنس والجن والبهائم اخرجوا فخرجوا في مائتي ألف من الإنس ومائتي ألف من الجن فرفع حتى سمع زجل الملائكة بالتسبيح في السموات ثم خفض حتى مست أقدامه البحر فسمع صوتاً لو كان في قلب صاحبكم مثقال ذرة من كبر لخسفت به أبعد مما رفعته . الإحياء

عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: « ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ – قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ -، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، ‌وَمَلِكٌ ‌كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ )) رواه مسلم

وعَنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: ذُكِرَ الْكِبْرُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَشَدَّدَ فِيهِ، فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ» ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لَأَغْسِلُ ثِيَابِي، فَيُعْجِبُنِي بَيَاضُها، وَيُعْجِبُنِي شِرَاكُ نَعْلِي، ‌وعَلَاقَةُ ‌سَوْطِي، فَقَالَ: «لَيْسَ ذَلِكَ الْكِبْرَ، إِنَّمَا الْكِبْرُ أَنْ تُسَفِّهَ الْحَقَّ، وتَغْمِصَ النَّاسَ ) المعجم الكبير للطبراني

وَذُكِرَ أَنَّ الْمُهَلَّبَ بْنَ أَبِي صُفْرَةَ كَانَ صَاحِبَ جَيْشِ الْحَجَّاجِ، فَمَرَّ عَلَى مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، وَهُوَ يَتَبَخْتَرُ فِي حُلَّةِ خَزٍّ، فَقَالَ لَهُ مُطَرِّفٌ: يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذِهِ مِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ.

فَقَالَ الْمُهَلَّبُ: أَمَا تَعْرِفُنِي؟ فَقَالَ: بَلْ أَعْرِفُكَ أَوَّلُكَ نُطْفَةٌ مَذِرَةٌ، وَآخِرُكَ جِيفَةٌ قَذِرَةٌ، وَأَنْتَ تَحْمِلُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ الْعُذْرَةَ فَتَرَكَ الْمُهَلَّب مِشْيَتَهُ تِلْكَ

ولله در القائل

يَا مُظْـــــــهِرَ الْكِبْرِ إعْجَابًا بِصُورَتـِهِ — اُنْظُرْ خَلَاكَ فَإِنَّ النَّتْنَ تَثْـــــــــــــــــرِيبُ

لَوْ فَكَّرَ النَّاسُ فِيمَا فِي بُطُونِهِـمْ — مَا اسْتَشْعَرَ الْكِبْرَ شُبَّانٌ وَلَا شِيــــــبُ

هَلْ فِي ابْنِ آدَمَ مِثْلُ الرَّأْسِ مَكْرُمَةً — وَهُوَ بِخَمْسٍ مِنْ الْأَقْذَارِ مَضْـرُوبُ

أَنْفٌ يَسِيلُ وَأُذْنٌ رِيحُهَا سَهِــكٌ — وَالْعَيْنُ مُرمَصَةٌ وَالثَّغْرُ مَلْعُــــــــــــــــــــــــــوبُ

يَا ابْنَ التُّرَابِ وَمَأْكُولَ التُّرَابِ غَدًا — أَقْصِرْ فَإِنَّك مَأْكُولٌ وَمَشْــــــــــــرُوبُ

مرمصة: الرَّمَص: وسخ جامد في العين، فإن سال فهو غَمَص. والسَّهَكُ: ريح كريهة تجدها من الإنسان إذا عَرِقَ .

وقال عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن نوحاً عليه السلام لما حضرته الوفاة دعا ابنيه وقال إني آمركما باثنتين وأنهاكما عن اثنتين أنهاكما عن الشرك والكبر وآمركما بلا إله إلا الله فإن السموات والأرضين وما فيهن لو وضعت في كفة الميزان ووضعت لا إله إلا الله في الكفة الأخرى كانت أرجح منهما ولو أن السموات والأرضين وما فيهن كانتا حلقة فوضعت لا إله إلا الله عليها لقصمتها وآمركما بسبحان الله وبحمده فإنها صلاة كل شيء وبها يرزق كل شيء

اما أعده الله من عقوبات للمتكبرين في الآخرة ؛ ففي الحديث الذي أخرجه عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : يُحْشَرُ المُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ، فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الخَبَالِ ” . ( أحمد والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح )

وأخرج الشيخان: «بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل» : أي ممشط رأسه «مختال في مشيته إذ خسف الله به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة»

عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «يحشر المتكبّرون يوم القيامة أمثال الذّرّ في صور الرّجال يغشاهم الذّلّ من كلّ مكان فيساقون إلى سجن في جهنّم يسمّى بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النّار طينة الخبال . الترمذى»

عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، قَالَ : انْتَسَبَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا

أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بْنُ فُلاَنٍ ، فَمَنْ أَنْتَ لَا أُمَّ لَكَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” انْتَسَبَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا : أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ حَتَّى عَدَّ تِسْعَةً ، فَمَنْ أَنْتَ لَا أُمَّ لَكَ ؟ قَالَ : أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ، ابْنُ الْإِسْلَامِ ، قَالَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّ هَذَيْنِ الْمُنْتَسِبَيْنِ ، أَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا الْمُنْتَمِي أَوْ الْمُنْتَسِبُ إِلَى تِسْعَةٍ فِي النَّارِ فَأَنْتَ عَاشِرُهُمْ ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا هَذَا الْمُنْتَسِبُ إِلَى اثْنَيْنِ فِي الْجَنَّةِ ، فَأَنْتَ ثَالِثُهُمَا فِي الْجَنَّةِ ” . أحمد والبيهقي بسند صحيح

وعن مُطرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير أنه رأى المُهَلَّب وهو يتبختر في جبة خز، فقال: يا عبد الله، هذه مشية يبغضها الله ورسوله. فقال له المهلب: أما تعرفني؟ فقال بلي، أعرفك، أولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت بين ذلك تحمل العذرِة. فمضى المهلب وترك مشيته تلك” . ( إحياء علوم الدين )

اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم

الخطبة الثانية

‌الحمد ‌لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما.

وبعد

مما لاشك فيه – عباد الله – أن الإسلام دين الرحمة والسماحة، دين نهى عن التعدي لا على المرأة فحسب؛ بل حتى على الجماد وبهيمة الأنعام، وكل ناظر في الشريعة الإسلامية بإنصاف يجد من النصوص الكثير مما ينهى عن كل صور العنف ضد المرأة زوجة كانت أو بنتا، أو أختا أو غيرها. ومن تلك النصوص، أمر الله عز وجل بحسن عشرة الأزواج لزوجاتهم حيث يقول الله تعالى : ((وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً)) النساء:19

رابعاً: استوصوا بالنِّساءِ خَيرأً

والعنف ضد النساء هو أكثر من مجرد الاعتداء الجسدي، بل إنه يمتد إلى نطاق أوسع يشمل الإساءة الجنسية والعاطفية والنفسية والمالية ولا ينبغي أن يُهينها بالسبِّ والضرب؛ ففي الصحيح: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يجلد أحدكم امرأته جَلْدَ العبد ثم يجامعها في آخِرِ اليوم )

وعَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «‌لَا ‌تَضْرِبُوا ‌إِمَاءَ ‌اللَّهِ» فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: قَدْ ذَئِرْنَ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، فَرَخَّصَ لَهُمْ فِي ضَرْبِهِنَّ، فَأَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ، يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ» أبو داود

فالمرأة مرهفة الحس، عاطفية أكثر من الرجل، حنانة فيما تعطي، وليست منانة بما تعطي؛ فهي الأم والزوجة والبنت التي تعطي بغير حساب، شبيهة بقارورة من الزجاج الرقيق النفيس، سهلة الانكسار واجبة الاعتناء بها والاعتبار؛ ولقد حرم الإسلام تعنيف المرأة وهي إنسانة فقالﷺ فيما روي البخاري ومسلم: «رُوَيْدَكَ بِالقَوَارِيرِ» وفي رواية غيرهما: «رفقا بِالقَوَارِير»

فعلى الرجل التعامل معها بكل رفق ولين حتى لا تنكسر وهي طفلة لك بريئة، أو أخت لك كريمة، أو زوجة لك معك صابرة ومتحملة، أو أم لك عاطفة وحنونة؛ تذكر دائما حينما تعنف امرأة أن لك بنتا وأختا وزوجة وأما؛ فلو تذكر هؤلاء المجرمون الذين يعنفون النساء في الشوارع والساحات، بالكلمات الجارحة أو اللكمات المبرحة ؛ أن لهم بنات وأخوات وزوجات وأمهات ما أقدموا على هذه الاعتداءات

كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الرجال بالنساء خيرا، فقال في خطبة الوداع كما في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إستوصوا بالنساء خيرا فإنكم أخذتموهن بامانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله …”.

وجعل النبي صلى الله عليه وسلم الرجل البشوش الخلوق مع الناس عموما ومع أهله ونسائه خصوصا من أكمل الناس إيمانا فقال صلى الله عليه وسلم: “أكمل الناس إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم” رواه الترمذي من حديث أبى هريرة.

وما أثمنها من نصيحة غالية يهمسها النبي صلى الله عليه وسلم في اذن كل زوج مسلم حيث قال ” أخرج مسلم من حديث أبي هريرة وإنَّ عناية الإسلام بالمرأة، ووصيته بحسن رعايتها، والإحسان إليها قد بلغ مرتبة عظيمة لم تصل إليها أرقى الأنظمة الأرضية التي تدَّعي أنها تحافظ على حقوق الانسان عامةً، والمرأة خاصةً،

وعن أبي هريرة (قال: قال رسول الله ((استوصوا بالنِّساءِ خَيرأً.)) ، وقال ((‌لايفْرِكْ ‌مؤمِنٌ ‌مؤمنةً ‌إنْ ‌كَرِهَ ‌منها ‌خُلُقَاً ‌رَضِيَ ‌منها ‌آخَرَ)) ، أو قالَ: ((غَيْرَهُ

وأخرجه ابن عساكر من حديث علي رضي الله تعالى عنه، وزاد: “ما أَكْرَمَ النِّساءَ ‌إِلَاّ ‌كَرِيْمٌ، وَلا أَهانهنَّ إِلَاّ لَئِيْمٌ ))

وعن معاوية ابن حَيدَةَ (قال: قلت: يارسول اللهِ ماحقُ زوجةِ أحدِنا عليهِ؟ قالَ: ((أنْ تُطْعِمَها إذا طَعِمْتَ وتكسوها إذا اكتَسيْتَ، ولاتضربِ الوجهَ، ولا تُقَبِّحْ، ولاتَهْجُرْ إلَاّ في البيتِ ))

هذا وصلوا وسلموا على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين

جمع وترتيب\ ثروت علي سويف\ امام وخطيب

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى