خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبة الجمعة القادمة: ﴿ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ ﴾ د مُحمد حرز

خطبة الجمعة القادمة : ﴿ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ ﴾ د مُحمد حرز

بتاريخ 29 شعبان 1446 هـ ، الموافق 28 فبراير٢٠٢٥م

خطبة الجمعة القادمة word :﴿ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ ﴾ د مُحمد حرز

خطبة الجمعة القادمة pdf :﴿ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ ﴾ د مُحمد حرز

الحمدُ للهِ الذي فرضَ على عبادهِ الصيامَ.. وجعلَهُ مُطهرًا لنفوسِهِم مِن الذنوبِ والآثامِ.. الحمدُ للهِ الذي خلقَ الشهورَ والأعوامَ.. والساعاتِ والأيامَ.. وفاوتَ بينهَا في الفضلِ والإكرامِ .. وربُّكَ يخلقُ ما يشاءُ ويختارُ، الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ البقرة185، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وليُّ الصالحين، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ مِن خلقهِ وخليلُهُ، خيرُ مَن صلَّى وصامَ، وبكَى مِن خشيةِ ربِّهِ حينَ قامَ، القائلُ كمَا في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ)، فاللهُمَّ صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وأصحابِهِ الأطهارِ الأخيارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ. أَمَّا بَعْدُ، مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ التَّقْوَى فَرَبُّكُمْ أَحَقُّ أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى، وَيُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى، وَيُشْكُرَ فَلَا يُكْفَرَ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾آلِ عِمْرَانَ: 102.

عبادَ اللهِ: ﴿ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ﴾ عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا.

عناصرُ اللقاءِ:

أولًا: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ ﴾ وما أدراكَ ما شهرُ رمضانَ !!!

ثانيًا: أقبلَ رمضانُ فماذَا أنتُم فاعلونَ ؟

ثالثــــًا وأخيرًا: وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ.

أيُّها السادةُ : بدايةً ما أحوجَنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ ، وخاصةً وهذا نداءٌ عظيمٌ مباركٌ يتكررُ في كلِّ ليلةٍ مِن ليالِي رمضانَ ” يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ ، ويَا بَاغِيَ الْشرِ أقصِر”.وخاصةً ورمضانُ يناديكَ، موسمٌ عظيمٌ مِن مواسمِ الخيرِ والطاعةِ والبركاتِ، وشهرٌ كريمٌ تُضاعفُ فيهِ الحسناتُ وتُمحَى فيهِ السيئاتُ، وتُجزَلُ فيهِ الهباتُ، وتُرجَى فيهِ المغفرةُ والغفران، وخاصةً والمسلمونَ ينتظرونَ شهرَ رمضانَ مِن السنةِ إلى السنةِ؛ طمعًا في الرحمةِ والمغفرةِ والرضوانِ والعتقِ مِن النيرانِ، وخاصةً ونحنُ على أعتابِ شهرِ رمضانَ، ومِن الواجبِ على الدعاةِ أنْ يهيئُوا النفوسَ الشاردةَ وأنْ يُوقظُوا القلوبَ الغافلةَ لاستقبالِ هذا الشهرِ الكريمِ وهذا الموسمُ العظيمُ أنَّهُ ربيعُ أمةِ سيدِ النبيينَ ﷺ، جاءَ رمضانُ بمَا فيهِ مِن خيرٍ وبركةٍ، جاءَ رمضانُ يحملُ البشرياتِ للعاملين، جاءَ رمضانُ فرصةً للعابدينَ، جاءَ رمضانُ ليرفعَ في الجنةِ درجاتِ المحبين، جاءَ رمضانُ ليغسلَ ذنوبَ التائبينَ النادمينَ، جاءَ رمضانَ فهلْ مِن مشمرٍ إلى الجنةِ، جاءَ رمضانُ فهلْ مِن تائبٍ، فهلْ مِن نادمٍ، فهلْ مِن مستغفرٍ، فهلْ مِن عادٍ إلى علامِ الغيوبِ وستيرِ العيوبِ.

رمضانُ يا خيرَ الشهورِ تحيةً**** تضفِي عليكَ مِن الجلالِ جلالا

خذها يفوحُ عبيرُهَا مِن مؤمنٍ *****يبغِي لك التعظيمَ و الاجلالا

أولًا: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ ﴾ وما أدراكَ ما شهرُ رمضانَ! !!!

أيُّها السادةُ: مَا أشبهَ الليلةُ بالبارحةِ .. هكذا الأيامُ تمرُّ سريعةً وكأنَّهَا لحظاتٌ ..استقبلنَا رمضانَ الماضيِ .. ثم ودعنَاهُ .. وما هي إِلّا أشهرٌ مرَّتْ كساعاتٍ .. فإذَا بنَا نستقبلُ شهرًا آخرَ ..وكمْ عرفنَا أقوامًا .. أدركُوا معنَا رمضانَ أعوامًا ..وهُم اليومَ مِن سكانِ القبورِ .. ينتظرونَ البعثَ والنشورَ ..وربَّمَا يكونُ رمضانُ هذا لبعضِنَا آخرَ رمضانَ يصومهُ ..

إنَّ إدراكنَا لرمضانَ .. نعمةٌ ربانيةٌ .. ومنحةٌ إلهيةٌ ..فهو بشرَى .. تساقطتْ لهَا الدمعاتُ .. وانسكبتْ العبراتُ ..أقبلَ رمضانُ بفضائلهِ ، و فوائدهِ ، و نفحاتهِ …أقبلَ رمضانُ بأنفاسهِ العطرةِ، ووجههِ المُشرقِ …أقبلَ رمضانُ وهو يُنادِي : يا باغِيَ الخيرِ أقبلْ .. ويا باغيَ الشرِّ أقصرْ

أقبلَ رمضانُ وهو يصرخُ محذرًا: خابَ وخسرَ مَنْ أدركَ رمضانَ ولم يُغفرْ لهُ، أقبلَ رمضانُ فتفتحتْ أبوابُ الجنانِ … وغُلقتْ أبوابُ النيرانِ، و سُلسلتْ الشياطينُ .. أقبلَ رمضانُ و المسلمونَ يتشوقونَ إلى صيامِ نهارهِ و قيامِ ليلهِ ..فيَا لهُ مِن شهرٍ عظيمٍ .. وموسمٍ كريمٍ .. و تجارةٍ رابحةٍ لن تبورَ ………

يا ذَا الذي ما كفاهُ الذنبُ في رجبٍ *** حتَّى عصَى ربَّهُ في شهرِ شعبانَ لقد أظلَّكَ شهرُ الصومِ بعدهُمَا *** فلا تُصَيِّرْهُ أيضًا شهرَ عصيان واتلُ القُرَآنَ وسبحْ فيهِ مجتهدًا *** فإنَّه شهرُ تسبيحٍ وقرآنِ

كمْ كنتَ تعرفُ مِمَن صامَ في سَلَفٍ *** من بينِ أهلٍ وجيرانٍ وإخوانِ

أفناهمُ الموتُ واستبقاكَ بعدهمُ*** حَيًّا فما أقربَ القاصِي مِن الدانِي

﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ ﴾ وما أدراكَ ما شهرُ رمضان! !!! المؤمنُ يفرحُ بقدومِ شهرِ رمضانَ، والمنافقُ يتأذًّي كلَّ الأذَى بقدومِ شهرِ رمضانَ، لماذِا لأنَّ المؤمنَ الحقيقيَّ يفرحُ بمواسمِ الخيراتِ، لأنَّ المؤمنَ الصادقَ لا يفرحُ بالمالِ ولا بالجاهِ ولا بالمنصبِ فحسب وإنَّما يفرحُ بفضلِ اللهِ، وهلْ هناكَ فضلٌ يفوقُ فضلَ رمضان، قالَ تعالى: { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ }58 ، قالَ ابنُ رجب – رحمه اللهُ-: وكيفَ لا يُبشّرُ المؤمنُ بفتحِ أبوابِ الجنانِ؟ وكيفَ لا يُبشّرُ المذنبُ بغلقِ أبوابِ النيرانِ؟ وكيفَ لا يُبشّرُ العاقلُ بوقتٍ يُغلُّ فيه الشيطانُ، ومِن أينَ يشبهُ هذا الزمانُ زمانَ؟ ففضلُ رمضانَ عظيمٌ، فهو شهرُ الطاعاتِ، شهرُ الرحماتِ، شهرُ المغفرةِ، شهرُ العتقِ مِن النارِ، شهرٌ لهُ طابعٌ خاصٌّ في قلوبِ المؤمنينَ الموحدينَ باللهِ جلَّ وعلا.

  • ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ ﴾ وما أدراكَ ما شهرُ رمضانَ! !!! لقد أنعمَ اللهُ جلَّ وعلا على هذه الأمةِ بهذا الشهرِ الكريمِ والموسمِ العظيمِ الذي تُفتَّحُ فيهِ أبوابُ الخيراتِ، ويُقبِلُ فيهِ العبادُ على اللهِ عزَّ وجلَّ بشتَّى أنواعِ الطاعاتِ، يأتِي شهرُ رمضانَ ليكونَ ميقاتًا لتوبةِ التائبين وهدايةَ الضالِّين وعودةَ المنحرفين، فكم مِن تائبٍ تابَ ورجعَ إلى اللهِ جلَّ وعلا في رمضانَ! وكم مِن ضالٍّ منحرفٍ عرَفَ طريقَ الهدايةِ في رمضانَ! وكم مِن مضيعٍ للصلاةِ، وهاجرٍ للقرآنِ، وغافلٍ عن ذكرِ الرحمنِ، عرفَ الطريقَ في رمضانَ!! لذا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَسْتَبْشِرُ بِقُدُومِ رَمَضَانَ، وَيُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- بِهَذِهِ الْمِنْحَةِ الرَّبَّانِيَّةِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَتَاكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ ، فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفَتَّحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغَلَّقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ ». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَكَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُونَ يَنْتَظِرُونَ قُدُومَ رَمَضَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ إِنَّهُمْ يَدْعُونَ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنْهُمُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ مِنَ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالتِّلَاوَةِ فِي رَمَضَانَ، يَظَلُّونَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَدْعُونَ اللهَ -جَلَّ وَعَلَا- أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنْهُمْ، وَيَدْعُونَ اللهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَنْ يُبَلِّغَهُمُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ رَمَضَانَ، صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمِنْبَرَ، فَلَمَّا رَقِيَ عَتَبَةً، قَالَ: “آمِينَ” ثُمَّ رَقِيَ عَتَبَةً أُخْرَى، فقَالَ: “آمِينَ” ثُمَّ رَقِيَ عَتَبَةً ثَالِثَةً، فقَالَ: “آمِينَ” ثُمَّ، قَالَ: “أَتَانِي جِبْرِيلُ، فقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْتُ: آمِينَ، قَالَ: وَمَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا، فَدَخَلَ النَّارَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْتُ: آمِينَ، فقَالَ: وَمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ، فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ”. لذَا نادَي اللهُ على أهلِ الإيمانِ بنداءِ الكرامةِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }سورة البقرة 183.
  • ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ ﴾ وما أدراكَ ما شهرُ رمضانَ! ما أطيبَ المُناجاةَ فيه في جوفِ الليل وعند السَّحَر! وما ألذَّ انشِغالَ القلوب فيه في تدبُّرِ الآياتِ وترتيلِ السورِ! فاجعلُوا -رحمكُم اللهُ- لمنازلِكُم بالقرآنِ دويًّا، واجعلُوا شهرَكُم بالذِّكْر نَدِيًّا.
  • ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ ﴾ وما أدراكَ ما شهرُ رمضانَ! شهرُ رمضانَ مِن أعظمِ مواسمِ الطاعةِ والغفرانِ، وَهُوَ شهرُ الإيقانِ وَشهرُ الْقُرْآنِ وَشهرُ الْإِحْسَان وَشهرُ الرضْوَانِ وَشهرُ الغفرانِ وَشهرُ إغاثةِ اللهفانِ وَشهرُ التَّوسعَةِ على الضيفانِ وَشهرٌ تُفتحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجنانِ ويُصفدُ فِيهِ كلَّ شَيْطَانٍ وَهُوَ شهرُ الْأمانِ وَالضَّمانِ، قال جلَّ وعلا: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدَىً لِلنَّاسِ وَبَيّنَاتٍ مِنَ الهُدَى وَالفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُم الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أيَّامٍ أُخَر}[البقرة: 185].
  • فيا عبادَ اللهِ، هذا زمانُ المصالحةِ، وأوانُ التجارةِ الرابحةِ، فبادرُوا في هذا الشهرِ مِن الخيرِ كلَّ مُمكنٍ، فمَن لم يربحْ في هذا الشهرِ ففي أيِّ وقتٍ يربحُ! فَاللهَ اللهَ عبادَ اللهِ اغتنمُوا شهرَ المتابِ وَمَا وَعدَكُم فِيهِ مِن جزيلِ الثَّوَابِ وَمِن الْعَفوِ عَن الأوزارِ وَعتقِ الرّقابِ، وَهُوَ شهرٌ لياليهِ أنورٌ مِن الْأَيَّامِ، وأيامُهُ مطهرةٌ مِن دنسِ الآثامِ، وصيامُهُ أفضلُ الصّيامِ وقيامُهُ أجلُّ الْقيامِ، شهرٌ فضّلَ اللهِ بِهِ أمةَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ أفضلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، شهرٌ جعلَهُ اللهُ مِصْبَاحَ الْعَامِ وواسطةَ النظامِ وأشرفَ قَوَاعِد الْإِسْلَامِ المشرف بِنورِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، شهرٌ أنزلَ اللهُ فِيهِ كِتَابَهُ وَفتحَ للتائبينَ فِيهِ أبوابَهُ فَلَا دُعَاءَ فِيهِ إِلَّا مسموعٌ وَلَا عملَ إِلَّا مَرْفُوعٌ وَلَا خيرَ إِلَّا مَجْمُوعٌ وَلَا ضَرَرَ إِلَّا مَدْفُوعٌ، شهرٌ السَّيِّئَاتُ فِيهِ مغفورةٌ والأعمالُ الْحَسَنَةٌ فِيهِ موفورةٌ وَالتَّوْبَةُ فِيهِ مَقْبُولَةٌ وَالرَّحْمَةُ مِن اللهِ لملتمسِهَا مبذولةٌ والمساجدُ بِذكرِ اللهِ فِيهِ معمورةٌ وَقُلُوبُ الْمُؤمنِينَ بِالتَّوْبَةِ فِيهِ مسرورةٌ.

﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ ﴾ وما أدراكَ ما شهرُ رمضانَ!! رمضانُ شهرٌ عظيمٌ، شهرٌ جعلَ اللهُ صيامَ نهارِهِ فريضةً وقيامَ ليلهِ تطوعًا، رمضانُ شهرٌ نزلَ فيهِ القرآنُ، { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، فرمضانُ شهرُ القرآنِ.

﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ ﴾ وما أدراكَ ما شهرُ رمضانَ!! فرصةٌ في رمضانَ لتدخلَ في زمرةِ الأكابرِ مع النبيينَ والصديقينَ والشهداءِ والصالحينَ وحسنُ أولئكَ رفيقًا، فعن عمرو بنِ مرةَ الجهنِي رضي اللهُ عنه قال جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ ﷺ فقالَ يا رسولَ اللهِ أرأيتَ إنْ شهدتُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وأنَّك رسولُ اللهِ وصليتْ الصلواتِ الخمس، وأديتُ الزكاةَ وصمتُ رمضانَ وقمتُهُ فمِمَّن أنَا قالَ مِن الصديقينَ والشهداءِ)، سبحانَ الملك، فرصةٌ ذهبيةٌ لتكونَ مِمَّن قالَ اللهُ في حقِّهِم: (وحسنُ أولئكَ رفيقًا)، بل فرصةٌ في رمضانَ لتكفيرِ الذنوبِ والمعاصِي والآثامِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)، فرصٌ لا تعوضُ لتتطهرَ مِن ماضيكَ ولتبدأَ صفحةً جديدةً مع اللهِ. بل كفي برمضانَ شرفًا وفضلًا أنَّهُ يشفعُ للعبدِ يومَ القيامةِ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: ( الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ الصِّيَامُ أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ وَيَقُولُ الْقُرْآنُ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ قَالَ فَيُشَفَّعَانِ) رواه أحمد في مسندِه، بل كفَي برمضانَ شرفًا وفضلًا أنَّه سببٌ مِن أسبابِ دخولِ جنةِ النعيمِ أسألُ اللهَ أنْ يجعلنِي وإياكُم مِن أهلِ النعيمِ، فعَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ)، رواه مسلم. نعمْ.. كمْ مِن قلوبٍ تمنتْ.. ونفوسٍ حنتْ.. أنْ تبلغَ هذه الساعاتِ ..شهرٌ .. تتضاعفُ فيهِ الحسناتُ .. وتكفرُّ فيهِ السيئاتُ ..وتُقالُ فيهِ العثراتُ .. وتُرفعُ فيهِ الدرجاتُ ..تُفتحُ فيهِ الجنانُ .. وتُغلقُ فيهِ النيرانُ .. وتُصفدُ فيهِ الشياطينُ ..فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ) رواه البخاري. بل كفي برمضانَ شرفًا وفضلًا أنَّهُ لا يعلمُ ثوابَهُ إلا الملك، فعن أَبَى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ( قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ) متفق عليه. بل كفي برمضانَ شرفًا وفضلًا أنَّهُ شهرُ العتقِ مِن النارِ لقولِ النبيِّ ﷺ: ( إِنَّ لِلَّهِ عُتَقَاءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ )، من النارِ. نعمْ ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ ﴾ وما أدراكَ ما شهرُ رمضانَ!!.. شهرُ رمضانَ شهرُ الخيرِ والبركاتِ .. والفتوحاتِ والانتصاراتِ .. فما عرفَ التاريخُ غزوةَ بدرٍ وحطين .. ولا فتحَ مكةَ والأندلسِ .. ولا السادسَ مِن أكتوبر إلَّا في رمضانَ ..فانتبهْ قبلَ فواتِ الأوانِ واغتنمْ هذه الفرصَ التي لا تعودُ لأنَّك لا تدرِي يا مسكينُ هل ستعيشُ إلى رمضانَ المقبلِ أم لا لأنَّك لا تدرِي إذا جنَّ ليلٌ هل تعيش إلى الفجرِ.

شهرٌ يفوقُ على الشهورِ بليلةٍ *** مِن ألفِ شهرٍ فُضلتْ تفضـيلاً

طُوبَى لعبدٍ صحَّ فيهِ صيامُهُ *** ودعَا المهيمنَ بكرةً وأصيــلًا

وبليلةٍ قــدْ قامَ يختمُ وردَهُ *** متبتِّـــلاً لإلهــهِ تبتــيلاً

ثانيًا: أقبلَ رمضانُ فماذَا أنتُم فاعلون ؟

أيُّها السادةُ: نحن في هذه الحياةِ نسيرُ إلى ربِّنَا، فكلُّ يومٍ يقرِّبُنَا مِن الآخرةِ، ويبعدُنَا مِن الدنيا، فما أحوَجَنا في سيرِنَا إلى ربِّنَا أنْ نقطعَ مراحلَ الطريقِ في سيرٍ متواصلٍ غيرِ منقطعٍ، مِن غيرِ كللٍ ولا مللٍ!، المهمُّ أنْ نلزمَ الطريقَ ونواصلَ السيرَ ولو كان فيهِ ضعفٌ، فعَنْ عَائِشَةَ -رضي اللهُ عنها- ، أَنَّهَا قَالَتْ: قال رَسُولُ اللهِ ﷺ: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَلَّ ). إنّهَا أيامٌ معدوداتٌ تُضاعفُ فيها الحسناتُ، ويزدادُ العبدُ قربًا مِن ربِّ الأرضِ والسمواتِ بمقدارِ ما يتقربُ بهِ مِن الطاعاتِ، وتركِ المخالفاتِ. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ( يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: “أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً)، هكذا يكونُ الجزاءُ بقدرِ تقربِ العبدِ مِن ربِّهِ بفعلِ الطاعاتِ، يُضاعفُ لهُ الجزاءُ ويزدادُ تقربًا مِن ربِّهِ.

وإنَّ مِمَّا ينبغِي في هذه الأيامِ والليالي المباركاتِ التزودَ مِن الصالحاتِ والطاعاتِ والقرباتِ بكلِّ أنواعِهَا وفي مقدمِتَها الفرائضُ والواجباتُ مع الإكثارِ مِن النوافلِ وسائرِ الحسناتِ والقرباتِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ( إِنَّ اللَّهَ قَالَ: وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ) . وعن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: ( إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ ، وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ)، أَيْ: يَا طَاْلِبَ الْعَمَلِ الْصَّاْلِحِ ، وَيَا مُرِيْدَ الأَجْرِ وَالْثَّوَاْبِ ، يَكْفِي إِعْرَاضَاً وَكَسَلَاً وَبُعْدَاً، أَقْبِلْ عَلَى طَاْعَةِ اللهِ ، وَضَاْعِفْ جُهْدَكَ فِي عِبَادَتِهِ ، وَاطْلُبْ قُرْبَهُ وَرِضَاهُ وَمَغْفِرَتَهُ.

يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ : أقبلْ بالتسليمِ لأوامرِ الشرعِ، فالأصلُ في المسلمِ أنْ يمتثلَ الأمرَ ويجتنبَ النهَي، ولو لم تظهرْ له الحكمةُ منهمَا، ففرضَ اللهُ عزّ وجلَّ على عبادِهِ المؤمنين صيامَ شهرٍ في العامِ، وهو شهرُ رمضانَ فقالَ تعالى: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } [البقرة: 185]، وعلَّقَ الشرعُ الصيامَ في رمضانَ برؤيةِ الهلالِ، كما جاء في الأحاديثِ الصحيحةِ، ثم بيَّنَ اللهُ سبحانَهُ أنَّ الإمساكَ عن الطعامِ والشرابِ وسائرِ المفطراتِ يبدأُ مِن الفجرِ إلى غروبِ الشمسِ فقال تعالى: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]، كلُّ هذا وغيرُهُ يُربِي عندَ المسلمِ الانقيادَ والتسليمَ لأمرِ اللهِ ورسولِهِ ﷺ، ولا يجعلهُ يتوقفُ عن امتثالِ الأوامرِ حتى تظهرَ لهُ الحكمةُ منهَا كما يفعلُ بعضُ المسلمينَ اليوم.

يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ: أقبلْ على تقوىَ اللهِ عزَّ وجلَّ، وهذه هي أعظمُ الغاياتِ التي شُرِعَ مِن أجلِهَا الصيامُ، قالَ جلَّ وعلا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة: 183]، ففي هذه الآيةِ إشارةٌ إلى حكمةٍ مِن حكمِ الصيامِ، وهي تحقيقُ تقوىَ اللهِ، فإنَّ النفسَ إذا تَرَكتْ ما هو مباحٌ في الأصلِ وهو الأكلُ والشربُ امتثالاً لأمرِ اللهِ في نهارِ رمضانَ كان ذلك داعياً لتركِ المحرماتِ، ولذلك قال النبيّ ﷺ: (من لم يَدَعْ قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)، قال ابنُ كثيرٍ: لِأَنَّ الصَّوْمَ فِيهِ تَزْكِيَةٌ لِلْبَدَنِ وَتَضْيِيقٌ لِمَسَالِكِ الشَّيْطَانِ.

يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ: أقبلْ على مراقبةِ اللهِ جلّ وعلا، ويظهرُ هذا المعنَى جلياً في عبادةِ الصومِ التي هي سرٌّ بينَ العبدِ وربِّهِ جلَّ وعلا، وتدبرْ هذا الحديثَ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:{ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ}.

يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ: أقبلْ على الجودِ والكرمِ وسخاءِ النفسِ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ما، قَالَ: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ”

يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ: أقبلْ على ضبطِ النفسِ، فعن أبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-،قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:{ قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ }، قال أبو هريرةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-:إذا كنتَ صائمًا، فلا تسابْ ولا تجهلْ، فإنْ جهلَ عليكَ فقلْ: إنِّي صائمٌ.

وهذه دعوةٌ غيرُ مباشرةٍ لضبطِ النفسِ والكفِّ عن الأذَى، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ”.

يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ: أقبلْ على الشعورِ بآلامِ ومشاكلِ الآخرينَ مِن المسلمين،

قال ابنُ رجب: وسُئِلَ بعضُ السلفِ: لِمَ شُرِعَ الصيامُ؟ قال: ليذوقَ الغنيُّ طعمَ الجوعِ فلا ينسَى الجائعَ، وهذا مِن بعضِ حِكَمِ الصومِ وفوائدِهِ، وعن أبي موسَى الأشعرِي -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: “المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا” وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. وعن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضي اللهُ عنهما أنَّ رجلًا جاءَ إلى رسولِ اللهِ ﷺ فقالَ: يا رسولَ اللهِ أَحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ ، تَكشِفُ عنه كُربةً ، أو تقضِي عنه دَيْنًا ، أو تَطرُدُ عنه جوعًا ، ولأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن اعتكِفَ في هذا المسجدِ يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا( رواه الطبراني بسند حسن.

يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ بصلحٍ مع الناسِ: وهي الاعترافُ لأصحابِ الحقوقِ بحقوقهِنَّ … صلحٌ مع الناسِ بفتحِ صفحةٍ بيضاءَ مع الوالدينِ والأقاربِ، والأرحامِ والزوجةِ والأولادِ بالبرِّ والصلةِ .صلةُ الأرحامِ التي قطعناهَا هل وصلنَا قبلَ رمضانَ ؟ صلةُ الأرحامِ تشتكِي حالَهَا إلى الكبيرِ المتعالِ، صلةُ الأرحامِ التي قالِ اللهُ لهَا ألَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ قَالَتْ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَذَاكِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ }، هل تصالحنَا قبلَ رمضانَ مع الأخواتِ مع الإخوانِ مع الأحبابِ؟ هل عقدتَ صلحًا مع الزوجةِ والأولادِ في المنزلِ لتصفيةِ الخلافاتِ بينكِ وبينَ زوجتِكِ وبينِكِ وبينَ أولادِكَ مِن أجلِ تهيئةِ بيوتٍ رمضانيةٍ إيمانيةٍ} وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا}، فاعقدْ اجتماعًا طارئًا لحلِّ النزاعِ وللاتفاقِ على المبادئِ التي تسيرُ عليها في رمضانَ مِن غلقٍ للتلفازِ فيمَا يغضبُ اللهَ ومِن قراءةٍ للقرآنِ , ومِن محافظةٍ على الصلاةِ .

هل ابتعدنَا عن الحقدِ والبغضاءِ هل ابتعدنَا عن الغيبةِ والنميمةِ قال البخاريُّ : ما اغتبتُ مسلمًا منذُ احتلمتُ.

يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ: بصلحٍ مع النفسِ: قُلْ لها يا نفسُ انتهَي عامٌ مِن عمرِكِ قرّبَكِ إلى القبرِ عامًا وباعدَكِ عن الدنيا عامًا فهل فكرتِ في هذا؟ يا نفسُ إنَّ العمرَ هو بضاعتِي إذا ضاعَ عُمرِي ضاعَ رأسُ مالِي ولا أربحُ أبدًا ..يا نفسُ اعملِي قبلَ أنْ لا تعملِي وحاسبِي قبلَ أنْ لا تحاسبِي.

صلحٌ مع النفسِ، العينُ لا تنظرُ إلى الحرامِ، الرجلُ لا تمشِي بها إلى الحرامِ؛ لأنَّ الجوارحَ ستشهدُ عليكَ يومَ القيامةِ (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) (25) } وقل لنفسك قبل فوات الأوان:

أبتْ نفسِي تتوبّ فما احتيالِي*** إذا برزَ العبادُ لذي الجلالِ

وقامُوا مِن قبورِهم سكارَى ***بأوزارٍ كأمثالِ الجبالِ

وقد مدَّ الصراطُ لكي يجوزُوا ***فمنهم مَن يُكبُّ على الشمالِ

ومنهم مَن يسيرُ لدارٍ عدنٍ ***تلقاهُ العرائسُ بالغوالِي

يقولُ لهُ المهيمنُ يا وليِّي ***غفرتُ لكَ الذنوبَ فلا تُبالِي

أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم

الخطبةُ الثانيةُ الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يُستعانُ إلا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………… وبعد

ثالثــــًا وأخيرًا: وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ.

أيُّها السادةُ: وَمِمَّاْ جَاْءَ فِيْ حَدِيْثِ الْنَّبِيِ ، قَوْلُهُ عَنِ المُنَاْدِيْ : ( وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ ) أَي يَا مُرِيْدَ الْمَعْصِيَةِ ، أَمْسِكْ عَنِ الَمعَاصِي، وَتُبْ وَارْجِعْ إِلَى اللهِ جل وعلا، فَهَذَا أَوَانُ قَبُوْلِ الْتَّوْبَةِ، وَزَمَانُ اسْتِعْدَادِ الْمَغْفِرَةِ، فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَحْذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ، مِنْ كُلِّ أَمْرٍ مِنْ شَأْنِهِ حِرْمَانُ فُرْصَةِ رَمَضَان، وَمَا فِيهِ مِن الْخَيْرِ، فإيَّاكَ والملهياتِ فَمُتَابَعَةُ الْمُبَارَيَات، وَالاِنْشِغَالُ فِي أَجْهِزَةِ الْتَّوَاصِلِ وَالِاتِّصَالَات، وَالْتَّسَكُّعُ فِي الأَسْوَاقِ وَالْمَحَلَّات ، وَمُتَابَعَةُ الأَفْلَامِ وَالْمُسَلْسَلَات، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ المُلْهِيَات، لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ يَطْمَحُ لِبُلُوغِ أَعْلَى المَنَازِلِ، وَأَرْفَعِ الدَّرَجَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أنْ ينشغلَ عن الصيامِ والقرآنِ. فَيَا بَاغِيَ الْشَّرِّ أَقْصِرْ، وَأَقْبِلْ عَلَى هَذَا الْخَيْرِ الْعَظِيمِ الَّذِي قَدْ لَا تَجِدَهُ، وَلَا تَسْتَطِيعَ عَلِيْهِ، فِي غَيْرِ رَمَضَان. وَالَّذِي لَاْ يُحْرَمُ مِنْهُ إِلَّا شَقِيٌ مَحْرُومٌ، وَلَا يُوَفَّقُ إِلَيْهِ إِلَّا تَقِيٌّ مَرْحُومٌ.

يَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ: تُبْ إلى اللهِ مِن الذنوبِ والمعاصي، تبْ إلى اللهِ مِن تضييعِ الأوقاتِ، تبْ إلى اللهِ مِن آفاتِ اللسانِ حتى قلبُكَ يحتاجُ إلى توبةٍ؟ فتبْ إلى ربِّكَ، واندمْ على ما فعلتَ، فاللهُ كريمٌ يقبلُ توبةَ التائبينَ، ويغفرُ ذنوبَ المستغفرينَ .. ويمحُو سيئاتِ النادمينِ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) سورة [التحريم:8.

يَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ تبْ إلى اللهِ مِن التدخين، فرصةٌ أيُّها المدخنُ قد لا تتكرر، واندمْ على ما فرطتَ في جنبِ اللهِ قبلَ فواتِ الأوانِ، تبْ إلى اللهِ يا مَن غفلتَ عن الصلاةِ لتحافظْ عليها في جماعةٍ حتي يكتبَ اللهُ لكَ براءتانِ مِن النارِ ومِن النفاقِ، لحديثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ( مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ).

يَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ: تبْ إلى اللهِ يا مَن أكلتَ الحقوقَ لتعقدْ هدنةً مع اللهِ لتردَّ الحقوقَ إلى أصحابِهَا قبلَ فواتِ الأوانِ قبلَ أنْ يأتيَ يومٌ وتقولُ ربِّي أرجعونِي، تبْ إلى اللهِ يا مَن ضيعتَ القرآنَ لتداومْ على قرأتهِ في رمضانَ وبعدَ رمضانَ، فرصةٌ لنعلنَ كلمةَ التوحيدِ للهِ ربِّ الأرضِ والسماءِ. نفتحُ صفحةً بيضاءَ مع الرسولِ ﷺ بطاعتهِ فيمَا أمرَ واجتنابِ ما نهَى عنهُ وزجرَ. فرمضانُ موسمُ التوبةِ والإنابةِ، الشياطينُ مصفّدةٌ، والنفسُ منكسرةٌ، واللهُ تعالى يُنادِي: (قُلْ يا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم) . وعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: “قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً “. فما عليكَ إلّا أنْ تعودَ إلى اللهِ فإنَّهٌ كريمٌ، “إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا”.

دَعْ عَنْكَ ما قَدْ فات في زَمَنِ الصِّبا *** واذكر ذنوبكَ وابكها يا مذنب

واخْشَ مناقَشَة َ الحِسَابِ فإِنَّه **** لا بدّ يحصى ما جنيت ويكتب

لم يَنْسَهُ المَلِكانِ حين نَسِيْتَه **** بَلْ أَثْبَتَاهُ وَأَنْتَ لاهٍ تَلْعَبُ

و الروح فيك وديعة أودعتها **** سنردّها بالرغم منك وتسلب

وَغُرورُ دُنْياكَ التي تَسْعَى لها ***** دارٌ حَقِيقَتُها متاعٌ يَذْهَبُ

و الليلُ فاعلمْ والنهارُ كلاهُمَا ****** أَنْفَاسُنَا فيها تُعَدُّ وَتُحْسَبُ

فالبدارَ البدارَ قبلَ فواتِ الأوانِ باغتنامِ أيامِ الرحماتِ أيامِ النفحاتِ أيامِ العتقِ من النيرانِ.

نسألُ اللهَ العظيمَ ربّ العرشِ العظيم أن يتقبلَ منا صيامَنا وقيامَنا وصلاتَنا وزكاتَنا إنّهُ ولىُّ ذلكَ ومولاهُ…

حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى