خطبة الجمعة للدكتور محمد داود : وذروا ظاهر الإثم وباطنه
بتاريخ 8 شعبان 1446 هـ - 7 فبراير 2025

خطبة بعنــــوان: وذروا ظاهر الإثم وباطنه للدكتـــــور/ محمد حســــن داود (8 شعبان 1446هـ – 7 فبراير 2025م)
لتحميل خطبة الجمعة للدكتور محمد داود word : وذروا ظاهر الإثم وباطنه بتاريخ 8 شعبان 1446 هـ – 7 فبراير 2025.
لتحميل خطبة الجمعة للدكتور محمد داود pdf : وذروا ظاهر الإثم وباطنه بتاريخ 8 شعبان 1446 هـ – 7 فبراير 2025.
العناصـــــر:
– وذروا ظاهر الإثم وباطنه.
– دعوة القرآن والسنة إلى التواضع ونبذ الكبر .
– من صور الكبر، وأسبابه، وعلاجه.
– عواقب الكبر.
– تكريم الإسلام للمرأة.
الموضــــــوع: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله فاطر السبع الطباق، مقسم الأرزاق، الهادي لأحسن الأخلاق، مالك يوم التلاق، نحمده على آلاء تملأ الآفاق، ونعم تطوق القلوب والأعناق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، القائل في حديثه الشريف: “إنما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ صالِحَ الأخْلاقِ”، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، و بعد
فإنَّ الله (عز وجل) امتنَّ على العباد بموالاته المنن، وإسباغه النعم ظاهرة وباطنه، قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) (لقمان:20)، ونهى سبحانه عن الآثام والمعاصي والذنوب ظاهرة وباطنة، قال تعالى: (وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ) (الأنعام:120)، ولقد عبر القرآن الكريم عن ارتكاب الإثم بلفظ الكسب إشارة إلى ما يخسره المرء في الدنيا والآخرة عندما يجعل ربحه آثامًا ظاهرة وباطنة وعقوبة في الآخرة، بدلا من أن يجعله حسنات وأعمالا صالحة، وجنة في الآخرة.
إذا فليست الذنوب منحصرة في أعمال تظهر على الجوارح، وإنما أيضا منها ما كان في القلب، ومن ثم كان لا نجاة ولا فلاح للعبد يوم القيامة مالم يقدم على مولاه بقلب طيب سليم، كما قال الله تعالى: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء 88- 89)، ويقول النبي (صلى اللهُ عليه وسلم: “ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ”. وصاحب القلب السليم هو الذي سلم صدره وعوفي فؤاده من الأمراض الباطنة والذنوب والآثام، إذ البعد عنها طريق الوصول إلى المراتب الكريمة، ونيل الدرجات العالية الرفيعة؛ يقول سفيان بن دينار: “قلت لأبي بشير – وكان من أصحاب سيدنا علي (رضي الله عنه وأرضاه) – : أخبرني عن أعمال من كان قبلنا؟ قال: كانوا يعملون يسيرا، ويؤجرون كثيرا. قلت: ولم ذاك؟ قال: لسلامة صدورهم”. وهذا ما دلنا عليه النبي (صلى الله عليه وسلمَ) ودعانا إليه وأكد عليه، حيث قال: “أفضلُ النَّاسِ كلُّ مخمومِ القلبِ، صدوق اللِّسانِ”، قالوا: صدوقُ اللِّسانِ نعرِفُه فما مخمومُ القلبِ؟ قال: “التَّقيُّ النَّقيُّ، لا إثمَ فيه، ولا بغْيَ، و لا غِلَّ، ولا حسَدَ”. وعن أنس (رضي الله عنه) قال: كنَّا جُلوسًا مع رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ) فقالَ: “يطلُعُ عليكُم الآنَ رجلٌ من أهلِ الجنَّةِ”، فطلعَ رجلٌ من الأنصارِ تَنطَفُ لحيتُهُ من وَضوئِه، قد تعلَّقَ نَعليهِ بيدِه الشِّمالِ، فلمَّا كانَ الغَدُ قالَ رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ) مثلَ ذلكَ، فطلعَ ذلكَ الرَّجلُ مثلَ المرَّةِ الأُولَى، فلمَّا كانَ في اليومِ الثَّالثِ، قالَ رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ) مثلَ مقالتِهِ أيضًا، فطلعَ ذلكَ الرَّجلُ على مِثلِ حالِه الأُولَى، فلمَّا قامَ رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ) تبِعَه عَبدُ اللهِ بنِ عمرو بنِ العاصِ، فقالَ: إنِّي لاحَيتُ أبي فأقسَمتُ ألا أدخُلَ عليهِ ثلاثًا، فإن رأيتَ أن تُؤويَني إليك حتَّى تمضِيَ فَعلتُ، قالَ: نعَم، قال أنَسٌ: فكانَ عبدُ اللهِ يحدِّثُ أنَّه باتَ معهُ تلكَ الثَّلاثِ اللَّيالِي، فلم يرَهُ يقومُ من اللَّيلِ شيئًا، غيرَ أنَّه إذا تعارَّ وتقلَّبَ على فِراشِه ذكرَ اللهَ وكبَّرَ حتَّى يَقومَ لصلاةِ الفَجرِ، قالَ عبدُ اللهِ: غيرَ أنِّي لَم أسمَعْه يقولُ إلَّا خيرًا، فلمَّا مَضتِ الثَّلاثُ ليالٍ وكِدتُ أن أحتقرَ عَملَه قُلتُ: يا عبدَ اللهِ لَم يكُنْ بيني وبينَ أبي غَضبٌ ولا هَجرٌ، ولكنْ سمِعتُ رسولَ اللهِ (صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ) يقولُ لكَ ثَلاثَ مرارٍ: يطلعُ عليكم الآنَ رجلٌ من أهلِ الجنَّةِ، فطلعتَ أنتَ الثَّلاثَ المِرارَ، فأردتُ أن آوِيَ إليك لأنظرَ ما عَملُكَ فأقتدِيَ بهِ، فلم أرَكَ تعمَلُ كثيرَ عملٍ، فما الَّذي بلغَ بكَ ما قالَ رسولُ اللهِ (صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ)؟ قالَ: ما هوَ إلَّا ما رأيتَ، فلمَّا ولَّيتُ دعانِي فقالَ: ما هوَ إلَّا ما رأيتَ غيرَ أنِّي لا أجِدُ في نَفسي لأحَدٍ من المسلمينَ غِشًّا، ولا أحسُدُ أحدًا على خَيرٍ أعطَاه اللهُ إيَّاهُ، قالَ عبدُ اللهِ: هذهِ الَّتي بلغَتْ بكَ وهيَ الَّتي لا تُطاقُ. وفي رواية: ما هو إلا ما رأيتَ يا بن أخي، إلا أني لم أبت ضاغنًا على مسلم.
إن من القلوب ما يمرض ويصاب بالأسقام، كما تمرض وتصاب الأبدان، وإن أشد هذه الأمراض: “الكبــــر” فهو جامع لها وشامل؛ هو داء خطير، وشر مستطير، من ابتلي به قاده إلى كل سوء، ومنعه كل خير؛ قال تعالى: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) (غافر: 35)، ومن ينظر القرآن الكريم يجد أن الكبر هو ذنب إبليس الأول الذي عصى به الله (عز وجل): قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (البقرة: 34). إذ إن الله (عز وجل) هو سبحانه المتفرد بالعظمة والجلال والعزة والكمال، قال سبحانه وتعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الحشر: 23) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلى الله عليه وسلم): “قَالَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ): الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ” (رواه أحمد وغيره).
ولقد حذرنا القرآن الكريم من الكبر؛ قال تعالى: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (لقمان: 18-19) كما حذرنا منه النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: “أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ عِبَادِ اللَّهِ؟ الْفَظُّ الْمُسْتَكْبِرُ”(رواه أحمد) وعن حَارثَةَ بنِ وهْبٍ (رضي اللَّه عنه) قال: سَمِعْتُ رسُولَ اللَّه (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم) يقولُ: “أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟: كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ” (متفقٌ عليه).
وفي مقابل ذلك حثنا صَلى الله عليه وسلم بقوله وفعله على التواضع وأمرنا به؛ فمن قوله: ما جاء عنْ أبي هريرة (رضي اللَّه عنه) أَن رسول اللَّه (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم) قال: “ومَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ” (رواه مسلم). وما جاء أنه صَلى الله عليه وسلم قال: “إِن اللَّه أَوحَى إِليَّ أَنْ تَواضَعُوا حتى لا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلى أَحدٍ، ولا يَبغِيَ أَحَدٌ على أَحَدٍ” (رواه مسلم).. ومن فعله: ما جاء عن أَنس (رضي اللَّه عنه) أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبيانٍ فَسَلَّم عَلَيْهِم، وقال: “كان النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَفْعَلُهُ” (متفقٌ عليه) وعنه قال: انَّ امْرَأَةً كانَ في عَقْلِهَا شيءٌ، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ لي إلَيْكَ حَاجَةً، فَقالَ: يا أُمَّ فُلَانٍ انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ، فَخَلَا معهَا في بَعْضِ الطُّرُقِ، حتَّى فَرَغَتْ مِن حَاجَتِهَا” (رواه مسلم)، وعن الأسوَد بنِ يَزيدَ قال: سُئلَتْ عَائِشَةُ (رضيَ اللَّه عنها): ما كانَ النَّبِيُّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم) يَصنعُ في بَيْتِهِ؟ قالت: كان يَكُون في مِهْنَةِ أَهْلِهِ يَعني: خِدمَةِ أَهلِه فإِذا حَضَرَتِ الصَّلاة، خَرَجَ إِلى الصَّلاةِ، (رواه البخاري). وعلى هذا الخلق الطيب كان الصحابة (رضي الله عنهم)؛ فقد قال أبو بكر الصِّدِّيق (رَضِي الله عنه): “لا يَحْقِرَنَّ أحدٌ أحدًا من المسلمين؛ فإنَّ صغيرَ المسلمين كبيرٌ عند الله تعالى”.
فدعِ التكبرَ ما حييتَ *** ولا تصاحبْ أهلَه
فالكِبْرُ عيبٌ للفتـــى *** أبـــــدًا يُقبِّحُ فعلَه
عن ابن مسعُودٍ (رضيَ اللَّهُ عنه)، عن النبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم) قال: “لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مثْقَالُ ذَرَّةٍ مَنْ كِبرٍ” فقال رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُه حسناً، ونعلهُ حسنا قال: “إِنَّ اللَّه جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وغَمْطُ النَّاسِ” (رواه مسلم). وعند الترمذي: “وَلَكِنَّ الكِبْرَ مَنْ بَطَرَ الحَقَّ وَغَمَصَ النَّاسَ”. ومن ثم فإن من صور الكبر ومظاهره:
– التكبر بالعبادة إذ يرى الإنسان نفسه هو العابد ومن حوله في عصيان، أو يرى نفسه من أهل الجنة وغيره من أهل النار؛ وقد جاء عَنْ جُنْدَبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): حَدَّثَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلَانٍ. وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: “مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ” أَوْ كَمَا قَالَ.
– التكبر بالعلم: فلا يلبث العالم المتكبر أن يتملّكه العجب بعلمه فيستعظم نفسه ويحتقر الناس؛ والنبي (صلى الله عليه وسلمَ) قال: “مَنْ تعلَّمَ العلْمَ ليُباهِيَ بِهِ العلماءَ، أوْ يُمارِيَ بِهِ السفهاءَ، أوْ يصرِفَ بِهِ وجوهَ الناسِ إليه، أدخَلَهُ اللهُ جهنَّمَ” (رواه أبو داود) ولله در القائل :
تواضع إذا ما نلت في الناس رفعة *** فإن رفيع القوم من يتواضع
– الإعراض عن الناس كبرا وعجبا واحتقارا لهم؛ ولقد قال الله جل وعلا: (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (لقمان: 18).
لَا تَمْشِ فَوْق الْأَرْض إِلَّا تَوَاضُعًا *** فَكَمْ تَحْتهَا قَوْم هُمُ مِنْك أَرْفَـــع
وإذا كانت أسباب تملك الكبر من القلب تتمثل في ضعف الوازع الديني، وكذلك الحقد والحسد، وأيضا الأنانية، فإن العلاج يتمثل في:
– أن يعرف الإنسان حق ربه (عز وجل)، فإنه إذا عرف حق ربه حق المعرفة؛ علم أنه ضعيف فقير لا يليق به إلا الخضوع لله والتواضع والذلة له، وأنه لا تليق العظمة والكبرياء إلا بالله، وقد قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ) (فاطر: 15- 17) هذا جانب.
– ومن جانب آخر: أن يدرك المتكبّر أن مقياس الإنسان قلبه وعمله؛ فقد يكون من يتكبر عليه أو يسخر منه أفضل عند الله (عز وجل) منه، ولقد قال الله جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ) (الحجرات:11) وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ علَى رَسولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ)، فَقالَ: ما تَقُولونَ في هذا؟ قالوا: حَرِيٌّ إنْ خَطَبَ أنْ يُنْكَحَ، وإنْ شَفَعَ أنْ يُشَفَّعَ، وإنْ قالَ أنْ يُسْتَمع، قالَ: ثُمَّ سَكَتَ، فَمَرَّ رَجُلٌ مِن فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ، فَقالَ: ما تَقُولونَ في هذا؟ قالوا: حَرِيٌّ إنْ خَطَبَ أنْ لا يُنْكَحَ، وإنْ شَفَعَ أنْ لا يُشَفَّعَ، وإنْ قالَ أنْ لا يُسْتَمع، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ): هذا خَيْرٌ مِن مِلْءِ الأرْضِ مِثْلَ هذا” (رواه البخاري) .
– ومن علاج هذا الداء، أيضا: محاسبة النفس أولا بأول؛ فقد قال تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (الحشر: 18)، ويقول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): “حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا”.
– ومنه أيضا طلاقة الوجه مع الناس وتقديم الخير لهم عطفا ورحمة وتكافلا وحبا ومودة؛ ولنا من قول الحبيب المصطفي (صلى الله عليه وسلَم) خير دليل؛ فلما جاء إليه رجل يشكو قسوة قلبه؛ قال له صَلى الله عليه وسلم: ” أَتُحِبُّ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ؟”، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: “فَأَدْنِ الْيَتِيمَ إِلَيْكَ، وَامْسَحْ بِرَأْسِهِ، وَأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُلَيِّنُ قَلْبَكَ، وَتَقْدِرُ عَلَى حَاجَتِكَ” .
إن الكبر داء خطير؛ ذمه الله (عز وجل) وذم أهله؛ قال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ) (النساء: 36) وقال جل وعلا: ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (لقمان: 18) وقال عز وجل: (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) (النحل: 23)
– ومن ينظر القرآن الكريم يجد أن الكبر كان سبب هلاك أمم؛ فعن قوم نوح؛ يقول الله (جل وعلا) على لسان نبيه نوح (عليه السلام): (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا) (نوح: 7) وفي قوم عاد (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ..) (فصلت: 15) وفي غيرهم: (وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ) (العنكبوت: 39).
– غير أن من سوء عواقبه: أنه يذهب بقدر المرء عند الله (جل وعلا)؛ وكأن الجزاء من جنس العمل؛ فكما كان يتعالى على الناس في الدنيا، يخزيه الله على رؤس الخلائق في الآخرة، وكما كان يتكبر على الناس في الدنيا فهو يوم القيامة في ذل ومهانة إذ يقول النبي (صَلى الله عليه وسلم): “يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِى صُوَرِ الرِّجَالِ، يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ..”. ومن ثم فكفي بالإنسان هلاكا أن يتملك الكبر من قلبه، وقد قال تعالى: ( قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) (الزمر: 72) وعن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) عن النبي (صَلى الله عليه وسلم) أنه قال: “تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَقَالَتِ النَّارُ أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الْجَنَّةُ فَمَا لِي لاَ يَدْخُلُنِي إِلاَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَغِرَّتُهُمْ. قَالَ اللَّهُ لِلْجَنَّةِ إِنَّمَا أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا” (رواه مسلم).
الخطية الثانية: لقد اهتم الإسلام بالمرأة أيما اهتمام، ورفع مكانتها، وأكرمها بما لم تكرم بمثله وأنصفها بما لا تجد له مثيلاً ، وقد لخص البعض ذلك في قوله: “ما رأيت كالأنثى فضلاً؛ تُدخِلُ أباها الجنةَ طفلة، وتُكملُ نصف دين زوجها شابة، والجنةُ تحت قدميها أُمّاً “.
فيا أيها الأب: اعلم أن ابنتك باب لك إلى الجنة، وستر لك من النار فلا تهمل حقها، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلمَ): “من ابْتُلِي من هذهِ البناتِ بشيٍء كُنَّ لهُ سِترًا من النار” (رواه البخاري ) وقال: ” مَنْ وُلِدَتْ لَهُ أُنْثَى، فَلَمْ يَئِدْهَا، وَلَمْ يَنْهَهَا، وَلَمْ يُؤْثِرْ وَلَدَهُ يَعْنِي الذَّكَرَ عَلَيْهَا، أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الْجَنَّةَ”.
ويا أيها الزوج: اعلم أن الإسلام أوصى بالزوجة خيرا، وأكد على عدم التعدي علي حقها، قال تعالى: (وَعَاشِـرُوهُــنَّ بِالْمَعْــرُوفِ) (النساء: 19) ويقول النبي (صلى الله عليه وسلمَ): “اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا”. وقال: ” لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ” (رواه مسلم).
ويا أيها الابن اعلم أن الأم باب لك إلى الجنة، فلا تحرم نفسك خيره وبركته، وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلمَ) في حقها لرجل: “الزَم رِجلَها فثمَّ الجنَّةُ”.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق واصرف عنا سيئها
واحفظ اللهم مصر من كل مكروه وسوء