خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل

خطبة الجمعة : «يا باغي الخير أقبل » الشيخ/ أحمد عزت حسن

خطبة الجمعة : «يا باغي الخير أقبل » إعداد الشيخ/ أحمد عزت حسن ، خطبة الجمعة ٢٩ من شعبان لعام ١٤٤٦هـ. الموافق ٢٨ من فبراير لعام ٢٠٢٥

خطبة الجمعة word : «يا باغي الخير أقبل » إعداد الشيخ/ أحمد عزت حسن

خطبة الجمعة pdf : «يا باغي الخير أقبل » إعداد الشيخ/ أحمد عزت حسن

الموضوع
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ، “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا”، وبعد
مقدمة
تهفو النفوس إذا ما شُحِنت إلى أيام الطاعة والخير، وليالي العطاء الرباني، وتنتظرها انتظار الظمآن إلى الري والسائر في قيظ الصحراء إلى الظل الظليل والماء النمير، وكلما كانت الأيام والليالي في سمو روحانياتها كانت النفوس المطمئنة المؤمنة في سمو يقظتها.
وفي هذه الأيام المباركات نستقبل شهر رمضان الذي خصّه الله بالقبول والعفو والرضا، وهذه ثلاث مقامات يسعد الفرد بواحدةٍ منها فكيف إذا اجتمعت الثلاث معًا؟
ويتحقق القبول حينما يخلصُ العبدَ العبادة لله ويتحقق الصدق في أدائها وعدم الرياء والنفاق ومراقبة الله التي تُوصِل إلى التقوى التي هي الغاية من الصوم “لعلكم تتقون”
وهي -أيضًا- سبب القبول: “إنما يتقبلُ الله من المتقين”.
ويتحقق العفو حينما تتوب إلى الله من كل ذنب، في هذا الشهر الفضيل وتلتزم أوامره ونجتنب نواهيه، وعندها يتجلى الله علينا بالرضا.
وشهر رمضان ليس كبقية الشهور فهو يحمل العديد من المزايا؛ فقد جعله الله الوعاء الزمني لنزول القرآن فقال جل شأنه: “شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدًى للناس”
وها هو رمضان وقد فاحت رائحة مقدمه، وقُدّر لنا أن نشهد أيامه ولياليه بعد أن نسينا كثيرًا.
قُدّر لنا أن نشهد أيامه الغراء ونصوم نهاره ونقوم ليله إيمانًا واحتسابًا لوجه الله الكريم، جاء وليس كأي مجىء أو مقدم، بل ويصاحبه تغيرات كونية في أول لياليه يتحدث عنها النبي ﷺ فيقول: “رمضانُ شهرٌ مُباركٌ تُفَتَّحُ فيه أبوابُ الجنةِ وتُغَلَّقُ أبوابُ السَّعيرِ وتُصَفَّدُ فيه الشياطينُ، ويُنادِي مُنادٍ كلَّ ليلةٍ: يا باغِيَ الخيرِ هَلُمَّ -أقبل-، ويا باغِيَ الشَّرِّ أقصِرْ” [الألباني، صحيح الجامع ٣٥١٩ صحيح]
كل فضائله تتكرر يوميًا
وتشمل الصائم ظاهرًا وباطنًا وقاعدًا وقائمًا يقظانًا ونائمًا، فرمضان زمانٌ وليس مكانًا
زمانٌ يغطي كل من فيه ويحويه دون استثناء، ولذا فإن فضائله ملتصقة بكل صائم التصاق الإنسان بعمره، وهذه الفضائل تتكرر كل يومٍ من أيام الشهر الفضيل كالعتق من النيران والدعوة المجابة، بالإضافة إلى الفضائل التي تخص بعض أوقاته كالعشر وليلة القدر. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: “إذا كانَ أوَّلُ ليلةٍ من رمضانَ صُفِّدَتِ الشَّياطينُ مردَةُ الجنِّ، وغُلِّقَتْ أبوابُ النّارِ فلم يُفتَحْ منها بابٌ، وفتِحَت أبوابُ الجنَّةِ فلَم يُغلَقْ منها بابٌ وَنادى مُنادٍ: يا باغيَ الخيرِ أقبل ويا باغيَ الشَّرِّ أقصِر، وللَّهِ عتقاءُ منَ النّارِ”. البخاري. وفي رواية “وذلك كل ليلة”
إن رمضان ميدان سباق لا يُحتمل فيه التعثر فضلًا عن السقوط والانكباب على الوجه، إنما هو الانطلاق إثر الانطلاق؛ فرمضان قصير لا يحتمل التقصير وقدومه عبور لا يقبل الكسل أو الفتور. فإذا انتهزته فزتَ أما إذا تكاسلت تخلّفتَ، وكلما تكاسلت تذكر قوله تعالى: “أياماً معدودات”
فهو بين الشهور كيوسفَ بين أخوته فلا تقتلوه، ولا تلقوه في الجب، ولا تبيعوه بثمن بخس، بل أكرموا مثواه، فعسى أن ينفعنا، أو نتخذه شفيعًا يوم الحساب.
ولن يجد ريح يوسف إلا من كان عنده رجاء يعقوب.
الكثيرون من الناس وللأسف الشديد حتى الملتزمين بهذا الدين يخططون تخطيطًا دقيقًا لأمور الدنيا، ولكن قليلون هم الذين يخططون لأمور الآخرة، وهذا ناتج عن عدم الإدراك لمهمة المؤمن في هذه الحياة، ونسيان أو تناسى أن للمسلم فرصًا كثيرة مع الله ومواعيد مهمة لتربية نفسه حتى تثبت على هذا الأمر، ومن أمثلة هذا التخطيط للآخرة، التخطيط لاستغلال رمضان في الطاعات والعبادات، فيضع المسلم له برنامجًا عمليًا لاغتنام أيام وليالي رمضان في طاعة الله تعالى.
التطهر قبل دخول رمضان
للمدخنين نقول رمضان فرصة عظيمة لترك هذه الآفة اللعينة فاعتد من الآن على نبذها وتركها وضع النية الصالحة أنك تتركها لله ثم لتحافظ على صحتك واسأل الله أن يعينك على ذلك.
فيا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر
علينا أن نستقبله بالتخلص والتخفيف من الذنوب والاستغفار والتوبة من ذنوبك
وبالعزم على ترك الآثام والسيئات والتوبة الصادقة من جميع الذنوب، والإقلاع عنها وعدم العودة إليها، واليقين بخسارة من فرّط فيه؛ فلقد دعا النبي ﷺ وهو الرحمة المهداة على من فرط في رمضان فلنكن على يقين بأن التفريط في رمضان خسارة كبيرة. فمن خسر مواسم رمضان الماضية أو قصّر، فليوقن أنّ ذنوبه هي التي حرمته فليبعتد عنها. فهو شهر التوبة فمن لم يتب فيه فمتى يتوب؟ قال الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: ٣١].
الاستعداد النفسي والتهيئة النفسية والروحية لشهر رمضان من خلال القراءة والاطلاع على الكتب والرسائل، وسماع المحاضرات والدروس التي تبين فضائل الصوم وأحكامه وتشوّيق النفس للشهر هذه الأيام، وتذكيرها دومًا بالأجر والثواب والفضل وبجماله وجلاله؛ حتى تتهيأ النفس للطاعة فيه فكان النبي ﷺ يهيء نفوس أصحابه لاستغلال هذا الشهر، فيقول في آخر يوم من شعبان: جاءكم شهر رمضان … إلخ الحديث أخرجه أحمد والنسائي (لطائف المعارف).
والمتأمل لتوجيهات الشرع يجد أنها تحثنا وتساعدنا على تهيئة الأجواء النفسية والروحية للدخول في العبادة، فعلى سبيل المثال:
* نجد فريضة الصلاة يحثنا الشرع الحنيف على تفريغ الذهن من جميع الشواغل التي تمنعنا من التركيز فيها،
– فلا يصلي بحضرة الطعام، بل يجب أن يقدم الطعام على الصلاة؛ حتى يدخل الصلاة وذهنه غير مشغول به. – كذلك لا يصلي وهو يغالب الأخبثين من بولٍ وغائط
– ويذهب إلى الصلاة مبكرًا في هدوءٍ وسكينة بعيدًا عن الإسراع؛ حتى لا يكون مضطربًا يصعب عليه استجماع قلبه. كل هذا حتى يستفيد المرء من صلاته، ويحسن الاستفادة منها، فالمقصود ليس الأداء الشكلي للعبادة بل الاستفادة منها وتحقيق الأهداف المرجوة منها. “لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم” الحج: ٣٧
نستقبل رمضان بالبدء في التغيير إلى الأفضل من الآن
فنحافظ على صلاة الجماعة والسنن ونزيد اتصالنا بالقرآن ونفرّغ له وقتًا هذه الأيام
ولنكن أشحاء بالوقت؛ لتغتنمه في الخير. ونستقبله بفتح صفحة بيضاء مشرقة مع:
أ‌- الله سبحانه وتعالى بالتوبة الصادقة.
ب‌- الرسول ﷺ بطاعته فيما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر.
ج- مع الوالدين والأقارب، والأرحام والزوجة والأولاد بالبر والصلة.
د- مع المجتمع الذي تعيش فيه حتى تكون عبدًا صالحًا ونافعاً قال ﷺ أفضل الناس أنفعهم للناس).
وهكذا يستقبل المسلم رمضان استقبال الأرض العطشى للمطر واستقبال المريض للطبيب المداوي ، واستقبال الحبيب للغائب المنتظر. فاللهم بلغنا رمضان وتقبله منا إنك أنت السميع العليم
قال ﷺ أفضل الناس أنفعهم للناس هكذا يستقبل المسلم رمضان استقبال الأرض العطشى للمطر والمريض للطبيب
▪︎ استشعار الثواب العظيم الذي أعده الله للصائمين ومنها:
أ‌- أن أجر الصائم عظيم لا يعلمه إلا الله عز وجل (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به).
ب‌- من صام يومًا في سبيل الله يبعد الله عنه النار سبعين خريفًا فكيف بمن صام الشهر كاملًا.
ج- الصيام يشفع للعبد يوم القيامة حتى يدخل الجنة.
د- في الجنة باب يقال له الريان لا يدخله إلا الصائمون.
هـ- صيام رمضان يغفر جميع ما تقدم من الذنوب.
و- في رمضان تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النيران.
ز- يستجاب دعاء الصائم في رمضان. فهلا أخي أدركت الثواب العظيم الذي أعده الله للصائمين. فما عليك إلا تشمر عن ساعد الجد، وتعمل بهمة ونشاط لتكون أحد الفائزين بتلك الجوائز العظيمة.
▪︎ معرفة أن من هدي الرسول ﷺ في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات (فقد كان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره من الشهور)، ومما يزيدك تحمسًا لاستغلال رمضان أن تعلم أن رسولك العظيم ﷺ كان يكثر من أنواع العبادات من صلاة وذكر ودعاء وصدقة، وكان يخص هذا الشهر من العبادة بما لا يخص غيره من الشهور الأخرى، فهل لك في رسول الله قدوة وأسوة؟ والله تعالى يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب :٢١] فتكثر من أنواع الطاعات في هذا الشهر .
▪︎ إدراك المسلم البركة في هذا الشهر الكريم، ومن ملامح هذه البركة حتى تزيدك حماسًا:-
أ‌- البركة في المشاعر الإيمانية: ترى المؤمن في هذا الشهر قوي الإيمان حي القلب، دائم التفكر، سريع التذكر إن هذا أمر محسوس لا نزاع فيه أنه بعض عطاء الله للصائم.
ب‌- البركة في القوة الجسدية: فأنت أخي الصائم رغم ترك الطعام والشراب، كأنما ازدادت قوتك وعظم تحملك على احتمال الشدائد، ومن ناحية أخرى يبارك الله لك في قوتك فتؤدي الصلوات المفروضة، ورواتبها المسنونة، وبقية العبادات رغم الجوع والعطش.
ج- البركة في الأوقات: تأمل ما يحصل من بركة الوقت بحيث تعمل في اليوم والليلة من الأعمال ما يضيق عنه الأسبوع كله في غير رمضان.
فاغتنم بركة رمضان وأضف إليها بركة القرآن، واحرص على أن يكون ذلك عونًا لك على طاعة الرحمن، ولزوم الاستقامة في كل زمان ومكان. وهذا مما يزيدك تحمسًا وتحفزًا على استغلال بركة هذا الشهر.
▪︎ استحضار خصائص شهر رمضان.
أخي الحبيب خص الله شهر رمضان عن غيره من الشهور بكثير من الخصائص والفضائل منها:
أ- خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك .
ب- تستغفر الملائكة للصائمين حتى يفطروا.
ج- تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار .
د- فيه ليلة القدر هي خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم الخير كله.
هـ- يغفر للصائمين في آخر ليلة من رمضان.
و- لله عتقاء من النار في آخر ليلة من رمضان.
▪︎ استشعار أن الله تعالى اختص الصوم لنفسه من بين سائر الأعمال:
ومزية عظيمة يحصل عليها مستغل رمضان في الخير ، تجعل المرء لا يفرط في رمضان ألا وهي: أن الله تعالى اختص قدر الثواب والجزاء للصائم لنفسه من بين سائر الأعمال كما في الحديث قال صلى الله عليه وسلم : قال الله عز وجل: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به …) إن هذا الاختصاص مما يزيد المؤمن حماسًا لاستغلال هذا الفضل العظيم .
▪︎ معرفة أن الصيام يشفع لصاحبه يوم القيامة:
وخصلة أخرى تزيدك تعلقًا بالصيام وحرصًا عليه هي أن الصيام يشفع لصاحبه يوم القيامة عند الله تعالى، ويكون سببًا لهدم الذنب عنه فنعم القرين قرين يشفع لك في أحلك المواقف وأصعبها قال ﷺ: ( الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة: يقول الصيام أي ربّ منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن ربّ منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان) [رواه أحمد في المسند].
▪︎ معرفة أن رمضان شهر القرآن وأنه شهر الصبر: وأن صيامه وقيامه سبب لمغفرة الذنوب، وأن الصيام علاج لكثير من المشكلات الاجتماعية والنفسية والجنسية والصحية. فمعرفة كل هذه الخصال الدنيوية والأخروية للصائم مما يحفز على استغلاله والمحافظة عليه.
هذه بعض الحوافز التي تعين المؤمن على استغلال مواسم الطاعات، وشهر الرحمات والبركات، فإياك والتفريط في المواسم فتندم حيث لا ينفع الندم قال تعالى: {وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا} [الإسراء :٢١]
استقبال رمضان بحسن الخلق
ثمت حبل سري بين رمضان والأخلاق، فما كانت الغاية الأسمى من هذا الشهر الفضيل -وهذه العبادة- إلا لتحصيل الأخلاق الفضلى، وما كانت هذه الأخلاق لتنمو إلا في ظلال هذا الشهر الكريم؛ فشهر رمضان فرصة عظيمة لتحسين الأخلاق قولاً وفعلاً، فحسّن خلقك فيه؛ وكن ودوداً وليناً مع زوجك وأهلك وأرحامك، وخلوقًا مع أصدقائك ومعارفك، ولطيفًا مع أولادك، وصبورًا مع من يخطئ بحقك، ومتواضعًا مع من هم أقل شأنًا منك، ومحسنًا إلى الناس، ومتسامحًا مع من أساء إليك؛ حتى تنال أجر وثواب من حسّن خلقه في شهر رمضان، وكلما ارتقى الإنسان في أخلاقه أصبح أكثر إنسانية ورقيًا في حسن تعامله مع الناس، فيلين جانبه، ويطيّب كلامه، ويقابل الناس بوجه حسن، ويرتفع عن سفاسف الأمور، ولا يسيء لأحد من خلق الله سواء بالفعل أم القول أو الهمز واللمز، بل يتعامل مع الناس باحترام وأخلاق عالية. ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه يقول النبي ﷺ: «لا تُسابَّ وأنتَ صائِمٌ، فَإِن سَبَّكَ أحَدٌ فَقُل: إنّي صائِمٌ، وإن كُنتَ قائِما فَاجلِس». [صحيح ابن خزيمة ١٩٩٤. إسناده صحيح.]
إن تحويل الأخلاق السيئة وصياغتها -في رمضان- أمرٌ عجيبٌ إنه أشبه ما يكون بإعادة تدوير الأشياء التي هي غير ذي قيمة لتتحوّل إلى شىءٍ ذي قيمة وبال يسر الناظرين.
يدخل المسلم رمضان كما يدخل المعدن إلى قالب المصنع وفرنه يستقر في المصنع شهرًا ليخرج أنقى وأرقى وأبقى مسلمٌ غير الذي دخل رمضان، يختلف كليًّا وجزئيًا عنه قبل رمضان.
فعلى الصائم أن يدرب نفسه على ضبط انفعالاته، والتحكم في نفسه أمام مهيجات الغضب، وشهر رمضان أفضل وقت لتدريب النفس على ذلك، وتربية الذات على التحمل والصبر؛ فإذا استفزك أحد أو أساء إليك أو أخطأ بحقك فقل له: “اللهم إني صائم”. قلها في نفسك وأسمع بها خصمك؛ حتى يعلم أنك لن تبادله سبًّا بسبٍّ وشتمًا بشتمٍ؛ لأنك صائم والصوم يمنعك ذلك فإنَّ الله شرع الصيام تطهيرًا للأرواح، وحفظًا لها من طغيان الجسد وشهواته، ولم يشرعه لنقاسي آلام الجوع والعطش يقول النبي ﷺ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْجَهْلَ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» [رواه البخاري ١٩٩٣.]
أيها الإخوة المؤمنين: إن الدنيا عرَضٌ حاضر، يأكل منه البر والفاجر، وإن الآخرة لوعد صادقٌ يحكم فيها ملك عادل، فطوبى لعبدٍ عمِل لآخرته وحبله ممدود على غاربه، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فتوبوا إلى الله واستغفروه وادعوه وأنتم موقونون بالإجابة.
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ. قاد سفينة العالم الحائرة في خضم المحيط، ومعترك الأمواج حتى وصل بها إلى شاطئ السلامة، ومرفأ الأمان.
أيها الإخوة المؤمنين
▪︎ الصوم يسلب النفس سلطان شهواتها، ويولي من له سلطان التقوى.
▪︎ رمضان يلهم النفس -بإذن ربها- تقواها فيكون ابتداء شحذ الهمة لمعالي الأمور والطاعات. فيا باغي الخير أقبل.
▪︎ ابدأ في صحبة ختمة القرآن منذ الليلة فشهر القرآن يفجر نوره الأخلاق
▪︎ في رمضان يقبل الناس على تلاوة القرآن وختمه ولكن لتكن تلاوته سلسة وختمته عليك يسيرة فابدأ في شعبان أن تكثف من وقت التلاوة فإن كانت عادتك أن تتلو جزءًا يوميا فلتجعلها جزئيين أو ثلاثـــا بل حاول أن تجعل لك في كل عشرة أيام منه ختمة بتدبر، والتدبر أولى من الاسراع في الختم .
قال سلمة بن كهيل: كان يقال: شهر شعبان شهر القراء. وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القراء.
وكان عمرو ابن قيس المُلائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته، وتفرغ لقراءة القرآن.
وهكذا يستقبل المسلم رمضان استقبال الأرض العطشى للمطر واستقبال المريض للطبيب المداوي، واستقبال الحبيب للغائب المنتظر.
فاللهم بلغنا رمضان وتقبله منا إنك أنت السميع العليم.
في أول ليلة من رمضان
لقد أُعلنت نتيجة رؤية الهلال، وسيكون غدًا إن شاء الله هو بداية الصوم فكيف ستُمضِي هذه الليلة؟
▪︎ الإعلان عن ميلاد تفتح أبواب الجنة وإغلاق أبواب النار تصفّد الشياطين ومَرَدة الجن. هل تُمضيها كبقية الليالي أم ستفرح برمضان؟ كيف لا يُبَشّر ولا يفرح المؤمن بفتح أبواب الجنان، كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران، كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشياطين”. “قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا” يونس
فسبحان من جعل لدخول رمضان فرحة لا يعادلها فرح، وكيف لا، وهو عمرٌ جديدٌ مع رمضانٍ جديدٍ؟ وكيف لا، والقلوب في حالة استنفار قصوى؟ كيف لا ورمضان زمان وليس مكانًا؟. إنها صورة عامة نادرةً تتكشّف فيها عبودية القلب الباطنة وتتجلّى حتى لكأن المتأمل يرى قلوب الأمة جميعًا بعينه وهي تهبّ -عن بكرة أبيها- لتبايع على عبودية الله في هذا الشهر الفضيل تحت شجرة الرضوان في خلال رمضان. وهذه العبودية لا يقوى عليها منافق؛ لأنها إسلام القلب لله “ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم” الحجرات
▪︎ إن القلب الذي كان مستقرًا طوال العام ينتظر الآن العبور إلى العالم الآخر، ومع الإعلان عن ميلاد هلال رمضان
▪︎ تتولّد التقوى بولادة رمضان ولادة طبيعية.
التقوى في أن لا ينام إلا وقد أعدّ القلب عُدّة التقوى الخاصة به.
فالعبد مستسلمٌ لأي حكم يريده مستسلمٌ لحكمه في أخص الأشياء وهكذا يُنشأ رمضان التقوى في القلب إنشاءً
فيا راغب السبق هذا العام انظر كم يغفل الناس.
هذه فرصتك أيها المتسابق

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى