خطبة الأسبوععاجل

خطبة بعنوان: إسهامات الشباب في بناء الحضارة الإسلامية بين الواقع والمأمول، للدكتور خالد بدير

خطبة بعنوان: إسهامات الشباب في بناء الحضارة الإسلامية بين الواقع والمأمول، للدكتور خالد بدير.

لتحميل الخطبة أضغط هنا

ولقراءة الخطبة كما يلي:

عناصر الخطبة:

العنصر الأول: مكانة الشباب في الإسلام

العنصر الثاني : صور مشرقة لشباب حول الرسول في بناء الحضارة الإسلامية

العنصر الثالث: إسهامات الشباب في حياتنا المعاصرة بين الواقع والمأمول

المقدمة:                                                            أما بعد:

العنصر الأول: مكانة الشباب في الإسلام

إن الشباب في كلِّ زمان ومكان – وفي جميع أدوار التاريخ إلى زماننا هذا – عماد أُمة الإسلام وسِرُّ نَهضتها، ومَبعث حضارتها، وحاملُ لوائها ورايتها، وقائدُ مَسيرتها إلى المجد والنصر .

إن الإسلام لَم ترتفع في الإنسانية رايتُه، ولَم يمتدَّ على الأرض سُلطانه، ولَم تَنتشر في العالمين دعوته – إلاَّ على يد هذه الطائفة المؤمنة التي تَربَّت في مدرسة النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – وتخرَّجت في جامعته الشاملة؛ فالشبابُ مرحلةُ القوة والنشاط والطاقة والطموح الوهاج…والشباب متعَلَّق آمال الأمة، وأبو المعجزات، هو مرحلةُ العطاء المثمر، وروضُ الإبداع المزهر، وبستانُ النضارة والفتوة، واللياقة والقوّة؛ والشباب هو الذي يتمناه الصغيرُ، ويتحسّر على فراقه الكبيرُ، فتراه يقول في مرحلة الشيخوخة:

فيا ليت الشبابَ يعودُ يوماً …………..فأُخبرَه بما فعل المشيبُ

وفيه يقول الإمام أحمد بنُ حنبل: “ما شبّهت الشباب إلا بشيء كان في كمي فسقط”.

الشبابُ يذكّرنا بفتيةٍ أمنوا بربهم فزادهم هدىً، وبفتىً حطم أصنام الضلال بيده، وبنبيٍّ رأى برهانَ ربه فاعتصم عن الفحشاء، وبإنسانٍ آتاه الله الحكم صبيا…فأخذ كتاب ربه بقوة الشباب، وحكمة الشيوخ… وبشابٍ في الثامنة عشرة من عمره ولاه النبيّ صلى الله عليه وسلم أميراً.

والشباب – كما هو معلوم – طاقةٌ كامنةٌ، ولكنها يجبُ أن تتفجرَ ينابيعَ قوّةٍ وعطاء ومحبة وإنتاج وفاعلية في المجتمع، وعندما يصلح الشبابُ تصلح الأمة، وعندما يفسدون تفسد.

ومن الاهتمام بعنصر الشباب نجد ما يبينه الرسول صلى الله عليه وسلم من مكانة الشباب الذي ينشأ على طاعة الله سبحانه وتعالى، فهذا الصنف من الشباب لهم مكانة عالية عند الله سبحانه وتعالى حيث ينجيهم من الضيق والكرب الذي يلحق الناس يوم القيامة فيظلهم الله سبحانه وتعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ….. “( متفق عليه ) قال ابن حجر رحمه الله: “خص الشاب لكونه مظنَّة غلبة الشَّهوة لما فيه من قُوَّة الباعث على متابعة الهوى، فإنَّ ملازمة العبادة مع ذلك أشَدُّ وأَدلّ على غلبة التَّقْوَى”.

أحبتي في الله : إن من ينظر إلى أعمار جميع الأنبياء يجد أنهم بعثوا في ريعان شبابهم ؛ فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم نزلت عليه الرسالة وهو ابن أربعين سنة ؛ وقد ذكر القرآن الكريم وصف المرحلة العمرية ( الشباب ) لبعض أنبيائه في القرآن الكريم؛ فقال في حق يحي عليه السلام : {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا }(مريم: 12)؛ وقال في حق يوسف عليه السلام: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} ( يوسف: 22)

وقال في حق موسى عليه السلام :{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (القصص: 14)

وقال في حق إبراهيم عليه السلام:{قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ }(إبراهيم: 60) ؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما : ما بعث الله نبيناً إلا شاباً ، ولا أوتى العلم عالم إلا وهو شاب ) (رواه ابن أبي حاتم ، وذكره ابن كثير في تفسيره لهذه الآية)

إن الشباب في جميع الأطوار وفي أي قطر من الأقطار هم عماد حضارة الأمم، وسر نهضتها؛ لأنهم في سن الهمم المتوثبة والجهود المبذولة، سن البذل والعطاء، سن التضحية والفداء. وغالباً ما يمثل الشباب النسبة العظمى من السكان في الدول النامية، الأمر الذي يقتضي مزيداً من الاهتمام به، والاستثمار فيه، حيث يعتمد نمو خيرات هذه المجتمعات، وملاحقتها لمطالب التطور وتفوق هيكل عملها وجودته على مدى جدوى عنصر الشباب فيها، ولهذا السبب نفسه نجد أنه سرعان ما ينهار أي مجتمع وتضيع قيمه إذا ما وهن شبابه، وأغلقت دونه نوافذ العلم والخبرة، بينما تتقدم المجتمعات الأخرى وتسبق غيرها معتمدة على فارق الزمن في إطلاق هذه الطاقات لأقصى ما تستطيع، وكلما اغتنمت الدول طاقات شبابها في العلم والإنتاج وبناء الحضارة زاد إنتاجها وحققت أهدافها.

وقد يقول قائل: لماذا الحديث عن الشباب ؟!!

أقول: إن الشباب يتميز بخصائص لا توجد في غيره ، ومن أهمها :

1- أن فترة الشباب هي المرحلة التي يتمتع فيها الإنسان بكامل قواه الجسدية ، فهو قد تعدى مرحلة الصعود ( الطفولة ) ولم يبدأ مرحلة الانحدار (الشيخوخة) . ويشير القرآن الكريم إلى أن هذه المرحلة من العمر هي مرحلة القوة التي يعيشها الإنسان بين مرحلتي ضعف، كما في قوله سبحانه وتعالى:{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} ( الروم : 54)

2- أن الشباب هم رجال الغد ، وآباء المستقبل ، وعليهم مهمة تربية الأجيال القادمة ، وإليهم تؤول قيادة الأمة في جميع مجالاتها .

3- في صلاح الشباب صلاح للأمة ، وفي فسادهم فساد لها ، لأنهم هو القوة المتحركة في المجتمع.

4- أن الشباب لم يكتمل نضجه بعد ، فهو قابل للتشكل والتغير ، فإن كان توجيهه إلى الخير قبله ونفع الله به ، وإن كانت الأخرى فالدمار مصيره ، وقد قيل :

وينشأ ناشئ الفتيان منا………… على ما كان عوده أبوه

ويذكر الله تعالى قصة فتية أهل الكهف :{ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } (الكهف: 13) ، قال ابن كثير رحمه الله تعالى : فذكر الله تعالى أنهم فتية ، وهم الشباب ، وهم أقبل للحق ، وأهدى للسبيل من الشيوخ الذي قد عتوا ، وانغمسوا في دين الباطل ، ولهذا كان أكثر المستجيبين لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم شباباً ، وأما الشيوخ من قريش فعامتهم بقوا على دينهم ، ولم يسلم منهم إلا القليل . أ هـ .

فالشباب هم أكثر الناس تأثراً وأسرعهم استجابة، بخلاف الشيوخ الذين في الغالب يتمسكون بمعتقداتهم ويؤثرون موروثاتهم، ولو تبين لهم الحق فيما يدعون إليه.

قال تعالى:{ بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)} ( الزخرف)

عباد الله: نحن إذا ما أردنا للأمة الرقيَّ في كافة مجلات الحياة فلنبدأ من الشباب فإن الشباب همُ عدةُ الأمة، وهم أملُ الحاضر، ورجال المستقبل، وسيكون منهم: القائدُ والحاكم، والوزير والقاضي والمعلم ُوالعامل, والمربي لمن يأتي من الأجيال، إذاً فتربية الشباب ليست هينةً ولا سهلة، وإنما تحتاج إلى متابعة دقيقة من الآباء والمربين والمسؤولين، ومن الواجب أن يبدأ الآباءُ والمربون في إعداد الشباب منذ الطفولة، ويجب أن يستمر هذا الإعدادُ إلى أن يشتد عودُ الطفل، ويبلغَ مرحلة النضوج الفكري والعملي.

أختم هذا العنصر بهذه القصة الرائعة التي تقدم فيها الغلام على الشيوخ متحدثا أمام أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.

فقد روى أن عمر لما ولي الخلافة وفد عليه وفد الحجاز، فاختار الوفد غلاماً منهم، فقدَموه عليهم ليبدأ بالكلام، فلما ابتدأ الغلام بالكلام وهو أصغر القوم سنآَ قال عمر: مهلاً يا غلام، ليتكلم من هو أسَنُّ منك فهو أولى بالكلام فقال: مهلاً يا أمير المؤمنين، إنما المرء بأصغريْهِ لسانه وقلبه، فإذا منح الله العبد لساناً لافظَاَ، وقلباً حافظاً، فقد استجاد له الحلية، يا أمير المؤمنين، ولو كان التقدم بالسن لكان في هذه الأمة من هو أسن منك، قال: تكلم يا غلام، قال: نعم يا أمير المؤمنين، نحن وفود التهنئة لا وفود المرزئة قدمنا إليك من بلدنا، نحمد اللّه الذي مَنَّ بك علينا، لم يخرجنا إليك رغبة ولا رهبة، أما الرغبة فقد أتانا منك إلى بلدنا، وأما الرهبة فقد أمَّنَنَا اللّه بعدلك مِنْ جورك، فقال: عظنا يا غلام وأوجز، قال: نعم يا أمير المؤمنين، إن أناساً من الناس غرهم حلم اللّه عنهم، وطول أملهم، وحسن ثناء الناس عليهم، فلا يغرنّكَ حلم اللّه عنك، وطول أملك، وحسن ثناء الناس عليك، فتزلَّ قدمك، فنظر عمر في سن الغلام، فإذا هو قد أتت عليه بِضْعَ عَشْرَةَ سنةً، فأنشأ عمر رحمه الله يقول:

تَعَلّم فليس المرء يولد عالماً … وليس أخو علم كمن هو جاهل

وإن كبير القوم لا علم عنده … صغير إذا التفّتْ عليه المحافل

( مروج الذهب للمسعودي)

العنصر الثاني : صور مشرقة لشباب حول الرسول في بناء الحضارة الإسلامية

إن من ينظر إلى حملة الإسلام الأوائل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يجد أن أكثرهم كانوا شباباً ، قام عليهم الدين ، وحملوه على أكتافهم حتى أعزهم الله ونصرهم.

فهذا الصديق رضي الله عنه لم يتجاوز السابعة والثلاثين ، وهذا عمر رضي الله عنه لم يتجاوز السابعة والعشرين ، وهذا عثمان رضي الله عنه لم يتجاوز الرابعة والثلاثين ، وعلي رضي الله عنه لم يكن تجاوز العاشرة ، وكذلك بقية العشرة رضي الله عنهم : طلحة بن عبيد الله لم يتجاوز الرابعة عشر ، والزبير بن العوام لم يتجاوز السادسة عشرة ، وسعد بن أبي وقاص لم يتجاوز السابعة عشرة ، وسعيد بن زيد لم يتجاوز الخامسة عشرة ، وأبو عبيدة لم يتجاوز سبعاً وعشرين ، وعبد الرحمن بن عوف لم يتجاوز الثلاثين . وكذلك عبدالله بن مسعود، ومصعب بن عمير، والأرقم بن أبي الأرقم، وخباب، ومعاذ وعشرات غيرهم، بل مئات كانوا شباباً.( راجع سيرهم في كتاب : الإصابة لابن حجر رحمه الله ، وغيره )

وإليكم يا شباب الإسلام نماذجَ وصوراً خالدة مشرقة من مواقف أصحاب القدوة في التاريخ؛ وكيف أسهموا  في بناء الحضارة الإسلامية؛ لتعرفوا جيدًا كيف تحمَّل هؤلاء في سبيل الدعوة إلى الله الأذى الأكبر، وكيف ذاقوا في الإسلام صنوفَ الاضطهاد، فما وَهَنوا وما ضَعُفوا، وما استكانوا، بل ظلوا مجاهدين مثابرين إلى أن حقَّق الله على أيديهم الفتح المبين والنصر المؤزَّر؛ وذلك في جميع مجالات الحياة.

ففي مجال القضاء ؛ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: “بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم – إِلَى الْيَمَنِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَبْعَثُنِي وَأَنَا شَابٌّ أَقْضِي بَيْنَهُمْ وَلَا أَدْرِي مَا الْقَضَاءُ؟! قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ قَلْبَهُ وَثَبِّتْ لِسَانَهُ» قَالَ: فَمَا شَكَكْتُ بَعْدُ فِي قَضَاءٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ.”( رواه  أبو داود وابن ماجة)

فاعتمد النَّبِـي  صلى الله عليه وسلم  على عَلِيٍّ؛ وهو شاب في منصب من أخطر المناصب وهو القضاء بين الناس؛ لما لهذا المنصب من الجهد والبحث المتواصل عن الحقائق، وتعلم الفقه والعلوم التي بها يقضي بين الناس ولا يتأتى هذا إلا على يد شاب عاقل قوى التحمل رابط الجأش.

وفي مجال الصبر والثبات فإن صحابة رسول الله قد أعدُّوا للصبر والابتلاء نفوسًا مؤمنة صامدة، وقلوبًا مُطمئنَّة بذِكر الله.

فها هو بلال بن رباح – رضي الله عنه – المؤمن الصابر قد تلقَّى في سبيل الله ألوانًا من العذاب وأصنافًا من البلاء، فكلما اشتدَّت عليه وطْأَة الألَم، ووُضِعَت على بطنه الحجارة الثقيلة في وَهَج الظهيرة المُحرق، ازدادَ إيمانًا، وهتَف من الأعماق: أحدٌ أحدٌ، فردٌ صمدٌ.

وهذا مصعب بن عُمير – رضي الله عنه – أسلَم مع الأوَّلين الأوائل في دار الأرْقم بن أبي الأرقم، وكتَم إسلامه خوفًا من أُمِّه وقومه، ولَمَّا كشَفوا أمره أخَذوه، فحَبَسوه وعذَّبوه، فلم يَزَل محبوسًا معذَّبًا، حتى خرَج إلى أرض الحبشة في الهجرة الأولى، ثم رجَع مع المسلمين حين رجعوا.

وقُتِل – رضي الله عنه – في غزوة “أُحد” شهيدًا، فلم يجدوا شيئًا يُكَفِّنونه فيه سوى بُردة، فكانوا إذا وضَعوها على رأسه، خرَجَت رجلاه، وإذا وضعوها على رِجليه، خرَج رأسه، فقال لهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” اجْعَلوها على ما يلي رَأْسه، واجعلوا على رِجليه من الإذْخِر ” ( رواه مسلم )

وقد وقَف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على هذا الفتى وهو مقتول مُسجًّى في بُردة، فقال له والدموع تتَرقرق من عينيه: ” ما رأيتُ بمكة أحسنَ لِمَّة، ولا أرقَّ حُلَّة، ولا أنعمَ نعمة – من مصعب بن عُمير”،(مستدرك الحاكم) وقرأ عليه قوله تعالى: { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً } [الأحزاب: 23].

وفي مجال الجهاد والدفاع عن الإسلام ورسول الإسلام صلى الله عليه وسلم؛ أكتفي بذكر هذا الموقف الذي يرويه لنا الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه حيث يقول: بينا أنا واقفٌ في الصفِّ يومَ بدرٍ ، فنظرتُ عن يميني وعن شمالي ، فإذا أنا بغلامينِ من الأنصارِ ، حديثةٌ أسنانهما ، تمنيتُ أن أكونَ بين أضلعٍ منهما ، فغمزني أحدهما فقال : يا عمِّ هل تعرفُ أبا جهلٍ ؟ قلتُ : نعم ، ما حاجتكَ إليهِ يا ابنَ أخي ؟ قال : أُخْبِرْتُ أنَّهُ يَسُبُّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، والذي نفسي بيدِهِ ، لئن رأيتُهُ لا يُفارقُ سوادي سوادَهُ حتى يموتَ الأعجلُ مِنَّا ، فتعجبتُ لذلك ، فغمزني الآخرُ ، فقال لي مثلَها ، فلم أَنْشِبْ أن نظرتُ إلى أبي جهلٍ يجولُ في الناسِ ، قلتُ : ألا ، إنَّ هذا صاحبكما الذي سألتماني ، فابتدراهُ بسيفهما ، فضرباهُ حتى قتلاهُ ، ثم انصرفا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فأخبراهُ ، فقال : أيكما قتلَهُ . قال كلُّ واحدٍ منهما : أنا قتلتُهُ ، فقال : هل مسحتما سيفيْكما ؟ قالا : لا ، فنظرَ في السيفيْنِ ، فقال : كلاكما قتلَهُ ، سلَبُهُ لمعاذِ بنِ عمرو بنِ الجموحِ . وكانا معاذَ بنَ عفراءَ ومعاذَ بنَ عمرو بنِ الجموحِ .” (رواه البخاري ومسلم)

بينما عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يُحدّث نفسه بما يُحدّثها به ، ويتمنّى أن لو كان بين أضلع وأقوى وأجلد منهما ، إذ فاجآه بالسؤال ! والسؤال عمّن ؟  عن عدو الله ! عن أبي جهل حيث بلغهما أنه سب النبي صلى الله عليه وسلم !!!

أين أنتم ممن تطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!

 وأين أنتم ممن سب سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام ؟!

 إن أمتنا بحاجة إلى ( معاويذ ) !

وفي مجال العلم أقول: إذا ذُكر العلم ذُكر ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، فعنه رضي الله عنه قال: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  قُلْتُ لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يَا فُلانُ هَلُمَّ فَلْنَسْأَلْ أَصْحَابَ النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم  فَإِنَّهُمْ الْيَوْمَ كَثِيرٌ فَقَالَ: وَا عَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَتَرَى النَّاسَ يَحْتَاجُونَ إِلَيْكَ وَفِي النَّاسِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم  مَنْ تَرَى فَتَرَكَ ذَلِكَ وَأَقْبَلْتُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ كَانَ لَيَبْلُغُنِي الْحَدِيثُ عَنِ الرَّجُلِ فَآتِيهِ وَهُوَ قَائِلٌ فَأَتَوَسَّدُ رِدَائِي عَلَى بَابِهِ فَتَسْفِي الرِّيحُ عَلَى وَجْهِي التُّرَابَ فَيَخْرُجُ فَيَرَانِي فَيَقُولُ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ مَا جَاءَ بِكَ أَلا أَرْسَلْتَ إِلَيَّ فَآتِيَكَ فَأَقُولُ لا أَنَا أَحَقُّ أَنْ آتِيَكَ فَأَسْأَلُهُ عَنْ الْحَدِيثِ قَالَ فَبَقِيَ الرَّجُلُ حَتَّى رَآنِي وَقَدْ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيَّ فَقَالَ كَانَ هَذَا الْفَتَى أَعْقَلَ مِنِّي»( رواه الدارمي ؛ ورجاله ثقات.).

لذا كان عمر رضي الله عنه يجلسه معه ومع أكابر الصحابة، ويستشيره في الأمر إذا أهمه، ويقول: غص غواص»( سير أعلام  النبلاء).

وهذا معاذ بن جبل يقول عنه أبو سلمة الخولاني: دخلت مسجد حمص، فإذا فيه نحو من ثلاثين كهلاً من الصحابة، فإذا فيهم شاب أكحل العينين، براق الثنايا ساكت، فإذا امترى القوم، أقبلوا عليه، فسألوه، فقلت: من هذا؟ قيل: معاذ بن جبل، فوقعت محبته في قلبي»( سير أعلام  النبلاء).

بل حثهم النبي صلى الله عليه وسلم على تعلم اللغات الأخرى؛ فعَنْ زيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قال: قدم النبي  صلى الله عليه وسلم  المدينة، وأنا ابن إحدى عشرة سنة. فأَمَرَنِي أَنْ أَتَعَلَّمَ لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ كِتَابِ يَهُودَ قَالَ إِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي قَالَ فَمَا مَرَّ بِي نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى تَعَلَّمْتُهُ لَهُ قَالَ فَلَمَّا تَعَلَّمْتُهُ كَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَى يَهُودَ كَتَبْتُ إِلَيْهِمْ وَإِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ قَرَأْتُ لَهُ كِتَابَهُمْ»( رواه أبو داود والترمذي)

وفي مجال تقدير الغلمان – وعدم إهمالهم كما يفعل الكثير – يروي سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : “أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الْأَشْيَاخُ فَقَالَ: لِلْغُلَامِ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ الْغُلَامُ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا، قَالَ فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَدِهِ” ( متفق عليه)؛ أي وضعه في يد الغلام ليشرب لأن هذا حقه، فلم يحتقر الرسول صلى الله عليه وسلم الغلام لصغر سنه بل اعترف له بحقه الذي شرعه له الإسلام لأنه عن يمين الرسول، فاستشاره في تقديم الشراب إلى من هو أكبر منه، ومن له مكانة عند المسلمين، إلى أفضل هذه الأمة بعد نبيها وهو أبو بكر الصديق (رضي الله عنه). فآثر الغلام أن يشرب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم فشرب.

وفي مجال العبادة وفي إطار عناية الرسول صلى الله عليه وسلم بالشباب النابغة من فهم عميق بخصائص هذه المرحلة نجد النبي صلى الله عليه وسلم لا يغفل عن ضبط حماسهم وتوجيههم إلى ما يتناسب وطبيعة أعمارهم. ويدل على ذلك قصة الشباب الثلاثة الذي أبدوا حماساً في العبادة، كما يروي ذلك أَنَسٌ ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، قَالَ : جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ، صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ ، صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا أُخْبَرُوا بِهَا ، كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا ، فَقَالُوا : أَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ ، صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ : أَمَّا أَنَا فَأُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا ، وَقَالَ الآخَرُ : أَنَا أَصُومُ النَّهَارَ لا أُفْطِرُ ، وَقَالَ الآخَرُ : أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا . فَجَاءَ النَّبِيُّ ، صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ : أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا ؟ أَمَا وَاللَّهِ  ، إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي.” ( البخاري) كل ذلك شفقة من الرسول صلى الله عليه وسلم على هؤلاء الشباب الذين عزموا على ترك بعض ما أحل الله لهم والاجتهاد في طاعة الله سبحانه وتعالى.

وفي هذا الإطار نفسه نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفق على الشاب عبدالله بن عمرو بن العاص عندما أخذه حماس الشباب في قراءة القرآن كاملاً كل ليلة، فلما علم بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قال له مشفقاً عليه: “إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَطُولَ عَلَيْكَ الزَّمَانُ ، وَأَنْ تَمَلَّ ، فَاقْرَأْهُ فِي شَهْرٍ , فَقُلْتُ : دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي ، قَالَ : فَاقْرَأْهُ فِي عَشْرٍ , قُلْتُ : دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي ، قَالَ : فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ , قُلْتُ : دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي , فَأَبَى. “(سنن ابن ماجة)

“ولقد عَمَّـرَ عبدالله بن عمـرو طويلا، ولمّا تقدمـت به السـن ووَهَـن منه العظـم، كان يتذكر دائما نُصْـحَ الرسول فيقول:  يا ليتني قبلـت رُخصـة رسـول اللـه ”  ( سير أعلام النبلاء )

وقس على ذلك جميع مجالات الحياة وبناء الحضارة الإسلامية والتي قامت بسواعد الشباب من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.

أيها الإخوة الكرام: هذا غيض من فيض، وفي سيرة سلفنا الصالح من الشباب ما يجل عن الحصر، ولكن حسبنا من القلادة ما أحاط بالعنق، وعلى شبابنا وناشئينا الاهتمام والعناية بهذه السيرة المباركة واتخاذهم قدوة؛ حتى يلحقوا بركبهم وينهلوا شيئًا من بركاتهم التي حلت عليهم بفضل جهادهم وعبادتهم، وعلمهم.

وقد قال الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – في تَعداد مَحامدهم وفَضْلهم، ووجوب التأسِّي بأفعالهم الحميدة: “مَن كان متأسِّيًا، فليتأسَّ بأصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فإنهم كانوا أبرَّ هذه الأُمَّة قلوبًا، وأعمقها عِلمًا، وأقلها تكلُّفًا، وأقومها هَدْيًا، وأحسنها حالاً، اختارَهم الله لصُحبة نبيِّه – صلى الله عليه وسلم – وإقامة دينه، فاعْرِفوا لهم فضْلَهم واتِّبعوهم في آثارهم؛ فإنهم كانوا على الهدي المستقيم.”

شباب ذللوا سبل المعالي……….. وما عرفوا سوى الإسلام دينا

 تعهدهم فأنبتهم نباتا ………..كريما طاب فـي الدنيا غصونا

 هم وردوا الحياض مباركات……….فسالت عندهم ماء معينا

 إذا شهدوا الوغى كانوا كماة………. يدكّون المعاقل والحصونا

 وإن جن المساء فلا تراهم …………من الإشفاق إلا ساجدينا

 شباب لم تحطمه الليالي………….ولم يُسلم إلى الخصم العرينا

 ولم تشهدهم الأقداح يوما…………..وقد ملئوا نواديهم مجونا

 وما عرفوا الأغاني مائعات …………ولكن العلا صيغت لحونا

العنصر الثالث: إسهامات الشباب في حياتنا المعاصرة بين الواقع والمأمول

عباد الله: إن من ينظر إلى واقعنا المعاصر يرى الشباب والفتية وشغلهم الشاغل أن يقضوا وقتهم في المحرمات – إلا من رحم الله – في النت والفيس بوك ودور الدعارة والملاهي والمراقص والمخدرات والمسكرات والمعاكسات…..إلخ

فهولاء معاول هدم للحضارة الإسلامية لا أدوات بناء!!

أذكر لكم قصة واقعية حدثت في أحد المساجد الكبرى بالقاهرة ؛ حدثني بها إمام المسجد قائلا: بعد صلاة العشاء قام العمال بغلق أبواب ونوافذ المسجد؛ ودخل أحدهم الحمامات ليطفئ الأنوار؛ وإذا بأحد الحمامات مغلق من الداخل؛ فطرق الباب فلم يجبه أحد؛ فتسلق أحدهم الجدار ونزل الحمام وإذا بشاب في ريعان شبابه أخذ إبرة مخدرات ( مكس ) في كتفه وكانت الجرعة قوية شديدة عليه فمات في حينها ليلقى الله على هذه الحال!!!!

وهكذا شباب العصر يقضون أوقاتهم بألوان المحرمات المختلفة!!! لذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الوقت نعمة من نعم الله على خلقه ولابد للعبد من شكر النعمة وإلا سُلبت وذهبت؛ وشكر نعمة الوقت يكون باستعمالها في الطاعات، واستثمارها في الباقيات الصالحات، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهما؛ قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ ” [البخاري ] ومعنى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ) أيْ الذي يُوَفَّقُ لذلك قليلٌ فقد يكون الإنسانُ صحيحاً، ولا يكون متفرِّغاً لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيًا، ولا يكون صحيحاً ، فإذا اجتمعا – الصحةُ والفراغُ – فغَلَبَ على الإنسان الكسلُ عن الطاعة فهو المغبونُ، والغبنُ أنْ تشتريَ بأضعافِ الثمنِ، وأنْ تبيعَ بأقَلّ مِن ثمنِ المِثْلِ .

أيها الشباب: أنتم مسئولون عن أوقاتكم وشبابكم يوم القيامة، فعن معاذ بن جبل أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ” لنْ تَزُولَ قَدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسْأَلَ عن أَرْبَعِ خِصالٍ عن عُمُرِهِ فيمَ أَفْناهُ ؟ وعَنْ شَبابِه فيمَ أَبْلاهُ ؟ وعَنْ َمالِهِ من أين اكْتَسَبَهُ وفيمَ أنْفَقَهُ ؟ وعَنْ علمِهِ ماذا عمِلَ فيهِ .” [ الترمذي وحسنه الألباني]. وعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ (رضى الله عنه)قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ” اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ “[سنن النسائي].فهذه الأحاديث تشير إلى أهمية الوقت في حياة المسلم؛ لذلك فلابد من الحفاظ عليه وعدم تضييعه في أعمال قد تجلب لنا الشر وتبعدنا عن طريق الخير, فالوقت يمضي ولا يعود مرة أخرى.

أيها المسلمون: عليكم توجيه شبابكم وصبيانكم وأولادكم توجيها إسلاميا رشيدا؛ فقد كان كبار الصحابة رضي الله عنهم يهتمون بالشباب، ويجالسونهم ويصاحبونهم، ويعلمونهم مكارم الأخلاق، ويزرعون فيهم العمل للإسلام، ويُحملونهم ما يليق بهم من المهمات.

فقد رأى عمرو بن العاص رضي الله عنه قوما نَحَّوْ فتيانهم عن مجلسهم فوقف عليهم وقال: ما لي أراكم قد نحيتم هؤلاء الفتيان عن مجلسكم؟! لا تفعلوا، أوسعوا لهم وأدنوهم وحدثوهم وأفهموهم الحديث؛ فإنهم اليوم صغار قوم ويوشكون أن يكونوا كبار قوم، وإنا قد كنا صغار قوم ثم أصبحنا اليوم كبار قوم.

وكان عُرْوَةَ بن الزبير رضي الله عنهما يَجْمَعُ بَنِيهِ فيقول: يا بَنِيَّ تَعَلَّمُوا فَإِنْ تَكُونُوا صِغَارَ قَوْمٍ فَعَسَى أن تَكُونُوا كِبَارَ آخَرِينَ وما أَقْبَحَ على شَيْخٍ يُسْأَلُ ليس عِنْدَهُ عِلْمٌ.

أيها الإخوة: قارنوا هذا الاهتمام البالغ بالشباب من السلف الصالح بتقصيرنا في حق الشباب، وقارنوا بين شباب الصحابة والتابعين وبين شباب اليوم.

إن في الشباب قوة دافعة، وعزيمة ماضية، وحركة دائبة، فإن لم تستثمر فيما يعود على الناس بالخير رجعت بالشر على الشباب أنفسهم، وعلى المجتمع بأسره؛ حتى نُقل عن جمع من الصحابة والحكماء قولهم: الشباب شعبة من الجنون.

لذلك جاء في الحديث: ” إن الله يعجب من الشاب ليست له صبوة ” (رواه أحمد) أي: ليس له ميل إلى الهوى باعتياده للخير، وقوة عزيمته في البعد عن الشر، وهذا عزيز نادر فلذلك قرن بالتعجب؛ وذلك لأن الغريزة تنازع الشباب، وتدعوهم إلى الشهوات والشيطان يزينها لهم، فعدم صدور الصبوة من الشاب هو من العجب العجاب.

أيها المسلمون: فترة الشباب فترة خطيرة تؤرق الآباء والأمهات ولا سيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن والمغريات، واستهدف فيه الشباب والفتيات بأنواع من الشر، وسهل الوصول إليهم بوسائل الاتصال الحديثة التي اقتحمت عليهم غرفهم، وبإمكان أي أحد أن يحادثهم وهم في فرشهم، فصارت الرقابة عليهم لحفظهم من العسر بمكان، ولا سيما أن شباب اليوم قد صار فيهم تمرد وحب استقلال وعزلة وانفراد عن والديهم وأهلهم، ولا سبيل إلى الوصول إليهم إلا بالمعاملة الحسنة، والكلمة الطيبة، والحوار والإقناع كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع الشاب الذي صرح بكل جرأة وصفاقة أنه يريد الزنا؛ فألان النبي صلى الله عليه وسلم القول له، وأحاطه بلطفه، وأقنعه ولم يزجره مع أنه يستأذنه في فعل كبيرة من كبائر الذنوب.

عباد الله: إننا بحاجة إلى أن نربيَ شبابنا تربيةً روحية، وليست تربيةً جسدية بدنية فحسب، فعندما تتم تربية الناشئين تربيةً روحية متكاملة تصفو أرواحهم, وتزكو نفوسهم وتستنير عقولهم، وتستقيم أخلاقهم، وتتطهر أبدانُهم، وذلك لارتباطهم الوثيقِ بربهم عزَّ وجل الذي يراقبهم في كل حركاتهم وسَكناتهم، ويشعرون بأنَّه معهم في كل وقت وفي كل مكان، فإن لم يكونوا يرونه فإنَّه يراهم، فيخافونه ويرجونه ويرهبونه ويطمعون في كرمه, ويتوكلون عليه, ويحسنون الظن به, ويثقون في عونه وهدايته وتوفيقه.

إننا لا نريد إلا شباباً طامحين، لا يرتضون إلا ذرى الجبال مطيةً لهم، وجسرَ التعب ليصلوا من خلاله إلى الراحة الكبرى، إلى رياض الخير والبركة، ونريدُ شباباً على طريق الهدى والتقى سائرين، وبنهج سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم مقتدين، ولا نريد شباباً ينطبق عليهم قول الشاعر:

شبابٌ  قُنَّع  لا  خيرَ  فيهم…………وبُورك في الشباب الطامحينا

وختاما: إليك أخي الشاب هذه التوجيهات والنصائح من أجل بناء حضارتنا الإسلامية:

1- على الشاب أن يعرف دينه ، ويمتثله في سلوكه وعمله ، ويكون على قناعة تامة به ، ولا يلتفت لأقوال الحاقدين والمشكيين ، ولعلم أن دينه أفضل دين ، وعليه أن يسخر ما أودعه الله من قوة ونشاط في خدمة هذا الدين .

2- على الشاب أن يعلم أن أمته هي خير أمة، وأن هذه الخيرية ثابتة لها ما دامت متمسكة بدينها، ويعلم أن أمته بقيت دهراً طويلاً رائداً للعالم ، وأنه يجب أن تبقى لها هذه الريادة، وذلك لا يتحقق إلا بالالتزام بتعاليم الإسلام.

3- على الشاب أن تكون همته بعد إصلاح نفسه إصلاح الآخرين ، وتعبيد الناس لرب العالمين ، وليحذر أن يكون داعية سوء ، يكون عليه وزر نفسه ، ومن أوزار الآخرين.

4- على الشاب أن يعرف ما لوطنه وولاة أمره من الحق ، فهو بلد الإسلام الذي ولد فيه ، وعلى أرضه نشأ ، وأن عليه لولاة أمره الطاعة في المعروف ، وليحذر أن يكون آلة يستخدمها الأعداء لهم الأمة من داخلها ، والإفساد في الوطن .

5- على الشاب أن يكون دائماً الارتباط بالله تعالى ، من خلال أداء الصلاة في وقتها ، وكثرة الذكر والدعاء ، والاستعانة به في جميع الأمور ، والتوكل عليه ، والمحافظة على الأوراد المشروعة كأذكار الصباح والمساء ، والدخول والخروج ، والركوب ، ونزول المكان…. وغير ذلك .

6- على الشاب أن يعلم أن قدوته الحقيقة هو محمد صلى الله عليه وسلم ، وليحذر من التقليد الأعمى الذي يفقده شخصيته وتميزه .

7- على الشاب أن يحافظ على رجولته ، ويتجنب كل ما من شأنه أن يضعفها من ميوعة وتكسر ، وتشبه بالنساء ، وغير ذلك .

8- على الشاب أن يصبر على مشقة فعل الطاعة ، وترك المعصية ، حتى تستقيم نفسه على ذلك وتستلذ به ” فإن الخيرة عادة ” (جزء من حديث رواه ابن ماجه في المقدمة وابن حبان في صحيحه) وعليه أن لا يتأثر بمن يسخر منه أو يلمزه ، فقد قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ } (المطففين: 29).

9- على الشباب أن يستشعوا بأنهم آباء المستقبل ، فلابد أن يعدوا أنفسهم لتربية أبنائهم التربية الصحيحة ، فليسلحوا أنفسهم بالعلم والأدب .

10- وعلى الشاب إذا أراد أن يروح عن نفسه أن يلتزم بالحلال ، ويتجنب الحرام ، فإن في الجلال غنية عن غيره ، وإن عاقبة الحرام وخيمة ، وليكن من دعائه :” اللهم اكفني بحلالك عن حرامك ، وأغنني بفضلك عمن سواك ” (رواه الترمذي وقال حديث حسن ).

11- على الشباب أن يكونوا حذرين من الأفكار الهدامة حتى ولو كان ظاهرهاً الصلاح والإصلاح؛ فلا يقبلوا فكرة إلا بعد عرضها على العلماء والأساتذة حتى لا يقعوا فريسة في أيدي دعاة الباطل.

فعلى شبابنا الذين نريدهم اليوم، أن يقتدوا بشباب الصحابة رضي الله عنهم، ويسيروا على نهجهم، ويهتدوا بهديهم، عملاً وسلوكاً وحياةً وكفاحاً… حتى تشرقَ شمسُ عزّتنا وكرامتنا من جديد.

فالشاعر وليد الأعظمي يطلب من الشباب عودة إلى تعاليم الإسلام، لأنهم روحه ويسود بهم؛ يقول:

شبابَ الجيل للإسلام عودوا ………..فأنتم  روحُه  وبكم   يسود

وأنتم   سرُّ   نهضته    قديماً…………وأنتم فجرُهُ الزّاهي  الجديد

عليكم بالعقيدة  فهي  درعٌ …………نصون  به  كراماتنا   حديدُ

أسأل الله العظيم ربَّ العرش العظيم أن يرزق الأمة شبابًا كصحابة رسول الله؛ ليستأنفوا إعادة بناء تاريخ الأمة المجيد.

كتبه : خادم الدعوة الإسلامية

د / خالد بدير بدوي

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى