خطبة الأسبوع

خطبة بعنوان ” تصدي الإسلام للفساد بكل صوره وأشكاله” للشيخ عبد الناصر بليح

” تصدي الإسلام للفساد بكل صوره وأشكاله”

فضيلة الشيخ / عبد الناصر بليح – رئيس قطاع التفتيش العام بالوجه البحري – بوزارة الأوقاف .

 لتحميل الخطبة بصيغة word إنهي-الإسلام-عن-الفساد

الحمد لله الغني الحميد ، الواسع الكرم ذي الخير المديد ، يسأله من في السماوات والأرض وقد تكفل بشؤون العبيد ، فسبحانه من إله كريم ، وسع كل شيء رحمة وعلماً ، وتبارك من أولى عباده عفواً ومغفرة وحلماً. ً
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، في جميع النعوت والصفات ،
ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل الرسل وخير المخلوقات ،
اللهم صل وسلم ، وبارك على محمد وعلى آله وأصحابه أولي الفضائل والكرامات .
أما بعد:

فيقول الله تعالي :” “ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ “( الروم/ 41) .

أخوة الإيمان والإسلام :

الفساد في معاجم اللغة هو من ” فسد ” ضد صَلُحَ و” الفساد ” لغة البطلان، فيقال فسد الشيء أي بطُلَ واضمحل، ويأتي التعبير على معانٍ عدة بحسب موقعه .

ويعرف معجم أوكس فورد الإنكليزي الفساد بأنه ” انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة “. وقد يعنى الفساد : التلف إذا ارتبط المعنى بسلعة ما وهو لفظ شامل لكافة النواحي السلبية في الحياة.

** أنواع الفساد :

يصنف الفساد في الأنواع التالية :

** الفساد الإداري : إساءة استخدام السلطة العامة  لأهداف غير مشروعة كالرشوة، الابتزاز، المحسوبية، والاختلاس. .ومخالفة القواعد والأحكام المالية التي تنظم سير العمل الإداري والمالي في المؤسسة.

لذلك وقف الإسلام  من تنظيم هذا الأمر موقفاً عظيماً فأمر ولاة الأمور بالرفق برعاياهم ونصيحتهم والشفقة عليهم والنهي عن غشهم والتشديد عليهم وإهمال مصالحهم والغفلة عنهم وعن حوائجهم

قال اللَّه تعالى: ”  وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )”   الشعراء).

وقال تعالى:  “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ “(النحل/90(.

وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال : سمِعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : ” كُلُّكُم راعٍ ، وكُلُّكُمْ مسئول عنْ رعِيتِهِ : الإمامُ راعٍ ومسئول عَنْ رعِيَّتِهِ ، والرَّجُلُ رَاعٍ في أهلِهِ ومسئول عنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالمَرأَةُ راعيةٌ في بيتِ زَوجها ومسئولة عَنْ رعِيَّتِها ، والخَادِمُ رَاعٍ في مال سَيِّدِهِ ومسئول عَنْ رَعِيتِهِ ، وكُلُّكُم راع ومسئول عَنْ رعِيَّتِهِ “( متفقٌ عليه) .

 وعن أبي يَعْلى مَعْقِل بن يَسَارٍ رضي اللَّه عنه قال : سمعتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : “ما مِن عبدٍ يسترعِيهِ اللَّه رعيَّةً ، يَمُوتُ يومَ يَموتُ وهُوَ غَاشٌ لِرَعِيَّتِهِ ، إلاَّ حَرَّمَ اللَّه علَيهِ الجَنَّةَ » متفقٌ عليه .

وفي روايةٍ : « فَلَم يَحُطهَا بِنُصْحهِ لم يجِد رَائحَةَ الجَنَّة “.

وفي روايةٍ لمسـلم : « ما مِن أَمِيرٍ يَلِي أُمورَ المُسلِمينَ ، ثُمَّ لا يَجهَدُ لَهُم ، ويَنْصحُ لهُم، إلاَّ لَم يَدخُل مَعَهُمُ الجَنَّةَ » .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول في بيتي هذا : « اللهم من وَلي من أمر أُمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه ، ومن وَلِيَ من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به » رواه مسلم .

 وعن أبي مريمَ الأَزدِيِّ رضي اللَّه عنه ، أَنه قَالَ لمعَاوِيةَ رضي اللَّه عنه : سَمِعتُ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول : ” من ولاَّهُ اللَّه شَيئاً مِن أُمورِ المُسلِمينَ فَاحَتجَبَ دُونَ حَاجتهِمِ وخَلَّتِهم وفَقرِهم ، احتَجَب اللَّه دُونَ حَاجَتِه وخَلَّتِهِ وفَقرِهِ يومَ القِيامةِ ” فَجعَل مُعَاوِيةُ رجُلا على حَوَائجِ الناسِ . ( أبو داودَ ، والترمذي) .

**الفساد المالي :وهو ما يتعلق بكل أنواع الفساد في المعاملات سواء في العمل الحكومي أو الأهلي ..من الاختلاس والرشوة وبيع الذمة ..  فتنتشر الرشوة بكل مظاهرها سراً وجهراً بين أصحاب النفوس الضعيفة فتضيع الحقوق وتختل موازين العدل بين الناس، ولهذا فسدت ضمائر كثير من الموظفين، فتجد المظلوم يصبح ظالماً وصاحب الحق يصبح معتديا وباذل الرشوة يصبح صادقا محقا ناهيك عن اختلاس الأموال العامة بمجرد الحصول عليها بأي سبيل إذ لا رادع يردعه عن ذلك. أما الفساد المالي، والسرقة ، وبيع الضمير، والمتاجرة بالأمانة، وغيرها فهي لا تحظى بنفس مستوى الرفض الذي يحظى به الفساد الأخلاقي؛ بل قد يُصنف الفساد المالي، والمتاجرة بالأمانات ، عند البعض ، على أنه ذكاء وفطنة وحسن تدبير ، وتجد المحتال يقبل على نفسه هذا النوع من الفساد ، لكنه يثور غضباً لو اتهمته بتهمة أخلاقية .

عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صلي الله عليه وسلم قال: ” ليأتيَنَّ على الناس زمان لا يُبالي المرء بما أخذ المال، أمِنْ حلال أم من حرام”(البخاري(.

وعند هؤلاء الآخذين غير المبالين أنَّ الحلال ما حلَّ في اليد، والحرام ما لم يصل إليها، وأما الحلال في الإسلام، فهو ما أحلَّه الله ورسوله صلي الله عليه وسلم ، والحرام ما حرَّمه الله ورسوله صلي الله عليه وسلم.

وقد ورد في سنَّة الرسول صلي الله عليه وسلم  أحاديث تدلُّ على منع العمَّال والموظفين من أخذ شيء من المال ولو سُمِّي هدية، منها حديث أبي حميد الساعدي قال: ” استعمل رسول الله صلي الله عليه وسلم  رجلاً من الأسد، يُقال له: ابن اللتبيَّة على الصدقة، فلمَّا قدم قال: هذا لكم، وهذا لي أُهدي لي، قال: فقام رسول الله * على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم، وهذا أُهدِيَ لي؟! أفلاَ قعدَ في بيت أبيه أو في بيت أمِّه حتى ينظرَ أيُهدَى إليه أم لا؟! والذي نفسُ محمد بيده! لا ينال أحدٌ منكم منها شيئاً إلاَّ جاء به يوم القيامة يحمله على عُنُقه، بعير له رُغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعَر، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتَي إبطيه، ثم قال: اللَّهمَّ هل بلَّغت؟ مرَّتين “( البخاري ومسلم (.
وعن أبي هريرة قال: ” قام فينا رسول الله صلي الله عليه وسلم ذات يوم، فذكر الغلولَ فعظَّمه وعظَّم أمرَه، ثم قال:لا ألفينَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء، يقول: يا رسول الله!

أغِثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً؛ قد أبلغتك،

لا ألفينَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرسٌ له حَمحمة، فيقول: يا رسول

الله! أغِثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً؛ قد أبلغتك،

لا ألفينَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء، يقول: يا رسول الله!

أغِثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً؛ قد أبلغتك،

لا ألفينَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح، فيقول: يا رسول الله!

أغِثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً؛ قد أبلغتك،

لا ألفينَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق، فيقول: يا رسول الله!

أغِثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً؛ قد أبلغتك،

لا ألفينَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت، فيقول: يا رسول الله! أغِثني،

فأقول: لا أملك لك شيئاً؛ قد أبلغتك )(أحمد).

 

**الفساد الأخلاقي: والمقصود به ارتكاب واحدة أو أكثر من جرائم الكذب والخيانة والتزوير والسرقة والقتل وانتهاك حقوق الناس وأعراضهم ، وتوجيه المجتمع باتجاه الفساد والانحلال الأخلاقي وغيره  وقد تمّ اختزال ” الفساد ” وحصره في علاقة الرجل المحرمة بالمرأة، وكل ما يقود ولو على سبيل الاحتمال البعيد إلى هذه العلاقة ، وتهميش أي معنى للفساد يخرج عن هذا المفهوم ..

ارتباط الفساد بالأخلاق :

وكلمة ” فساد ” مرتبطة في الذهن أساساً بالفساد الأخلاقي

وتعد ظاهرة الفساد ظاهرة قديمة في المجتمعات الإنسانية لا تقتصر على شعب دون غيره .. أو دولة دون أخرى .. أو ثقافة دون ثقافة ..

وبالرغم من أن الأسباب الرئيسة لظهور الفساد وانتشاره متشابهة .. إلا أننا يمكننا ملاحظة التفاوت في تفسير ظاهرة الفساد وتقييمها من شعب لآخر، تبعاً لاختلاف الثقافات والقيم السائدة في كل مجتمع ..

إن من أهم المبادئ السامية التي دعا إليها الإسلام وشدد عليها بقوة التحلي بمكارم الأخلاق التي تكسبه احترام ه لنفسه و احترام ومحبة الآخرين له .

** “الإسلام يدعو إلى حسن الخلق”

الأخلاق جمع خُلُق، والخُلُق اسم لسجية الإنسان وطبيعته التي خُلِق عليها وسمي بذلك لأنه يصير كالخلقة فيه .. والفساد الأخلاقي هو اختلال هذه السجية أو الخِلقة..

وقد جاء الدين الإسلامي ليحافظ على هذا الخلق بمنهج يهدي إلى التي هي أقوم؛ لتصحيح العقائد.. وتهذيب النفوس، وتقويم أخلاقها، وإصلاح المجتمعات الإنسانية، وتنظيم علاقاتها، ونشر الخير والفضيلة بين البشر، ومحاربة الشر والرذيلة، وإعدام روح الفساد حتى لا يتمكن من التسلل إلى صفوفها؛ لذا فقد كانت الأخلاق الكريمة والفضائل والقيم السامية من أسمى ما دعا إليه الإسلام، وبعث من أجله الرسل والأنبياء ..

قال تعالى يصف رسوله الكريم : ” وإنك لعلى خلق عظيم “

وقال صلى الله عليه وسلم: “عليكم بمكارم الأخلاق، فإن الله عزَّ وجلّ بعثني بها”.

وقال أيضاً: “إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق”. وقال صلى الله عليه وسلم: ” البر حُسن الخلق “وقال : ” إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً ” وقال: ” إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ” وقال عليه الصلاة والسلام : ” أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه ” وقال : ” إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسانكم أخلاقاً ” وقال : ” ما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخُلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيّ ” ( الترمذي).

وهذا إن دلَّ على شي‏ء فإنما يدل على أن الأخلاق الكريمة هي الهدف الأسمى من الرسالات السماوية .. لقد جاء المبعوثون بكثير من هذه الأخلاق وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارمها .. وإذا كانت مكارم الأخلاق هدف الأنبياء فمعنى ذلك أن تكامل الإنسان هو الهدف الأسمى من خلقه و لا يكون إلاَّ بواسطة التحلّي بهذه الأخلاق ..

كما ينشأ عن فساد الأخلاق الاحتكارات المحرمة شرعا والإثراء عن طريقها وكذا تهريب المخدرات للحصول على المال من جهة، ولإفساد حياة المسلمين من جهة أخرى، لأن فساد الأخلاق هو فساد الفضائل، قال شوقي:

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت      فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

من المسئول عن الفساد الأخلاقي .. ؟

وأول مسئول عن الفساد الأخلاقي هو الأسرة: باعتبارها الحجر الأساس والدعامة القوية والمدرسة الأم التي يتلقى فيها الإنسان التربية الحسنة ويتعرف من خلالها على الجيد والسيئ والصالح والطالح والواجب والممنوع والمسموح والمرفوض ..وغير ذلك من الأمور، لكنها قد تصبح سبباً رئيسياً في ضياع هذا الإنسان عندما يغيب عنها الوازع الديني وتنعدم فيها شروط الإحساس بالمسؤولية والأمن والسلام داخل الأسرة والمجتمع ، باعتبار الأسرة مجتمع صغير يهيؤنا للتعامل والتعايش في المجتمع الكبير ..

 وأصدقاء السوء الذين يجرون الأصدقاء للرزيلة والأخلاق السيئة ..

ولا ننس مشاهدة القنوات الفضائية الماجنة التي أغلبها مشاهد ومغريات تخل بالمبادئ والأخلاق الفاضلة وتنسي الإنسان تعاليم الدين الإسلامي ، وتفقده احترامه وكرامته ، وتبعده عن طريق الحق والفضيلة ..

كما أن التشبه بالغرب في عاداتهم وفي طريقة عيشهم ولباسهم وكلامهم وتعاملهم وتصرفاتهم اللامشروطة ، باسم الحضارة والتقدم ، من الأخطاء الكبيرة جدا التي تفسد الأخلاق والمجتمعات وتفقدنا المصداقية وكرامة الانتماء ..

هده الأسباب وغيرها ، تساهم في تفشي الفساد الأخلاقي والرذيلة في المجتمع ويكون لها أثر كبير على الأفراد والجماعات .. كيف تريد لأمة أو شعب أن يتقدم وهو يعاني من الانحلال الأخلاقي وعدم استشعار أبنائه المسؤولية اتجاه أنفسهم ووطنهم .. !؟ إنه لمن المؤكد أن فساد الأخلاق يؤدي إلى شيوع الفاحشة والزنا والظلم والسرقة والإجرام والابتزاز والتحايل الاقتصادي والسياسي بكل أنواعه .. الفساد الأخلاقي هو أساس فساد الحكم والإدارة في المجتمعات .. هو أساس كل المتناقضات في كل المجالات .. وهو أساس تفشي الفقر والمجاعة ..

وقد ساهمت التكنولوجيا مساهمة كبيرة في تفشي الفساد الأخلاقي وآلياته ، وتطور سبله .. فالشبكة العنكبوتية أصبحت دارا للدعارة .. لا رقابة عليها .. حرية بشعة تنتهك حرمات البيوت دون إحساس بالذنب أو شعور بجسامة الخطأ والخطيئة ..

**الفساد الأخلاقي وأثره على المجتمع

إن الفساد الأخلاقي الذي تشهده مجتمعاتنا ما هو إلا نتاج الفرد نفسه؛ ففساد المجتمع لا يتكون في لحظة واحدة ولكن يبدأ في فرد أو جماعة صغيرة وقد يكون السبب في ذلك الجهل أو الفهم الخاطئ للعادات والأعراف والقوانين المتبعة او للتحرر من قيود المجتمع وفرض السلطة. ونتيجة ذلك :”

 **  انتشرت محلات الخمور التي تزكم الأنوف تحت حماية القوانين الوضعية – وما دامت الخمر أم الخبائث فماذا تتوقع من وجود الخبائث التي شب عليها الصغير وشاب عليها الكبير، ولك أن تسأل عن عدد المجرمين وعدد المجانين والمعتوهين، وكم عددهم في المستشفيات وفي السجون، إنها أعداد تبعث الرعب والأسى على مستقبل هذه البشرية.

   ** وانتشر الزنا بصورة تتنزه عنها الحيوانات، وظهر عالم من الأولاد غير الشرعيين، وبنيت بيوت الدعارة علنا وتحت حماية القانون، بل وصارت بعض الحكومات السافلة تطلب من الزانيات زكاة مال فروجهن من البغاء، ولم يسمعوا قول الشاعر:

ومطعمة الأيتام من كسب فرجها*** لك الويل لا تزني ولا تتصدقي

ووجدت في بعض مطارات الدول الإسلامية   بطاقات لدعوة السياح إلى كيفية معاشرة الزانيات، ووجوب التأكد من صلاحية بطاقاتهن الشخصية خوفاً من مرض الإيدز؟ ! !، وقد جاء في الحديث الشريف ما معناه أنه ما انتشر الزنا في قوم إلا سلط الله عليهم عقابا لم يكن في أسلافهم، وقد عرفنا هذا العقاب في زماننا إنه مرض نقص المناعة ” الإيدز” الذي جعلهم يجرون جثث موتاهم إلى المقابر كل يوم دون أن يجدوا له الدواء المضاد، ولن يجدوا إن شاء الله إلى أن تتطهر الأرض من رجسهم رغم تبجحهم بأنهم وصلوا في القوة إلى حد أنهم يخلقون الخلق عن طريق التناسخ وإلى حد أنهم يستطيعون إجبار السحاب على إنزال ما به من المطر في المكان الذي يريدون.. إلى آخر غرورهم.

   ** وانتشر الربا وعاد الناس إلى تطبيق العقيدة الجاهلية الأولى فيه حيث كانوا يقولون إنما البيع مثل الربا، فقامت البنوك الربوية  تحت مسميات مختلفة خادعة ودعايات براقة   مع أن هذه الحيل قد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عنها مبكرا حيث ذكر أنه سيأتي أقوام يستحلون الخمر والحرير والمعازف ويسمونها بغير اسمها   ، وهذا هو الحاصل في زماننا،

** دخل إباحة الزنا تحت تسمية ” الحرية الشخصية “،

 ودخل إباحة الربا تحت تسمية ” الفائدة”،

 ودخل قتل كبار السن ومن لا يريدونه تحت تسمية ” الموت الرحيم”،

 ودخل رفض الدين وتركه تحت تسمية ” حرية الأديان ” أو “حرية التدين”،

ودخلت قلة الحياء ونبذ الحشمة تحت تسمية ” التقدم” وترك الماضي،

 ودخلت أشياء وأشياء كثيرة لا تحصى تحت تسميات كاذبة وعناوين خادعة،

 ويا ويل البشرية من شر أشرارهم.


الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين أما بعد :

فلازلنا نواصل الحديث حول تصدي الإسلام للفساد بكل أنواعه( الإداري والمالي والأخلاقي).

فقد انتشرت ظواهر سيئة في جميع نواحي الحياة من غش وكذب وجشع لا حد له واستغلال القوي للضعيف، وماتت – أوفي طريقها – أخلاق وفضائل كانت عند الناس في قمة أولوياتهم، كفضيلة الكرم، والإيثار، والتواضع، والشهامة… وأخلاق كثيرة لم يعد لها وجود في أذهان كثير ممن مسخت فطرهم المذاهب الفكرية الضالة  ..  ولم يعد للرحمة مكان ..ولم يعد للعدل والإنصاف أي مكان يحط رحاله فيه – إلا القليل – وذهب حتى ذكر أولئك الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة – وجاء الجيل الذي لا يأكل الوالد في مطعم ولده أو الولد في مطعم أبيه إلا بدفع القيمة نتيجة حتمية لإعراضهم عن هدي الله عز وجل واتباعهم لأهواء الضالين وقراصنة المال الذين لا يتكلمون إلا في المال، ولا يضحكون إلا للمال ولا يعملون إلا للمال، ولا يعطون شيئا إلا ليأخذوا ما هو أثمن منه، وحق للضعفاء والفقراء أن ينشدوا مع الشاعر قوله:

ذهب الذين إذا رأوني مقبلا ً            هشوا إليّ ورحبوا بالمقبل

 وبقيت في خلف كان حديثهم    ولغ الكلاب تهارشت في المنزل

**وجاء الجيل الذي يستحل المال العام ويأكل السحت تحت مسمي حقي من الدولة فيستحل سرقة المياه والكهرباء ويقوم بتبذيرها دون ترشيد نفقات واستهلاك فيقوم بإضاءة أفرع الكهرباء في العرس من أعمدة الإنارة ويضع أمام محله لافتات مضيئة من خارج العداد وهو يعلم أنه سارق للمال العام ولكنه يستحله في صورة أخري ..وبحجة أم الناس شركاء في “الماء والعشب والنار”

ولا بد أن يُعلم أن سارق الماء والكهرباء يعتبر من آكلي أموال الناس بالباطل، ومن خائني الأمانات، وأن ذلك المال الذي لم يدفعه ثمنًا للماء والكهرباء ما هو إلا سحت، قال تعالى:”إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا”(النساء:58)، وقال:”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا”(النساء:29)،

 وقوله تعالى: “لوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ” [المائدة:63]، قال أهل التفسير في قوله تعالى: “أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ” أي الحرام، وسمي المال الحرام سحتًا، لأنه يسحت الطاعات أي يذهبها ويستأصلها، (انظر تفسير القرطبي 6/183).

وخلاصة الأمر أنه يحرم شرعًا سرقة الماء والكهرباء، وأنه لا يصح الاعتماد على قول النبي صلى الله عليه وسلم: “المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار(ابن ماجة بإسنادٍ صحيح).

 لأن المقصود بالحديث هو ما لم يُملك، والماء والكهرباء يجري عليهما المِلك، كما هو متعارف عليه، ولا يجوز الاحتجاج في هذا المقام بفعل بعض الناس الذين يسرقون، وقد صح في الأثر من قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “لا تكونوا إمعة، تقولون إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا”

 والعلاج هو العودة إلي منهج الله عز وجل وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم :”   فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ  وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (  الذاريات/50-51).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى