خطبة بعنوان: حرية المرأة في الإسلام، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح، بتاريخ 9 جمادى الآخرة 1437هـ- 18 مارس 2016م.
خطبة بعنوان: حرية المرأة في الإسلام، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح، بتاريخ 9 جمادى الآخرة 1437هـ- 18 مارس 2016م.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
الحمد لله رب العالمين ، حمد الذاكرين الشاكرين الموحدين بالله رب العالمين .. الحمد لله الذي قدر المواريث في كتابه المبين .. وأمر بإلحاقها بأهلها عن طريق رسوله الأمين ..
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له … أنزل الشريعة هدى للناس ورحمة وجعلها طريقاً واضحاً لسعادة الدارين في الدنيا والآخرة..
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبد الله ورسوله القائل :” ” الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم لا تكلفوهم ما لا يطيقون ، الله الله في النساء فإنهن عوان في أيديكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله “ (النسائي وابن ماجة). اللهم صلى وسلم عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد
فيا جماعة الإسلام ..
يقول الله تعالي :”يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ “( الحجرات /13].
أخوة الإيمان والإسلام ..
من تعقيدات الحضارة الحديثة أن صار للمرأة قضية يكثر حولها الجدل والنقاش والأخذ والرد ، فهؤلاء أعداء الإسلام الذين ينادون بتحرير المرأة ويثرن الضجيج حول الظلم الواقع بها حتى أنه ليخيل إليك أن هناك معسكرات للاعتقال تساق إليها المرأة في القيود والسلاسل حيث تسجن وتعذب وتضرب وعندما تحاول معرفة ذلك لا ترى شيئاً .
وحديثنا إليكم اليوم عن حرية المرأة في الإسلام وقبل الحديث عن هذا الأمر لابد أن نلقي نظرة سريعة حول ما يتصل بالمساواة بين الرجل والمرأة في تشريع الإسلام : فهذه قضية ترددت فيها كل القوانين والأنظمة البشرية وما زالت تتردى معها أحوال المرأة بالرغم من التقدم الهائل الذي أحرزته الدولة التي تدعي التقدم والمدنية : وإذا نظرنا لوجدنا أنه لا يتحقق للمرأة تلك المساواة الحقيقية إلا في ظل الإسلام : فالمرأة مساوية للرجل فيما يلي :
1- في أصل الخلقة “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ “(الحجرات /13).
2- وفي القيمة الإنسانية : حيث لا تفاضل بين الجنسين في الإسلام إلا في ميزان التقوى “إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ”( الحجرات /13).
3- الثواب والعقاب الإلهي : “مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ “( النحل /97).
4- في المسئولية الجنائية كذلك “وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ “( المائدة /38).
وكل ما يترتب على هذه الأسس للتساوي فهما فيه سواء لا فرق لأحدهما على الآخر وفيما عدا ذلك تبقى الخلافات والفوارق الخلقية بين الرجل والمرأة .
ما يتصل بحرية المرأة :
فالمرأة في نظر الإسلام ليست كماً مهملاً ولا جسداً يباع ويشترى ولا هي سقط متاع ولا هي مخلوق نجس ولا هي نذير شؤم ونحس ولا هي تقتل مع زوجها إذا مات ولا هي تدفن حية وهو ما يسمى بالوأد كما كانوا ينظرون إليها قبل الإسلام . كما أنها ليست وسيلة إمتاع وتسلية المجتمع للرجال كما هو مشاهد في بعض المجتمعات المعاصرة.
ولنستعرض بإيجاز بعض ملامح حرية المرأة في الإسلام :
1) حرية العقيدة
فللمرأة كامل حريتها في العقيدة التي تحب أن تعتنقها بمعنى أنه ليس من مبادئ هذا الدين إجبار المرأة غير المسلمة وكذلك الرجل غير المسلم على اعتناق دين الإسلام فهي إما أن تعتنقه بمحض إرادتها وكامل حريتها واقتناعها وإما أن تظل في مجتمع المسلمين على عقيدتها وتعامل معاملة الذميين “لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” ( البقرة /256). لكن إذا اعتنقت الإسلام ليس لها أن تعدل عنه إلى غيره وإلا اعتبرت مرتدة وتعامل معاملة المرتدين عن الإسلام ، فهي إن تزوجت بمسلم وأحبت أن تظل على ديانتها اليهودية أو المسيحية فلها ذلك وليس لزوجها إجبارها على الدخول في الإسلام .
:” الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ “( المائدة /5).
2) حريتها في زواجها إنشاء وإنهاء :
بمعنى أنه عند تزوج المرأة لابد من موافقتها على الزواج من هذا الرجل الذي يريد الزواج منها ولابد أن تكون هذه الموافقة صريحة لا إكراه فيها ولا إجبار .
ففي الحديث الشريف :” لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن “ (البخاري)..
وروى أن فتاة إلى النبي r فقالت : إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع به خسيسته ” يغطي نقصه وفقره ” قال فجعل الأمر إليها فقالت قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء شيء “(النسائي وابن ماجة).
3) رؤية خاطبها
وقد أعطاها المشرع حق رؤية خاطبها ، وتعرفه معرفة يقينية وتعرفه وتقتنع به وبإمكان الحياة معه ولولا حق الرؤية والمعرفة لكانتا هذه الموافقة شكلية وبلا مضمون وإذا لم توافق وامتنع إتمام هذا الزواج الذي لا ترغب فيه المرأة.
4- اختيار الرجل الصالح :
وللمرأة الحق في اختيار الرجل الصالح وأرشد الإسلام إلى هذا الأمر فقال r ” إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير “ (الترمذي).
وأية فتنة أن تقع الفتاة المؤمنة المتدينة في عصمة رجل متحلل أو زوج ملحد لا يرغب في مؤمنة إلاً ولا ذمة ولا يقيم للشرف والغيرة والعرض وزناً ولا اعتباراً وأيه فتنة أعظم على المرأة الصالحة من أن تقع في عصمة زوج إباحي فاجر يكرهها على السفور والاختلاط ويجبرها على شرب الخمر ومراقصة الرجال .
اختيار على أساس الأصل والشرف زكما حث الإسلام الرجل على أن يختار زوجته أصيلة وشريفة ومتدينة أعطى أيضاً للمرأة هذا الحق ولقد نوه النبي r عن اختلاف معادن الناس حين قال :” الناس معادن في الخير والشر خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا “ ولهذا حض عليه الصلاة والسلام كل راغب في الزواج أن يكون الانتقاء في الزواج على أساس الأصالة والشرف والصلاح والطيب .
5- المهر :
كما أعطى الإسلام حرية للمرأة في أن تأخذ المهر تكريماً لها وإيناساً لوحشتها تلبية لغريزة حب التملك المتأصلة فيها وإعانة لها على الانتقال إلى حياة الزوجية حيث تتملك ما يزوق لها .
قال تعالى :”وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً”( النساء /4). فللمرأة أن تأخذ مهرها سواء كان قليلاً أو كثيراً حسب الحالة ونهاها الإسلام أن تبالغ في ذلك حين قال رسول الله r أعظم النساء بركة أيسرهن صداقاً” (أحمد والبيهقي ). هذا المهر أو الجهاز تملكه المرأة كما تملك أي مال لها وليس لزوجها الحق في الولاية عليه كله ولا بعضه”.
وللمرأة الحق في زواجها إنشاءً وعرفنا ذلك . ولها الحق في زواجها إنهاءً بمعنى أن المرأة إذا تزوجت واكتشفت أن هذا الزواج لا يمكنها الحياة في ظله أو أن الحياة بعد فترة انقلبت بين الزوجين إلى شقاء وجحيم أو غير ذلك من الصور وطلبت المرأة من الزوج أن يفترقا فأبى : هنا لا يقبل الإسلام أن يكره المرأة على البقاء مع مثل هذا الرجل الذي لا يرضاه ولا تحب البقاء معه فيعطيها حرية حرية إنها هذا الزواج ، نعم يعطيها حرية إنهاء هذا الزواج بنفسها وهو ما يسمى بالخلع ” :
وصورته أن تفتدي المرأة نفسها من زوجها على مال يأخذه منها سواء كان هو المهر الذي دفعه لها أو أقل منه أو كثر أو غير ذلك ثم يخلعها وبذلك تكون حرة من هذه الزيجة التي لا تحب الاستمرار فيها ولو امتنع ذلك اجبر قانوناً “.
:”الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ “( البقرة /229).
ويروى أنه قد جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى رسول الله r فقالت يا رسول الله : ثابت بن قيس ما عبت عليه في خلق ولا دين ولكني أكرهه في الإسلام فقال رسول الله r : أتردين عليه حديقته ؟ قالت نعم قال رسول الله r : اقبل الحديقة وطلقها تطليقه “ (البخاري).
6) حسن العشرة : المولى عز وجل بين لنا أن الناس جميعاً من نفس واحدة ألا وهو آدم وخلق منها زوجها ألا وهى حواء وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً وأمرنا بالتقوى لنتذكر أنه لا فرق بين النفسين أو الجنسين طالما هما من نفس واحدة ويتضح لنا ذلك جلياً في قول المولى عز وجل “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ “ [ الروم /21] فقرر لنا أنه لابد أن نتذكر جيداً بأن الزوجة من نفسك وخلقت منك لا من غيرك مما يؤكد لنا أن قوام الأسر رجل وامرأة جعل الإسلام علاقة الزوجين بينهما أكرم العلاقات الإنسانية وأسماها وقد أحاط الإسلام هذه العلاقة المقدسة بإرشاداته الكريمة وتوجيهاته الحكيمة مبيناً كل الحقوق بين كل من الزوجين على الآخر حتى يلتزمها ويسير عليها فتكون بذلك أسرة ترفرف عليها السعادة والاستقرار والأمن..
وقد أوصى الإسلام الرجل أن يكون مع زوجته حسن العشرة لين الجانب طيب الخلق كريم المعاملة ، فإن المرأة إنسان لها رأي وعقل وكيان وهي شريكة في إدارة المنزل ، وتربية الأولاد وتدبير العيش والقرآن الكريم يرشد إلى حسن العشرة في قوله ” وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً “( النساء /19).
وحسن العشرة يقتضي عدم إهانتها وإيذائها إذا بدا بعض هفواتها والنبي r يقول :” لا يفرك أي لا يكره المؤمن مؤمنة فإن كره منها خلق رضي منها آخر “ (مسلم وأحمد).
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أشرف الخلق أجمعين .
أما بعد :” فيا عباد الله ..
7– حق التملك والميراث :
وللمرأة حق التملك وحريتها في التصرف فيما تملكه ولا سلطان لأحد ولا ولاية عليها تحول بينها وبين والدها أو أخيها أو زوجها أو ابنها في هذه التصرفات المالية إلا إذا أدت إلى خروجها عن طاعة الله أو طاعة زوجها أو الإهمال في حقوقه عليها فله أن يقومها في هذه الحال قال تعالي :” لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً “( النساء /7).
وقد جاءت هذه الآية لتقرر أمر التكافل الاجتماعي بين الناس فقد كانوا في الجاهلية لا يورثون البنات ولا الصبية الصغار في الغالب لأن هؤلاء لا يركبون الفرس ولا يردون العدو وجاء الإسلام ليرد على هؤلاء بأن كفل لكل إنسان حقه في مال أبيه أو مورثه طالما أنه قريب ومكلف بإعالته إذا احتاج فالعدل أن يرثه .
أخوة الإيمان :
بين المولي عز وجل ” الميراث الشرعي ” الذي شرعه لنا وجهله كثير من الناس اليوم وأخشى أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء إلى ما قبل الإسلام وما كان عليه أمر الجاهلية .. فكان العرب لا يورثون المرأة ويعتبرونها سقط متاع .. وكان الرومان يعتبرونها مخلوق نجس .. وكان الهنود يعتبرونها نذير شؤم .. ولما جاء الإسلام أعطى للمرأة حقوقها ونحن الذين هدمناه فإذا كانت المرأة في الجاهلية لا ترث فنحن اليوم تشبهنا بالجاهلية فالمرأة لا ترث وليس لها حق والأخ يأكل ميراث أخته والرجل الذي ينال حظاً من التعليم ولو بقدر يسير فليس له ميراث . لكن الإسلام وقف في وجه هؤلاء فقد قررت الآيات أن لكل إنسان حقه في الميراث سواء كان رجلاً أو امرأة صغير أم كبير ..
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى الرسول r بابنتيها من سعد فقالت : يا رسول الله : هاتان ابنتا سعد قتل أبوهما معك في أحد شهيداً وإن عمهما أخذ مالهما ولا يدع لهما مالاً ولا ينكحان إلا بمال فقال : يقضي الله في ذلك فنزلت آية الميراث فأرسل الرسول r إلى عمهما فقال : أعطي ابنتي سعد الثلثين ولأمهما الثمن وما بقي فهو لك “ (الخمسة إلا النسائي). أليس هذا الشرع من عند الله ؟
أليس من العدل يا عباد الله ؟ أن الإنسان لما كان لا يرث عن أبيه أو قريبه المال فقط يرث كذلك الاستعدادات الفطرية الخيرة والشريرة والاستعدادات الوراثية للمرض والصحة والانحراف والاستقامة والحسن والقبيح والذكاء والغباء إلى آخر هذه الصفات وقد يحمد عقباها . فمن العدل إذاً أن يرث المال الذي لا يعفيهم من المرض أو الانحراف أو الغباء ولا تملك الدولة بكل وسائلها أن تعفيهم من هذه الوارثان من أجل هذا وذاك شرع الله قاعدة الإرث كمبدأ للتكافل الاجتماعي العام ” للرجال نصيب …. وللنساء نصيب “.
موعظة : لمن يريد أن يأكل ميراث الغير ويعطيه لولد ه ويحاسب عليه في الآخرة وربما لم ينفع ولده ويستعين به علي معصية الله :-
في يوم الاحتفال بتولي أبي جعفر المنصور للخلافة وكان جالساً بجواره وزيره فدخل عليه مقاتل بن سليمان وكان عالم عصره …… وكان جريئاً على الحكام ” قال أمير المؤمنين لوزيره فلأبدأه أي اطلب منه أن يعظني .. قال عظني : قال أعظك بما سمعت أم بما رأيت يا أمير قال لا بل بما رأيت.
قال : والله يا أمير المؤمنين لقد مات هشام بن عبد الملك وكان ميراث إحدى زوجاته الأربعة من المال السائل ” بخلاف القصور والضياع ” ثمانين ألف دينار ومات عمر بن عبد العزيز وخلف ستة عشر ديناراً ، أُشتريَّ له كفناً بخمسة وقبراً بأربعة ووزع الباقي على ورثته وكانوا أحد عشر وسئل ماذا أبقيت لأولادك قال تقوى الله فإن كانوا صالحين فلن ينفعهم إلا تقوى الله وإن كانوا غير ذلك فلن أترك لهم شيء يستعينون به على معصية الله و والله يا أمير المؤمنين لقد رأيت أحد أبناء عمر بن عبد العزيز يسوق مائة فرس في سبيل الله ورأيت أحد أبناء هشام بن عبد الملك يسأل الناس في الطرقات ثم تلا عليه قوله تعالى :”وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً “( النساء /9). اللهم ألحقنا بالصالحين .. واجعلنا من العاملين .