خطبة جمعه بعنوان: الإخلاص والتحذير من الرياء، للدكتور خالد بدير
خطبة جمعه بعنوان: الإخلاص والتحذير من الرياء، للدكتور خالد بدير
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: الحث على الإخلاص
العنصر الثاني: صور مشرقة في الإخلاص
العنصر الثالث: حال المرائي أمام الله يوم القيامة
المقدمة: أما بعد:
العنصر الأول: الحث على الإخلاص
عباد الله: الإخلاص من أهم القيم الأخلاقية التي حث عليها الشارع الحكيم؛ لأن العمل بلا إخلاص لا قيمة له عند الله؛ لذا كان الإخلاص في القول والعمل شرطاً لقبول الأعمال عند الله.
والإخلاص مصدر أخلص يخلص؛ وهو مأخوذ من مادّة (خ ل ص) الّتي تدلّ على تنقية الشّيء وتهذيبه؛ والمعنى: تنقية الشئ مما علق به من شوائب تؤدي إلى فساده، ومنه قوله تعالى:{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ}(النحل: 66)؛ أي أن الله خلَّص اللبن من بين الدم والفرث وجعله لبنا خالصاً منقَّى بأحدث أنواع التقنية الربانية!!!
قال سهل بن عبد الله: “الإخلاص أن يكون سكون العبد وحركاته لله تعالى خاصة”.
وقال يحيى بن معاذ: الإخلاص يميز العمل من العيوب كتمييز اللبن من الفرث والدم.؛ فكذلك ينبغي أن تكون أعمالك وأقوالك في حركتك وسكونك خالصة لله؛ ليس للنفس فيها حظ من مدح أو ثناء أو شهرة أو غرضٍ دنيويٍّ!! ؛ وقريء {إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (ص/ 83) بالفتح والكسر؛ قال ثعلب: يعني بالمخلِصين الّذين أخلصوا العبادة للّه تعالى. وبالمخلَصين الّذين أخلصهم اللّه- عزّ وجلّ- فالمخلَصون المختارون، والمخلِصون: الموحّدون. ولذلك قيل لسورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} سورة الإخلاص. قال ابن الأثير: لأنّها خالصة في صفة اللّه تعالى وتقدّس. أو لأنّ اللّافظ بها قد أخلص التّوحيد للّه عزّ وجلّ.
وحقيقة الإخلاص: أن يستوي العمل في الظاهر وفي الباطن, والرياء أن يكون الظاهر خيراً من الباطن، والصدق في الإخلاص أن يكون الباطن خيراً من الظاهر, فإذا استوت عبادتك في خلوتك كعبادتك في جلوتك, وإذا استوى عملك في السر كعملك في العلانية، وإذا استوى ظاهرك مع باطنك فأنت مخلص, فالحد الأدنى الأساسي أن يستوي الظاهر مع الباطن، السريرة مع العلانية.
لذلك رأى أبو أمامة رجلاً يبكي في المسجد في سجوده فقال أنت أنت لو كان هذا في بيتك!!!
وقال بعضهم : الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الحق.
وسئل الحسن عن الإخلاص فقال: أن تكتم حسناتك ولا تحب أن تكتم سيئاتك!!
أما إذا كنت تريد من عملك أو عبادتك منفعة أو شهرة ومدح وثناء؛ فهذا رياء وليس من الإخلاص في شئ!!
فمن أنفق ليقال جواد وكريم!! ومن قرأ ليقال قارئ!! ومن حج ليقال حاج!! ومن تعلَّم ليقال عالم!! ومن صلَّى ليقال عابد!! ……إلخ كل هؤلاء ليس لهم حظٌ من أعمالهم!!
كما ينبغي على العبد أن يجعل الإخلاص لله وسيلة لا غاية وقصدًا، فكثير من الناس يجعل الإخلاص وسيلة لأحد المطالب الدنيوية. وقد نبّه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- على تلك الآفة الخفية، فكان مما قال -رحمه الله-: “حكي أن أبا حامد الغزالي بلغه أن من أخلص لله أربعين يومًا تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه قال: فأخلصت أربعين يومًا فلم يتفجر شيء، فذكرت ذلك لبعض العارفين فقال لي: إنك إنما أخلصت للحكمة ولم تخلص لله تعالى”. [ درء التعارض – ابن تيمية ]
لذلك تضافرت النصوص من القرآن والسنة تحث على الإلزام بقيمة الإخلاص في القول والعمل؛ فقد وردت مادة الإخلاص ومشتقاتها في كتاب الله تعالى: إحدى وثلاثين مرة.
قال تعالى على لسان نبيه عليه السلام: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ؛ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ؛ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ؛ قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي؛ فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ}( الزمر: 11-15)
بل إن الله أمر أهل الكتاب من قبلنا بذلك فقال:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}[البينة: 5]
والإخلاص هو الذي أمر الله العباد بالتزامه، وهو الذي ابتلاهم به، فقال في كتابه الكريم: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[الملك: 2]، وقوله تعالى: {لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}[الكهف: 7]، قال ابن كثيرٍ رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية الكريمة مبيناً هذا الأمر العظيم، والركن المتين: “لم يقل أكثر عملاً بل أحسن عملاً، ولا يكون العمَلُ حسنًا حتى يكون خالصًا لله عز وجلّ على شريعةِ رسول الله، فمتى فقَد العمل واحدًا من هذين الشّرطين حبط وبطل”, وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: “أَخلَصُه وأصوَبُه، فإذا كان العمل خالصًا ولم يكُن صوابًا لم يُقبَل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًالم يُقبَل، فلا بدّ أن يكون خالصًا صوابًا” (تفسير البغوي)
لذلك كان يوصي النبي -صلى الله عليه وسلم- الولاة والأمراء بالإخلاص؛ فعن معاذ بن جبل، رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن : يا رسول الله أوصني، قال: « أخلص دينك يكفك العمل القليل » (الحاكم والبيهقي وضعفه الألباني)؛ وأخبرنا –صلى الله عليه وسلم- بأن الله لا يقبل من العمل إلا الخالص له؛ فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ ، فقالَ: أرأيتَ رجلًا غزا يلتمسُ الأجرَ والذِّكرَ ، ما لَهُ ؟ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ : لا شيءَ لَهُ فأعادَها ثلاثَ مرَّاتٍ ، يقولُ لَهُ رسولُ اللَّهِ : لا شيءَ لَهُ. ثمَّ قالَ : إنَّ اللَّهَ لا يقبلُ منَ العملِ إلَّا ما كانَ لَهُ خالصًا ، وابتغيَ بِهِ وجهُهُ” [ السلسلة الصحيحة – الألباني ]
عباد الله: كثير من الناس – للأسف – لا يخلص لله في عمله أو التجائه إلى الله إلا في وقت الشدة والأزمات والمصائب والكربات!! أما في وقت رخائه وسرَّائه وسعة رزقه فإنه ينسب الفضل لغير الله عز وجل!!؛ وهذا ما سجله القرآن والسنة؛ قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} ( العنكبوت: 65)؛ لذلك ينبغي عليك الإخلاص في جميع أحوالك وأفراحك وأتراحك؛ “روى أن عِكْرِمَةُ رَكِبَ الْبَحْرَ – مَعَ جَمَاعَةٍ- فَأَصَابَتْهُمْ عَاصِفٌ فَقَالَ أَصْحَابُ السَّفِينَةِ: أَخْلِصُوا فَإِنَّ آلِهَتَكُمْ لَا تُغْنِي عَنْكُمْ شَيْئًا هَاهُنَا؛ فَقَالَ عِكْرِمَةُ: وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ يُنَجِّنِي مِنْ الْبَحْرِ إِلَّا الْإِخْلَاصُ لَا يُنَجِّينِي فِي الْبَرِّ غَيْرُهُ! اللَّهُمَّ إِنَّ لَكَ عَلَيَّ عَهْدًا إِنْ أَنْتَ عَافَيْتَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ أَنْ آتِيَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَضَعَ يَدِي فِي يَدِهِ؛ فَلَأَجِدَنَّهُ عَفُوًّا كَرِيمًا فَجَاءَ فَأَسْلَمَ!!” ( النسائي وصححه الألباني في الصحيحة)؛ فكان إخلاصه في التجائه إلى الله سبباً في إسلامه؛ وهكذا ينبغي أن نكون!!
أحبتي في الله: ومن لوازم الإخلاص في الأعمال: أن ينظر العبد في باعث العمل قبل إتيانه، ما هو الباعث للعمل؟ أهو إخلاص لله؟!! أم هو رياء وسمعة؟!! ولهذا كان بعض السلف إذا قيل لأحدهم تعالى نحضر جنازة فلان والصلاة عليه. فيقول له: اصبر حتى أحضر للأمر نية، حتى يوجه بوصلة القلب إلى الله وابتغاء مرضاته، فعندما يحاسب المسلم نفسه، ويرجع إلى نيته هل هي مخلصة، فيذهب لأداء هذا العمل, أم أنها ليست مخلصة لله فيجلس خيراً من أن يذهب؟!!
قال ابن عقيل: “كان أبو إسحاق الفيروز بادي لا يُخرج شيئاً إلى فقير إلا أحضر النية، ولا يتكلم في مسألة إلا قدم الاستعانة بالله وإخلاص القصد في نصرة الحق دون التزيين والتحسين للخلق. ولا صنف مسألة إلا بعد أن صلى ركعتين فلا حرج أن شاع اسمه واشتهرت تصانيفه شرقاً وغرباً، وهذه بركات الإخلاص”. (بدائع الفوائد لابن القيم)
أيها الخطباء! أيها الدعاة! أيها القادة والسادة! أيها الحكام والوزراء! أيها العمال والموظفون! أخلصوا لله في أعمالكم وأقوالكم؛ إنكم إن فعلتم ذلك إخلاصا لله كان النفع والقبول والأجر والجزيل؛ وإلا كانت أعمالكم وأقوالكم هباءً منثوراً؛ فما خرج من القلب وصل إلى القلب وما خرج من اللسان لا يتجاوز الآذان!! قيل لحمدون بن أحمد: “ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا، قال: لأنهم تكلموا لعز الإسلام، ونجاة النفوس، ورضا الرحمن، ونحن نتكلم لعز النفوس، وطلب الدنيا، ورضا الخلق”.(حلية الأولياء)
العنصر الثاني: صور مشرقة في الإخلاص
عباد الله: كثير من الناس يتسابق إلى أعمال الخير الفعلية والقولية في المجتمع؛ ولكنه لم يخلص في عمله أو قوله!! فلا تزن أعماله وأقواله شيئاً؛ وعلى العكس من ذلك لو أخلص الإنسان في قليل عمله وقوله فإن الله يضاعف له الجزاء؛ لأن الإخلاص سببٌ لعظم الجزاء مع قله العمل؛ وقد دلّ على ذلك نصوص نبوية كثيرة منها:
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إنَّ اللهَ سيُخَلِّصُ رجلًا من أمتي على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامة فينشُرُ عليه تسعةً وتسعينَ سِجِلًّا ، كلُّ سِجِلٍّ مثلُ مدِّ البصرِ ثم يقولُ : أتُنكِرُ من هذا شيئًا ؟ أظلَمَكَ كَتَبتي الحافظونَ ؟ يقولُ : لا يا ربِّ . فيقولُ : أفَلَكَ عُذرٌ ؟ فيقولُ : لا يا ربِّ ، فيقولُ : بلى إنَّ لكَ عندنا حسنةً وإنِّه لا ظلمَ عليكَ اليومَ ، فيُخرِجُ بِطاقةً فيها أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه ، فيقولُ : احضُرْ وزنَكَ ، فيقولُ : يا ربِّ ما هذهِ البِطاقةُ معَ هذه السِّجِلَّاتِ ؟ فقال فإنك لا تُظلَمُ . قال : فتوضعُ السِّجِلَّاتُ في كِفَّةٍ والبطاقةُ في كِفَّةٍ فطاشتِ السِّجِلَّاتُ وثقُلتِ البِطاقةُ ، ولا يَثقُلُ معَ اسمِ اللهِ شيءٌ “.[ السلسلة الصحيحة – الألباني ]
وحديث المرأة التي سقت الكلب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” بينما كلبٌ يُطِيفُ برَكيَّةٍ ، كاد يقتُلُه العطشُ ، إذ رأَتْه بغيٌّ من بغايا بني إسرائيلَ ، فنزَعَت مُوقَها ، فسَقَتْه فغُفِر لها به “.(البخاري ومسلم)
وحديث الرجل الذي أماط الأذى عن الطريق، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ، وجَد غُصنَ شَوكٍ على الطريقِ فأخَّرَه، فشَكَر اللهُ له فغَفَر له “.( البخاري ومسلم)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية معلقاً على هذه الأحاديث: “فهذه حال من قال لا إله إلا الله بإخلاص وصدق كما قالها هذا الشخص، وإلّا فأهل الكبائر الذين دخلوا النار كلهم كانوا يقولون لا اله إلا الله، ولم يترجح قولهم على سيئاتهم كما ترجح قول صاحب البطاقة؛ وهذه سقت الكلب بإيمان خالص كان في قلبها فغُفِرَ لها، و إلا ليس كل بغي سقت كلباً يُغفر لها، وكذلك هذا الذي نحّى غصن الشوك عن الطريق فعله بإيمان خالص وإخلاص قائم بقلبه فغفر له بذلك؛ فإن الإيمان يتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص”(منهاج السنة النبوية)
وهذه قصة واقعية أخرى تدل على عظم الجزاء مع قلة العمل الخالص لله وحده: يحكى أن مَلِكاً من الملوك أراد أن يبني مسجداً في مدينته وأمر أن لا يشارك أحد في بناء هذا المسجد لا بالمال ولا بغيره…حيث يريد أن يكون هذا المسجد من ماله فقط دون مساعدة من أحد ، وحذر وأنذر من أن يساعد أحد في ذلك ، وفعلاً تم البدء في بناء المسجد ووضع اسمه عليه ، وفي ليلة من الليالي رأى الملك في المنام كأن ملكاً من الملائكة نزل من السماء فمسح اسم الملك عن المسجد وكتب اسم امرأة ، فلما استيقظ الملك من النوم استيقظ مفزوعا وأرسل جنوده ينظرون هل اسمه مازال على المسجد؟! فذهبوا ورجعوا وقالوا: نعم اسمك مازال موجوداً ومكتوباً على المسجد!! وقال له حاشيته: هذه أضغاث أحلام ، وفي الليلة الثانية رأى الملك نفس الرؤيا ، رأى ملكاً من الملائكة ينزل من السماء يمسح اسم الملك عن المسجد ويكتب اسم امرأة على المسجد ، وفي الصباح استيقظ الملك وأرسل جنوده يتأكدون هل مازال سمه موجودا على المسجد؟! ذهبوا ورجعوا وأخبروه أن اسمه مازال موجوداً على المسجد ، تعجب الملك وغضب ، فلما كانت الليلة الثالثة تكررت الرؤيا ، فلما قام الملك من النوم قام وقد حفظ اسم المرأة التي يكتب اسمها على المسجد ، ثم أمر بإحضار هذه المرأة ، فحضرت وكانت امرأة عجوز فقيرة ترتعش، فسألها هل ساعدت في بناء المسجد الذي يبنى؟! قالت: يا أيها الملك أنا امرأة عجوز وفقيرة وكبيرة في السن؛ وقد سمعتك تنهى عن أن يساعد أحد في بناءه ، فلا يمكنني أن أعصيك ، فقال لها: أسألك بالله ماذا صنعت في بناء المسجد؟! قالت والله ما عملت شيء قط في بناء هذا المسجد إلا؛ ثم سكتت ، قال الملك : نعم إلا ماذا ؟! قالت: إلا أنني مررت ذات يوم من جانب المسجد؛ فإذا أحد الدواب التي تحمل الأخشاب وأدوات البناء للمسجد مربوط بحبل إلى وتد في الأرض؛ وبالقرب منه سطل به ماء، وهذا الحيوان يريد أن يقترب من الماء ليشرب فلا يستطيع بسبب الحبل والعطش ، بلغ منه مبلغا شديدا فقمت وقربت سطل الماء منه فشرب من الماء ، هذا والله الذي صنعت . فقال الملك: أييييه…عملتي هذا لوجه الله فقبل الله منكِ ، وأنا عملت عملي ليقال مسجد الملك فلم يقبل الله مني؟!!! فأمر الملك بمسح اسمه وأن يكتب اسم المرأة العجوز على هذا المسجد!!!!!!!!!!!
فانظر كم كلف الملك من المال على بناء هذا المسجد لكن فعله رياءً؟!! وبعملٍ قليلٍ فعلته العجوز بإخلاصٍ سُجِّل اسمها عند الله!!
فعملٌ عظيمٌ بلا إخلاص, يجعله الله هباءً منثوراً, وعملٌ قليلٌ مع الإخلاص يتقبلّه الله عزّ وجل, وربما كان هذا العمل مع الإخلاص سبباً لنجاةِ صاحبه من عذاب الدنيا ومن عذاب الآخرة .أسفل
عباد الله: إن الشيطان لا يستطيع التسلط على العبد بالغواية أو التضليل ما دام مخلصا لله عز وجل ؛ وهذه القصة تؤيد هذا الكلام: روي” أن عابداً كان يعبد الله دهراً طويلاً فجاءه قوم فقالوا: إن ههنا قوماً يعبدون شجرة من دون الله تعالى، فغضب لذلك وأخذ فأسه على عاتقه وقصد الشجرة ليقطعها، فاستقبله إبليس في صورة شيخ فقال: أين تريد رحمك الله؟ قال: أريد أن أقطع هذه الشجرة، قال: وما أنت وذاك! تركت عبادتك واشتغالك بنفسك وتفرغت لغير ذلك! فقال: إن هذا من عبادتي، قال: إني لا أتركك أن تقطعها، فقاتله فأخذه العابد فطرحه إلى الأرض وقعد على صدره فقال له إبليس: أطلقني حتى أكلمك، فقام عنه فقال إبليس: يا هذا إن الله تعالى قد أسقط عنك هذا ولم يفرضه عليك! وما تعبدها أنت وما عليك من غيرك؛ ولله تعالى أنبياء في أقاليم الأرض ولو شاء لبعثهم إلى أهلها وأمرهم بقطعها! فقال العابد: لا بد لي من قطعها، فنابذه للقتال فغلبه العابد وصرعه وقعد على صدره فعجز إبليس فقال له: هل لك في أمر فصل بيني وبينك وهو خير لك وأنفع؟ قال: وما هو؟ قال: أطلقني حتى أقول لك، فأطلقه فقال إبليس: أنت رجل فقير لا شيء لك إنما أنت كَلٌّ على الناس يعولونك، ولعلك تحب أن تتفضل على إخوانك وتواسي جيرانك وتشبع وتستغني عن الناس! قال: نعم، قال: فارجع عن هذا الأمر ولك علىَّ أن أجعل عند رأسك في كل ليلة دينارين إذا أصبحت أخذتهما فأنفقت على نفسك وعيالك وتصدقت على إخوانك، فيكون ذلك أنفع لك وللمسلمين من قطع هذه الشجرة التي يغرس مكانها ولا يضرهم قطعها شيئاً ولا ينفع إخوانك المؤمنين قطعك إياها! فتفكر العابد فيما قال وقال: صدق الشيخ! لست بنبي فيلزمني قطع هذه الشجرة ولا أمرني الله أن أقطعها فأكون عاصياً بتركها، وما ذكره أكثر منفعة، فعاهده على الوفاء بذلك وحلف له، فرجع العابد إلى متعبده فبات، فلما أصبح رأى دينارين عند رأسه فأخذهما وكذلك الغد، ثم أصبح اليوم الثالث وما بعده فلم ير شيئاً، فغضب وأخذ فأسه على عاتقه فاستقبله إبليس في صورة شيخ فقال له: إلى أين؟ قال: أقطع تلك الشجرة، فقال: كذبت والله ما أنت بقادر على ذلك ولا سبيل لك إليها، قال: فتناوله العابد ليفعل به كما فعل أول مرة فقال: هيهات، فأخذه إبليس وصرعه، فإذا هو كالعصفور بين رجليه وقعد إبليس على صدره، وقال: لتنتهين عن هذا الأمر أو لأذبحنك؟ فنظر العابد فإذا لا طاقة له به، قال: يا هذا غلبتني فخل عني وأخبرني كيف غلبتك أولاً وغلبتني الآن؟ فقال: لأنك غضبت أول مرة لله وكانت نيتك الآخرة فسخرني الله لك، وهذه المرة غضبت لنفسك وللدنيا فصرعتك.
فهذه الحكايات تصديق قوله تعالى: ” إلا عبادك منهم المخلصين ” إذ لا يتخلص العبد من الشيطان إلا بالإخلاص، ولذلك كان معروف الكرخي رحمه الله تعالى يضرب نفسه ويقول: يا نفس أخلصي تتخلصي!!” ( إحياء علوم الدين للغزالي)
العنصر الثالث: حال المرائي أمام الله يوم القيامة
عباد الله: في هذا العنصر أصور لكم – من خلال النصوص الصريحة الصحيحة – حال المرائي أمام الله يوم القيامة؛ لأن المرائي يأتي يوم القيامة معه أعمال كالجبال ولا ينفعه منها مثقال ذرة لأنه لم يفعلها إخلاصاً لله ؛ وإنما فعلها رياءً أو من أجل مصلحةٍ أو غرضٍ دنيوي؛
كما قال ابن القيّم- رحمه اللّه تعالى-:« العمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملا ينقله ولا ينفعه» (الفوائد)
” وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : مَثَلُ مَنْ يَعْمَلُ رِيَاءً وَسُمْعَةً كَمَثَلِ مَنْ مَلَأَ كِيسَهُ حَصًى ثُمَّ دَخَلَ السُّوقَ لِيَشْتَرِيَ بِهِ ، فَإِذَا فَتَحَهُ بَيْنَ يَدَيْ الْبَائِعِ افْتَضَحَ ، وَضَرَبَ بِهِ وَجْهَهُ فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِهِ مَنْفَعَةٌ سِوَى قَوْلِ النَّاسِ : مَا أَمْلَأَ كِيسَهُ وَلَا يُعْطَى بِهِ شَيْئًا ، فَكَذَلِكَ مَنْ عَمِلَ لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِي عَمَلِهِ سِوَى مَقَالَةِ النَّاسِ وَلَا ثَوَابَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ . قَالَ تَعَالَى :{ وَقَدِمْنَا إلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا } أَيْ الْأَعْمَالُ الَّتِي قُصِدَ بِهَا غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى يَبْطُلُ ثَوَابُهَا صَارَتْ كَالْهَبَاءِ الْمَنْثُورِ ، وَهُوَ الْغُبَارُ الَّذِي يُرَى فِي شُعَاعِ الشَّمْسِ.” ( الزواجر عن اقتراف الكبائر)
وهذه الأمثلة تؤيد هذا الكلام: روي أَنَّ شُفَيّاً الْأَصْبَحِيَّ دَخَلَ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ فقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ فَلَمَّا سَكَتَ وَخَلَا قُلْتُ لَهُ: أَنْشُدُكَ بِحَقِّي لَمَا حَدَّثْتَنِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عقلتَهُ وعلمتَهُ فقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَفْعَلُ لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَلْتُه وعَلِمْتُه ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً فَمَكَثَ قَلِيلًا ثُمَّ أَفَاقَ فقَالَ: لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً أُخْرَى فَمَكَثَ كَذَلِكَ ثُمَّ أَفَاقَ فَمَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ فقَالَ: أفعلُ لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ مَا مَعَهُ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ ثُمَّ نَشَغَ نَشْغَةً شَدِيدَةً ثُمَّ مَالَ خَارًّا عَلَى وَجْهِهِ وَاشْتَدَّ بِهِ طَوِيلًا ثُمَّ أَفَاقَ فقَالَ: حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَنْزِلُ إِلَى الْعِبَادِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ وَكُلُّ أُمَّةٍ جاثيةٌ؛ فَأَوَّلُ مَنْ يَدْعُو بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ؛ وَرَجُلٌ يُقتل فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ؛ فَيَقُولُ اللَّهُ تبارك وتعالى للقارئ: أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ قَالَ: فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ؟ قَالَ: كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ. فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ: كذبتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كذبتَ وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يقال: فلان قارئ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ. وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: أَلَمْ أوسِّع عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ؟! قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ قَالَ: فَمَاذَا عَمِلت فِيمَا آتَيْتُكَ؟ قَالَ: كُنْتُ أصِلُ الرَّحِمَ وَأَتَصَدَّقُ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ وَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ لَهُ: كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ: بل إنما أردت أن يقال: فُلَانٌ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ. وَيُؤْتَى بِالَّذِي قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فيُقال لَهُ: فِي مَاذَا قُتِلْتَ؟ فَيَقُولُ: أُمِرْتُ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أردت أن يقال: فلان جريء فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ” ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُكْبَتِي فقَالَ: ” يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”؛ وروى أن مُعَاوِيَةَ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ حَدَّثَهُ بِهَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فقَالَ مُعَاوِيَةُ: “قَدْ فُعِلَ بِهَؤُلَاءِ مثلُ هَذَا فَكَيْفَ بِمَنْ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ؟! ثُمَّ بَكَى مُعَاوِيَةُ بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ هَالِكٌ وَقُلْنَا: قَدْ جَاءَنَا هَذَا الرَّجُلُ بِشَرٍّ ثُمَّ أَفَاقَ مُعَاوِيَةُ وَمَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ فقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبخسون * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15- 16].[ صحيح الترغيب والترهيب – الألباني؛ ورواه مسلم مختصرا ]
عباد الله: انظروا وتدبَّروا في هذه الأعمال، أليست أعمالا صالحة؟! بلى، ولكن ما هو السبب في أن أصحابها أول من تسعر بهم النار يوم القيامة؟! إنه غياب الإخلاص لله، وإنه الرياء والسمعة, فهذه الأعمال لمّا تجرَّدت من الإخلاص, وخالَطَها الرّياء, صار أصاحبُها من المطرودِينَ الخاسرين، ولو أنها أريد بها وجهُ الله والدار الآخرة, وكان الإخلاص روحَها ومبناها, لكان أصحابُها منَ الفائزين المقرَّبين.
عباد الله: إن الذي يرائي بعمله أمام الناس قد أخذ حظه وجزاؤه في الدنيا؛ لأنه فعل ذلك من أجل تحقيق منفعة وغرضٍ دنيوي فليس له جزاءٌ عند الله؛ فعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ. قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الرِّيَاءُ. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً؟!”[ السلسلة الصحيحة – الألباني ]
فليذهبوا إليهم وليأخذوا جزاءهم منهم!! وفي الحقيقة لا هؤلاء ولا هؤلاء يملكون من الجزاء شيئاً!! لذلك قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث القدسي: “قال الله -عزّ وجلّ-: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركتُه وشركَه”. (رواه مسلم.)
عباد الله: وحتى لا تقعوا في حبال وشباك الرياء أذكر لكم علامات المرائي لتكونوا على حذرٍ منها ولتجتنبوها؛” قَالَ عَلِيٌّ : لِلْمُرَائِي ثَلَاثُ عَلَامَاتٍ: يَكْسَلُ إذَا كَانَ وَحْدَهُ، وَيَنْشَطُ إذَا كَانَ فِي النَّاسِ، وَيَزِيدُ فِي الْعَمَلِ إذَا أُثْنِيَ عَلَيْهِ وَيَنْقُصُ إذَا ذُمَّ.”(إحياء علوم الدين)
كم من أناسٍ ينافقون وينشطون في عملهم أمام رؤسائهم ومديريهم؛ وفي غيابهم حدث ولا حرج وكفى بالواقع دليلا!!! ؛ كم من رجل يحسن صلاته وعبادته أمام الناس فإذا انفرد لا يقيم أركانها وواجباتها!! وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم بذلك؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ : ” خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ ، فَقَالَ : أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ؟ قَالَ : قُلْنَا : بَلَى ، فَقَالَ : الشِّرْكُ الْخَفِيُّ ، أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي ، فَيُزَيِّنُ صَلاَتَهُ ، لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ.”( أحمد والبيهقي وابن ماجة واللفظ له؛ وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب)
إن البهائم حركاتها واحدة في حضورك وغيابك؛ بخلاف الإنسان ينشط في العمل والعبادة حين يراه الآخرون ويكسل إذا انفرد مع نفسه!
أيها المسلمون: إن الشرك الأصغر ( الرياء ) أخفى من دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء؛ أي نملة سوداء في ليلة ظلماء، على صخرة سمراء تمشي، هل تراها أو تسمع لمشيها صوتا؟!! فكذلك الشرك الأصغر قد تقع فيه وأنت لا تشعر!!
ولكن السؤال هنا: كيف أتقيه وأنا لا أراه أو أشعر به؟!
والجواب عند حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ فعن أبي موسى الأشعريّ قالَ: خطبَنا صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ذاتَ يومٍ فقالَ : ” يا أيُّها النَّاسُ اتَّقوا هذا الشِّركَ ، فإنَّهُ أخفَى من دَبيبِ النَّملِ!! فقالَ لَهُ من شاءَ اللَّهُ أن يقولَ : وكيفَ نتَّقيهِ وَهوَ أخفَى من دبيبِ النَّملِ يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: قولوا اللَّهمَّ إنَّا نعوذُ بِكَ من أن نُشْرِكَ بِكَ شيئًا نعلمُهُ، ونستَغفرُكَ لما لا نعلمُهُ”[صحيح الترغيب والترهيب- الألباني].
أسأل الله أن يجعل ما قلناه وما سمعناه حجة لنا لا علينا يوم القيامة؛ اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد يا رب العالمين.
اللهم اجعل عملنا في رضاك خالصاً لوجهك الكريم؛ اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه؛ اللهم طهِّر قلوبنا من النفاق؛ وأعمالنا من الرياء؛ وألسنتنا من الكذب؛ وأعيننا من الخيانة؛ إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؛ اللهم حبّب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا ، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين؛ اللهم أرنا الحق حقَّاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه؛ اللهم اجمع شملنا ، ووحّد صفنا ، وأصلح ولاة أمورنا ؛ آمنا في أوطاننا؛ أصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا ربَّ العالمين،،،،،،،،
وأقم الصلاة،،،،،،،
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي