خطبة الأسبوععاجل

خطبة بعنوان: نفحات عشر ذي الحجة، للدكتور خالد بدير

خطبة بعنوان: نفحات عشر ذي الحجة، للدكتور خالد بدير

لتحميل الخطبة أضغط هنا

 

وللإطلاع علي الخطبة كما يلي:

المقدمة:                                                            أما بعد:

عناصر الخطبة:

العنصر الأول: خصوصية أمة محمد بنفحاتٍ وبركاتٍ.

العنصر الثاني: فضل عشر  ذي الحجة.

العنصر الثالث: أعمال تعدل أجر الحج في الجزاء

فتعالوا بنا عباد الله نقف وقفة مع هذه العناصر الثلاثة ونطوف حولها مع كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم حتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعاً.

العنصر الأول: خصوصية أمة محمد بنفحات وبركات.

عباد الله: من فضل الله تعالي على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن جعل لهم مواسم للطاعات تتضاعف فيها الحسنات، وترفع فيها الدرجات، ويغفر فيها كثير من المعاصي والسيئات، فالسعيد من اغتنم هذه الأوقات وتعرض لهذه النفحات، ومن هذه النفحات العشر الأوائل من ذي الحجة، فقد أخرج البخاري عن ابن عباس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء”، لهذا حثنا صلى الله عليه وسلم على اغتنام هذه النفحات حيث قال:”اطلبوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة ربكم، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، فاسألوا الله أن يستر عوراتكم ويُؤمِّن روعاتكم”( أخرجه ابن أبي الدنيا والطبراني) ، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم:”إن لله في أيام الدهر نفحات فتعرضوا لها، فلعل أحدكم أن تصيبه نفحةٌ فلا يشقى بعدها أبداً “( أخرجه الطبراني)، ولو نظرنا إلى أعمار الأمم السابقة لوجدنا أنهم كانوا يعيشون المئات بل الآلاف من السنين ، فهذا نوح عليه السلام لبث في قومه 950 سنة، قال تعالى: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ}( العنكبوت: 14)، فمدة بعثة نوح عليه السلام 950 سنة، وعاش قبل البعثة فترة وبعد الطوفان فترة، يعني أكثر من ألف عام، فلو قارنت عمرك وحسبت صلاتك وصومك وزكاتك وجميع أعمالك في عمرك الذي يتراوح بين الستين والسبعين، كما قال صلى الله عليه وسلم:” أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك”( السلسلة الصحيحة، الألباني) فكم تكون أعمالك بين هذه الأعمار المديدة؟؟!! وقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم بذلك، فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”خلق الله آدم وطوله ستون ذراعاً، وعرضه سبعة أذرع، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن”، فالله زاد الأمم الماضية بسطة في الجسم والعمر، وما زال الخلق يقصر طولاً وعرضاً وعمراً حتى الآن، لذلك خص الله هذه الأمة بنفحات تتمثل في أوقات قليلة تشمل فضائل ورحمات غزيرة حتى تلحق هذه الأمة غيرها من الأمم في الأجر والفضل والثواب، وإليك بعض الأمثلة مدعمة بالأدلة الصحيحة الصريحة من القرآن والسنة:-

أولاً: كثرة الأجر مع قلة العمل وقصر الوقت:

فقد أخرج البخاري عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجيراً فقال: من يعمل لي غدوة إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط؟ فعملت النصارى، ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين؟ فأنتم هم. فغضبت اليهود والنصارى وقالوا: ما لنا أكثر عملاً وأقل أجراً !؟ قال: هل نقصتكم من حقكم شيئاً؟ قالوا: لا، قال: ذلك فضلي أوتيه من أشاء ” ، فمضاعفة الأجر مع قلة العمل وقصر الوقت، خصوصية لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.

ثانياً: ليلة القدر تعدل ألف شهر:

قال ابن كثير في تفسيره عن مجاهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً من بني إسرائيل لَبس السلاح في سبيل الله ألف شهر، قال: فَعَجب المسلمون من ذلك، قال: فأنزل الله عز وجل: { إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } ( القدر : 1-3) التي لبس ذلك الرجل السلاح في سبيل الله ألف شهر ، فليلة واحدة خير من عبادة 83 سنة من الأمم الماضية، فما بالك لو صادفتك ليلة القدر عشرين سنة مثلاً.

ثالثاً: صلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة:

فعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة”( أخرجه أحمد وابن ماجه بإسنادين صحيحين)، فصلاة واحدة تعدل مائة ألف صلاة، ولو قسَّمنا مائة ألف صلاة  على 5 صلوات في اليوم، ثم السنين لخرج الناتج 55 سنة و6 أشهر و20 يوماً، هذه صلاة واحدة فما بالك لو صليت شهراً أو شهرين في المسجد الحرام؟؟؟؟!!!

رابعاً: سبق أمة محمد جميع الأمم السابقة يوم القيامة:

لا شك أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ستسبق الأمم السابقة يوم القيامة،كما بشرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بذلك، فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا “، فمع أن اليهود والنصارى قبلنا في الدنيا إلا أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم قبلهم وسابقة لهم في البعث والحساب ودخول الجنة كما صرحت بذلك رواية الإمام مسلم حيث قال صلى الله عليه وسلم:”نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق، ونحن أول من يدخل الجنة” ، أقول: لو أنك وضعت طعاماً في إناءٍ كبيرٍ وأردت أن تغرف منه؛ فإن آخر الطعام وضع هو أول طعام غُرف، ولله المثل الأعلى، وهناك أمثلةٌ  كثيرةٌ لمضاعفة الأجر والفضل لا يتسع المقام لذكرها، وما ذكر على سبيل المثال لا الحصر، وأنت بذلك خبير في معرفة بقية الأمثلة من الكتاب والسنة.

أيها الإخوة المسلمون:

إن من أعظم نفحات أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الإطلاق ( عشر ذي الحجة ) فها نحن نعيش في هذه الأيام مواسم الخيرات والطاعات التي أكرمنا بها رب الأرض والسماوات، مواسم الصلاح التي يُضَاعف للمؤمنين فيها من الأجور والأرباح، وهذه هبات ربانية لا تكون إلا للأمة المحمدية؛ أمة العمل القليل والأجر الكبير والفضل العظيم، لتحمد الله أن جعلك من أمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم:

وممــــــا زادني فخـــــــــراً وتيهـــــــاً        وكـــــدت بأخمــــــــــصي أطــــأ الثــــــــــريـا

دخولي تحت قولك يا عبادي     وأن صــــــــــــــــــــــــــــــــــــيَّرت أحمد لي نبيـــــــاً

فالحمد لله الذي أنعم على الأمة المحمدية بمواسم الطاعات وميادين الخيرات، وساحات المغفرة والرحمات ،حيث يتسابقون فيها إلى رضوانه، ويتنافسون فيما يقربهم من فضله وإحسانه، وهذه المواسم منحة ومنة من الله تعالى على عباده؛ لأن العمل فيها قليل والأجر والثواب جزيل، وهى والله فرصة عظيمة لا يحرم خيرها إلا محروم، ولا يغتنمها إلا مَن وفَّقهُ الله.

العنصر الثاني: فضل عشر  ذي الحجة.

لماذا خُصَّت أيام العشر بالفضل وأنها أفضل أيام الدنيا؟! لقد ذكر العلماء عدة أسباب وفضائل جمعتها لكم مدعمة بالأدلة الصحيحة الصريحة من القرآن والسنة وتتمثل فيما يلي:-

أولاً: أن الله تعالى أقسم بها:

وإذا أقسم الله بشيء دل هذا على عظم مكانته وفضله، إذ العظيم لا يقسم إلا بالعظيم، قال تعالى: { وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ }، والليالي العشر هي عشر ذي الحجة، وهذا ما عليه جمهور المفسرين، وكما قال بذلك ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد وقتادة والضحاك والسدى ومقاتل ومسروق، وغير واحد من السلف والخلف.

ثانياً: أنها الأيام المعلومات التي شرع فيها ذكره:

قال تعالى: { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ } ( الحج : 28) ، وجمهور العلماء على أن الأيام المعلومات التي يستحب فيها الإكثار من ذكر الله تعالى هي عشر ذي الحجة، منهم ابن عمر وابن عباس. وقال صلى الله عليه وسلم:”ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد “( أخرجه أحمد وصحّح إسناده أحمد شاكر.)، فأمر صلى الله عليه وسلم فيها بكثرة التسبيح والتحميد والتكبير ، وكان سعيد بن جبير – رحمه الله – إذا دخلت العشر اجتهد اجتهاداً حتى ما يكاد يُقدَرُ عليه. وكان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيّام العشر يكبران ويكبر النّاس بتكبيرهما، وكان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً ، وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيّام، وخلف الصلوات وعلى فراشه، وفي فسطاطه، ومجلسه، وممشاه تلك الأيّام جميعا.

ثالثاً: شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لها بأنها أفضل أيام الدنيا:

فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” أفضل أيام الدنيا أيام العشر – يعني عشر ذي الحجة – قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب”( أخرجه البزار وابن حبان وصححه الألباني)، وقال صلى الله عليه وسلم: “أفضل أيام الدنيا أيام العشر”( صحيح الجامع)، ولذلك فإن العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالي منه في بقية العام، قال ابن كثير: وبالجملة.. فهذه العشر أفضل أيام السنة كما نطق به الحديث، وفضلها كثير على عشر رمضان الأخيرة؛ لأن هذا يشرع فيه ما يشرع في ذلك من صلاة وصيام وصدقة وغيره، ويمتاز هذا باختصاصه بأداء فرض الحج فيه.”، وسُئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله-: أيهما أفضل: عشر ذى الحجة أم العشر الأواخر من رمضان؟ فأجاب: أيام العشر من ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة . قال ابن القيم ـ رحمه الله: وإذا تأمل الفاضل اللبيب هذا الجواب وجده شافياً كافياً، فإنه ليس من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذى الحجة وفيها يوم عرفة ويوم النحر ويوم التروية، أما ليالي عشر رمضان فهي ليالي الإحياء التى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحييها كلها وفيها ليلة خير من ألف شهر، ونخلص من ذلك :أن أيام العشر من ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان لاشتمالها على يوم عرفة ويوم النحر ويوم التروية، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة لاشتمالها على ليلة القدر.

رابعاً: أنها من جملة أربعين موسى عليه السلام :

وهي العشر المذكورة في قوله تعالى: { وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} ( الأعراف: 142) ، قال ابن كثير : ” الأكثرون على أن الثلاثين هي: ذو القعدة وعشر ذي الحجة، قال بذلك مجاهد، ومسروق، وابن عباس وابن جريج، وغيرهم. وعن جابر رضي الله عنه قال:{وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} قال: عشر الأضحى. وعن مجاهدـ قال: ما من عمل من أيام السنة أفضل منه في العشر من ذي الحجة، قال: وهي العشر التي أتممها الله عز وجل لموسي عليه السلام.”

خامساً: أنها ضمن أيام الأشهر الحرم:

وقد تكلمنا مع حضراتكم في خطبة كاملة عن الأشهر الحرم وفضلها.

سادساً: أن الله أكمل فيها الدين وأتم علينا النعمة:

ففي يوم عرفه  كمل الدين ونزل قوله تعالى : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} ( المائدة : 3 )، وقد جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فقال: يا أمير المؤمنين، إنكم تقرءون آية في كتابكم، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا. قال: وأي آية؟ قال قوله: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } فقال عمر: والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، نزلت عَشية عَرَفَة في يوم جمعة.وكأن الله جعل عيد الفطر لبداية نزول القرآن في رمضان، وعيد الأضحى لإكمال الدين في فريضة الحج، فكان نزول القرآن بدايةً ونهايةً مقروناً بفريضتين عظيمتين هما: ( الصيام والحج ) وعيدين سعيدين هما: ( الفطر والأضحى ).

سابعاً: اجتماع أمهات العبادة فيها :

قال الحافظ  ابن حجر في فتح الباري:”والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة؛ لمكان اجتماع أمهات العبادة فيها وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ولا يتأتَّى ذلك في غيرها.” وقال الإمام أبو حنيفة: جعلت أفاضل بين العبادات؛ كلما تتبعت عبادة وجدت لها أفضلية؛ فأقول: هي الأفضل؛ فلما تتبعت الحج وجدته أفضلهم لاشتماله على جميع العبادات كلها.

ففيها يوم عرفة :

ويوم عرفة يوم الحج الأكبر، ويوم مغفرة الذنوب، ويوم العتق من النيران، ولو لم يكن في عشر ذي الحجة إلا يوم عرفة لكفاها ذلك فضلاً، وقد جاءت أحاديث كثيرة في فضل يوم عرفة وصيامه وهدي النبي صلى الله عليه وسلم فيه، منها ما أخرجه الإمام مسلم من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء” ، وأخرج مالك في الموطأ عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما رؤي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة، وما ذلك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب”، لذلك يتأكد صوم يوم عرفة، لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم  كما في صحيح مسلم أنّه قال عن عرفة: ” أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده.”

وفيها يوم النحر:

وهو أفضل أيام السنة عند العلماء، قال صلى الله عليه وسلم ” أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر “( أخرجه أبو داود والنسائي وصححه الألباني في صحيح الجامع)، ويوم القر: هو اليوم الحادي عشر من ذي الحجة، سمي بذلك لأن الناس يقرّون فيه بمنىٍ. قال ابن القيم: خير الأيام يوم النحر، ثم يوم القر.كما في الحديث.

وفيها الركن الخامس من أركان الإسلام: وهو الحج، وما أدراك ما الحج !؟ فقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من حج فلم يرفث ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه”.

وفيها الصيام:

فعن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت :” كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيّام من كل شهر.”( أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم) وقال النووي عن صوم أيّام العشر أنّه مستحب استحباباً شديداً، وأجاب العلماء عن حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم لم يصم العشر قط، بأنه إذا تعارض مثبت ومنفي قدم المثبت على المنفي، فلو قال أحدٌ رأيت المحافظ في السوق، وقال آخر : كنت في السوق ولم أره ، قدم المثبت على المنفي.

وفيها الأضحية:

وهي من أفضل أعمال يوم النحر ، فعن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ما عمل ابن آدم من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض فيطيبوا بها نفسا “( أخرجه الترمذي وصححه الألباني في تعليقاته على مشكاة المصابيح)، ويستحب للمضحي أن يمسك عن شعره وأظفاره لما روى مسلم عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضّحي فليمسك عن شعره وأظفاره ” ولعل ذلك تشبهاً بمن يسوق الهدي، فقد قال الله تعالى: { وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّه} ( البقرة : 196)، وهذا النهي يخص صاحب الأضحية ولا يعم الزوجة ولا الأولاد؛ إلا إذا كان لأحدهم أضحية تخصه، وإذا نوى الأضحية أثناء العشر أمسك عن ذلك من حين نيته ولا أثم عليه فيما أخذه قبل النية.

وفيها البر والصلة وقراءة القرآن والإنفاق وقيام الليل…………إلخ

العنصر الثالث: أعمال تعدل أجر الحج في الجزاء

من أجلِّ وأعظم نفحات ربنا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن شرَّع لهم أعمالاً تعدل الحج في الجزاء والفضل والثواب ، لكن لا تغنيه هذه الأعمال عن حج الفريضة إذا بلغ حد الاستطاعة.

إنني أزف إليكم بشرى لمن تقطع قلبه وذرفت عيناه شوقاً لبيت الله الحرام لكن يعجز عن ذلك، واعلموا أن من رحمة الله – تبارك وتعالي – بعباده أن جعل من حالت دونه السبل عن الحج لعذر شريكاً لمن ذهب في الأجر، بل شرع الله لنا أعمالاً تعدل أجر الحج والعمرة ، هذه الأعمال لا تكلفك تأشيرةً ولا مالاً ولا سفراً، وقد جمعتها لكم مدعمة بالأدلة الصحيحة الصريحة من القرآن والسنة وتتمثل فيما يلي:-

أولاً: المكث في المسجد بعد صلاة الفجر حتى الشروق ثم صلاة ركعتين.

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من صلى الغداة في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة” (أخرجه الترمذي بسند صحيح، وصححه الألبـاني في الصحيحة)

ثانياً: حضور صلاة الجماعة والمشي إلى صلاة التطوع:

فقد أخرج الإمام أحمد بسند حسن عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من مشي إلى صلاة مكتوبة في الجماعة فهى كحجة، ومن مشي إلى صـلاة تطوع فهي كعمرة نافلة . وفي رواية : ومن مشى إلى سبحة الضحى كان له كأجر المعتمر “ـ(صحيح الجامع)

ثالثاً: حضور مجالس العلم في المساجد:

فعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيراً أو يُعَلِّمه، كان كأجر حاج تاماً حجته”.( أخرجه الطبراني والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب)، فضلاً عن السكينة والرحمة والمغفرة، فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده”

رابعاً: الأذكار بعد الصلاة:

فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه : ” أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم فقال وما ذاك؟ قالوا: يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق، ولهم فضول أموالهم يحجون ويعتمرون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال: تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة، قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فضل الله يؤته من يشاء.”

خامساً: عمرة في رمضـان:

فقد أخرج الإمام مسلم عن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة من الأنصار يقال لها أم سنان:”ما منعك أن تكوني حججت معنا؟ قالت: ناضحان كان لأبي فلان – تعنى زوجها – حج هو وابنه على أحدهما، وكان الآخر يسقي عليه غلامنا، قال صلى الله عليه وسلم : فعمرة في رمضان تقضي حجة، أو حجة معى”. والناضح: الجمل .

سادساً: بـرُّ الوالـديـن:

فقد أخرج أبو يعلي بسند جيد: ” أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه، قال: هل بقي من والديك أحد؟ قال: أمي، قال: قابل الله في برها، فإن فعلت فأنت حاج ومعتمر ومجاهد”.

سابعاً: صدق النية مع الله

فعن أبي كبشة الأنماري – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إنما الدنيا لأربعة نفر : عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل رحمه ويعمل لله فيه بحقه فهذا بأفضل المنازل ، وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية ويقول : لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان فأجرهما سواء ، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً فهو يتخبط في ماله بغير علم لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعمل فيه بحق فهذا بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول : لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان فهو ونيته فوزرهما سواء”( أخرجه الترمذي بسند صحيح، وصححه الألبـاني في الصحيحة)، فنية العبد خيرٌ من عمله ، فقد يحج ولا يقبل منه لسوء نيته، وقد لا يحج ويكتب له أجر حجة وعمرة تامتين تامتين لصدق نيته، لذلك جاء أول حديث في البخاري ” إنما الأعمال بالنيات “. فإذا كان الحج قد فاتك فإن أفعال الخير لا تفوتك فتلحق بركب الحجيج ، وما أجمل مقولة أحد السلف: ” من فاته في هذا العام القيام بعرفة فليقم لله بحقه الذي عَرَفَه، ومن عجز عن المبيت بمزدلفة، فليُبيِّت عزمه على طاعة الله وقد قرَّبه وأزلفه ، ومن لم يقدر على نحر هديه بمنى فليذبح هواه هنا وقد بلغ المُنى ، ومن لم يصلْ إلى البيت لأنه منه بعيد فليقصد رب البيت فإنه أقرب إليه من حبل الوريد”.

رزقنا الله وإياكم حج بيته الحرام.

الدعاء……..                    وأقم الصلاة،،،،

 

كتبه : خادم الدعوة الإسلامية

د / خالد بدير بدوي

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى