دور المرأة في دحر الإرهاب، لوزير الأوقاف
دور المرأة لا يمكن أن يقف عند الفهم الخاطئ الذي تريده لها تلك الجماعات والتيارات الإرهابية أو المتطرفة أو المتشددة سواء تلك التي تنظر للمرأة على أنها مخلوق من الدرجة الثانية ، أو تلك التي تنظر إليها نظرة تحكمها الغرائز لا أكثر ولا أقل ، ولعلنا ندرك أن ما حدث من إرهابي داعش تجاه المرأة يُندى له جبين الإنسانية، كعمليات الختان الوحشية التي تمت لعدد من فتيات العراق بصورة لا تعود بنا إلى عصور التخلف والظلام فحسب، إنما تعود إلى ما يمكن أن يطلق عليه تجوزا ما قبل التاريخ أو ما قبل الإنسانية ، إذ لا يمكن للحس الإنساني والتاريخ البشري أن يتقبل أو يحتمل تلك الجرائم التي انسلخ مرتكبوها من كل حس إنساني، وكذلك مظاهر السبي والاسترقاق وتوزيع النساء كغنائم على الإرهابيين يقدن قسرا وذلا وهوانا، والغريب أن شيئا لم يتحرك لا للنخوة ولا للدم الحر، وبخاصة بعد أن سمع الناس بعض الفتاوى التي أباحت للرجل أن يترك زوجته ويتخلى عنها إذا خاف على نفسه الهلاك في خروج واضح على كل معاني الرجولة والنخوة ، أو كهذا الذي قال إنه لا مانع لديه من أن يرى ظهور ابنته في حمام السباحة أمام الناس ، أما المنظمات الحقوقية ومنظمات المرأة العالمية وبخاصة الغربية فقد سكت صوتها أو أسكت بفعل فاعل ، ليفتضح أطراف المؤامرة، وليكون الأمر وصمة عار في جبين الإنسانية وبخاصة الدول والتنظيمات والمنظمات التي ترعى الإرهاب من جهة، وفي جبين المنظمات التي تدعي حماية المرأة والدفاع عن حقوقها من جهة أخرى، فإن لم يكن هذا زمان ومكان ومناط الدفاع عنها فأين يكون؟
ومن ثمة فإن المسئولية على المرأة نفسها مضاعفة ، سواء أكان ذلك لحق تصحيح صورة الإسلام بل صورة الأديان التي لا يقبل أي دين منها تلك الممارسات فضلا عن أعمال القتل والتخريب ، وسفك الدماء ، وترويع الآمنين ، بما لا يفرق بين رجل وامرأة أو شاب وشيخ، أم كان ذلك دفاعا عن الأوطان التي تسلب وتنهب وتغتصب، وبخاصة في منطقتنا العربية التي تعمد القوى الاستعمارية الحديثة إلى دك بنيانها والاستيلاء على خيراتها ومقدراتها من جديد ، أم كان ذلك دفاعا عن حق المرأة في الحياة الكريمة ، والعمل على وقف ما تتعرض له من مهانات على يد تلك الجماعات الإرهابية المتاجرة بالدين .
لقد عرف المسلمون المرأة : أما ، وأختا ، وزوجا ، وبنتا ، وشريكة في الحياة والكفاح والنضال ، كما عرف التاريخ الانساني نساء كثيرات كن ملء السمع والبصر ، وذوات أثر واضح في الحضارة الإنسانية ، فعرف مريم ابنة عمران أم المسيح عليه السلام التي قال عنها رب العزة في كتابه العزيز على لسان أمها امرأة عمران : “قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى ” (آل عمران: 35).
قال بعض المفسرين : أي وليس الذكر الذي كنت تريدين كالأنثى التى رزقتين في الفضل وخدمة بيت الرب، وهي التي قال عنها الحق سبحانه : ” وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ” (التحريم :11)
ومنهن امراة فرعون التي تبرأت من ظلم فرعون وجبروته ، وقالت كما جاء على لسانها في القرآن الكريم : “رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ” (التحريم : 10).
ومنهن السيدة هاجر أم إسماعيل (رضي الله عنهما) ، ومنهن السيدة خديجة بنت خويلد زوج نبينا (محمد صلى الله عليه وسلم) ، وأم ولده إبراهيم، ومنهن السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، وأم السبطين الكريمين ، سَيدَي شباب أهل الجنة الحسن والحسين (رضي الله عنهما) ، ومنهن السيدة عائشة بنت الصديق (رضي الله عنهما) ، والسيدة حفصة بنت عمر (رضى الله عنهما )، وسائر زوجات النبي (صلى الله عليه وسلم) ، وغيرهن من الصحابيات ، والتابعيات ، والنساء اللاتي أثرن في الحضارة الإنسانية على مر العصور ، فلم يكن دور المرأة على مر التاريخ غُفلا ، بل كان دورا فعالا بقوة في الحضارة الإنسانية ، اللهم إلا عند أعداء الإنسانية ، وفي عصور الجهل والظلام والتخلف .
وإذا كانت مشاركة المرأة فى صنع الحضارة مطلباً هاماً فإن أهم منه مشاركتها الآن فى دحر الإرهاب ومقاومة قوى الشر والجهل والتخلف ، ويُحمَدُ للمرأة المصرية بصفة خاصة مشاركتها الفعّالة فى ثورتين عظيمتين الخامس والعشرين من يناير 2011 والثلاثين من يونيو 2013 م .
وأعظم من ذلك مشاركتها الإيجابية التى لفتت وبقوة نظر القاصى والدانى لوعيها وثقافتها فى الاستفتاء على الدستور والانتخابات الرئاسية الأخيرة حيث قلن بصوت عال : نعم للأمن والاستقرار، ولا لقوى الشر والظلام والإرهاب، وهو المؤمل منهن فى كل الاستحقاقات الوطنية .
غير أننا ننتظر دوراً أكبر وإسهاما أكثر فى محاصرة الإرهاب الفكرى وتلك العمليات التخريبية ، فالمرأة أُم ذات تأثير فى توجيه أبنائها , وأخت يمكن أن تكون ذات أثر كبير فى نقاشها الفكري سواء مع أخواتها أم زميلاتها، وهى زوج يمكن أن تقوم بدور إيجابى كبير فى توجيه مسار زوجها إلى الطريق الصحيح ، وحقاً كما قال الشاعر :
الأمُّ مدرسة إذا أعددتَها أعددتَ شعباً طيب الأعراق
فالمرأة فى بيتها راعية ومسئولة عن رعيتها أمام الله، بأن تقوم على تربية أبنائها خير قيام وأن تحول بكل ما يمكنها بينهم وبين الأفكار الهدّامة وأصدقاء السوء , وأن تحرص كل الحرص على ألا تتخطفهم أيدى الهدّامين وقوى الشر والإرهاب , وهى راعية فى مدرستها إن كانت معلمة، وفى مشفاها إن كانت طبيبة، وفى جامعتها إن كانت أستاذة ، وفى كل مجال يمكّن لها الله فيه ، عليها أن تستشعر ثِقل الأمانةِ ودقة خطورة المرحلة ,
كما أن علينا جميعاً واجباً شرعياً ووطنياً تجاهها يُحملنا أمانة الذّود عنها وعن كرامتها وعن حقوقها , كما يحملنا مسئولية كبيرة أيضاً تجاه تثقيفها وتوعيتها بالتحديات التى تواجهنا، لتتولى هى بدورها جنباً إلى جنب مع الرجال مسئوليتها فى مقاومة الأفكار الهدّامة ، وعلى أقل تقدير تحصين نفسها وتحصين أبنائها ومن كان في رعايتها أو تحت مسئوليتها من الأفكار الظلامية، وألا تنخدع بما يروج له المتاجرون بالدين من أفكار الدين منها براء ، والوطنية الصادقة منها براء ، والحس الإنساني السليم منها براء .