من أعلام الصحابة الصحابي الجليل :” مصعب بن عمير للشيخ عبد الناصر بليح
الصحابي الجليل :”مصعب بن عمير”. الشيخ / عبد الناصربليح
الحمدُ لله رب العالمين .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .. اللهم صلاة وسلاماً عليك يا سيدي يا رسول الله وعلي آلك وصحبك وسلم .. وبعد:فيا جماعة الإسلام نحن اليوم أمام عَلَم من أعلام هذه الأمة، وبطل من أبطالها صحابي جليل من صحابة النبي – صلى الله عليه وسلم -،غرة شباب قريش وأوفاهم بهاءً وجمالاً وشباباً قالوا عنه:” كان أعطر أهل مكة وكان أروع فتيان مكة شباباً وبهاءً وأكثرهم ترفاً ونعيماً ولد في النعمة وغذي بها وشب في النعيم .. أتدرون من هو ؟
هو الداعية والسفير والإمام والخطيب.. الصحابي الجليل أبو عبد الله مصعب بن عمير من فضلاء الصحابة وأخيارهم ومن الذين بكروا في السبق إلي الدخول في دين الله عز وجل قال عنه الرسول صلي الله عليه وسلم :” مارأيت بمكة أحسن لمة ولا أرق حلة ولاأنعم نعمة من مصعب بن عمير”.
أخوة الإيمان والإسلام :
“تعالوا بنا اليوم نقتبس من سيرته العطرة الدروس والعبر لأننا نقف اليوم أمام صحابي من فضلاء الصحابة وخيارهم ومن السابقين إلى الإسلام، ولا يخفى ما للسابقين الأولين من فضيلة على اللاحقين المتأخرين، يقول الله تعالى: “لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا”(الحديد/10).
حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” الله الله في أصحابي ، الله الله في أصحابي ، لا تتخذوهم غرضا بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم ، فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه ” . ( أحمد في مسنده).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مُدّ أحدهم ولا نصيفه”( البخاري ومسلم في صحيحيهما ).
فالصحابة أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، وأقومها هديا، وأحسنها حالا، اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وإقامة دينه”، كما قال ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه.
أخوة الإسلام :
” نموذج الصحابة الذي نحن بصدد الحديث عنه اليوم ..
فتى مكة شبابًا وجمالاً، وكان أبواه يحبانه وكانت أمه كثيرة المال تكسوه أحسن ما يكون من الثياب وأرقّه، وكان أعطر أهل مكة يلبس الحضرمي من النعال، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكره ويقول: “ما رأيت بمكة أحدًا لمّة ولا أرق حُلّة ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير”. وعن عروة بن الزبير قال: بينا أنا جالس يومًا مع عمر بن عبد العزيز وهو يبني المسجد إذ قال: أقبل مصعب بن عُمير ذات يوم والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه عليه قطعة نمرة قد وصلها بقطعة جلد، فلما رءاه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نكسوا رؤوسهم رحمة له لما رأوه من حاله بعد أن كان يلبس فاخر الثياب فسلم فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأحسن عليه الثناء وقال: “لقد رأيت هذا، يعني مصعبًا، وما بمكة فتى من قريش أنعم عند أبويه نعيمًا منه، ثم أخرجه من ذلك الرغبة في الخير في حب الله ورسوله.
إنه الشهيد البطل مصعب بن عمير بن هشام البدري القرشي العبدري،غرة فتيان قريش وأبهاهم وأوفاهم شباباً ، كان مصعب بن عمير المدلل المنعّم وكما يصفونه :” مصعب الخير ” ، وكان رغم حداثة سنه علم باجتماع المسلمين في دار الأرقم فلم يتردد وسارع إلى هناك واستمع للآيات وهي تتلى فكان له مع الإسلام موعداً. أخوة الإيمان والإسلام :” ونحن في معرض الحديث عن الأم وإن كنت أقول دائماً لا ينبغي أن يخصص يوماً واحداً لعيد الأم بل ينبغي أن تكون أيامها كلها أعياد وسعادة جزاء ما قدمت لنا من حسن تربية وفضائل جمة وحقوق لا تحصي ولا تعد ..
لأمك حق عليك لو علمت كثيرُ *** كثيرك يا هذا لديه يسيرُ فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي *** لها من جواها أنّة وزفير وكم غسلت عنك الأذى بيمينها *** وما حجرها إلا لديك سرير وكم مرة جاعت وأعطتك قوتها *** حناناً وإشفاقاً وأنت صغير فدونك فارغب في عميم دعائها *** فأنت لما تدعوه إليه فقير كيف كان مصعب مع أمه؟ : كانت أم مصعب خناس بنت مالك تتمتع بقوة الشخصية ، وكانت تُهاب إلى حد الرهبة ، ولما أسلم مصعب خاف من أمه وقرر أن يكتم إسلامه حتى يقضي الله أمراً ، ولكن أبصره عثمان بن طلحة وهو يدخل إلى دار الأرقم ثم رآه مرة أخرى وهو يصلى مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأسرع عثمان إلى أم مصعب ينقل إليها الخبر ، فحبسته أمه في أحد أركان دارها ، حتى علم أن هناك من المسلمين من يخرج إلى الحبشة مهاجراً ، فاستطاع الخروج وهاجر معهم ، ثم عاد إلى مكة ، وحرمته أمه من كل النعم وحاولت حبسه مرة أخرى فآلى على نفسه لئن فعلت ليقتلن كل من تستعين به على حبسه ، وإنها لتعلم صدق عزمه ، فودعته باكية مصرّة على الكفر ، وودعها باكياً مصرّ على الإيمان ، فقالت له : اذهب لشأنك لم أعد أمّاً لك وحاول أن ينصحها لدخول الإسلام ولكنها رفضت . اقترب منها مصعب وقال :”ياأمه إني لك ناصح وعليك شفوق فاشهدي أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ..فأجابته غاضبة قسماً بالثواقب لا أدخل في دينك فيزري برأي ويضعف عقلي ..
إنه الإيمان أيها الأخوة الذي إذا تمكن من شغاف القلوب يكاد يجعل المستحيل ممكناً والملح الأجاج عذباً فراتاً سلسبيلاً :” وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ” (لقمان /15) .
قال ابن سعد في طبقاته: لما بلغ مصعب بن عمير أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يدعو إلى الإسلام في دار الأرقم بن أبي الأرقم، دخل عليه فأسلم وصدَّق به، وخرج فكتم إسلامه خوفاً من أمه وقومه، وكان يأتي إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سراً، وقد أسلم في السنوات الثلاث الأولى من الدعوة قبل أن يصدع النبي – صلى الله عليه وسلم – بالدعوة، لكن الواشين من المشركين ـ لما علموا بإسلامه ـ سارعوا إلى الوشاية به عند أمه وقومه، قال تعالى: ” وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ” (النساء/ 89)، فغضبوا عليه وحبسوه وأوثقوه، فلم يزل محبوساً حتى فرَّ بدينه وهاجر إلى الحبشة”( الطبقات ( 3/ 116). .
*تعذيبه وصبره في سبيل الحق: * كان مصعب بن عمير فتى مكة المدلل، وكانت أمه من أغنى أهل مكة، تكسوه أحسن الثياب، وأجمل اللباس، وكان أعطر أهل مكة، فلما أسلم انخلع من ذلك كله، وأصابه من التعذيب والبلاء ما غيَّر لونه، وأنهك جسمه، روى البخاري في صحيحه من حديث خباب بن الأرت – رضي الله عنه – قال: شكونا إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو متوسِّد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال: «كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض فيُجعل فيه، فيجاءُ بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون».
وهكذا خرج مصعب من النعمة الوارفة التي كان يعيش فيها ، وأصبح يرتدي أخشن الثياب ويعيش عيشة البسطاء .
* أول سفير في الإسلام :
فقد اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم ليكون سفيره إلى المدينة ، يفقه الأنصار ويعلمهم دينهم ويدعو الجميع إلى الإسلام ويهيئ المدينة ليوم الهجرة ، مع أنه كان هناك من يكبره سناً ، وحمل مصعب الأمانة مستعيناً بما أنعم الله عليه من عقل راجح وخلق كريم ، فنجح في مهمته ودخل أهل المدينة الإسلام . هذا الصحابي كان من السابقين إلى الإسلام ممن شهد بدراً وأحداً، وكان حامل اللواء فيها، وممن هاجر الهجرتين الأولى إلى الحبشة، والثانية إلى المدينة، أسلم على يديه العشرات، وكان أول سفير في الإسلام، ويقال: إنه أول من صلى الجمعة في المدينة قال ابن إسحاق: بعث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مصعب بن عمير – رضي الله عنه – مع النفر الاثني عشر الذين بايعوه في العقبة الأولى يفقه أهلها ويقرئهم القرآن، فكان منزله على أسعد بن زرارة، وكان إنما يسمى بالمدينة المقرئ، يقال: إنه أول من جمع الجمعة بالمدينة، وأسلم على يده أسيد بن حضير وسعد بن معاذ، وهما سيدا قومهما وكفى بذلك فخراً وأثراً في الإسلام.
*هجرته إلى المدينة المنورة:
لما بايع العقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم رجعوا إلى قومهم فدعوهم إلى الإسلام سرًا وتلوا عليهم القرءان، وكانوا اثني عشر شخصًا، وبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن عفراء ورافع بن مالك أن ابعث إلينا رجلاً من قبلك يفقهنا في الدين ويقرئنا القرءان، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير فقدم إلى المدينة مهاجرًا قبل مقدم رسول الله باثنتي عشرة ليلة، فنزل على سعد بن زرارة، وكان يأتي الانصار في دورهم وقبائلهم فيدعوهم إلى الإسلام ويقرأ عليهم القرءان فيسلم الرجل والرجلان حتى ظهر الإسلام وفشا في دور الأنصار كلها وكسرت أصنامهم وكان المسلمون أعز أهل المدينة..
وكان مصعب يقرئهم القرءان ويعلمهم، فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنه أن يُجمّع بينهم، فأذن له وكتب إليه: “انظر من اليوم الذي يجهر فيه اليهود لسبيتهم فإذا زالت الشمس فازدلفت إلى الله فيه بركعتين واخطب فيهم” فجمّع مصعب بن عمير في دار سعد بن خيثمة وهم اثنا عشر رجلاً، وما ذبح لهم يومئذ إلا شاة، فهو أول من جمّع في الإسلام جمعة. أسلم على يديه أسيد بن حُضير وسعد بن معاذ.
* إسلام سادة المدينة على يديه :
أقام مصعب في المدينة في بيت أسعد بن زرارة ، ونهضا يدعوان الناس إلى الإسلام ، وتعرضا لمواقف كادت تودي بحياتهما ، ففي يوم فاجأهما أسيد بن حضير بن عبد الأشهل شاهراً حربته ، ثائراً غاضباً على الذي جاء يفتن قومه عن دينهم ، وقال : ما جاء بكما إلى المدينة تسفهان ضعفائنا .. اعتزلانا إذا كنتما تريدان العيش ، وبمنتهى الهدوء قال له مصعب : أولا تجلس فتسمع ؟ .. فإن رضيت أمرنا قبلته ، وإن كرهته كففنا عنك ما تكره ، فقال أسيد : أنصفت ، وألقى حربته وجلس يصغي ، ولم يكد مصعب يقرأ القرآن ويفسر الدعوة حتى أخذت أسارير أسيد تشرق ، وأعلن إسلامه ، وسرى الخبر فجاء سعد بن معاذ فأصغى لمصعب واقتنع وأسلم ، ثم تلاه سعد بن عبادة ، وهكذا حتى أسلم كل سادة قريش بالمدينة .
ورجع أسعد ومصعب إلى منزل أسعد بن زرارة فأقام عنده يدعو الناس إلى الإسلام حتى لم تبقى دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال مسلمون ونساء مسلمات، إلا ما كان من الأصيرم، وهو عمرو بن ثابت بن وقش، فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أحد فأسلم، واستشهد بأحد، ولم يصلِّ لله بسجدة قط، وأخبر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه من أهل الجنة. وقد روى ابن إسحاق بإسناد حسن عن أبي هريرة أنه كان يقول: (حدِّثوني عن رجل دخل الجنة لم يصلِّ صلاة قط، فإذا لم يعرفه الناس قال هو أصيرم بني عبد الأشهل)
وروى البخاري في صحيحه من حديث البراء – رضي الله عنه – قال: أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم وكانا يقرئان الناس، فقدم بلال وسعد وعمارُ بن ياسر، ثم قدم عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم -، ثم قدم النبي – صلى الله عليه وسلم -، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم برسول الله – صلى الله عليه وسلم -، حتى جعل الإماء يقلن: قدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فما قدم حتى قرأت :”سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى “(الأعلى:/1).
* غزوة أحد والشهادة :
ولما وقعت معركة أحد في العام الثالث من الهجرة النبوية، شارك فيها مصعب بن عمير مشاركة الأبطال، وأبلى فيها بلاء المؤمنين الصابرين، وكان قد حمّله المصطفى راية المسلمين، وثبت مصعب بن عمير مع القلة المؤمنة التي أحاطت بالنبي – صلى الله عليه وسلم – ودافعت المشركين عنه لما تخلخلت صفوف المسلمين، وأصبحت الجولة للمشركين، وبقي اللواء في يد مصعب بن عمير يمسكه بقوة وثبات ويدافع عن النبي – صلى الله عليه وسلم -، وتدافع المشركون نحو اللواء، وأقبل ابن قمئة – عليه من الله ما يستحق – فشد على مصعب بن عمير فضرب يده اليمنى فقطعها، ومصعب يردد قول الحق سبحانه: ” وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ” (آل عمران/ 144)، ثم أخذ اللواء بيده اليسرى حتى لا يقع، فضرب ابن قمئة يده اليسرى فقطعها، فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره، ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه إلى صدره، ووقع مصعب بن عمير شهيداً مضرَّجاً بدمائه، قال تعالى: ” مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ” (الأحزاب/ 23).
روى البخاري في صحيحه من حديث أبي وائل قال: عدنا خباباً فقال: هاجرنا مع النبي – صلى الله عليه وسلم – نريد وجه الله فوقع أجرنا على الله، فمنا من مضى لم يأخذ من أجره شيئاً، منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد وترك نمرة، فكنا إذا غطينا بها رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا رجليه بدا رأسه، فأمرنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن نغطي رأسه ونجعل على رجليه شيئاً من أذ خر، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يَهْدِبُهَا .
قال عبد الله بن الفضل: قتل مصعب وأخذ اللواء ملك في صورته، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول له في ءاخر النهار: تقدم يا مصعب، فالتفت إليه الملك وقال: لست بمصعب، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أنه ملكُ أُيّدَ به.
وقع حلية الشهادة – وقع كوكب الشهداء وقع سفير الإسلام ونال الشهادة من الله عز وجل يوم أحد شهيدًا، ولكن يتبقي شهادة رسول الله صلي الله عليه وسلم لمصعب الخير بعد انتهاء المعركة جاء الرسول وأصحابه يتفقدون الشهداء وعند جثمان مصعب وقف ونظر إلي صاحب ا للواء ونظر إليه وسالت دموعه بغزاره ، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نجبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً”(الأحزاب/23). وجاءوا ليكفنوه فلم يجدوا به إلا شملة فإذا وضعوها علي رأسه ظهرت قدماه وإذا وضعوها علي قدميه ظهرت رأسه فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم اجعلوها مما يلي رأسه واجعلوا علي رجليه من نبات الإذخر ثم قال الرسول صلي الله عليه وسلم :” لقد رأيتك بمكة وما بها أرق لمة ولا أحسن لمة منك ثم قال: “إن رسول الله يشهد عليكم أنكم شهداء عند الله يوم القيامة”، ثم أقبل على الناس فقال: “أيها الناس، ائتوهم فزوروهم وسلموا عليهم فو الذي نفسي بيده لا يُسلّم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه السلام” ( ابن سعد في الطبقات).
السلام عليك يا مصعب ..السلام عليكم معشر الشهداء ..السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وأقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم – والتأب من الذنب .
الخطبة الثانية :
الحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وهكذا استشهد فتى مكة المنعم ولم يجدوا إلا بُردة صغيرة ليكفن بها ، فإذا غطوا رأسه ظهرت قدماه وإذا ستروا قدماه بانت رأسه ، وبكاه الرسول صلى الله عليه وسلم هو وشهداء أحد وقال :” إني أشهد أنكم الشهداء عند الله يوم القيامة . قال صلي الله عليه وسلم :” لقد رأيت مصعباً هذا وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه ثم ترك ذلك كله حباً لله ورسوله وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى مصعب بن عمير مقبلاً وعليه إهاب [أي جلد] كبش قد تنطق به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “انظروا إلى هذا الرجل الذي قد نوّر الله قلبه، لقد رأيته بين أبويه يغدوانه بأطيب الطعام والشراب، فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون”.
فارق مصعب بن عمير الدنيا شهيداً لم يخلف وراءه شيئاً من متاع الدنيا، ترك المال والجاه والنعيم، وآثر ما عند الله، قال تعالى: “مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ “(النحل/96)؛ روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي قتادة وأبي الدهماء رضي الله عنهما أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:”إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل، إلا بدَّلك الله به ما هو خير لك منه” رضي الله عن مصعب، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وجمعنا الله بسادات الصحابة في دار كرامته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً”” ونسأله سبحانه وتعالي عيش السعداء وموت الشهداء والفوز في القضاء،وأن يسلك بنا طريق الأولياء الأصفياء…