ننشر خطبة الجمعة القادمة بعد التعديل
يؤكد القطاع الديني بوزارة الأوقاف على الالتزام بالإضافة التي ألحقت بالخطبة الثانية في خطبة الجمعة القادمة بضرورة تعاون جميع أبناء المجتمع في كل ما يحقق له الأمن والأمان والرخاء والاستقرار ، ومواجهة التطرف والمتطرفين فكريا وثقافيا ، والعمل على كشف الإرهابيين الذين يهددون أمن الوطن وسلامته من خلال حمل السلاح أو زرع المتفجرات أو القيام بأي عمليات تفجيرية أو تخريبية ، مؤكدين أن إيواء هؤلاء أو التستر عليهم خيانة للدين والوطن.
وإليكم نص الخطبة بعد تعديلها وتحديثها:
المسلم من سلم الناس من لسانه ويده
وضرورة كف الأذى عن المجتمع
8 شوال 1436هـ الموافق 24 يوليه 2015م
أولاً : العناصر :-
- متانة الروابط في المجتمع المسلم.
- تحذير الإسلام من أذى العباد.
- حرمة المؤمن عند الله.
- من صور الإيذاء المحرم للمسلم وغيره.
- فضل دفع الأذى عن الناس.
ثانياً: الأدلـــة:-
الأدلــة مـن القـرآن:-
- قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11].
- وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } [الأحزاب: 58].
- وقال تعالى: { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ }[النور: 15].
- وقالَ تَعالى :{إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }[ق: 17 – 18].
- وقال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 10].
- وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء: 124] .
الأدلــة مـن السنة:-
- عن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ (رضي الله عنهما) قال إِنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ ؟ قَالَ « مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ » (رواه مسلم).
- وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: « المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ» (متفق عليه).
- وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) : « لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا ». وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ « بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ » (رواه مسلم).
- وعَنْ أَنَسٍ (رضي الله عنه) عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) قَال: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (متفق عليه).
- و عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (رضي الله عنهما) قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) : «لاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤْذِي الْمُؤْمِنَ ، وَاللَّهُ يَكْرَهُ أَذَى الْمُؤْمِنِ» (رواه الترمذي).
- و عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) « مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ فَقَالَ وَاللَّهِ لأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ لاَ يُؤْذِيهِمْ. فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ » (رواه مسلم).
- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ : أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ » (رواه مسلم).
- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) : « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا ، أَوْ لِيَصْمُتْ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ » (متفق عليه).
- وعن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) قال: قِيلَ لِلنَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّ فُلَانَةً تَقُومُ اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ وَتَفْعَلُ وَتَصَّدَّقُ وَتُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «لَا خير فيها هي من أهل النار» (رواه البخاري في الأدب المفرد).
ثالثا: الموضوع:
لقد حث الإسلام أتباعه على المحافظة على الروابط الإنسانية ، والأخوة الإيمانية التي تربط وتوثق الصلة بين أفراد المجتمع قال تعالى :{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الحجرات: 10].
فالمحافظة على الأخوة بين أفراد المجتمع تزرع المودة والألفة بين الجميع ، من هنا حرص الإسلام كل الحرص على أن يكون المسلم إنسانا كاملا يحمل الخير لكل من حوله ، فلا يؤذ أحدًا بلسانه ولا بيده ولا يتناول أعراض الناس وسلوكهم بما يكرهون ، ولا يشتم أحدا منهم ولا يجري قبيح الكلام على لسانه ، ولا يسف في القول فيخرج عن دائرة الأدب.
ولقد جاءت الشريعة بالآداب والتوجيهات التي تعظم الحرمات وتحمي جناب المسلم أن يُمَس بأدنى أذى ولو كان لمشاعره وأحاسيسه ، وقرر الإسلام مبدأ الأخوة التي تستوجب الإحسان وتنفي الأذى بكل صوره وأشكاله ، يقول النبي ( صلى الله عليه وسلم) : ” لا تَحاسَدُوا ولا تناجشُوا ولا تباغَضوا ، ولا يبِعْ بعضُكُمْ على بيعِ بعْض ، وكُونوا عبادَ الله إخوانَا ، المسلمُ أخو المسْلم لا يظلمْهُ ولا يحقِرْه ولا يَخْذُله ، التقوى هَا هُنا ، وأشارَ بيدِه إلى صدرِهِ ثلاثا ، بِحسْبِ امرئٍ منَ الشرِّ أنْ يحقرَ أخاهُ المسلِم .. كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حرَام دمُهُ ومالُهُ وعِرْضُهُ ” رواه مسلم ، وقال (صلى الله عليه وسلم) : ” لا يُؤمِنُ أحدُكُمْ حتَّى يحبَّ لأخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِه ” متفق عليه .. ولقد كانت (حجة الوداع) إعلانا لحقوق المسلم وإشهارًا لمبدأ كرامته وتعظيم حرمته وقدره عند الله (عز وجل) وتحريم أذيته بأي وجه من الوجوه في ميثاق تاريخي نودي به في أعظم جمع جمعه الله.
والمتأمل في الشريعة الإسلامية يجد أنها نهت عن أذى المسلم لعظم حرمته ، وحتى لا يفضي ذلك إلى وقوع العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع ويؤدي إلى انتشار الفوضى وزعزعة الأمن الاجتماعي وقطيعة الرحم وانصرام حبال المودة بين الأصحاب ، كما أن انتهاك هذه الحرمة التي عظمها الله والتعدي على المسلمين بأذيتهم لمن أعظم الذنوب والآثام ، قال تعالى : { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً} (سورة الأحزاب : 58) .
وتزداد الجريمة إثمًا إن كانت الأذية للصالحين والأخيار من المؤمنين ، وفي الحديث القدسي يقول الله ( عز وجل) : “مَنْ عَادَى لي وليًّا فقدْ آذنتُهُ بالحرْب ” (رواه البخاري) .
وقد يكون المسلم الضعيف المغمور وليًّا لله وأنت لا تدري ؛ فاحذر من أذية من تولى الله الدفاع عنهم ، قال ابن كثير – رحمه الله – : ” وقوله : “وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا – أي ينسبون إليهم ما هم برءاء منه لم يعملوه ولم يفعلوه – فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً ، وهذا هو البهت البين أن يحكي أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه على سبيل العيب والتنقص لهم .
و لقد حرَّمت الشريعة كل ما يؤدي إلى مضايقة المسلم في مشاعره ، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم ): ” إذا كُنْتمْ ثلاثَة فَلا يتنَاجَى اثنانِ دونَ صاحبِهِمَا .. فإنَّ ذلكَ يُحْزِنُه ” ، وفي رواية : ” فإنَّ ذلكَ يُؤذِي المؤمِن ، والله يكْرَهُ أذَى المؤمِن ” (أخرجه الترمذي ، وقال : حديث صحيح) .. بل وصل الأمر إلى الجزاء بالجنة لمن أزال شوكة عن طريق المسلمين .. قال (صلى الله عليه سلم ): ” مر َّرجلٌ بغصنِ شجرةٍ على ظهرِ طريق ، فقال : واللهِ لَأُنحيَنَّ هذا عنِ المسلمِين لا يؤذِيهِم ؛ فأُدخِلَ الجنَّة “رواه مسلم .. فهذا ثواب من كفَّ عن المسلمين أذى وإن كان يسيرا .. وإن لم يتسبب فيه.
إن مجرد كف الأذى لَهُو معروفٌ وإحسان يثاب عليه المسلم .. قال ( صلى الله عليه وسلم ) : ” تكفُّ شرَّكَ عنِ الناسِ فإنها صدقةٌ منكَ على نفسِك ” (رواه مسلم) .. ولما سئل النبي (صلى الله عليه وسلم ) : “أيُّ المسلمين خَير ؟ قال : مَنْ سَلِمَ المسلِمُونَ مِنْ لسانِهِ ويدِه ” (متفق عليه) ، وفي رواية : ” المسلمُ مَنْ سلِمَ المسلمونَ من لسانِه ويدِه ” ثم تأتي رواية شاملة للناس جميعًا فعن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعاصِ (رضي الله عنه) قال : إِنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ». قال ابن حجر – رحمه الله -: ” فيقتضي حصر المسلم فيمن سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمراد بذلك المسلم الكامل الإسلام ، فمن لم يسلم المسلمون من لسانه ويده فإنه ينتفي عنه كمال الإسلام الواجب ؛ إذ سلامة المسلمين من لسان العبد ويده واجبة ، وأذى المسلم حرام باللسان أو اليد.
و للأذية صور كثيرة ، وعلى المسلم أن يتجنب جميعها ؛ خاصة ما ورد النص عليه تنبيها لخطره وتعظيما لأثره .. ومن صور الأذى ما ورد في الغيبة والنميمة وأذية الجيران والخدم والضعفاء ، قال (صلى الله عليه وسلم ): ” مَنْ ظلمَ معاهَدًا أو انتقصَه أو كلَّفهُ فوقَ طاقتِه أو أخذَ منه شيئا بغير طيب نفسه فَأنا حجِيجُهُ يومَ القيامة “رواه أبو داود بإسناد صحيح ..
فإذا كان هذا في ظلم المعاهَدِين فكيف بمن ظلم إخوانه المؤمنين ؟! عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) قال : ” قِيلَ يا رسولَ الله .. إنّ فلانةَ تصلِّي الليلَ وتصومُ النَّهارَ وتؤذِي جيرانَها بلسانِها ، فقال : لا خيْرَ فيها .. هي في النَّار ” أخرجه الإمام أحمد والبخاري في (الأدب المفرد) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ” مَنْ كانَ يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ فلا يؤذِ جارَه ,, متفق عليه
ومن صور الأذى السباب والشتائم والغيبة والنميمة والقدح في الأعراض ، والله – تعالى – يقول: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ (سورة النور: 15) .
عن ابن عمر ( رضي الله عنهما ) قال : ” صعِدَ النبيُّ ( صلى الله عليه وسلم ) المنبر فنادَى بصوتٍ رفِيع ، فقال : يا معشرَ مَنْ أسلَمَ بلسانِهِ ولمْ يُفضِ الإيمانُ إلى قلبِه .. لا تُؤذُوا المسلمِينَ ولا تُعيرُوهُمْ ولا تتَّبِعُوا عورَاتِهِم ؛ فإنَّ مَنْ تتبَّعَ عورةَ أخيهِ المسلمِ تتبعَ اللهُ عورتَه ، ومنْ تتبعَ الله عورتَه يفضحْهُ ولو في جوفِ رَحلِه ” ونظر ابن عمر يوما إلى البيت أو إلى الكعبة ، فقال : ما أعظمك وما أعظم حرمتك ، والمؤمن أعظم حرمةً منك” رواه الترمذي بإسناد صحيح .
كل ذلك يوضح خَطَرِ اللِّسانِ فعلى المسلم أن يعمل بِمَا قالَهُ رَسُولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عليه وسلَّمَ): ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت ) ، ويعمل بِما قالَهُ سَيِّدُنا عَبْدُ اللهِ بن مَسْعُودٍ ( رضي الله عنه) حَيْثُ أَمْسَكَ لِسانَهُ وخاطَبَهُ قائِلاً : يا لِسانُ قُلْ خَيْرًا تَغْنَمْ واسْكُتْ عَنْ شَرٍّ تَسْلَمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَنْدَم.
فَإِيّاكَ أيها الْمُسْلِم وَالاِسْتِهْزاء بِأَخِيك الْمسلم بِكَلام تَجِدُه سهلاً على لسانك يكون سببًا في عَذاب النار يوم القِيامَةِ وإِيّاكَ وسَبَّ مسلم أَو لعنه بِغيْرِ حَقٍّ فَإِنّكَ تَجِد وَبالَهُ يَوْمَ لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وإِياك أَن تغتابَ مسلمًا فَيَكُونَ سَبَبَ عَذابِكَ في قَبْرِكَ وإِيّاكَ أَنْ تَرْمِيَ مُسْلِمًا أو مُسْلِمَةً بِالزِّنَى فَتَهْلِكَ في الآخِرَةِ فَالعاقِلُ مَنْ عَقَلَ لِسانَهُ ووَزَنَ قَوْلَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْطِقَ بِهِ فَكُلُّ ما تَتَلَفَّظُ بِهِ يَكْتُبُهُ الْمَلَكانِ الْمُوَكَّلانِ بِذَلِكَ فَقَدْ قالَ اللهُ تَعالى {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ *وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق: 17 – 18] ، واجتمع قس بن ساعده وأكثم بن صيفي فقال أحدهما للآخر : كم وجدت في ابن آدم من عيوب ؟ فقال: هي أكثر من أن تحصى ، والذي أحصيته كثير ، ووجدت خصلة إن استعملتها سترت العيوب كلها , قال : ما هي ؟ قال : حفظ اللسان .
احــفـظ لســانك أيهـــــا الإنســــــان *** لا يـلـدغنــــك إنـــه ثعبـــــــــــــــــــان
كم في المقــــــابر من قتيـــل لســـانه *** كانت تهــــاب لقــــــاءه الشجعــــــان
فالمسلم لا يؤذي غيره بلسانه وكذلك المسلم يسلم المسلمون من شر يده, فلا يؤذِ أحداً بِضَرْبٍ أو قَتْلٍ , أو سرقة, أو كتابةِ ما يضر المسلمين في عقيدتهم وأخلاقهم, أو يخدش في أعراضهم. ويدخل في ذلك الاستيلاء على حقوقهم عن طريق الظلم والمعاملات المحرمة. وينبغي للمسلم أن يعلم بأن أذية المسلمين من أعظم ما يقضي على حسنات المرء في الآخرة. قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ). وقال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه: ( سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ قَالَ: إِيمانٌ بِاللهِ وَجِهادٌ في سَبيلِهِ قُلْتُ: فَأَيُّ الرِّقابِ أَفْضَلُ قَالَ: أَغْلاها ثَمَنًا وَأَنْفَسُها عِنْدَ أَهْلِهَا قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ قَالَ: تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ َلأخْرَقَ قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ قَالَ: تَدَعُ النَّاسَ مِنَ الشَّرِّ فَإِنَّها صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بِها عَلى نَفْسِكَ) فمن تمام الإسلام أن يسلم المسلمون من يدك، فلا تؤذ أحدًا بفعلك.
ومن صور الأذى الكتابة على أملاك الآخرين بلا إذن من صاحب الملك، وتشويه الشوارع العامة بكتابة ما يتنافى مع ديننا وقيمنا وأخلاقنا وذوقنا ، ورمي المخلفات في الطريق.
ومن صور الأذى التدخل في خصوصيات الأقارب والجيران وتتبع عوراتهم وإبداء الرأي في أحوالهم وإلقاء اللوم عليهم ونقد تصرفاتهم دون استشارة منهم أو إذنهم وعلمهم بذلك في الوقت الذي لا يسمح المتكلم لأحد التدخل في شؤونه.
ومن صور الأذى التدخل في عمل الغير وتتبع عوراته وهو لا يمت بصلة إلى هذا العمل من أي جهة وليس مسؤولاً عنه ، ولا مخولاً بذلك ، بينما كان الواجب عليه أن ينصحه إذا رأى تقصيرًا واضحًا دون التدخل في هذا العمل ، ففي الحديث عن عليِّ بنِ حسينٍ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم): «مِن حُسنِ إسلامِ المرءِ تَركُه ما لا يَعنيهِ».
وصور الأذى لا تكاد تنحصر في الناس من كثرتها ، مما يدل على سوء الأخلاق ، وينافي تعاليم الإسلام الذي جعل الأخلاق من أجل العبادات وأفضلها. وفي ذلك من التشديد قول النبي (صلى الله عليه وسلم) : (من آذَى الْمُسْلِمِينَ في طُرُقِهِمْ وَجَبَتْ عليه لَعْنَتُهُمْ) (رواه الطبراني بإسناد حسن).
إن الله عز وجل كما تعبدنا بفعل الطاعات تعبدنا أيضا بحفظ حرمة المسلمين وعدم التعدي عليها بنوع من الأذى. فالمسلم كما يؤجر على فعل الطاعات وبذل المعروف كذلك يؤجر على كف الأذى وصرف الشر عن المسلمين لأن ذلك من المعروف ويدخل في معنى الصدقة.
إن دفع الأذى عن المسلم أمرٌ محمود عندَ الله جلّ وعلا، وفعلٌ مرغوب كما يقول أحد السّلف معبِّراً عن منهاج النبوّة: “اجعَل كبيرَ المسلمين عندك أباً، وصغيرَهم ابناً، وأوسطَهم أخاً، فأيّ أولئك تحبّ أن تسيء إليه”، ويقول آخر: “ليكُن حظّ المؤمن منك ثلاثة: إن لم تنفعه فلا تضرَّه ، وإن لم تُفرحه فلا تغمَّه، وإن لم تمدَحه فلا تذمَّه”. فالمسلم الحقيقي هو الذي تظهر عليه آثار الإسلام وشعائره وأماراته ، هو الذي يكف أذى لسانه ويده عن المسلمين ، فلا يصل إلى المسلمين منه إلا الخير والمعروف.
ملاحظة:
يتم التأكيد في الخطبة الثانية على ضرورة تعاون جميع أبناء المجتمع في كل ما يحقق له الأمن والأمان والرخاء والاستقرار ، ومواجهة التطرف والمتطرفين فكريا وثقافيا ، والعمل على كشف الإرهابيين الذين يهددون أمن الوطن وسلامته من خلال حمل السلاح أو زرع المتفجرات أو القيام بأي عمليات تفجيرية أو تخريبية ، مؤكدين أن إيواء هؤلاء أو التستر عليهم خيانة للدين والوطن.