خطبة الأسبوعخطبة الجمعةعاجل
وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ للشيخ أحمد عزت خطبة الجمعة 8 نوفمبر 2024
«وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ» للشيخ أحمد عزت حسن خطبة الجمعة ٨ من شهر نوفمبر لعام ٢٠٢٤م، الموافق السادس من شهر جمادى الأول لعام ١٤٤٦هـ.
الموضوع
الحمد لله منزل الكتاب ومجرى السحاب وهازم الأحزاب سبحانه هو العزيز الوهاب
سل أبا البشر آدم لما أكل من الشجرة من الذى ألقى عليه الكلمات وعليه تاب.
سل ابني آدم عندما قتل الأخ أخاه فعجز عن دفنه فبعث الله له الغراب.
وسل يوسف بن يعقوب من الذى أخرجه من السجن ونجاه من مكر امرأة العزيز عندما غلقت الأبواب.
سل داوود عندما جاءه الخصمان “وهل اتاك نبأ الخصم إذ تسورو المحراب” فظن “أنما فتناه فاستغفر ربه فخر راكعًا وأناب”
وسل سليمان بن داوود عندما دعا ربه مبتهلًا “قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ”
وسل أيوب عندما “نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ” فجاءه الجواب بالدواء “ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ”
وسل زكريا عندما أتته الملائكة فبشرته بيحيى وهو قائم يصلي في الْمِحْرَابَ
وسل مريم العذراء عندما “دخل عليها زكريا وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ الله إِنَّ الله يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ”
وسل المسيح عيسي بن مريم عندما انتفض رضيعًا “قَالَ إِنِّي عَبْدُ الله آتَانِيَ الْكِتَابَ”
أحمده جل جلااله على رفع الشك والارتياب.
فالحمدُ للهِ الذي أرشدَ الخلقَ إلي أكملِ الآدابِ، وفتحَ لهم مِن خزائنِ رحمتِه وجودِه كلَّ بابٍ، أنارَ بصائرَ المؤمنينَ فأدركُوا الحقائقَ ونالُوا الثوابَ، وأعمَي بصائرَ المعرضينَ عن طاعتِه فصارَ بينهُم وبينَ نورهِ حجابٌ، هدَي أولئكَ بفضلِه وأضلَّ أولئكَ بحكمتِه وعدلِه إنّ في ذلك لذكري لأولِي الألباب، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ الملكُ العزيزُ الوهابُ، وأشهدُ أنّ سيدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ المبعوثُ بأجلِّ العباداتِ وأكملِ الآدابِ صلّي اللهُ عليه وعلي جميعِ الآلِ والأصحابِ وعلي التابعينَ لهُم بإحسانٍ إلي يومِ المآبِ وسلمْ تسليمًا
كثيرًا إلى يوم يقوم الناس ليوم الحساب. “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا”، وبعد
إنَّ نِعَمَ اللهِ على الإنسانِ لا يَحدُّها حَدٌ، ولا يُحصيها عَدٌّ، ولا يُستثنَى مِنْ عُمومِها أَحَدٌ، فَهِيَ نِعَمٌ عامَّةٌ، سابغةٌ تامّةٌ، يقولُ اللهُ -سبحانه وتعالى-: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النَّحْلِ: ١٨]، ويقولُ جلَّ شأنُه: (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) [لُقْمَانَ: ٢٠]، ومِنْ أجلِّ نِعَمِ اللهِ على الإنسانِ وأعظمِها وكُلُّها جليلةٌ وعظيمة نِعْمَةُ الماءِ، وكيفَ لا والماءُ مَصدَرُ الحياة؟
** يدرك الجميع أهمية الماء في حياة الإنسان والحيوان والنبات حيث أن الإنسان بدوره يعتد على النبات والحيوان كمصدر غذاء له ودونهما ستفنى الحياة؛ لذلك من المهم أنه لا يمكن التخلي عن أحدهم خلال دورة الحياة التي نعيشها.
وقديمًا قال العرب: “الماء أهون موجود وأعز مفقود”
فهذا الماء المبارك لا تستغني عنه جميع الكائنات، فلا غذاء إلا بالماء، ولا نظافة إلا بالماء، ولا دواء ولا زراعة ولا صناعة إلا بالماء، هو الثروة الثمينة، فالبلاد التي بلا ماء تهجر، ولا تسكن!.
فهو سر الوجود، وأرخص موجود، وأغلى مفقود، وأساس الحياة كما أخبر ربنا المعبود: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٠]،
فيخبرنا الله تعالى بهذه الآية بأن الماء أكثر صلة بالحي وأعظم شيء ينتمي إليه وبأني خلقت الكل منه ويؤيد هذا قوله الآخر: ﴿والله خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ الله مَا يَشَاءُ إِنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [النور: ٤٥]
يقول الله تعالى بأنه قد خلق كل ما يدب على الأرض من ماء، والدابة: اسم لكل حيوان ذي روح، فالماء أصل خلقه، ومن هذه الدواب من يمشي زحفًا على بطنه كالحيات ونحوها، ومنهم من يمشي على رجلين كالإنسان والطيور، ومنهم من يمشي على أربع كالبهائم ونحوها، والله سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء، وهو قادر على كل شيء.
وهناك حيوانات التي تتولد من الرطوبات المائية في الأرض كالحشرات لا يوجد منها شيء، فالمادة واحدة هي الماء، ولكن الخلقة مختلفة من وجوه كثيرة: ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ﴾ [النور: ٤٥].
فالاختلاف مع أن الأصل واحد يدل على نفوذ مشيئة الله، وعموم قدرته؛ ولهذا قال: ﴿يَخْلُقُ الله مَا يَشَاءُ﴾ أي من المخلوقات، على ما يشاؤه من الصفات، ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [النور: ٤٥]، كما أنزل المطر على الأرض، وهو لقاح واحد، والأم واحدة، وهي الأرض، والأولاد مختلفو الأصناف والأوصاف؛
ويقولُ الرسولُ -ﷺ-: “كلُّ شيءٍ خُلِقَ مِنْ ماء”.
قال بعض المفسرين: “المراد من قوله: {كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} الحيوان فقط. وقال آخرون: بل يدخل فيه النبات والشجر؛ لأنه من الماء صار ناميًا، وصار فيه الرطوبة والخضرة، والنور والثمر. وهذا القول أليق بالمعنى المقصود”.
“قال بعض العلماء: هو الماء المعروف؛ لأن الحيوانات إمَّا مخلوقة منه مباشرة كبعض الحيوانات التي تتخلَّق من الماء، وإما غير مباشرة؛ لأن النُّطَفَ من الأغذية، والأغذية كلَّها ناشئة عن الماء، وذلك في الحبوب والثمار ونحوها ظاهر، وكذلك هو في اللحوم والألبان والأسمان ونحوها؛ لأنه كله ناشئ بسبب الماء. وقال بعض أهل العلم: معنى خَلْقه كل حيوان من ماء، أنه كأنما خَلَقَه من الماء لفرط احتياجه إليه، وقلَّة صبره عنه”.
* وبالماء الواحد تخرج الثمرات المتنوِّعة المتكاثرة، تلك الحقيقة التي كرَّرها القرآن كثيرًا، وبعدَّة أساليب: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: ١٠-١١]،
وقال سبحانه وتعالى: {وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد: ٤]
لهذا كان الاستنكار الإلهي شديدًا على مَنْ ينسى هذه الحقائق الواضحة والجلية؛ فيَنْسَى اللهَ أو يُشرك معه غيره، قال سبحانه وتعالى:{أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} [النمل: ٦٠].
فقد جعله الله سبحانه نعمة تهب الحياة وتديمها وتطهر البشر والأرض،
وأن الماء إن كان مهما في حياتنا فإنه بالتأكيد أكثر أهمية في حياة الحيوان والنبات الذي تعتمد عليه جميع النباتات مع اختلاف أنواعها على الماء بمكيات متفاوتة؛ حيث أن هنالك مجموعة من النباتات التي لا تخرج ثمارها إلا بعد سقيها بكميات كبيرة من المياه كالأرز، وعلى النقيض ستجد أن هنالك نباتات أخرى تحتاج إلى القليل من المياه لترتوي بها كالصبار، ولكن لا يوجد أي نبات لا يحتاج إلى الماء وإن وجدت نباتات تنمو من ذاتها دون ريّها عليك أن تعلم أن تلك النباتات استمدت المياه من الأرض باستخدام جذورها ومن ثم وزعتها إلى باقي الأجزاء.
أما بالنسبة للحيوان فإن الماء لا يقل أهمية له عن باقي الكائنات الحية بل تتفاوت الكميات من حيوان لآخر كالنبات، فتجد أن الحيوانات التي تدر بالألبان أكثر من تحتاج إلى شرب المياه، وحتى تقوم الحيوانات ببلع وهضم الطعام الذي تناوله تحتاج إلى المياه لتقوم بذلك
** أيها الإخوة المؤمنون
إن من الناس مَنْ تَعوَّدُوا وجود النعمة وأَلِفُوها؛ فهم تحت تأثير هذا الإِلْفِ وهذهِ العادةِ قد ينسون قدرها؛ لأنها دائمًا حاضرةٌ بين أيديهم، فينسون شكرها، ونعمة الماء لو فقدت -ولو لزمن يسير- حينها يعلم العبد عظيم فضل الله عليه، وأن فقدها جسيم، فذَكَّر الله عز وجل أقوامًا كفروا به بنعمه؛ ليُعِيدَ إليهم تلك الحقيقة التي غابت عنهم، فيقول عز وجل: ماذا لو غاص الماء في أعماق الأرض، من يأتيكم بماء يجري بين أيديكم؛ قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ [الملك: ٣٠]،
كذلك عذوبة الماء نعمة فلو كان مِلحًا أُجاجًا فمن يستسيغه وينتفع به، قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ، أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ، لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ﴾ [الواقعة: ٦٩-٧٠]. فهي نعمة تستوجب شكر الله وحمده.
* وإنزال الماء أمر بيد الله تعالى، لا بيد غيره، فهو القائل: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾ [الحجر: ٢٢]،
وهو من صور رحمة الله بعباده، وقد يمسك رحـمته لحكمة يعـلمها سبحانه، ﴿مَا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [فاطر: ٢].
وهذا يدل على أهمية نعمة المياه وعظيم قدرها، فلولا نعمة الماء لما كان في هذه الحياة إنسان، وما عاش حيوانٌ، وما نبت زَرْعٌ أو اخضر شَجَر، فمنه تشرب ومنه يخرج المرعى، وبه تكسى الأرض بساطًا أخضرَ، وتكون للناظر أحلى وأجمل، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ . يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: ١٠-١١].
* ونعمة الماء من النعيم الذي يسأل عنه العبد يوم القيامة، قال تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ [التكاثر: ٨]، فقد جاء في الأَثَر: “إنَّ أوَّلَ ما يُسألُ عنهُ العَبدُ يومَ القيامةِ مِنَ النَّعِيمِ أنْ يُقالَ له: أَلَمْ نُصَحِّ لَكَ بَدنَكَ ونُرْوِكَ مِنَ الماءِ البارد؟”،
ولقد كان ﷺ حفيًا بنعم الله يعظمها ويشكرها، فكان إذا أكل أو شرب قال:” الْحَمْدُ لله الَّذِي أَطْعَمَ وَسَقَى، وَسَوَّغَهُ، وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا.”؛ رواه أبو داود.
عبادَ الله:
إنَّ شُكْرَ اللهِ -تباركَ وتعالَى- على نِعْمَةِ الماءِ لا يقتصرُ على الشُّكْرِ باللسانِ، بلْ يَتعدَّاهُ إلى الشُّكْرِ بِحُسْنِ التَّصرُّفِ فيهِ وحُسْنِ استِغْلَالِه، والاقتصادِ والتَّرشِيدِ في استِعمالِه، فأَيُّ إِسْرافٍ في استِعْمَالِ الماءِ هوَ تصرُّفٌ سيّءٌ وسلوكٌ غيرُ حَميدٍ، جاءَ النهيُ عنهُ صَرِيحًا في القُرآنِ المجيدِ، يقولُ اللهُ -تعالى-: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الْأَعْرَافِ: ٣١]،
وإذا كانَ الإسرافُ في استعمالِ الماءِ لِلشُّربِ مَنْهيًّا عنهُ وممنوعًا مِنْهُ فإِنَّ استعمالَه بإِسْرافٍ في مجالاتٍ أُخْرَى أَكْثَرُ مَنْعًا وأشدُّ خَطَرًا، وقد وردَ عَنْ رَسُولِ اللهِ -ﷺ- أنهُ كانَ إذا اغتسلَ اغتسلَ بالقلِيلِ، وإذا تَوضَّأَ تَوضأ بالنَّزْرِ اليَسيرِ، فعَنْ أنسٍ -رضيَ اللهُ عنه- قالَ: “كانَ النبيُّ -ﷺ- يغتسلُ بالصَّاعِ إلى خمسةِ أمدادٍ، ويتوضَّأُ بالمُدِّ”، والمُدُّ مِلءُ اليدَينِ المُتوسِّطَتَين، وإذا كانَ الاقتصادُ في استعمالِ الماءِ في العبادةِ مَطْلُوبًا وعَمَلًا مَرغُوبًا فَالاقتصادُ في غيرِ العبادةِ أَولَى وأَحرى، وإنْ كانَ الَّذي يُغرَفُ مِنْهُ نَهْرًا أَوْ بَحْرًا.
وعن أنسٍ -رضيَ اللهُ عنه- قالَ: ” كانَ النبيُّ -ﷺ- يغتسلُ بالصَّاعِ إلى خمسةِ أمدادٍ، ويتوضَّأُ بالمُدِّ “،
والمُدُّ مِلءُ اليدين المُتوسطتين، وإذا كان الاقتصاد في استعمال الماء في العبادة مطلوباً فالاقتصاد في غير العبادة أولى وأحرى.
ولقدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ -ﷺ- حَفِيًّا بنِعْمَةِ اللهِ يُعَظِّمُها ويَشكرُها، وما أَكْثَرَ الدَّعَواتِ التي كانَ يَدعُو بِها رَسُولُ اللهِ -ﷺ- حِينَ يَفرُغُ مِنْ طَعامِهِ إِذَا طَعِمَ وشَرابِهِ إِذَا شَرِبَ، فكانَ إذا فَرَغَ مِنْ طعامهِ وشرابهِ قال: “الحَمدُ للهِ الذي أَطعمنا وسَقَانا وجعلَنا مُسلِمِين”، وجاءَ في رِوايةٍ: كانَ رَسُولُ اللهِ -ﷺ- إذا أَكَلَ أو شَرِبَ قالَ: “الحمدُ للهِ الذي منَّ علينا وهدانا، وأشبعنا وأروانا، وكلَّ الإحسانِ آتَانا”، وكانَ إِذَا شَرِبَ الماءَ قالَ: “الحمدُ للهِ الذي سقَانا عَذْبًا فُرَاتًا بِرَحْمَتِه، ولم يَجعلْهُ مِلْحًا أُجاجًا بِذُنُوبِنا”، إِنَّ هذهِ البَشَاشةَ التي يَستَقْبِلُ بِها رَسُولُ اللهِ -ﷺ- نِعْمَةَ الماءِ وشُكرَ مُسدِيها الأعلى جلَّ شأنُه لها أَعْظَمُ دَلَالةٍ على أَهَمِّيَّةِ هذهِ النِّعْمَةِ العَظِيمَة.
** ولأهميَّةِ المياهِ وعظيمِ قَدْرِها وجليلِ أمرِها حفلَ القرآنُ الكريمُ بذكرِها والتنويهِ بشأنِها في مَعرِضِ الحديثِ عَنْ نِعَمِ اللهِ -تبارك وتعالى- على الإنسان، وتحدَّثَ عنها نازلةً منَ السماء، أو خارجةً مِنَ الأرضِ أو مُختَزنةً فيها لِوَقْتِ الحاجةِ، يقولُ اللهُ -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ) [الزُّمَرِ: ٢١]،
وقد ورد ذكر الماء في القرآن الكريم في تسع وخمسين آية، من المياه النازلة ومن السماء أو الخارجة من الأرض أو المختزنة فيها، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ﴾ [الزمر: ٢١].
وفي التاريخ قصتان عظيمتان عن الماء أولاهما قصة أشرف ماء في الأرض قد نبع من أرض مقدسة من تحت رجل طفل صغير عند فقد ماء وزاد، وهذه القصة تعود إلى زمن سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما ذهب مع زوجته هاجر وابنهما إسماعيل عليهما السلام إلى موضع قرب مكة وتركهما إبراهيم عليه السلام هناك، وكان الماء والزاد نفدا فرزقهما الله تعالى ماء فأخذت هاجر عليها السلام تحيطه بيديها وهي تقول زم زم خوفا من ضياع الماء فسمي بزمزم.
أما القصة الثانية فذلك طوفان في زمن نبينا نوح عليه السلام أرسله الله عذابًا على قومه عندما لم يتبعوا ما دعا إليه نوح عليه السلام نحو ألف سنة وقليل ما هم يؤمنون وهذا يبينه الله تعالى في الفرقان الفارق بين الحق والباطل قائلا: “ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون” (العنكبوت: ١٤)، وهذه القصة هي عبرة لنا أيضًا
وإن ما حل بقوم سيدنا نوح عليه السلام من دمار وعذاب، كان بسبب زيادة سقوط المطر عن الحدود التي قدرها الله، وقد صور القران الكريم هذا المشهد العجيب بقوله سبحانه: {ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر} (القمر: ١١-١٤).
** كيفية المحافظة على المياه
إن أدركت الآن أهمية المياه للإنسان عليك أن تتعلم كيفية المحافظة على المياه،
وأن تدرك أيضًا خطورة إهمالنا للمياه بالمستقبل؛ لذلك يجب عليك اتباع كل ما تنصح به بخصوص هذا الشأن وستجد انه من طرق كيفية المحافظة على المياه
* عدم تلويثها بإلقاء النفايات بها سواء كانت تلك النفايات شخصية أو التي تقوم المصانع بإلقائها بالأنهار؛ حيث أنك إن أردت إلقاء تلك القمامة عليك بإلقائها في مكانها المخصص حتى يعاد تدوريها من جديد وسواء قمت بإلقائها بالماء العذب بالنهار أو بالماء المالح بالبحار ستلوث المياه بكل الحالات.
ولأنك تعلم أهمية المياه للإنسان عليك أن تبدأ بنفسك من خلال ترشيد الاستخدام اليومي للمياه لتحافظ على كل قطرة بقدر الإمكان.
يقوم الإسلام بإرشادات قيمة وتوجيهات غير مسبوقة لاستعمال الماء وتعاليمه تحمي الماء من التلوث والإسراف وسوء الاستعمال ويأخذه بعين الاعتبار حيث يقول سبحانه وتعالى: “وأنزلنا من السماء ماءً طهورًا” (الفرقان: ٤٨)
والإسلام دِينُ رقي وحضارة ينأى بمصادر المياه عن كل ما يكدر صفاءها، ويلوث نقاءها، فنهى عن البول في الماء، قال عليه الصلاة والسلام:” لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لاَ يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ”؛ رواه البخاري ومسلم،
يوجهنا إلى حماية الماء وألا نلوث موارده وينابيعه؛ حيث شدّدَ الإسلامُ النَّكيرَ على كُلِّ مَنْ تَصرُّفَ تَصرُّفًا أو سلَكَ سُلُوكًا حَرَمَ بسببِهِ الماءَ مِنْ صفَائِه، وطهارتِهِ ونقائِهِ، فعَنْ معاذٍ -رضيَ اللهُ عنه- قال: قالَ رَسولُ اللهِ -ﷺ-: “اتقوا الملاعِنَ الثلاثَ: البُرازُ في المَواردِ وقارعةِ الطَّريقِ والظِلِّ”، والمرادُ بالمواردِ مواردُ المياه.
إنَّ أيَّ سلوكٍ أو تصرُّفٍ ينتجُ عنهُ تلوّثُ المياهِ هو إيذاءٌ نَهَى اللهُ -عزَّ وجلَّ- عنهُ فقال: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الْأَحْزَابِ: ٥٨]، وهو أيضًا ضرارٌ نهى عنهُ الرسولُ -ﷺ- فقالَ: “لا ضَرَرَ ولا ضِرار”.
وعن جابر عن النبي ﷺ: “أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ” رواه مسلم؛ ولأن في ذلك تنجيسًا للماء وإيذاء لمستعمليه، فكل سلوك ينتج عنه تلوث المياه أو إهدارها هو إيذاءٌ وضررٌ منهي عنه في الإسلام.
وقد نهانا خاتم الرسل عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم عن زيادة الاستعمال حتى في العبادات وإن كانت هذه الزيادة من أنهار وبحار عميقة، وقد جاء في الحديث الشريف أن النبي ﷺ مر بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ فقال له: “لا تسرف”، فقال: أو في الوضوء إسراف؟ قال: نعم، وإن كنت على نهرٍ جارٍ” (رواه ابن ماجه).
** أسماء المياه في القرآن الكريم
وقد قال الله تعالى في المحكم تنزيله الذي لا يـأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، عدة أسماء للماء منها:
الماء المعين هو الذي يفيض ويسهل الحصول عليه والانتفاع به
والماء الغدق وهو الذي فيه وفرة وكثرة
والماء الفرات هوالماء شديد العذوبة
والماء الثجاج هو السيل
والماء الدافق هو مني الرجل يخرج في دفقات
والماء المهين هو الضعيف والحقير ويقصد به مني الرجل أيضًا.
وماء سلسبيل هو ماء في غاية السلاسة وسهولة المرور في الحلق من شدة العذوبة وينبع في الجنة من عين تسمى سلسبيل
والماء الحميم شديد السخونة والغليان
والماء غير الآسن هو الجاري المتجدد الخالي من الملوثات
أيها الإخوة المؤمنين: إن الدنيا عرَضٌ حاضر، يأكل منه البر والفاجر، وإن الآخرة لوعد صادقٌ يحكم فيها ملك عادل، فطوبى لعبدٍ عمِل لآخرته وحبله ممدود على غاربه، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فتوبوا إلى الله واستغفروه وادعوه وأنتم موقونون بالإجابة.
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. قاد سفينة العالم الحائرة في خضم المحيط، ومعترك الأمواج حتى وصل بها إلى شاطئ السلامة، ومرفأ الأمان، فاللهم صل وسلم وزد بارك عليك سيدي يا رسول الله وآلك وصحبك قادة الحق، وسادة الخلق إلى يوم يقوم الناس لرب العالمين. وبعد
فإن طهارة الماء منة من الله عز وجل
ولقد امتنَّ الله سبحانه وتعالى على عباده بنعمة أخرى، وهي (طهوريَّة الماء)؛ وبها كان الماء مُنَظِّفًا ومزيلًا للأوساخ والملوِّثات والنجاسات والأقذار، فصلحت به حياة الإنسان، قال سبحانه وتعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: ٤٨]، وقال في حديثه لأهل بدر:{وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} [الأنفال: ١١].
ويروي أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ ﷺ كان يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ إِسْكَاتَةً -قَالَ: أَحْسِبُهُ قَالَ: هُنَيَّةً- فَقُلْتُ (أبو هريرة): بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، إِسْكَاتُكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: “أَقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ”.
وبهذا كان يدعو للميت فيقول -كما عند مسلم-: “اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ”.
قال ابن حجر: “وحكمة العدول عن الماء الحارِّ إلى الثلج والبرد -مع أنَّ الحارَّ في العادة أبلغ في إزالة الوسخ- الإشارة إلى أن الثلج والبرد ماءان طاهران لم تمسهما الأيدي، ولم يمتهنهما الاستعمال، فكان ذكرهما آكد في هذا المقام”.
وكون البرد أكثر طهارة ونقاوة من المطر؛ ذلك أنه قد تجمَّد، فيقلُّ تأثُّره بتلوُّث الهواء أثناء نزوله.
ويستطيع الإنسان الحياة بدون طعام إلى مدَّة تبلغ الشهر، بينما لا يستطيع الحياة بدون الماء أكثر من أسبوع في الحدِّ الأقصى.
الماء حقٌّ لكلِّ مسلم، جعلت الشريعة الماء من الأشياء المشتركة بين المسلمين، التي يحرم أن يتملَّكها أحدٌّ بما يُسبِّب ضررًا وحرمانًا لغيره من المحتاجين، قال رسول الله ﷺ: “الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثٍ: الْمَاءِ، والكلأ، وَالنَّارِ”.
فالمنهي عنه -كما هو الراجح من أقوال الفقهاء- هو محاولة الاستحواذ على ماء عامٍّ، أو على بئرٍ ثم مَنْع الناس من الانتفاع بها، أمَّا البئر المملوكة في الأرض المملوكة فلا شيء فيه، وكذلك الكلأ وهو العُشب الذي تأكل منه الأنعام والماشية، وكذلك النار أو الحطب، ولأهمية هذا العنصر الحيوي جاء في حرمان الناس منه وعيد شديد -لا سيما في حال الحاجة- فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ، وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِطَرِيقٍ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلاً لاَ يُبَايِعُهُ إِلاَّ لِلدُّنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ، وَإِلاَّ لَمْ يَفِ لَهُ، وَرَجُلٌ سَاوَمَ رَجُلاً بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَحَلَفَ بِاللهِ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا كَذَا وَكَذَا فَأَخَذَهَا”.
وفي رواية مسلم ذكر من يمنع الماء في الفلاة؛ أي: في الصحراء، وفي رواية أخرى عند البخاري: “فَيَقُولُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي؛ كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ”.
قال النووي: “قيل: معنى: “لاَ يُكَلِّمُهُمْ”. أي: لا يكلمهم تكليم أهل الخيرات، وبإظهار الرضى، بل بكلام أهل السخط والغضب. وقيل: المراد الإعراض عنهم. وقال جمهور المفسرين: لا يكلمهم كلامًا ينفعهم ويسرهم. وقيل: لا يُرسل إليهم الملائكة بالتحية. ومعنى: “لاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ”. أي: يُعرض عنهم؛ ونظره سبحانه وتعالى لعباده رحمته ولطفه بهم. ومعنى: “لاَ يُزَكِّيهِمْ”: لا يُطَهِّرهم من دنس ذنوبهم”.
وقال المناوي: ومعنى: “عَلَى فَضْلِ مَاءٍ”. أي: له ماءٌ فاضلٌ عن كفايته، فيمنعه من المسافر المضطر للماء لنفسه أو لحيوانٍ معه.
فهكذا قَدَّر الإسلام أهميَّة الماء بالنسبة لحياة البشر، وكانت رؤيته هذه للماء وأهميته مما ترتَّب عليه وضع القواعد والتعاليم والتشريعات لاستثماره وتنميته.
فاتقوا اللهَ عبادَ الله، واعلموا أنَّ أصحابَ النُّفُوسِ الزَّكِيَّةِ والقلوبِ التَّقِيَّةِ همُ الَّذينَ يعملُونَ على إِبقَاءِ المياهِ صافيةً نَقِيَّةً.
نسأل الله أن يفقهنا في ديننا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وجزاكم الله خيرًا.
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِينَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلًا عَلِيمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الْأَحْزَابِ: ٥٦].
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.